جور نار

مولاي، ألا يجب أن تعترف … أنك اضفت خرابا على الخراب ؟

نشرت

في

مولاي أمير المؤمنين،

تعال نعرف حقيقة ما نحن عليه ومن أوصلنا إلى ما نحن فيه…ألست أنت من أعلن الحرب على الجميع منذ جلوسك على العرش؟ ألست انت من لم يكتب خطابا واحدا يوحّد الأمة حوله، وحول مصير واحد يجمعها…

<strong>محمد الأطرش<strong>

فمن غيرك اوصلنا إلى ما نحن فيه؟ الست ساكن القصر الأكبر من قصور الحكم؟ الست انت كما يقال ويقول ويزعم أتباعك وكل من يفقهون معنى الدولة، الست أنت رمز الدولة؟ اي نعم رمزها وقائدها… ألا يجب ان يكون رمز الدولة قائدا… موحّدا… جامعا… محتضنا للجميع تحت خيمته، فلماذا نبحث عن خيمة أخرى نجتمع تحتها لتحمينا من التشتّت والانقسام والفتنة وأنت خيمتنا التي نستظلّ بظلها من شمس أزمة حارقة؟ الست انت خيمتنا التي كنّا نظنّ أنها ستجعلنا جسدا واحدا نحارب الأزمة ونصلح حال البلاد ونسعد العباد؟

مولاي،

 لنعترف أولا أنك أخطأت في كل ما أتيت وفي كل حساباتك، قد يكون من هم حولك سببا في هذه البليّة، وقد يكون جهلك بحقيقة وضع البلاد وواقع الحكم هما أيضا سبب سلوكك العدائي المجانب للصواب، وقد يكون حلمك غير المنطقي لدولة على مقاس احلامك وأحلام أفلاطون، سبب استعدائك لجميع من شاركوك الحكم ومن حكموا الدولة قبلك، ولا غرابة أن تكون غيرتك من تاريخ بورقيبة وسجله، ونجاح بن علي ومسيرته رغم أخطائهما في الجانب السياسي سببا في ما أخطأت فيه، قد يكون… وقد يكون، لكن في الأخير أنت من سيتحمّل لوحده تبعات أخطائه وما سيكون، ووحدك من سيكتب التاريخ انه فشل في قيادة الامة إلى شاطئ الأمان…ووحدك من سيكتب التاريخ أنه لم ينجح في أي أمر أتاه من أجل بلاده وشعبه…

مولاي،

 لنعترف ثانيا أنك كنت تبحث عن الاستحواذ على كل مفاصل الحكم منذ جلوسك على العرش…ولنعترف أيضا أنك فعلت كل ما يجب لتصل إلى ما نحن فيه اليوم…الست أنت من أتى بالفخفاخ فخسرنا قرابة السنة نحاول الإفلات من الفِخاخ، وعشنا في خصام وعراك وتخبّط بلا موجب…ألست أنت من أتى بالمشيشي بعده ثم زرعت في طريقه كل الألغام فلم يتقدّم خطوة واحدة إلى مرفأ النجاة والسلام…ألست انت من رفض له تعيين بعض كفاءات دولة بن علي خوفا من أن ينجح في ما أخفق فيه الفخفاخ قبله ويقطع الطريق أمام تفعيلك للفصل الذي يسمح لك بالحكم منفردا مستبدا بالرأي والقرار، ألم نكن جميعنا نبحث عن الخروج من الأزمة فكيف نقطع امام من يعمل من اجل ذلك الهدف الطريق ولأية غاية نفعل ذلك؟؟ ألست انت من رفض للمشيشي كل تحوير وزاري فتركته يعمل بحكومة عرجاء مبتورة الذيل وبعض الأرجل…قد يقول بعض رجالك واتباعك وزبانيتك “أأصبحت اليوم يا هذا تدافع عن حكومة المشيشي؟” وسأجيب وبكل غرور أنا أكثر من عارض حكومة المشيشي ورفاقه الأغبياء…بشهادة المشيشي والبعض من رفاقه الحمقى…

مولاي،

تعال نحاسب بعضنا البعض عمّا اتيناه وفعلناه من أجل هذه البلاد وهذا الشعب وأنت أولى بالحساب والعتاب من الشعب…ألم تبحث عن ذرائع لتفعيل الفصل 80 من الدستور؟ ألم تترك المشيشي وحكومته يحاربون وباء “الكوفيد” مجردين من كل اسلحتهم، ثم وبعد أن استحوذت على الحكم منفردا جاء كل الدعم من الاشقاء والاحباب…وتحركت “ماكينة” الدعم الخارجي من الأصدقاء والاصحاب، ألم يكن من الأجدر أن تتحرك “ماكينة” الدعم الخارجية منذ يوم غزو الوباء، وانت الذي يشرف عليها وعلى من فيها؟

