جور نار
رعايا لا مواطنون …
نشرت
قبل سنتينفي
من قبل
عبير عميش Abir Amich“يقال إن أحد الملوك قرر منع النساء لبس الذهب والحلي والزينة ، فكانت ردة فعل النساء كبيرة حيث امتنعن عن الطاعة … وبدأ التذمر والسخط والاحتجاج و حصل ردّ فعل عكسي و تعمّدت النساء المبالغة في لبس الزينة والذهب و الحُلي.
اضطرب الملك واحتار !!! فأمر بعمل اجتماع لمستشاريه وبدأ النقاش واقترح أحدهم التراجع عن القرار للمصلحة العامة، وقال آخر : لا .. التراجع مؤشر ضعف وخوف يجب أن نظهر قوتنا و نضاعف العقوبات !!! وانقسموا بين مؤيدين ومعارضين … و حينها طلب الملك إحضار حكيم المدينة و طرح عليه المشكلة.
فقال الحكيم للملك :لن يطيعك الناس إذا كنت تفكر فيما تريد أنت .. لا في ما يريدون هم … فقال له الملك وما العمل؟ أتراجع إذن؟ .. قال الحكيم لا ..ولكن أصدِرْ قرارا توضيحيّا تكميليّا بمنع لبس الذهب والحلي والزينة للجميلات لعدم حاجتهنّ إلى التجمل.. واستثناء القبيحات وكبيرات السن بلبس الزينة والذهب لحاجتهن إلى ستر تقدّمهنّ في السنّ و إخفاء عيوبهنّ …
وصدر القرار … وما هي إلا سويعات حتى خلعت النساء الزينة، وأخذت كل واحدة منهنّ تنظر لنفسها على أنها جميلة، لا تحتاج للزينة والحلي…
عندها قال الحكيم للملك: لقد أطاعك الناس عندما فكرت بعقولهم وأدركت اهتماماتهم من نوافذ شعورهم … “
هذا المنطق لم يفهمه إلى اليوم حكامنا و لم يدركوا أهمية التفكير بمنطق الشعب و اتخاذ قرارات تلقى لديه صدى و مقبولية…
و قرار منع استعمال الماء الصالح للشرب في قطاعات و أعمال بعينها و ما تبعه من إعلان عن النية بقطع المياه عن جهات من الجمهورية و في توقيت معيّن يوميا، أثار لغطا و اضطرابا لدى الشعب لأنه قانون لا يراعي احتياجات النّاس و لا وضعياتهم الاجتماعية … و لم يقع التمهيد له إعلاميّا و لا إعداد المواطنين لتقبّله، خاصة أنّه صار نافذا بمجرّد صدوره فلم يسمح للمتضررين بالاستعداد و البحث عن بدائل.. فإشكالية المياه و واقع الجفاف و تراجع نسبة امتلاء السدود لم تكن خافية على أحد بل إنّ الباحثين و العلماء كانوا ينبّهون من خطورة الوضع و يدعون السّلطات إلى استباق الأزمة و البحث عن الحلول المثلى و إقرار مجموعة من الإجراءات الكفيلة بالحدّ من مظاهر الهدر المائي… لكن لم تجد دعواتهم صدى أو تجاوبا إلى أن وجدت الدولة نفسها في مأزق حتّم عليها اتخاذ إجراءات متسرّعة تسببت في غضب المواطنين و انزعاجهم و في مزيد فقدان الثقة في قدرات المسيرين… فكيف يمكن للمواطن العادي أو للمستثمر محلّيا كان أو أجنبيّا أن يثق في دولة تتغيّر قوانينها بين عشيّة و ضحاها بصورة تمسّ من مصالحهم، و لا تملك رؤية و تصوّرا واضحين و تعمل دون خطط مدروسة و معلنة سلفا … و تتعامل مع أفراد شعبها على أنهم رعايا لا مواطنون …
و إضافة إلى أزمة المياه فقد تعمّق هذا الإحساس أيضا مع طريقة تعامل السلطة مع تساؤلات المواطنين حول غياب الرئيس مؤخّرا ففي الوقت الذي تنتشر فيه الإشاعات تغيب المعلومة الرسمية … فليلة 22 مارس 2023 كان آخر ظهور للرئيس و آخر نشاط مصوّر له بجولة في المدينة العتيقة بعد زيارة لجامع الزيتونة .. خاصّة أن هذا الغياب تزامن مع حراك دبلوماسيّ غير مسبوق تشهده بلادنا حيث أعلن وزير الدّاخلية الإيطالي عن خطّة لمراقبة المياه الإقليميّة التونسيّة، و تحدّث وزراء خارجية أوروبيون و مسؤولون أجانب عن خطورة الأزمة التي تمرّ بها تونس، و دعَوا صندوق النقد الدولي إلى منحها القرض المطلوب في أقرب الآجال و حذّروا من تزايد موجات الهجرة …
