جور نار
من وصايانا إلى التعليم العالي قبل انطلاق مناظرة التوجيه الجامعي (الجزء الثاني)
نشرت
قبل سنة واحدةفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriوجّهنا في الجزء الأوّل من هذه الورقة يوم الاثنين الماضي جملة من النداءات والمقترحات إلى وزارة التعليم العالي استعدادا لمحطة هامة في مسيرة الآلاف المؤلّفة من الشباب مرفوقين بعائلاتهم وعُدّة أحلامهم ومُمسِكين بصُرّة طموحاتهم، وهي محطة التوجيه الجامعي…
وكم وددتُ ألا أكون محقّا فيما ذهبت وسأذهب إليه وأن أكون قد بالغتُ في التحامل على أصحاب القرار فتردّ عليّ الوزارة المعنيّة، وتبعث فينا قليلا من الأمل والاطمئنان على ما ينتظر بناتنا وأبناءنا هذه السنة التي نتمنى أن تكون أفضل من سابقاتها.
وكانت أهم المسائل المُثارة في ذلك الجزء الأول بالنسبة إلى من فاته الاطلاع على محتواه :
- مخاطر حجب دليل التوجيه الجامعي في نسخته الورقيّة
- مُعاقبة التلاميذ الناجحين في دورة المراقبة
- التنفيل الجغرافي كمظلمة تضرب مبدأ تكافؤ الفرص في العمق
- إعادة التوجيه (14 – 17 أوت 2023) على قاعدة مجموع آخر موجّه في الدورة الرئيسية، حقّ ثابت ومقدّس لا يجوز المساس به.
- توزيع الطلبة الجدد بشكل جُزافي خلال الدورة النهائية كمجرّد هروب من المسؤولية
أما الجزء الثاني والأخير، فأخصصه لعدد من الاشكاليات الأخرى التي تنال حسب تقديري من مصداقية منظومة التوجيه الجامعي، وكفيلة في نفس الوقت بتجويد أدائها لو تتضافر الجهود من أجل تطويقها والحدّ من آثارها السلبية على مستقبل آلاف التلاميذ المترشحين لخوض غُمار الحياة الجامعية.
سادسا : تحديد طاقة الاستيعاب وتوزيع الطلبة على المسالك
من المؤكّد أن الجامعات هي أعرف الأجهزة بحاجياتها وظروف التكوين فيها والموارد البشرية الموضوعة على ذمّتها عمّالا وإداريين ومدرّسين ومخابر وقاعات الخ… ولكن تجربة كل السنوات السابقة أثبتت أن التقديرات التي توضع قبل بداية كل سنة جامعية تكتنفها بعض المبالغة في إعلاء مستوى “الصعوبات ونقص الموارد والامكانيات والحرص على جودة التكوين” وذلك لاعتبارين ثابتين اثنين يُدركهما الجميع وهما:
– أغلب المؤسسات الجامعية في بلادنا مكتظّة ومزدحمة نظريا، لكنها تعمل غالبا بأقل من طاقة استيعابها بكثير على امتداد كامل السنة الجامعية ما عدا خلال فترة الامتحانات.
– كُلفة الطالب في أغلب مؤسسات التعليم العالي تكاد لا تساوي شيئا إذا توفّر شرط مادي بسيط وهو المقعد الخشبي الفردي، فبقية المستلزمات المادية والبشرية تتوفّر بشكل طبيعي لفائدة مائة طالب كما لمائة طالب زائد نصفهم أو ربُعهم.
كما لا يفوتني ونحن بصدد الحديث عن طاقة الاستيعاب، أن أشير إلى أن بعض الباكالوريات مثل باكالوريا إعلامية نظلمها كثيرا عندما نفتح أمامها مقعدا واحدا أو اثنين في بعض المسالك (الأقرب إلى تكوينها الأساسي) فنُعجّز الناجحين فيها ونضطرّهم لاختيار مسالك أخرى. وأن أقول كذلك إن تلاميذ باكالوريا علوم تجريبية لا يتمّ استيعابهم في المسالك الأقرب إلى ملمحهم الأساسي (العلوم الطبية وشبه الطبية والبيولوجيا وعلوم الحياة والأرض …) إلا بنسبة ضئيلة جدا مقارنة بعدد الناجحين فيها ومقارنة كذلك بالمقبولين في هذه الشعب من باكالوريا رياضيات والباكالوريات الأخرى.
سابعا : لا تجعلوا صوت العِمادات المهنية أعلى من صوت وزارة الإشراف
في كل سنة تُطالعنا بعض العِمادات وخاصة عِمادة المهندسين ببيانات غريبة وعجيبة تعترض فيها على بعث بعض المسالك الجامعية ذات العلاقة بالهندسة وخاصة المراحل التحضيرية المندمجة للدراسات الهندسية، وتُهدّد بعدم تسجيل المتخرجين من هذه الشعب بسجلاّت العِمادة بدعوى الحرص على جودة التكوين والسهر على احترام المواصفات. وهي ظاهرة كثيرا ما تُربك المترشحين للتوجيه الجامعي، خاصة أمام الصمت المُريب الذي تنتهجه وزارة التعليم العالي وعدم ردّها بالحزم اللازم على مثل هذه التهديدات والتدخّل السّافر في توجّهات أقرّتها لجان تأهيل علمية سياديّة بناءً على دراسات استشرافية مسبقة.
