جور نار

معرض المعارض

نشرت

في

و أخيرا انعقد معرض تونس الدولي للكتاب !

و الله كدنا نيأس منه و ننساه … ننسى المعرض الذي يضعه مسؤولونا في آخر أولوياتهم و صدارة إلغاءاتهم كل مرة بسبب … أحدها خوفا من كورونا، و لكنهم تكاسلوا عن ذلك حتى من دون الجائحة، و لم يغفلوا في نفس الوقت عن إقامة معارض للموبيليا و جهاز العروسة و المرطبات و مواد البناء و علف الحيوانات …

<strong>عبد القادر المقري<strong>

انتظم المعرض في تلك الضاحية البعيدة و هذا في حد ذاته أمر حسن … إذ يعني أولا أننا تجاوزنا مخاطر الكوفيد اللعين الذي تركتنا معه وجها لوجه عشرية الظلمات، و تفرجت علينا نتساقط كذباب هبت عليه عواصف من الفلي توكس … و ثانيا أن كائنا منقرضا آخر اسمه الكتاب عاد ليحظى ببعض اهتمام مما بقي لنا من دولة … و ثالثا أن البلاد ما زالت تكتب وتقرأ و لو بالنزر اليسير، شيئا آخر عدا الفواتير التقديرية و فواتير الاستهلاك و باقي الطلسمات التي تتفنن شركة الكهرباء في تأليفها … و يعني رابعا أن تجارة النشر ليست كاسدة إلى هذا الحد، على عكس ما يزعمه متشائمو نهاية العالم عامة، و نهاية العالم التونسي تحديدا …

انتظم المعرض في دورته 37 كما تقول الإعلانات، و لو أني دائما أذكّر بأن معرضنا أقدم بكثير من سنة 1984 … و لكن سامح الله عقلية النسف التي تمحو تواريخنا باستمرار و كل واحد يقول لم تكونوا شيئا قبلي … و أذكر أننا منذ أوائل السبعينات كنا نقصد مكتبة لنسأل عن عنوان ما، فيجيبنا صاحبها بأنه سيجلبه من معرض الكتاب … لا علينا … فقد واصلنا في الإصرار على هذا الخطإ، كما استمررنا في التنقل 20 كم بعيدا عن وسط العاصمة، بعد أن كان المعرض يقام في قصر المؤتمرات القريب جزئيا … و ليته يزيد فيقرب أكثر، إذ أن وسط العاصمة بصدد التحول إلى خربة قفراء و يوشك نهائيا على مفارقة الحياة … خاصة بعد أن انحصرت التظاهرات الثقافية الكبرى بمدينة الثقافة دون غيرها … وسط البنوك و الدواوين الباردة و قضاء الفساد المالي …

معرض هذه السنة رغم النوايا الطيبة كان شبيها بالثمرة الخضراء ناقصة النضج … فهو من جهة جاء في وقت لا أنثى و لا ذكر، أي في مدة عمل و دراسة، و في أعقاب شهر مفلس، فبماذا تريدوننا أن نشتري؟ … و من جهة أخرى، غابت عنه كبريات دور النشر العربية من مصر و لبنان خاصة، كما غابت دول بكاملها على عكس المعتاد … إضافة إلى استمرار المعايب التي ورثناها عن معارضنا السابقة … خريطة الموقع معلقة بمدخل قصر المعارض الفسيح، أما حينما تدلف إلى الداخل فلا تقدر على التوجه و لو استعملت بوصلة بحرية، و لو استنجدت بتقنية (جي بي اس) … و لا أفهم لماذا لا توجد نسخ أخرى من الخريطة في أركان القاعة الأربعة، أو علامات توجيه تحيلك إلى أسماء دور النشر مع كل شارع … فعلا، فقصر الكرم شوارع و أزقة، إن لم أقل متاهة إغريقية يضيع وسطها القاصدون …

مآخذ أخرى يمكن تسجيلها و قد اشتكى منها عديدون … من ظروف عقد الندوات، و من موضوعاتها التي ما تزال في السماء في حين أننا على الأرض نجد كتّابا جائعين و سياسة نشر و حقوق تأليف أقرب إلى الفوضى …أو طغيان الكتب التراثية السهلة و أحيانا الضحلة و معها أدب الشعوذات الذي ما تزال سوقه نافقة … أو الشطط في أثمان الكتب و منها كتب الأطفال ذات العشر أوراق … أو نقائص محتوى نشرية المعرض، و مشكلة الاتصال، و غياب آلية للعثور على عنوان ما دون الطواف عشرين مرة و نحن في زمن الرقمنة … أو مشكلة المرافق من حيث غلاء الأسعار و الضيق و غالبا ما يتعلل أصحاب المشربة و المطعم بارتفاع معين الكراء … فهل تريد إدارة المعرض ابتزازنا مرتين و ردعنا عن القدوم مستقبلا؟

و مع ذلك … كان الحدث في حد ذاته مهمّا و ضروريا، و قد ذهبنا إلى المعرض مرة و مرتين و سنعود إليه … قبل أن تصير الكتب مجرد ذكرى بعيدة، أو ألواحا إلكترونية، أو نقشا على حجارة الكهوف … و قبل أن ندخل جميعا في عصر حجري جديد …

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version