وهْجُ نار

مَن صنّع الطوفان… حماس أم طهران؟؟؟

نشرت

في

منذ أكثر من ثلاثين عاما لم أكتب في السياسة العالمية والعربية بالذات…أكتب اليوم لأني فوجئت كالجميع بالأحداث التي وقعت… فلا أحد، ولا حتى “الماما” ولا حتى “المسيو” بايدن الذي يعاني من كابوس بوتين وبيكين ليلا نهارا، كان على بينة وعلم بما تعدّه حركة حماس لمدللتها “إسرائيل” فلو علمت “الماما” لأعلمت مدللتها لأخذ كل التدابير اللازمة لدرء ما حصل…

<strong>محمد الأطرش<strong>

ما فعلته حماس لم تسبقها إليه أية دولة عربية وأي جيش عربي أو أي تحالف عربي، ولن يكون ما بعد السابع من أكتوبر كما كان قبله أبدا، فلأول مرّة يصف الإعلام “الإسرائيلي” ما وقع لهم بوصمة عار، فحتى حرب أكتوبر كان الجميع ينتظرها رغم عدم علمهم بساعتها الصفر…وما أتاه رجال المقاومة كسّر قاعدة “الحروب الاستباقية” التي كانت تتميّز بها مدللة الماما “إسرائيل” فتاريخ الحروب العربية الإسرائيلية لم يشهد بدء العرب ومبادرتهم بالحرب ابدا إلا مرّة “يتيمة” وكانت خلال حرب السادات سنة 1973 فكل الحروب الأخرى كان العرب والفلسطينيون في وضع دفاعي عن ديارهم، وكانت “ربيبة” الماما هي المبادرة دائمة بــ”العدوان”…

كتائب المقاومة نجحت في ما لم تنجح فيه الجيوش العربية سابقا ابدا، فقد كشفت للعالم فشل كل منظومات الدفاع والترصّد الإسرائيلية، ونجحت مجموعاتها المسلحة في اختراق كل الحواجز العسكرية لجيش العدو من خلال خلق ممرّ آمن بين مستوطنات الغلاف وبين قطاع غزّة، وهو الأمر الذي مكّنهم من اختطاف وأسر العديد من الجنود والضباط والقادة العسكريين لجيش العدو الإسرائيلي دون أن تتفطّن تل أبيب إلى عدد من تمّ اسرهم وصفاتهم وحتى أين تمّ اقتيادهم…

 إسرائيل لم تعش سابقا تجربة الدفاع عن النفس ونزول أمطار الصواريخ والقنابل بالآلاف على مستوطناتها ومدنها وقراها…لذلك تعيش اليوم ارتباكا كبيرا…فما أتته كتائب حماس أحدث صدمة كبيرة في نفوس المستوطنين وفي كل قوات الاحتلال…الأمر الذي أجبر نتنياهو على إعلان الحرب وهو الأمر الذي لم تعشه “إسرائيل” منذ حرب أكتوبر 73، فنتنياهو استغل الأمر أيضا لمحاولة الخروج من أزمته التي يعيشها مع حكومته وأراد ضرب عصفورين بحجر واحد واستغلال ما حدث لكسب تعاطف طيف سياسي كبير داخل الأراضي المحتلّة وتليين مواقف بعض مكونات الائتلاف الحاكم…لإطالة فترة بقائه على كرسي الحكم…

“طوفان الأقصى” وهو الاسم الذي أطلقته حماس على حربها التي فاجأت بها كل العالم، حقّق في ساعاته الأولى ما لم تحققه كل الحروب التي سبقت هذا الطوفان، فعدد القتلى من الجانبين يعتبر قياسيا مقارنة بما كان بعض القادة العرب يفاخرون به ويهددون ويولولون ويعدون برمي “اسرئيل” في البحر وهم لم يعلنوا عليها الحرب إلا مرّة واحدة حين أعلنها الرئيس المصري أنور السادات رحمه الله… “طوفان الاقصى” حقّق ايضا ما لم تحققه كل الحروب السابقة التي كانت تتميّز بكذب القادة العرب وافتخارهم بنصر وهمي لا شيء منه تحقّق منذ 1948 …كتائب حماس نجحت ولأول مرّة في خلق الصدمة والرعب في كل من استوطنوا ارضها وأرض أجدادها، ونجحت ولأول مرّة أيضا في أسر عدد كبير وكبير جدّا من الجنود الإسرائيليين وقياداتهم الميدانية وقد تطول مدّة اسرهم لسنوات إن لم يرضخ نتنياهو ومن معه ومن سيأتي بعده وبعدهم لشروط ومطالب حركة حماس، فأسرى “الطوفان” سيصبحون الورقة الأغلى في الصراع العربي الإسرائيلي أو بالأحرى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فالعرب أصبحوا غرباء عن هذا الملف، فلا دخل لهم في ما يقع غير بعيد عنهم وهم الذين طبّعوا مع “إسرائيل”، وهذا ما سيؤرق حكومة نتنياهو كثيرا في قادم الأشهر إن لم يصل الأمر إلى سنوات قادمة…