ثامنا : لا تجعلوا باكالوريتنا التونسية خزّانا للتعليم العالي الخاص والدراسة بالخارج
أعتقد أن أفضل مثال في تونس لمعرفة كيف ينظر بعض التلاميذ الناجحين في الباكالوريا وعائلاتهم إلى معروضات التكوين في التعليم العالي، هو علاقة التلاميذ التونسيين المنتمين إلى المعاهد الفرنسية حيث يترشحون بحماس شديد لنيل مقاعد في أفضل ما لدينا من مؤسسات وشعب دراسية (على معنى الصّيت الاجتماعي لهذه المواقع الدراسية ومستوى تشغيليتها فيما بعد)، وفي صورة تعذّر ذلك نظرا إلى محدودية المقاعد المعروضة للتناظر نسبيا أمام هؤلاء، يهرع جميعهم إلى الجامعات الفرنسية دون الالتفات وراءهم.
المؤسف أننا نعيش نفس الواقع تقريبا مع تونسيين آخرين تضيق بهم سبل التوجيه الجامعي وتحول معدلاتهم والانكماش المبالغ فيه لطاقة الاستيعاب في العديد من المسالك الجامعية وكل الإجراءات الضاغطة الأخرى، دون الحصول على ما يرغبون فيه من دراسات، فليتجئون مكرهين إما إلى التعليم العالي الخاص حتى وإن تطلب ذلك تضحيات عائلية جسيمة، أو الدراسة بالخارج لمن تتوفر لعائلته إمكانية الإنفاق على مسارات دراسية باهظة جدا.
وعليه، فإنه من واجب التعليم العالي أن يسعى قدر الإمكان إلى التقليص من نسبة المُحبَطين والمُغادرين …. وأنا متأكد تماما أن هناك إمكانية حقيقة لإنقاذ بعض الآلاف من الباحثين عن أحلامهم في ربوع أخرى… لو توفّرت بعض الإرادة والنظر بعين العقل والوطنية إلى مثل هذه الاشكاليات.
تاسعا : كفّوا عن صراعات المؤسسات التي تنعكس بشكل سلبي على طاقة الاستيعاب هنا وهناك
عشنا تجارب مريرة خلال السنوات القليلة الماضية تمثلت في صراع خفيّ بين بعض الجامعات أو المجالس العلمية في بعض المؤسسات، تؤدّي في النهاية إلى محاولة توجيه التلاميذ المتميزين بأكبر عدد ممكن نحو المؤسسات المحسوبة على الفرنكوفونية (لغايات لا علاقة لها مطلقا بمستقبل الطلبة الجدد أو جودة التكوين بقدر ما لها علاقة مباشرة بطموحات القائمين على حظوظ التعليم العالي في فترات معينة) على حساب مؤسسات أخرى تُبجّل التدريس باللغة الانكليزية على سبيل المثال. أو كذلك التقليص من طاقة استيعاب بعض الأقسام التحضيرية لفائدة المراحل التحضيرية المندمجة حتى لا ينحصر انتماء المتميزين إلى الأقسام الدراسية التقليدية. أو التقليص من طاقة استيعاب الشعب شبه الطبية (غير المحكومة باجتياز اختبارات) لتدعيم التوجيه الأولي بمجموع النقاط لفائدة أقسام علوم التمريض من أجل التحكم في العدد النهائي للمقبولين من خلال التدخل في عمل لجان الاختبارات، الخ…
عاشرا : الرقم الأخضر المجاني لوزارة التربية جدير بالدّعم والتثمين
أخيرا، نسجّل أن وزارة التعليم العالي لم تنتبه تقريبا خلال الصائفة الماضية إلى التجربة الناجحة جدا التي قامت بها الجمعية التونسية للاعلام والتوجيه بالشراكة مع وزارة التربية، والمتمثلة في وضع الرقم الأخضر لوزارة التربية على ذمّة التلاميذ الناجحين في الباكالوريا وعائلاتهم للإجابة عن استفساراتهم وتساؤلاتهم من قِبل مجموعة كبيرة من مستشاري الاعلام والتوجيه بشكل تطوّعي طيلة كامل مدة تعمير بطاقات الاختيارات… وعليه، فإنه من أبسط واجبات التعليم العالي أن تتعهّد هؤلاء بتحيين معلوماتهم وإقدارهم على النهوض بمهامهم كأفضل ما يكون، من خلال تنظيم دورات تدريبية مسبّقة والاعتراف لهم رمزيا بما يبذلونه من جهد لمعاضدة جهودها في تأطير الناجحين الجدد ومرافقتهم في خطّ طريقهم نحو ولوج الجامعة بمسالكها وثناياها الوعرة.
تمّت
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 3 أيامفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 6 ساعات
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
- صن نارقبل 6 ساعات
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
- ثقافياقبل 7 ساعات
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
- فُرن نارقبل 15 ساعة
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يومين
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يومين
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يومين
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يومين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية