جور نار

من التزمير إلى التطبيل ..

نشرت

في

من التزمير ليلة 25 جويلية 2021 إلى الرّقص و ضرب الطبل و الزّكرة أمام بعض البلديات يوم 9 مارس 2023 … و في الحقيقة حكاية التزمير و التّطبيل ليست جديدة علينا في عالم السّياسة،  لنا معها تاريخ منذ سيّد الأسياد و حبيب الأمّة الغالي وصولا إلى التزمير في عهدنا الحالي السّعيد مرورا باحتفالات 7 نوفمبر و تزمير ليلة 13 جانفي 2011  – و من كلّ ذلك فليعتبر المعتبرون –  و هذا الأسلوب “الاحتفالي” يتماهى تماما مع الرّياضة المفضّلة لدى الكثير من التونسيين، رياضة “قلبان الفيستة” و تكفي نظرة سريعة على النّواب الجدد لتأكيد ذلك… فأكبر نسبة إلى حدّ الآن في المجلس هي لقدامى التجمّعيين ممن انضووا تحت راية حزب نداء تونس ثم الأحزاب المنشقّة عنه ليصبحوا اليوم من أنصار المسار الجديد ..

<strong>عبير عميش<strong>

نعود إلى ” طبّالة ” البلديّات (و لكم أن تفهموها على النّحو الذي تريدون) حيث نرى كالعادة مجموعات من المؤيّدين لكلّ عمليّات حلّ المؤسسات وتفكيكها، الشامتين في من سبق – و بعض أسباب الشّماتة ذاتيّة غير موضوعيّة –  الّذين إن سألتهم عن بديل أو تصوّر للمستقبل لن تجد لديهم جوابا غير “المهم ارتحنا منهم … المهمّ هوما لا …” و لا يأبهون بعد ذلك إن كان الحلّ ديمقراطيّا  أو غير ديمقراطيّ و إن كان البديل مناسبا للبلاد أم غير مناسب … و لا يعنيهم إن كان التّفكيك بغاية تحقيق هوى فرد  واحد يريد تطبيق مشروعه الشّخصي و يعتقد أنّ كلّ الشّعب يشاطره هذه الإرادة … و إلاّ لماذا مرّر مرسومه أيّاما قليلة قبل تنصيب مجلس نوّاب الـ11% الجديد (و باهية معاهم ما قلتش مجلس 8%)؟ لماذا لم ينتظر تداول المجلس للتشريعات الجديدة في ما يخصّ البلديّات مثلا، خاصّة أنّ آجال انتهاء العهدة النّيابيّة هي شهر ماي أو جوان القادم على أقصى تقدير؟ أ يخشى الرّئيس أن يرفض النّواب القادمون مشروع بنائه القاعدي فسارع إلى إصدار مراسيم المجالس البلديّة و المحلّية و الأقاليم قبل تسليمهم العهدة التشريعيّة؟

نعود إلى الشّعب الذي يرقص فرحا لنسأل أ ليس هذا الشّعب نفسه هو من انتخب المستشارين البلديين؟  أ ليس هو من أوصلهم إلى مناصبهم ؟ أ ليس هذا الشّعب نفسه هو من يتخلّف عن حضور المجالس البلديّة التي تفتح فيها أبواب الاستشارات و العمل التّشاركيّ أمام المواطنين و يُتداوَلُ فيها في المشاريع التي تهمّ جهته؟ أ ليس من بين هذا الشّعب الراقص من هو فاسد أو مرتش أو متخاذل في عمله أو متقاعس عن مسؤوليّاته أو متهرّب من أداء واجباته الجبائيّة أو ضرائبه البلديّة؟

