جور نار
مُلتويات تواصليّة يُتقنها التونسيّون
نشرت
قبل 10 أشهرفي
من قبل
منصف الخميري Moncef Khemiriمنصف الخميري:
وأنا أقرأ كتاب “البُعد الخفيّ” لإدوارد تي هول، تمنّيت لو كان الكاتب مطّلعا على الثقافة الشعبية التونسية ليُدعّم فكرته المتصلة بالثقافات ذات السياق العالي، بأمثلة ملموسة من معيشنا اليومي في المقاهي وشبابيك الإدارة وعربات النقل العمومي وما يتمّ تبادله عبر الهواتف ومساحات التراسل والتواصل.
وقبل استعراض البعض من هذه الأمثلة المؤيّدة لفكرة أننا كتونسيين منتمون إلى سياق ثقافي هلامي وعال وعائم جدا، قد يكون من المُفيد قول بعض الشيء عن صاحب مقولة “الزمن ناطق، ويصدح بالحقيقة أحيانا عندما تكذب الكلمات”.
إدوارد تي هول (1914-2009) عالم أنتروبولوجي أمريكي عُرف خاصة بإشاعته لمفهوم المثاقفة أو تواصل الثقافات واهتم بالأبعاد الخفية التي تحكم سلوكاتنا بصفة لاواعية في مجالات التواصل والزمن والفضاء.
بالنسبة إليه، كل ثقافة تتوفر على نموذجها الخاص في التواصل الذي لا يتحدد بموجب مضمون الرسائل فحسب. بل إن شكل الرسالة وصيغتها هما في أغلب الأحيان أهم من محتواها، الشيء الذي سيدفع به إلى التفريق بين سياقين للتواصل : سياق عالٍ وسياق منخفض.
في الثقافات ذات السياق العالي (مثل شعوب آسيا والشرق عامة وإفريقيا)، يكون للكلام قيمة أقل بالنسبة إلى السياق والمناخ الذي يتحقق فيه التبادل. يكون الفرد في غير حاجة إلى معلومة صريحة ومصوغة وفق قواعد محددة من أجل أن يتواصل ويتفاعل مع محيطه. ويعتمد التواصل هنا على روابط بين شخصية قوية، بحيث يكون التواصل ذاتيا وغير رسمي وعادة غامضا وغير لفظي ويستدعي أشكالا أخرى من التعبير التي تتجاوز المعاني المباشرة للكلام.
في هذا النوع من الثقافات يكون الانتماء إلى مجموعة مهم جدا ويُولى اهتمام أكثر من قبل الأفراد إلى معاني “المعايشة” وجودة التفاعلات. هو سياق لا يثق فيه الفاعلون بالوثائق المكتوبة ويُخيّرون الإجراءات المرنة والسّائلة.
ويتضمّن هذا النسق ثراءً علائقيا وتواصليا كبيرا (الإيحاء والتضمين والدلالات الحافة واللايُقال ولحظات الصمت الصائت وغير المباشر والمضمر والكامن …) وعادة ما يتسبب في سوء تفاهم وتشنجات مع أشخاص منتمين إلى ثقافات سياقها منخفض.
أما في النوع الثقافي المقابل (ألمانيا وكندا وأمريكا مثلا) فتكون المعلومة موضوعية ورسمية وتُصاغ عبر قواعد تواصلية دقيقة ومكتوبة وتكون المعلومات واضحة ومحددة خاصة عند بلورة الأهداف. التواصل في هذا النموذج صريح ومباشر (الأولوية للتحليل وتعقّل المواقف) يتبادل ضمنه الأفراد كمًّا كبيرا من المعلومات على حساب ثراء السياق وخصوبته، فلا مكان لغموض الرسائل أو ضبابية معانيها (منطق استنتاجي وفق قواعد صريحة ومُتعارف عليها على نطاق واسع).
ومن المهم الإشارة كذلك إلى أن التواصل في هذا المنوال يكون باردا وعقلانيا ومحسوب النتائج منذ البداية ويتأسّس على الوضوح والاختصار مقابل المُبهم وغير الدقيق.
هنالك طُرفة متداولة تُجسّد تماما حدود التعارض بين السياقين الثقافيين العالي والمنخفض، وهي قصة مواطن تونسي له صديق ألماني تهاتفا صباحا للاتفاق على موعد مسائي يلتقيان خلاله في مكان ما ليحتسيا القهوة سويّا ويتحدّثان فيما يهمّهما.
فبادر التونسي بالقول : “مالة نتقابلو العشيّة كان عشنا مع الأربعة هكاكة، الأربعة ونصف… في المكان الفلاني”، فأجابه صديقه الألماني “من رأيي مرة واحدة تكفي، لِمَ نلتقي مرتين ؟”
ملتويات تواصلية لا يُحكم نسج خيوطها جيدا إلا التونسيون
التونسي لا يمنحك ثقة ولا يرتاح إليك وإلى ما تقوله إذا أنت لم تُمعن النظر مباشرة في عينيه والاقتراب منه (أكثر مما هو مسموح به اعتياديا إذا لزم الأمر) ومسكه من يده للتأكيد على حميمية العلاقة بينكما … ومناداته باسمه الصغير (عكس ما هو مُتعارف عليه في الثقافات الأخرى من ضرورة مناداة الأفراد الذين لا تربطنا بهم علاقات خاصة بألقابهم، كأن نقول السيد بيفو بدلا من السيد برنار) لمزيد شحنه عاطفيا، ولِم لا تذكُّرَ والدته خالتي مْنى للترحّم عليها واستحضار كرمِها ووقارها وسخاء مطبخها العامر دوما.
