جلـ ... منار
معضلة المياه والطاقة: البحث عن حلول (ج 2)
نشرت
قبل 3 سنواتفي
إذا عدنا الى بلادنا العربية التي يعمها الجفاف بشكل عام فإن العلاقة بين الطاقة والمياه تميل الى عدم التوازن المشار اليه في الجزء الأول من هذه المقالة إذ هناك فيض في الطاقة الشمسية وغيض في موارد المياه.
على نقيض حالنا، تتمتع أقطار عديدة بالتوازن بين هذين الموردين الطبيعيين بعضهما البعض وبينهما وبين عدد السكان كما هو الحال نسبيا في الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية والأرجنتين والبرازيل بل وحتى الصين والهند اللتين كانتا الى فترة لا تتجاوز نصف قرن من الزمان من الدول المستوردة للغذاء وانتقلتا الى مستوى الكفاية في نهاية الستينات من القرن الماضي في أعتاب ما عرف بالثورة الخضراء. فإذا اتضحت متلازمة العلاقة بين الماء والطاقة فإن من الممكن استثمار الطاقة في توليد المياه العذبة من المياه المالحة. بداية، لجأ الإنسان الى أبسط الوسائل المتمثلة بتبخير الماء المالح أي تحويله الى غاز الماء النقي.
هذه العملية بحاجة الى طاقة كبيرة، ثم إن تكثيف غاز الماء الى سائل هو أيضا عملية بحاجة الى طاقة تستثمر في عملية التبريد لتحويل البخار الى سائل. على سبيل المثال، تلزم طاقة مقدارها 2443 كيلو جول أو 584 كالوري لتبخير كيلوغرام واحد من الماء السائل الى بخار عند درجة حرارة 25 مائوية. هذه كمية مفرطة من الطاقة وهي توضح بطء ارتفاع درجة حرارة المسطحات المائية عند تعرضها لأشعة الشمس نهارا. و تستخدم تلك التقنية في تحلية مياه البحر خاصة في حالات توليد الكهرباء إذ تستخدم مياه البحر في عملية تبريد التوربينات المولدة للطاقة ثم يجري تبخير تلك المياه الحارة باستهلاك القليل من الطاقة نسبيا للحصول على بخار الماء العذب الذي يتم تكثيفه للحصول على سائل الماء المقطر.
منذ عقود قليلة وبتطور تقنيات صناعة الأغشية الجزيئية من مبلمرات (أو بوليميرات) عضوية ذات فتحات متناهية الصغر لا تسمح بعبور معظم الأيونات (الشوارد) الذائبة في الماء وهي عبارة عن كريات صلبة ذات أقطار تقاس ببضع نانومترات. النانومتر هو وحدة قياس تعادل مترا واحدا من ألف مليون متر. وبفهم العلاقة الفيزيائية بين الأملاح الذائبة وانخفاض طاقة الماء أو ما يعرف بالجهد الأوسموزي تغير نمط التفكير الإنساني على النحو التالي: لو كان لدينا حجرتان مفصولتان بجدار من غشاء المبلمرات المدعم ميكانيكيا بشبكة صلبة ووضعنا ماء مالحا في إحدى الحجرتين ثم ضغطنا الهواء في أعلى تلك الحجرة فإن الماء الملحي سيكتسب طاقة إضافية تمكنه من عبور الغشاء المبلمر دون مصاحبة الشوارد الذائبة أي أننا سنحصل على ماء نقي دونما حاجة الى استهلاك كم هائل من الطاقة اللازمة لتحويل سائل الماء الى غاز ثم من جديد تحويل الغاز الى سائل عن طريق التبريد. هذه طريفة اقتصادية للحصول على الماء العذب وهي الطريقة السائدة هذ ه الأيام خاصة في حالة المناطق الساحلية التي ليست بحاجة الى مزاوجة تخليق الطاقة الكهربائية وتحلية المياه وتعرف بالتناضح العكسي. كلفة تحلية متر مكعب من المياه العذبة بهذه الطريقة لا تتجاوز نصف الدولار الأمريكي. ولأنها تقنية سهلة التطبيق فقد شاع استعمالها لتحلية المياه على مستوى الوحدات السكنية ويعرفها العامة بالفلتر.
السؤال الأكثر الحاحا هو كيف يمكننا الحصول على طاقة رخيصة وصديقة للبيئة في ظل معضلة الاحترار الكوني وما يلاحظ هذه الأيام من انتشار حرائق الغابات على امتداد مساحة نصف الكرة الأرضية الشمالي والتي تأكل الأخضر واليابس وتترك الأرض خلفها قاعا صفصفا. تستقبل الأرض على حافة غلافها الجوي ما معدله السنوي 1361 واط لكل متر مربع من طاقة الإشعاع الشمسي المكونة من طيف عريض من الإشعاعات. هنا لابد من التنويه الى أن الواط يعادل جولا واحدا في الثانية أي أننا عندما نقول إن هذه اللمبة تستهلك خمسين واطا فإننا نعني أنها تستهلك خمسين جولا في الثانية خلال فترة إضاءتها. بناء على ما سبق، فإن ما يصل السطح الخارجي للغلاف الجوي لكوكبنا هو 1361 جولا لكل متر مربع في الثانية الواحدة. وبسبب عوامل عديدة كامتصاص الطاقة بواسطة العديد من الجزيئات الكيميائية أو الغيوم أو تشتتها بواسطة دقائق العوالق الصلبة في الغلاف الجوي فإن ما يصل من طاقة الشمس عندما تكون عمودية فوق مستوى سطح البحر في يوم صاف هو نحو 1000 واط للمتر المربع لكن متوسط هذا الرقم السنوي ينخفض الى 340 واط للمتر المربع. بالطبع، تقل هذه الطاقة عندما نتحدث عن سطح صحراء متربة كما هو حال معظم مساحات بلادنا العربية أو مناطق جغرافية كثيرة الغيوم. هنا تجدر الإشارة الى أن ما يصل سطح الأرض من طاقة الإشعاع الشمسي في غضون ساعتين من الزمن يعادل ما تستهلكه البشرية من طاقة طيلة عام كامل.
منذ تطور الحياة النباتية الخضراء أي المحتوية على اليخضور (الكلوروفيل) تمكنت تلك الكائنات الحية من تطوير مركبات كيميائية تستطيع اقتناص الطاقة الإشعاعية للشمس وتخزينها على صورة روابط كيميائية تستخدم في بناء أجسامها وإجراء عمليات الأيض (التمثيل الغذائي). نطلق على تلك النباتات وبعض أصناف البكتيريا صفة “ذاتية التغذية” أي التي لا تحتاج الى مواد عضوية بل تخلق تلك المواد من ثاني أكسيد الكربون والماء من أجل النمو وممارسة أنشطتها الحيوية. وبتطور الحياة، نشأت أنواع حيوية متباينة منها الحيوانات التي تلتهم المادة العضوية النباتية وتستخدمها في بناء أجسامها وممارسة أنشطتها الحيوية كالحركة والدفء عن طريق عمليات الهضم وتحرير مخزون المادة العضوية من الطاقة.
وبتطور وعي الإنسان (الذي يعتاش على النباتات ولحوم الحيوانات المعتاشة بدورها على النباتات) لاحظ أن حرق المادة العضوية النباتية يولد طاقة مفيدة استخدمها للتدفئة ثم لشواء أو طهي طعامه. هذه النار “الأسطورية” كانت الدافع وراء تأليهها من قبل بعض الحضارات. استمر الإنسان في استثمار الحرارة الكامنة في التركيبات العضوية غذاء وكساء عبر عمره الحضاري تقريبا حتى بداية الثورة الصناعية حيث تمكن الإنسان من ربط حرارة الحرق الكيميائي للمركبات العضوية بإمكانية توليد طاقة ميكانيكية ناجمة عن حصر بخار الماء المتولد في حيز مغلق يتم إطلاقه على دفعات تمكن من تحريك عمود محوري يؤدي دورانه الى حركة عجلات حديدية فكانت بداية ثورة صناعية في عالم الترحال والنقل والاستكشاف والاختلاط الإنساني. وبعد فترة قصيرة أمكن للإنسان إجراء عملية الحرق الكيميائي في حيز مغلق يولد طاقة حركية متعاظمة فكان عصر آلات الاحتراق الداخلي الذي نحن على عتبات وداعه بل ووداع عصر الاعتماد على النبات للحصول على الطاقة عن طريق الحرق العضوي …..
(يتبع)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ الأراضي والمياه ـ الجامعة الأردنية
تصفح أيضا
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل 14 ساعةفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
وفاء سلطان:
مضى على وجودي في أمريكا 36 سنة.
لم أدخل يوما مطعما إلا وتركت للنادلة بخشيشا يفرح قلبها وفوق تصورها.
معظم الذين يخدمون بالمطاعم في أمريكا هم طلاب جامعات ليسدوا مصروفهم، فلقد اشتغل أولادي في المطاعم أثناء جامعاتهم وأعرف كم كان البخشيش هاما بالنسبة لهم.
إلا البارحة قررت أن لا أترك لها سنتا، لكن زوجي رفض القرار وقال كعادته: حرام!
(نعم هو ألطف مني في هكذا مواقف)
أوقح نادلة رأيتها في حياتي، تخبط الصحون على الطاولة وكأنها خرجت لتوها من معركة مع زوجة أبيها.
ضبطت أعصابي بشق الأنفس
لقد اعتدنا ان نفتح حديثا مع من يخدمنا في المطاعم حتى نعرف حياته من ألفها إلى يائها،
ولكن هذه النادلة لم تترك لنا مجالا لنقول: شكرا!
نحن نذهب إلى المطعم ليس من أجل الأكل فقط، بل لتغير الجو وتحسين النفسية، وعندما تقارب الفاتورة المائة دولار وتلقى هكذا معاملة تصاب بالإحباط
حسب رأيي خدمة الزبائن في أمريكا أفضل من أي بلد في العالم زرته، ولنفس السبب لم أحب دول أوروبا!
القاعدة العامة في أمريكا تقول: يجب أن تتعامل مع الزبون كما لو كان دوما على حق!
لو كانت ابنتي محلي لقالت: ماما ارجوكِ سامحيها، لا أحد يعرف كيف كان يومها
هذا صحيح، ولكن على من يشتغل في المرافق العامة وخصوصا المطاعم أن يكون لطيفا تحت أي ظرف!
الحياة لا تعاش إلا ببعض التنازلات، وعندما يتعلق الأمر بعملك يجب ان تتمتع ببعض القدرة على إخفاء آلامك الشخصية ولا تنقل طاقتك السلبية لغيرك!
طاقة كل إنسان تشدّ أو تحجب عنه رزقه، وذلك حسب طبيعتها
كنا ندفع على الأقل 20٪ من قيمة الفاتورة، لكن بعد تراشق بالنيران وشد شعر ترك لها زوجي مبلغا، وأنا أتمتم: يا خسارة
فالسلوك الذي يُكافأ يتكرر!
وفاء سلطان:
في الثمانينات من عمرها.
أحنى الزمن ظهرها قليلا، لكن روحها مازالت تعانق السماء.
التقينا في المكان المخصص لعربات التسويق على باب أحد المحلات.
وبينما هي تسحب عربتها التقت عيوننا فصبّحت علي.
رددت التحية، وتابعت: تبدين جميلة جدا، إذ من النادر أن ألتقي بامرأة بهذه الأناقة والترتيب!
فعلا الحياة الأمريكية العملية أنستنا الكثير من أصول الأناقة والتزين.
إلى حد ما، تعجبني هذه العفوية في أمريكا،
فلقد خففت عنا نحن النساء مهمة التبرج كل صباح، وزادت ثقتنا بأنفسنا.
لكن من ناحية أخرى، من الجميل أن نحافظ على أناقتنا ومظهرنا طالما لا نبالغ
نعم لا نبالغ، فلقد أصبحت الكثيرات من النساء اليوم نسخا متكررة من لعبة باربي:
قشرة من الخارج وفراغ من الداخل
المهم، أشرقت ابتسامتها حتى أضاءت وجهها المهندس بطريقة فنية غير مبتذلة، وقالت بعد أن وضعت يدها على كتفي:
حبيبتي كل سلوك تتقنينه عادة، فمتى تعلمتِ عادة تصبح طريقة حياة
ثم تابعت:
منذ سنوات مراهقتي لا أخرج من البيت حتى أتأكد من أنني أسر الناظر إليّ، فمظهرنا الخارجي يعطي الانطباع الأول
أكدت لها أنها فلسفتي كذلك، وتمنيت لها يوما جميلا
استطلاع
صن نار
- جلـ ... منارقبل 14 ساعة
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
- اجتماعياقبل يومين
الديوانة التونسية… عرض لعملياتها النوعية الأخيرة
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم … الورقة 85
- اقتصادياقبل 3 أيام
يوم الابتكار الصناعي بين تونس وألمانيا
- اجتماعياقبل 3 أيام
إحداث مكتب بريد ببرج السدرية/الرياض
- جور نارقبل 3 أيام
رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!
- صن نارقبل 4 أيام
انتخابات أمريكية: تزامنا مع فوز ترامب… الجمهوريون يسيطرون على الكونغرس
- صن نارقبل 4 أيام
الاحتلال يلقي أكثر من 85 ألف طن من القنابل على قطاع غزة