أ ليس من بين أفراد هذه المجالس المنحلّة من أخلص لواجبه، من عمل بجدّ و تفانٍ و من ساهم في تنمية منطقته و حقّق بعض المكتسبات لأبناء بلديّته؟ هل كل البلديات فاسدة؟ هل كل البلديّات فاشلة؟ أم أنّ الجميع يجب أن يُرمَوْا في سلّة واحدة؟  لماذا في بلادنا  يكون العقاب دوما جماعيّا على أخطاء ارتكبها أفراد؟ لماذا نتفنّن في الهدم و نقضي سنواتنا في التجريب؟  لماذا لا ننطلق من الموجود لإصلاحه و تحسينه وتطويره بدل التّقويض الكلّي؟ فهل كلّ ما جاء في مجلّة الجماعات المحلّية رديء و سيّء؟ وما هي الآليات التي وفّرتها الدّولة للبلديين لبلوغ أرقى درجات الجدوى و النّجاعة في الأداء قبل أن تحاسبهم؟ هل كامل التّجربة  غير مجدية؟ هل قمنا بتقييمات فعليّة و حقيقيّة وفق مقاييس علميّة دقيقة قبل أن نطلق أحكامنا أم أنّ الدّولة تُسيّر بالانفعالات العاطفيّة و الأحكام الانفعاليّة؟ متى ندرك أنّ المحاسبة على الأداء السّياسيّ تكون بالانتخاب لا بتوخّي سياسة الحلّ و التفكيك؟

و لنعد الآن إلى المراسيم الجديدة الصّادرة، إذ يدرك كلّ متابع للشأن العامّ أنّ مشروع رئيس الدّولة الذي لم يرغب في الإفصاح عنه زمن الانتخابات  هو مشروع البناء القاعدي أو الديمقراطيّة التّصعيديّة  (و من يعود إلى مداخلاته و حواراته و لقاءاته بعد 2011 و زمن اعتصام القصبة و عند انتصاب المجلس التّأسيسي يتلمّس شذرات هذا التوجّه و إرهاصاته) و لكنّه خيّر أن يعلن في 2019 أن لا مشروع لديه و أنّ مشروعه سيكون نابعا من إرادة الشعب و ممّا خطّه الشباب على الجدران … غير أنّنا  لم نر الشعب خرج يوما للمطالبة بالبناء القاعدي ولا بالتصعيد من المحلّي إلى المركزي بل إنّه لم يعبّر عن ذلك في الاستشارة الالكترونيّة و قد يكون غير مدرك حتّى لمعنى هذا الخيار أو لإيجابيّاته وسلبيّاته …

و قد خيّر الرئيس أن لا يعلن الرئيس عن مشروعه كاملا و أن لا يفسح المجال للنّقاش العام حوله، بل فرضه بطريقة فوقيّة تدريجيّة و أخذ يحققه على أرض الواقع رويدا رويدا مستعينا بأجهزة الدّولة و وسائلها بعد أن تمكّن من الإمساك بكلّ السّلطات … و لئن يبدو هذا الخيار في ظاهره محقّقا للديمقراطية باعتباره يقوم على انتخابات على الأفراد في أضيق المستويات أي العمادات، إلاّ أنّ عمليّة التصعيد نحو المجالس المحلّية ثمّ نحو المجالس الجهوية  تبقى خاضعة للقرعة…  هذا من ناحية الشّكل أمّا من ناحية الأدوار الموكولة إلى كلّ مجلس فإنّ المراسيم الأخيرة لم توضّحها، كما أنّ حضور أعضاء ممثّلين للسلطة التنفيذيّة بهذه المجالس – و إن بصفة استشاريّة دون أن يكون لهم حقّ التصويت – يجعل كلّ هذه المجالس خاضعة لهيمنة السّلطة المركزيّة و على رأسها رئيس الجمهوريّة … فتغدو الديموقراطيّة حينئذ صوريّة شكليّة و تغدو تلك المجالس مجرّد ديكور ليس لها دور فعليّ …

إنّ رئيس الجمهوريّة يبدو مدركا لوجود أزمة في البلاد، لكنّ تشخيصه لها مرتبط دوما بالجانب السّياسي لذا فإنّه يسارع نحو التمكين لمشروعه الجديد … و لكن هل وضع البلاد اقتصاديّا و اجتماعيّا مازال يسمح بالتّجريب  و بالعودة إلى نظريات لم يثبت أنّها حققت نجاحات في البلدان التّي جُرِّبت فيها؟ و هل مازال لدى تونس من الإمكانيّات ما يسمح لها بأن تستعيد تلك الصّورة البرّاقة التي منحتها لها تحوّلات 2011 و جائزة نوبل 2014، في الوقت الذي تتسارع فيه الأحداث دوليّا و تتغيّر التّحالفات و الأوضاع العالميّة بسرعة مهولة؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version