إلى هذا الحد من الانبتات و التفسّخ وصلنا و صرنا نباهي بغيّنا و خروجنا عن قشرة حضارة و ثقافة و ديانة باهينا بها العالم قرونا طويلة. نعم أصبحت السيدة مريم عذراء الإنسانية و عنوان الطهارة و العفّة و الشرف أما عزباء و بالتالي أصبح عيسى عليه السلام bébé d’amour و نسي أنصار التنطّع و الضياع أن لغة فولتير مازالت تحتفظ بكلمة bâtard و شقيقتها المنسوبة لشكسبير تحتفظ بكلمة bastard و المعنى واحد لقيط أي مولود خارج الأطر القانونيّة للزواج … قامت القيامة رئاسة و حكومة و أحزابا و منظمة شغّيلة لمداخلة نائب قدّم وجهة نظر بخلفيّة دينيّة لمفهوم حريّة المرأة و كرامتها و عزّتها و هو موقف صفّق له شقّ من المجتمع و رفضه شقّ آخر و الأمر طبيعيّ في مجتمع يؤمن بحريّة الاختلاف و بحريّة التعبير. و لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا كلّما ذكر خلاف يحتمل تفسيرين إلا قامت القيامة؟ و ما السبب في ذلك؟
السبب ببساطة هو نفاق السلطة فهي لم تجرؤ على التحرّر من قيود الدين الإسلامي صراحة و تعلن أن لا علاقة لها بالدين و تتبرّأ منه دستوريا و في نفس الوقت تبيح ما يحرّمه و تشجّع ما يخالفه و تستميت في الإعلان أنها تنتمي إليه و تحترم مقدّساته. فتونس الغريبة شكلا و مضمونا ترفض تعدّد الزوجات و تحرّم الزواج على غير الصيغ القانونيّة و في نفس الحقّ تبيح لأي شخص معاشرة امرأة و المبيت معها في غرفة في نزل من نزلها و تمنع على صاحب النزل طلب الصداق قبل دخول الزبون بالأنثى و نفس الدولة تبيح الإجهاض و الحمل خارج الأطر الزوجيّة و تعطي لأم الطفل كل حقوقها بما في ذلك العيش كأم عزباء رغم أن قوانينها مازالت تعاقب الزاني و الزانية (مفهوم إسلامي) و البغاء و إعداد المحلاّت لتعاطيه.
و إمعانا في النفاق والسلبيّة حتّى عند المتظاهرين بالدفاع عن الدين الإسلامي الذين رفعوا الأصوات مندّدين بشارلي هبدو و رسومها الكاريكاتورية لم يحرّكوا ساكنا أمام تجرّؤ مذيعة بإذاعة خاصة على المقارنة بين ابن الزنى أو bébé d’amour أو ما شئتم من التسميات و بين السيد المسيح عليه السلام و تشبيه مريم العذراء بالأم العزباء…. تجاهلكم للأمر دليل على جهلكم بالدين الإسلامي ألم يقل ربّ العزّة في كتابه الحكيم “… كلّ آمن بالله وملائكته و كتبه و رسله لا نفرّق بين أحد من رسله…”
هل رأيتم خطر منح الميكرو و الصّورة للجهلة و لفاقدي المرجعيّات الصّحيحة و المسؤولة؟ و يأتينا في نفس الوقت من يدّعي أن الإعلام حرّ غير منتم و هو جندي من جنود الوطن. الإعلام الذي “يناضل” من أجل الفتنة و التشتّت لا يستحقّ الحريّة فالحريّة بين أيادي الجهلة مدفع رشّاش لا يؤتمن جانبه و الحكم بمكيالين لا يزيد الطين إلا بلّة و إلا ما معنى أن يصمت الجميع أمام قرار متخلّف يمنع كتلة نيابيّة كاملة انتخبها الشعب على ما يبدو في انتخابات حرّة و شفّافة، من التعبير و يجرّمون مرورها على قنوات إعلامية عموميّة تعيش من أموال الشعب و من بينهم من انتخبوا الكتلة… و الأغرب أن يصفّق لها القرار المتعجرف من يقدّم نفسه كمناضل من مناضلي حقوق الإنسان و حريّة التعبير و تكافؤ الفرص بين الجميع… يقدّم نفسه كمناضل ضدّ الدكتاتورية ثمّ يرمينا بدكتاتوريّة جديدة أكثر إيلاما و قهرا.
إنها دكتاتورية النخبة و دكتاتورية الإعلام و دكتاتورية الاتحاد مرورا إلى دكتاتوريّة القطاعات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تعاسة و يأس.