مولاي،

تعال لنعترف ثالثا أنك اصطنعت حروبا واهية لا موجب لها فحاربت الاحتكار ولم نر شيئا مما أوهموك كما كنّا نظنّ…حاربت مجلس النواب بمن فيه وعرفنا غايتك يوم الخامس والعشرين من شهر جويلية الحزين…أعلنت الحرب على الفساد ولم تجد فاسدا واحدا تدخله السجن…أعلنت الحرب على خصومك فملأت الإقامات الجبرية بهم فخرجوا وكأن شيئا لم يكن، أبرياء من كل ما كنت وكنّا نظنّ…خسرت كل حروبك ولم تنجح في إصلاح حالنا وحال البلاد…ألم يحن الوقت لنقول “أين نحن سائرون؟”…ألم يحن الوقت لنقول لك نحن الشعب ” إلى اين تأخذنا مولانا؟؟”

مولاي،

تعال نتحدث عن مشروعك السياسي الذي تريد فرضه على البلاد والعباد…ألم تفشل استشارتك؟ ألم يقاطع شعب الأحزاب استشارتك؟ ألم تعارض الأحزاب استشارتك؟ فعن أي شعب تتحدث حين تصرخ في كل خطبك “الشعب يريد” ألا يجب أن نعترف اليوم أن الشعب لا يريد ما تريد ولن يقبل ابدا بما تريد حتى وإن حكمته غدا بيد من حديد…

مولاي،

ألم تعلن الحرب على الأحزاب فكيف ستضمن مبايعة شعب الأحزاب وأنت تهددهم كل لحظة بالخراب…فمن أوصلك اين انت ومن اجلسك على عرش البلاد أليس شعب الأحزاب الذي أعلنت الحرب عليها ورفعت في وجوهها معاول ومراسيم الهدم والخراب؟ مولاي هل حقّا قادر أنت على إلغاء الأحزاب…وهي التي فتحت أمامك كل الأبواب…؟ لنعترف مولاي أنك خسرت كل معاركك وتسببت في جزء من كل هذا الخراب…كما وجب أن نعترف أنت أنك لم تجد جنّة موصدة الأبواب… ولنعترف نحن وأنت مولاي أنك أضفت خرابا على الخراب…

مولاي،

ألست أنت من اختار طالبتك ودللتها وبجّلتها وأكرمتها، وأغلقت في وجه غيرها من كفاءات البلاد كل الأبواب؟ فلِمَ تشتكي اليوم من غدرها وغدر جميع الأصدقاء والأحباب؟ مولاي ألم تتخلّص من كل من أوصلوك وفتحوا لك الأبواب؟ ألم تتنكر لجميل الحركات والمنظمات والأحزاب؟ فكيف اليوم تستغرب كل هذا الخراب وغدر الاحباب؟

مولاي،

يحاول اليوم اتباعك ايهامك بأن خصومك سيحرقون البلاد…ويجوّعون العباد…وأنت تعلم مولاي من يفعل كل ذلك ومن يصنع ويضمر للغد الأسباب…ألم يفعلوها يوم الخامس والعشرين من جويلية الحزين وفتحوا لك كل الأبواب…بما أحدثوه من خراب…ألم يصنعوا لك الأسباب…والذرائع وموجبات ما نحن فيه اليوم من خراب…؟ فلا تتبع أهواءهم مولاي…فهم زبانية الخراب…وافتح خيمتك لكل المنظمات والحركات والأحزاب…فدون ذلك لن يجني هذا الشعب غير الخراب…ولن ترث أجيالنا القادمة غير الأحقاد والخراب والعذاب…

مولاي،

اقرأ هذه القصّة وأعد قراءتها…مرّة وأخرى بعد الأخرى…فأنا أريد أن يحفظ أبناء فقراء هذا الوطن وجميعنا من الفقراء …أقول كم أتمنى أن يحفظ أبناء فقراء هذه الأرض ملامح وجهك ليشكروك يوم نلتقي جميعنا …يوم الحساب أمام صاحب الحساب…فاقرأ مولاي…اقرأ ولا تقل ما أنا بقارئ…

“سأل صحفي الملياردير النيجيري فيمي أوتيدولا في مقابلة هاتفية، “سيدي، ما الذي تتذكره والذي جعلك أسعد رجل في الحياة؟”

قال فيمي:

“مررت بأربع مراحل من السعادة في الحياة وفهمت أخيرًا معنى السعادة الحقيقية.”

كانت الخطوة الأولى هي تجميع الثروة والوسائل، لكن في تلك المرحلة، لم أحصل على السعادة التي أردتها وتمنيتها…ثم جاءت المرحلة الثانية من جمع الأشياء الثمينة، لكنني أدركت أن تأثير هذا الشيء مؤقت أيضًا، وأن وهج الأشياء الثمينة لا يدوم طويلاً…

ثم جاءت الخطوة الثالثة للحصول على خطط كبيرة، كان هذا عندما كنت أمتلك 95٪ من إمدادات “المازوت” في نيجيريا وإفريقيا، كنت أيضًا أكبر مالك سفن في إفريقيا وآسيا، لكن حتى هنا، لم أكن سعيدا كما كنت أعتقد وأتمنى…

كانت الخطوة الرابعة عندما طلب مني أحد أصدقائي شراء كرسي متحرك للأطفال المعوقين، وكان عددهم حوالي 200 طفلا…وبناءً على طلب الصديق، اشتريت الكراسي المتحركة على الفور…لكن الصديق أصرّ على أن أرافقه لأسلم الكراسي المتحركة للأطفال، فذهبت معه وهناك، سلّمت هذه الكراسي المتحركة لهؤلاء الأطفال بيدي، رأيت وهج السعادة الغريب على وجوه هؤلاء الأطفال، رأيتهم جميعًا جالسين على كراسي متحركة، يتجولون ويستمتعون…كانوا سعداء …كان الأمر كما لو أنهم وصلوا إلى مكان نزهة حيث تقاسموا الفوز بالجائزة الكبرى…حينها شعرت بفرح حقيقي بداخلي، شعرت بسعادة لم أعرفها من قبل ابدا… وعندما قررت المغادرة، أمسك أحد الأطفال بساقي…حاولت إفلات رجلي بلطف لكن الطفل نظر إلى وجهي وشد ساقي…انحنيت وسألت الطفل: هل تحتاج أي شيء آخر بُنيْ؟ الجواب الذي أعطاني إياه هذا الطفل لم يجعلني سعيدًا فحسب، بل غيّر أيضًا تمامًا موقفي تجاه الحياة، أتدري ما قاله لي هذا الطفل قال:”أريد أن أتذكر وجهك حتى أتعرف عليك عندما ألتقيك في الجنة وأشكرك مرة أخرى…أمام الله”

مولاي،

ألا تحفّزك هذه القصّة الواقعية لتكون مثل رجل الأعمال هذا؟ ألا يمكن أن تجعل أطفال فقراء هذا البلد يحفظون ملامحك ليشكروك يوم الحساب…؟ ألا يمكن أن تعيد كل حساباتك الخاطئة، وأنا أجزم أنها خاطئة، وتفتح خيمتك لكل أطياف هذا البلد؟ حفاظا على وحدة هذا البلد…درءا للفتنة بين أبناء هذا البلد؟ هل كان من الضروري ان تكون قاسيا مع شركائك مستعديا خصومك ومن أوصلوك إلى حيث أنت الى تلك الدرجة؟ هل كان يجب أن نضحي بتاريخ ومكتسبات البلاد لأنك لم تكن فيه ولم تكن من بُناته، لكي تبني تونس أخري موجودة في مخيلتك ومخيّلة زبانية تفسير مشروعك فقط؟ هل كان من الأسلم ان تبحث عن إقامة نظام على مقاسك، قاعدي الشكل، شمولي المحتوى، يعد على الناس أنفاسهم؟

مولاي،

الحكم الفردي التسلطي أو الدكتاتورية لا تبني وطنا ابدا… وإن كنت حقّا تريد ان تبني وطنا قويا عادلا ديمقراطيا فكيف تطالبنا في كل خطبك بالولاء الأعمى…كيف تطالبنا بأن نكون رهن استشارتك ورهن استفتائك ورهن انتخاباتك لنبايعك ملكا على البلاد والعباد…كيف تحارب خصومك وشعبك…كل شعبك، وتهدده بالويل والثبور إن فشلت استشارتك العرجاء وسقط استفتاؤك الغريب العجيب…المريب…؟؟

مولاي،

لا تفعل فغدا ينفضّون من حولك ويتركونك وحيدا… وقد نبكي، وتبكي غدا دماً على تونس التي أضعناها كما لم نُضِع وطنا…فتعال نحتفل غدا بوطن انقذناه معا…من أجل مستقبل احفادنا…غدا وبعد غد…معا…تعال نمسك يدك…وتمسك يدنا…من أجل أجمل غدنا…

تعليق واحد

صن نار

Exit mobile version