والتونسي يحفظ جيدا المثل الشعبي “كلمة لا ما تجيب بلاء” لكنه يزدريه ويتحاشاه لأن قُدسيّة العلاقات العائلية والقوة الرمزية لعلاقات الصداقة (بغثّها وسمينها) وكذلك نزعة التّوقير المهيمنة على العلاقات العامة إلى حدود زمن غير بعيد، كل هذا يمنع الأفراد من التعبير عن رفض حادّ لطلب ما أو ممانعة جافة وفظّة لقبول مضمون التماس معيّن عبّر عنه أحدهم… فإما أن يقبل على مضض ما طُلب منه ويكون متأكدا بنسبة عالية أن ما أعاره لن يعود أو ما قدّمه من خدمة (سيتعب في نيلها لفائدة غيره) لن يستتبعها اعتراف بالجميل… أو أن يلتجئ إلى ملتويات تواصلية تحفظ ماء الوجه وتضمن نصف اقتناع الشخص المقابل، مثل “والله نشالله يبقى بعدي لا نكسابها” كما كانت تقول والدتي رحمها الله، أو “والله طلْبتك عزيزة وإلّي بيناتنا أكبر وأثمن مالفلوس يعطيها ربْيَة وبوك راهو صاحبي برشة كالاخوة آنا واياه، آما والله جيتني في لحظة ماهيش هيا جملة ماك تعرف مصروف رمضان والعيد ودبش الصغار وفلوس الإيتيد، الخ…” بدلا من القول “لا أستطيع” ببساطة.
والتونسي يجب أن تحذر ردود فعله عندما ينزل ضيفا عليك لأن حياءه الفطري يمنعه من التعبير بوضوح عن رغباته وما يفضّله من أكل وما لا يفضّله. فعلى سبيل المثال عندما يكون الجميع على طاولة الغداء أو العشاء، يجب أن تنتبه أنه اكتفى بأدنى ما يمكن وضعه في صحنه وبالتالي عليك أن تُصرّ وتُلحّ وتُقسم بأغلظ الأيمان حتى يقتنع ضيفك في النهاية (وهو الذي يتضوّر جوعا بعد كل المسافة التي قطعها) بإشباع الصحن في البداية وإكرامه في النهاية.
والتونسي لا يُسمّي أبدا الأشياء بأسمائها مُستحسنا الذهاب إلى المعاني من نوافذها الخلفية لأن التعرّي أو “الكِشفة” من الآثام التي يصعب تحمّل وِزرها ذهنيا وأخلاقيا ودينيا… كأن يمتنع عن قول “نحن نعيش حبّنا بكل معانيه” بل “الحمد لله هانا عايشين ومستورين” أو أن يعترض على ما أتاه شاعرنا الكبير الراحل مؤخرا محمد الغزي الذي قال بشكل مباشر “على الأرض خمور لم أذق أطيبها وذنوب جمّة لم أقترف أجملها” … مفضّلا إطلاق تسميات ملتوية من قبيل “الشادلية” أو “المعصية” أو “المحنة” أو “التڨديرة” (بالقاف المُثلّثة) نسبة إلى القِدر الذي تُعدُّ داخله بعض الأكلات البسيطة المُؤثّثة لمجالس الأنس بين الأصدقاء.
والتونسي ينزع إلى استعمال صيغ التصغير وكأنه يعتبر في لاشعوره عدم جدارته بتلك الأشياء في كمالها ومطلق بهائها، فالدار التي يبنيها “دويرة” والسيارة التي يشتريها “كريهبة” والعشاء الذي يتناوله مساءً “عْشَيْ”… إلا إذا كان ذلك في مطعم فاخر حينئذ يصبح “عشاء وعليه الكلام”.
والتونسي يُطيل بشكل غير طبيعي بروتوكول التسليم والتوديع. فبدلا من صباح الخير ويعود إلى السطر، يقول “السلام عليكم فينك يا معلم صباح الخير آش تعمل هاك قايم بكري اليوم آما عينيك منفوخين لازم سهرت البارح شفت الطقس اليوم متاع تبحيرة بصراحة آما هاك تشوف…” وعندما تودّعه مساءً لا يكتفي بـ “تصبح على خير” فهي جرعة غير كافية للتعبير عن كل الودّ (الواهم في أغلب الأحيان) الذي يكنّه لك فينطلق في جُمل مسهبة لا تنتهي إلا بالاطمئنان على فرصة اللقاء مجددا في الغد صباحا.
والتونسي يُبدع في تلغيزه للخطاب ويُطالبك بأن تفهمه “عالرّمش” شاهرا في وجهك “آنا نقلك وانت ما يخفاك” والا “لازم نقلك هنا بير باش تفهم ؟” وخير المتكلّمين عنده هو من يُتقن التلميح بدلا من التصريح ومن يقول من الكلام أقلّه وألطفه.
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 3 أيامفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 6 ساعات
القدس… بلدية الاحتلال توزع قرارات هدم في سلوان
- صن نارقبل 6 ساعات
حسب صحيف أمريكية… شتائم واعتداءات جسدية بين أعضاء فريق ترامب
- ثقافياقبل 8 ساعات
في سهرة البارحة… الصين تفتتح أيام قرطاج المسرحية
- فُرن نارقبل 16 ساعة
السيد معتمد سليمان… ما هكذا تساق الجرارات!!
- منبـ ... نارقبل يومين
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل يومين
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل يومين
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يومين
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية