منذ قرابة الستين سنة ونحن نقيم المهرجانات الصيفية … بل إن واحدا مثل مهرجان طبرقة هاهو يجاوز سن التقاعد (نظام قديم) بسنة بما أنه من مواليد 1962 …
إذن شاخت مهرجاناتنا وغزا الشيب مفرقها، على قول فريد … فهل وصلت بنا إلى مرحلة النضج والحكمة والرسوخ الفني الذي يجعلنا نطمئن ونفاخر … نطمئن على حال ثقافتنا ونفاخر بأنها وصلت إلى الأقاصي عربيا ودوليا، يا سيدي حتى مغاربيا؟ … هل نجحت مثلا في إطلاق نجم تونسي إلى السماء العربية كما فعل مهرجان بعلبك مع فيروز ونصري شمس الدين ووديع الصافي وصباح؟ … هل أفلحت في التحول إلى وجهة سياحية تُقطع لها تذاكر الطائرات مثلما حصل مع مهرجان جرش بالأردن ومهرجانات المملكة المغربية الكثيرة المتكاثرة؟ هل توفقت في خلق تنافس محموم بين الفنانين حتى يستعدوا لها بأفضل جديدهم كما كان شأن مهرجان شم النسيم بمصر؟
الجواب للأسف “لا” أولى، ولا ثانية، ولا ثالثة، ولا نافية، ولا ناهية … قرطاج انطلق كبيرا بمسرحه الأثري المهيب الجميل … قصده القصّاد من كل جهة في العالم وتسابقوا للوقوف على حجره ومداه التاريخي وجمهوره الذي كان صفوة الصفوة … ومن يعاند في هذا عليه بالرجوع إلى أرشيف المهرجان وأيضا إلى معرض الصور الكبيرة المعلقة بمدخل المسرح جهة الكواليس، إذا تركوها على حالها … لا لم يتركوها ففي آخر مرة ذهبت هناك وجدت أنهم سحبوا صور نجوم الجاز العالميين ولقطات مسرحيات على بن عياد، ليعوضوها برسوم لمغني الساندويتش وتخميرات النوبة والحضرة … قُضي الأمر !
من هنا تفهم أن الزمن فعل فعله مع مهرجاناتنا وقرطاج أولها … أفلت الزمام ولم يعد أحد يذكر الثقافة ولا الشاذلي القليبي ولا الأهداف الأولى التي أقيم لأجلها المهرجان … فبدل تصعيد نجوم محليين تدريجيا من المهرجانات الصغرى إلى المتوسطة إلى قرطاج للوصول مباشرة إلى العالمية … بدل هذا، تحول مسرحنا الملحمي إلى صالة أفراح يطغى فيها إيقاع الأغاني المحفوظة … ليشطح الجمهور حتى الصبح مغنيا بالوكالة عن نجم السهرة الذي يكتفي بمد الميكروفون نحو الجموع المائجة وكفى المؤمنين شر الغناء …
من زمن بعيد جدا لم يعد فيه اعتلاء مسرح قرطاج شرفا وأمنية فنية بقدر ما صار معركة كاشيهات وشباك تذاكر … وفي أفضل الحالات سطرا يضاف إلى “سي في” بعض الفنانين ممن يجدون من يزيد في احترامهم وأجورهم بمجرد أن يقولوا له غنينا في قرطاج …