منذ سنوات أقرّت منظّمة الأمم المتحذة من خلال اليونسكو يوما عالميا للإذاعة واختارت يوم 13 من شهر فيفري كل عام للإحتفال بهذا الصديق العجيب الذي يرافقنا في كامل فترات حياتنا.
و الحكاية بدأت بمقترح في هذا الإتجاه من قبل الوفد الإسباني الدائم بالمنظمة الأمميّة للتربية والثقافة والعلوم سنة 2011 على هامش دورتها 187 ، وهو مقترح لقي قبولا من كل الوفود المشاركة. أما الاسباب فهي كثيرة و قد عدّدتها منظمة اليونسكو و منها على وجه الخصوص أن الإذاعة هي أكثر وسيلة اتصالية تصل إلى أكبر عدد ممكن من الجماهير، إلى جانب كلفتها المحدودة نسبيا ، والأهم أنّها تقرّب المسافات بين المجموعات والشعوب وما قد ينجرّ عن ذلك من تلاقح الثقافات وتبادل المعلومات وتحقيق علاقات قوية بين سائر مكوّنات البشريّة .
وتختار اليونسكو كل عام شعارا لذلك الإحتفال، وشعار هذا العام إذاعة متجدّدة لعالم متجدّد -التطور والابتكار والربط – ويقصد بكلمة الربط وهي الترجمة التي جاءت في الموقع الرسمي لمنظّمة اليونسكو لكلمة Connect وأفضّل في هذه الحالة عبارة البقاء على اتصال أو تواصل، على كل ليس هذا هو قلب الإهتمام لهذا الأسبوع، فمن خلال الشعار المذكور هل نحن بالفعل نملك إذاعة متجدّدة تساير العالم المتجدّد، وهل نحن بصدد تحقيق الإبتكار والتطوّر والتواصل في المجال الإذاعي،
لقد ربطت المنظمة جائحة كوفيد 19 ونشر الوعي بين الجماهير بخطورة هذا المرضي وكيفيّة التوقّي منه. نعم هذا جزء من الشعار فرضته الأحداث ولا يمكن لأحد في العالم أن يتملّص منه أو يعتبر الموضوع لا يعنيه، فالعالم بكلّ مكوّناته وأدوات اتصاله انخرط في هذا الجهد البشري، طبعا كل حسب طاقاته وإمكاناته، لكن وأعيد السؤال، هل نحن بالفعل أمام مشهد إذاعي متجدّد، يبتكر ويطوّر ويتواصل مع الجماهير؟
إن كان مسألة التواصل فهذا أمر حاصل ، وما هي الإذاعة دون تواصل مع مستمعيها، فماذا عن الإبتكار والتطوّر. الثابت؟ إنّنا لا يمكن أن نتحدّث عن هذين العنصرين إلاّ إذا حقّقنا الإكتفاء الذاتي، إلاّ إذا ما وضعنا أرضية صلبة منها المنطلق والإقلاع وأعني هنا، أين إذاعاتنا من الثقافة المحليّة، من أطفالنا ومدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، أين الإذاعة من عاداتنا وتقاليدنا، أين الإذاعة من تاريخنا وتميّزنا الثقافي، أين الإذاعة من المرأة التونسية العاملة في كلّ المجالات؟أين الإذاعة من مبدعينا ومن مثقّفينا ومن كتّابنا وشعرائنا ومن الفن بشتى أصنافه، أين الإذاعة من اغانينا التي تعبّر عنّا وهي جزء منّا في مناسباتنا وأعيادنا ومواسمنا….؟؟؟
الأسئلة كثيرة ولا تنتهي، أسئلة تأتي لا بفعل حب المعرفة ومحاولة الفهم بل بفعل الألم والوجيعة، أقول وهذه قناعتي أنا حتى لا أعمّم ،أمام إذاعة غريبة عنّي في لغة اتصالها، في رسائلها، في برامجها وفي أغانيها، أنا أمام إذاعة تنظر إليّ كرسالة صوتيّة قصيرة، كرقم يجب أن يرتفع ويرتفع ويزداد ويزداد، كمنحنى تصاعدي في عمليات قياس الإستماع.
من حق الإذاعة أن تحقّق توازناتها الماليّة والربح المادّي لكن ليس في إطار مشروع تجاري بل في إطار مشروع ثقافي ناجح،.. و من حق الإذاعة أن تتفتّح على ثقافة الغير و تستشهد بها و تنهل منها كعامل ثراء وتنمية لكن دون أن نجعلها الأساس ورمزا للعصر و التقدّم.