كان المسؤول الجديد عن إنعاش الريف و تطويره، ينتظر موفده الخاص إلى المناطق النائية على أحر من الجمر. و لذلك ما إن عاد هذا الأخير من جولته التي استغرقت شهرا، و أطل من فرجة الباب، بثيابه الغبراء، و شعره المشعث، حتى هبّ لاستقباله مرحّبا بشوق و حرارة.
المدير: اجلس و حدثني عن انطباعاتك على الفور
المندوب: حبذا لو نؤجل ذلك حتى صباح الغد. إنني في غاية الإرهاق.
المدير: و لكن عليّ أن أعدّ تقريري الليلة عن هذا الموضوع، و إلا لما استدعيتك في مثل هذه الساعة من فراشك.
المندوب: سيدي منذ أسبوع لم أنم ساعة واحدة. و أريد أن أنام الآن في هذه اللحظة وإلا انفجر رأسي
المدير: تنام و الاستعمار مستيقظ في كل مكان …
المندوب: و لكنني لا أستطيع أن أفتح عيني كما ترى. إنني، من النعاس، أرى الاستعمار استعمارين والامبريالية امبرياليتين.
المدير: هل تعتقد أن غيفارا ناضل من أجل فلّاحي بوليفيا، هاتفيا من ردهات الفنادق؟ و هل كافحت أنجيلا ديفز لتحرير الفلاحين السود و هي قابعة بقميص النوم؟ أبدا. إن الثورة، إن النضال …
المندوب: حسنا حسنا ماذا تريد أن تعرف؟
المدير: إلى أين وصلت في جولتك؟
المندوب: إلى قرى لا يعيش فيها الجان …
المدير: و كيف الوضع الاجتماعي بصفة عامة.
المندوب: لا طرقات، لا كهرباء. و بيوت خربة لا تسمع فيها إلا صوت الريح و السعال.
المدير: شيء مؤلم.
المندوب: نساء مرضعات يعملن كالبهائم في الحقول و لا جرعة ماء في نبع أو قطرة حليب في صدر.
المدير: و هنا و هناك نساء لم تعد الواحدة منهن تقبل أن يشرب أطفالها أقل من مياه “تشيكو”
المندوب: و الذباب في كل مكان، على الوجوه و الطعام و الأشجار و الرياح.
المدير: و كلها تنقل الميكروبات.
المندوب: و كل العيون رمداء. الأطفال و النساء و الطيور. حتى العصفور في بعض القرى يحتاج إلى نظارة في آخر النهار ليعرف على أية شجرة بنى عشه.
المدير: و لكن ألم تقرأ لهم خطاباتي عن وعد بلفور؟
المندوب: طبعا.
المدير: و مقالتي عن شجب العملية الغادرة في عنتيبه؟
المندوب: بالتأكيد.
المدير: و دراستي المطولة و الشهيرة عن دور الفلاحين الأساسي في نجاح كل ثورة و كل نهضة في المجتمع، و أنهم منبع الطيبة و الحنان و الشاعرية، و أن المستقبل لهم و لإخوتهم العمال في كل مكان؟
المندوب: نعم و لكنني لم أقرأها حتى نهايتها
المدير: لماذا؟ هل ملّ الفلاحون سماعها؟
المندوب: أبدا لم يغادر أحد منهم الاجتماع حتى الخراف و الماعز توقفت عن الرعي و راحت تسمع.
المدير: إذن لماذا لم تكملها؟ لماذا قطشتها، و تركتهم يائسين مقهورين لا يعرفون أن المستقبل الآتي لهم؟
المندوب: سيدي لأنني ما إن وصلت إلى هذه الفقرة و قلت لهم إن الإمبريالية تنحسر، و إن الثورة العالمية على الأبواب، حتى جاء كبش و نطحني على فمي.