حين تكون الكتابة صادقة تنفذ مباشرة إلى القلب … هذا ما شعرت به بعد مقال “ما وراء الحائط الرابع” حيث وصلتني العديد من المكالمات الهاتفية ورسائل الإعجاب والتهنئة بعودتي لصاحبة الجلالة الشيء الذي اعاد للقلم دفأه فما احلى الرجوع اليكم.
* من سحب جائزة افضل عمل من تحت قدميْ “انشتاين”؟
ستبقى مسرحية ” كابوس انشتاين” علامة مضيئة في مدونة الإبداع التونسي والعربي رؤية ورؤيا …نصا واخراجا… وستحقق النجاحات في تونس والعالم العربي رغما من عطانة الثعالب وبنات آوى…هكذا كتب صاحب النص المسرحي، الكاتب والاديب كمال العيادي (الكينغ) في مدونته مستغربا عدم إسناد جائزة افضل عمل لمسرحية “انشتاين” … هذا الفعل الدرامي الذي تم عرضه بقاعة الفن الرابع في اكبر تظاهرة ثقافية عربية و إفريقية والتي قال عنها المسرحي انور الشعافي مخرج المسرحية (من المؤكد ان المسرح الجاد سيظل بتراكم الدورات منارة ابداعية بالوسط الثقافي وسيسترجع الفن الرابع جمهوره والرقي به ويقطع مع ثقافة الإستسهال والقوالب الجاهزة التي تخاطب المتلقي بنكات يلملمونها من الشارع ويوظفوها في عروضهم..وسيظل المهرجان بعد ان حاولوا تدنيسه والإساءة للفن الراقي العريق شعلة مضيئة في حياتنا).
“انشتاين” يعيد عقارب الزمن إلى عصر امرئ القيس !!!
لئن صفق الجمهور طويلا لتحية الفريق العامل بمسرحية “كابوس انشتاين”، فان المتتبع للحركة المسرحية ببلادنا يعرف جيدا اهمية ما يقدمه الشعافي من اعمال درامية ذات خصوصية لا يقدر عليها غيره ..لانها باختزال شديد جدا..ستبقى شعلة من نور تشع من كوة ذاكرة أبي الفنون…و للتدليل على ذلك الحضور المهيب الذي غصت به قاعة العرض من متفرجين و نقاد و مسرحيين وطلبة بالمعهد العالي للفنون الدرامية بكنيسة العمران… المسرحية تطرح قضية الزمن والتحولات التي يعيشها الانسان المعولم (من العولمة) في انتقال رشيق بين كاليفورنيا و مضارب الخيام العربية، عبر شخصيات كألبرت إنشتاين ومارلين مونرو، واخرى من العصر الجاهلي كعلقمة وحباب، في جمع بين حضارتين وتاريخين متباعدين..
هي رحلة الى عوالم مختلفة مترابطة ومفككة في آن واحد..محورها الانسان حيث تتداخل الشخصيات في سفر عبر آلة الزمن لعالم آخر يقودها صاحب نظرية النسبية (بشير الغرياني).. والذي يجد نفسه في مأزق مع الأنسان وعلاقته بالتكنولوجيا وبعالم التواصل الاجتماعي (فايسبوك) وما انتجته من هشاشة الروابط الانسانية والاجتماعية … وهذا ما دعمه المخرج بمتممات سينوغرافية موفقة من اضاءة خافته وحضور للرقصات والوصلات الغنائية والتعبير الجسدي المتميز مع موسيقى متماشية مع مشاهد العرض ..و هنا راجت ادعاءات حول سطو المخرج على موسيقى الفنانة “نينا هارر” لكن الشعافي رد على ذلك بأن الفنانة الالمانية ارسلت له إذنا باستغلال موسيقاها مع المسرحية…
انشتاين..تطرح عديد التساؤلات المصيرية للإنسان وهيمنة التكنولوجيا على حياتنا الراهنة وذلك بأسلوب ساخر وبلغة عربية سلسة تجعلنا ندخل عقل انشتاين لنعيش معه كابوسه بعد ان اقترب من سن السبعين ورفضه التحول الى رجل عجوز … هو الذي عرف بنظريته النسبية التي تفترض أنه في صورة السفر بسرعة الضوء يجد المسافر عالما آخر في انتظاره … هذا الافتراض تمارسه المسرحية فتختار الرحيل الى العصر الجاهلي من التاريخ العربي … هنا لعب المخرج على التناقضات، كأن نرى الممثلين يركبون Hoverboard ونستمع لأصوات صهيل الحصان واكتشاف علقمة لعالم الفايسبوك وكيف ربط علاقة غرامية عبر الفضاء الافتراضي والحرب التي قامت جراء لعبة Free fire او بسبب الضغط على زر الاعجاب ببنت أحد اعيان القبيلة..
و قد وصلت أجواء هذه المتناقضات إلى إحساس المتفرج بفضل جهد الممثلين و انصهارهم في الشخصيات … مثل بشير الغرياني الذي قد لا يعرف الجمهور العريض بانه احرز على جائزة افضل ممثل بمهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة سنة 96 … وكذلك الأداء المتميز لأمال العيوني و علي بن سعيد وياسين الفطناسي ولطفي ناجح والمنصف العجنقي وكمال زهيو وآدم الجبالي واسامة الشيخاوي ..مع إخراج استعمل تقنيات فنية عالية حملتنا الى ما شابه افلام الخيال العلمي بتقنيات ركحية بسيطة لكنها كانت عميقة التوظيف … و استطاعت ـ مع بقية العناصر ـ أن تحدث تداخلا طريفا و أسفارا في الزمان و المكان والأبعاد، كما يمكن أن يتخيّلها العالم الألماني الأمريكي منذ 1905…