حماس نجحت في نقل الحرب إلى منطقة 18 مترا …عفوا إلى عمق الأراضي المحتلة وعقر مستوطنات العدو الإسرائيلي فأوجعتها أكثر من كل ما عاشته مدللة الماما سابقا من حروب وخسائر…فهي لن تجازف أبدا باحتلال قطاع غزّة خوفا من حجم الخسائر التي قد تتكبدها … فحرب الشوارع والحروب غير التقليدية ليست من اختصاص الجيش الإسرائيلي الذي لم يتعوّد كثيرا على حروب الشوارع وحروب الاستنزاف رغم ما عاناه من الانتفاضة الكبرى واستنزاف ما بعد حرب 1967 الخاطفة…كما أن دخول جيش الاحتلال غزّة سيوسع رقعة الحرب إلى شمال الأراضي المحتلة ليصبح نتنياهو وجيشه بين كماشتين تجيدان حرب الشوارع والاستنزاف ومدعومتين من ايران العدو الأكبر لمدللة “الماما” وهما كتائب القسام وكتائب حزب الله ومن يؤازرها في جنوب سوريا ايضا، وقد تعصف هذه الحرب بحكومة نتنياهو وكل المشهد السياسي في “إسرائيل”…

سقوط الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو أمر قد لا يعجب العديد من البلدان العربية المجاورة والمطبّعة أو تلك التي هي في الطريق إلى التطبيع…فأول أهداف “طوفان الأقصى” تحقّق من خلال “فرملة” عملية التطبيع بين المملكة السعودية وتل أبيب فتوقيت هذا الطوفان غريب وعجيب أيضا، وكأني بطرف أكبر من حماس ومن حزب الله ومن كل “المتأبطين شرّا” بتل ابيب…فايران التي تصالحت أخيرا مع السعودية لن ترضى ولن تقبل بتطبيع المملكة مع تل ابيب ببساطة… ولن يرضيها الأمر كما يتصوّر البعض…وايران التي ستضطرّ للابتعاد شيئا ما عن الحوثيين واليمن إرضاء للسعودية تريد خلط الأوراق من جديد وتحقيق بعض المكاسب وربما فرض بعض الشروط على كل المشهد الشرق أوسطي خدمة لمصالحها ومصالح حلفائها…

ولا شكّ ان ايران وبالتنسيق مع حماس وحزب الله شمالا هي من اختار توقيت الطوفان ونزول الغيث المدمّر من الصواريخ على مستوطنات غلاف قطاع غزّة لغاية في نفس طهران ومن يساندها…ولا غرابة أن يكون قيصر روسيا طرفا في ما يحدث اليوم في الأراضي المحتلة…فتشتيت الدور الأمريكي والغربي عمّا يقع في أوكرانيا سيكسب بوتين العديد من النقاط وسيربك بايدن ومن معه… فإيران ومن معها من كتائب وحركات ستتكفل بإرباك المعسكر الغربي جنوبا في حين يكمل بوتين مهمته بأكثر أريحية ممكنة…هذا الأمر قد لا يكون للفلسطينيين دخل فيه لكنهم حُشروا فيه رغما عنهم، فهم العاصفة التي جاءت بالطوفان …وستقطف أجود ثمارها ايران ومن معها…

لكن ماذا ستكسب المقاومة الفلسطينية في قطاع غزّة بعد أن جعلوها “الطوفان” الذي حقّقوا به بعض مكاسبهم لو نجحت في كسب الحرب وفرض ما تريده؟ طبعا لن تخرج المقاومة بخفي حنين من هذا الطوفان بل ستكسب أولا شرعيتها في التواجد في المشهد القيادي الفلسطيني بخياراتها التي لم تتخل عنها منذ ولادتها…وقد تنجح في رأب الصدع الفلسطيني والمصالحة مع بقية الفصائل الفلسطينية… وقد تنجح حركة حماس في أن تصبح خنجر ايران الدائم والموجع في خاصرة إسرائيل جنوبا لتعيش مدللة “الماما” بين مطرقة حزب الله شمالا وسندان كتائب القسام جنوبا…خلاصة القول، هل نجحت ايران في صناعة طوفان فلسطيني قادر على إرباك تل أبيب وارغامها على القبول بشروطه دون الحاجة إلى العرب الذين يقفون صفّا يستجدون فتح باب “اتفاقيات ابراهام”…؟ وهل يخرج العرب باستثناء سورية من الملف الفلسطيني بعد أن “أكلوا الماء والملح” مع “إسرائيل” على مائدة واحدة دون دعوة الفلسطينيين لمأدبة نُظمت على أرضهم…؟؟

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version