و أمام الصّمت المطبق لقرطاج صار غياب الرّئيس واضحا و غريبا و هو الذي عوّدنا بأنّه رمز الدولة الوحيد وأن لا قرار إلا قراره و لا تصريح إلا تصريحاته و كانت صفحة الرئاسة على الفايسبوك هي وسيلة التواصل الوحيد بيننا و بينه فلا ملحق إعلاميا بالقصر و لا متحدّث رسميّا يمكن مخاطبته… و حتى البلاغان الصادران في صفحة الرئاسة عن إقالة والي ڤابس ثمّ إحالته على التحقيق، يدّعي الكثيرون أنّهما لا يحملان بصمة البلاغات السابقة و لا أسلوب الكتابة فيها … بل بلغ الأمر بالبعض إلى التساؤل عمّن يحكم اليوم ؟ و من يدير دواليب السّلطة أمام تواصل غياب واضح و غريب لرئيس الجمهورية… و وصل الأمر بالبعض الآخر إلى تخيّل سيناريوهات الشغور في منصب رئيس الجمهوريّة و الفرضيّات الممكنة في ظلّ غياب المحكمة الدّستوريّة و احتمالات اللجوء إلى الأمر 117 أو الفصل 109 من دستور 2022..
و لو اعتمدت السّلطة سياسة الوضوح و الشّفافية لما بلغنا هذا النّوع من التساؤلات فإن كان الرئيس قد اختار الصّمت أو التفرّغ للرّاحة أو العبادة في هذه الفترة فهذا حقّه – و إن كان الوضع الذي تمرّ به البلاد لا يمنح من يمسك بكلّ السّلطات هذا التّرف – و لكن على مؤسسة رئاسة الجمهوريّة أو رئاسة الحكومة أن توضّح الأمر للمواطنين حتى تنتفي الحيرة و الخوف على مستقبل البلاد … و إن كان مريضا – شفاه الله – فليس المرض عيبا ليقع إخفاؤه بل كان بوسع مؤسسة الرّئاسة أن تصدر بيانا توضيحيّا في الأمر، أو كان بوسع سعيّد نفسه في هذه الحالة أن يحيل صلاحياته مؤقّتا لمن يختاره في انتظار تحقق شفائه و استعادة قدرته على ممارسة مهامه على رأس الدّولة مثلما يفعل عديد الحكّام في العالم و آخرهم “جو بايدن” رئيس الولايات المتّحدة الأمريكيّة حينما فوّض صلاحيّاته الرئاسيّة مؤقّتا إلى نائبته كامالا هاريس قبل أن يجري فحصا طبّيا شاملا يتطلّب تخديرا كليا.
إنّ التعتيم الإعلامي و غياب المعلومة الرّسميّة هما اللذان يساهمان في انتشار الإشاعات و في زعزعة أمن البلاد و استقرارها، و يعطيان انطباعا عامّا لدى أفراد الشّعب بأنّ مواطنتهم غير مكتملة و أنّ دولتهم تتعامل معهم على أساس أنّهم قصّر لا قدرة لهم على تحليل الأمور أو على أنّهم رعايا لم يبلغوا بعد درجة المواطنة …
و أيّا كان الأمر فلا يمكن إلا أن نرجو الأفضل لبلادنا و أن نطلب من البرلمان الذي سيشرع يوم غد في أعماله، أن يطالب بإرساء المحكمة الدّستورية في أسرع وقت و أن يعمل على إقرار قوانين تعطي الشّعب حقّه في المعلومة الواضحة و الدّقيقة .
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 8 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 8 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 19 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