ليسوا بلهاء، النساء والرجال أعضاء الاجتماع المشترك للكونغرس الأمريكي، الذين لم يتوقفوا عن التصفيق لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو.
فشعائر الاحتفاء بمجرم حرب من طرازه تقتضي شتى صنوف التهليل، بل التنافس في إظهار الولاء أمام عدسات سوف تبلغ أنظار مجموعات الضغط المناصرة للكيان الصهيوني؛ ليس في الولايات المتحدة وحدها، بل في أربع رياح الأرض. هم، في المقابل، أردأ أخلاقاً وأدنى سلوكاً وأحطّ طوية من أيّ أبله يمكن أن يصفق لا على التعيين، إذْ لا أحد منهم لم يُبصر واحداً أو اثنين أو عشرة من مشاهد جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزّة وسائر فلسطين؛ أو لم تبلغه خلاصات محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية، أو اعتصامات الطلاب في الجامعات الأمريكية على اختلافها والنخبة النخبوية بينها أوّلاً.
فأنْ يصفق واقفاً أعضاء الكونغرس أمثال توم كوتون، ميتش ماكونيل، مارشا بلاكبرن، كاتي بويد بريت، تيد باد، كيفن كريمر، تيد كروز، بيل هاغرتي، بيت ريكتس، ماركو روبيو، ريك سكوت، وتيم سكوت، وسواهم عشرات من أنصار دولة الاحتلال، إزاء لافتة عنصرية بغيضة افتتح بها نتنياهو خطابه (على غرار أنّ هذه حرب بين البربرية والحضارة، أو إسرائيل أوّلاً، وأمريكا ثانياً)؛ أمر يتجاوز الهبل والانتهاز والتزلف والنفاق. إنه يعكس باطناً عنصرياً كريهاً لوقائع التاريخ عموماً، ولما يشهده قطاع غزّة وسائر فلسطين من توحّش إسرائيلي لا يُقارن بأيّة بربرية أو همجية أو وحشية.
الأرجح، أيضاً، أنّ نتنياهو لم يتوقف عند افتراض البلاهة المطلقة لدى مستمعيه والمصفقين له، حين أعلن أنّ “أمريكا دشنت تحالفاً أمنياً في أوروبا لمواجهة التهديد السوفياتي المتزايد، وبالمثل يمكن لأمريكا وإسرائيل اليوم تدشين تحالف أمني في الشرق الأوسط لمواجهة التهديد الإيراني المتزايد”. فهو يتقن دغدغة الأمزجة الشعبوية التي تستسهل ابتلاع “برشامة” جيو ــ سياسية هنا وهناك، فتطوّع باقتراح التسمية المثلى لذلك المشروع الأخرق: “تحالف أبراهام” نسبة إلى الاتفاقيات التي عقدتها دولة الاحتلال مع أنظمة خليجية مثل الإمارات والبحرين. وكي يضيف بعض التوابل إلى مَن يستسيغون الاستهبال، ذكّرهم بأنّ هجمة إيران ضدّ دولة الاحتلال، شاركت في التصدّي لها “خمسة جيوش حلّقت في الأجواء لإسقاط الهجمة بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضدّ الدولة اليهودية”.
وعلى سيرة يهودية الكيان الصهيوني، لعلّ واحداً من أطرف التفاصيل، خلال خطبة نتنياهو، كان مشهد جيري مادلر، العضو الديمقراطي وممثل الدائرة 12 في نيويورك، الذي صرف الوقت وهو يقلّب صفحات كتاب “بين كاسبيت” (سنوات نتنياهو)؛ فهو عضو الكونغرس ذاته الذي اعتبر أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية هو “الزعيم الأسوأ في التاريخ اليهودي منذ أن بادر الملك المكابي إلى دعوة الرومان لدخول أورشليم قبل 2100 سنة”. ورغم أنّ المعطيات أشارت إلى تغيّب 68 عضواً ديمقراطياً، فإنّ ديمقراطيين بارزين أمثال شاك شومر وآمي كلوبشر وكريس مورفي حضروا، فكتموا الامتعاض تارة أو التعجّب تارة أخرى؛ لكنهم صفقوا وقوفاً مراراً، وهللوا أسوة بالقطيع الجمهوري.
وإذْ استعاد مقولة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، حول “محور الشرّ” فحصره في إيران وحدها؛ هتف نتنياهو، في جملة أخرى كفيلة بدغدغة العقول المتبلدة: “أعداؤنا هم أعداؤكم، معركتنا هي معركتكم، وانتصاراتنا سوف تكون انتصاراتكم”. فإن الإضافة التالية، المكمّلة تلقائياً، هي هذه بالطبع: النصر على مرمى البصر، وحين يفلح الجيش الإسرائيلي في دحر “حماس” فإنّ ذلك سيشكّل ضربة قاصمة لــ”محور الإرهاب” في غزّة ولبنان واليمن؛ وللمرء أن يتخيّل حجم التصفيق وقوفاً حيال “برشامة” استغباء مثل هذه.
لكنّ المشهد كان سريالياً بعض الشيء، بين التصفيق الحارّ الذي واظب عليه ممثّلو الأمّة الأمريكية داخل قاعة الكونغرس الكبرى، ومظاهر الاحتجاج العارم الذي عبّرت عنه غالبية من ناخبيهم في محيط الكابيتول؛ وحتى طغيان الحضور اليهودي داخل صفوف الاحتجاج، تحت شعارات تطالب بوقف إطلاق النار باسم اليهود، مما استدعى من بعض النوّاب المصفقين وصف هؤلاء (اليهود، تحديداً) بالعمالة لــ”حماس”. ولم يكن ينقص سوى فقرة في خطبة نتنياهو تطلق صفة البلاهة على المحتجين في الخارج، ممّن يتجاهلون ما تفعله إيران (وليس “حماس” هذه المرّة!) بالمثليين والنساء غير المحجبات.
وهذه، للتذكير المفيد، هي خطبة نتنياهو الرابعة أمام اجتماع مشترك للكونغرس، ولم يسبق لأيّ سياسي أجنبي أن حظي بفرصة فريدة كهذه؛ مع التنويه إلى أنّ نصف تلك المناسبات انطوت على تجاوز للبيت الأبيض، وترتيب مع الأغلبية الجمهورية، وتدخّل في النزاعات بين الحزبين. لعلّ الأكثر استدعاء للذاكرة كانت خطبة أواخر العام 2015 حين سعى نتنياهو إلى تعطيل خطط الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بصدد الاتفاق النووي مع إيران. والتاريخ حفظ تصريح ران باراتز، مستشار نتنياهو الإعلامي؛ الذي اعتبر أنّ موقف أوباما من الاتفاق هو “الوجه الحديث للعداء للسامية في الغرب والبلدان الليبرالية”.
انزعاج الإدارة من تصريحات كهذه لم يتحوّل، البتة، إلى عائق أمام إقرار إدارة أوباما سلسلة مطالب إسرائيلية: تدعيم “القبة الفولاذية” التي تستقبل وتدمّر الصواريخ قصيرة المدى؛ و”مقلاع داود” للصواريخ متوسطة وبعيدة المدى؛ وأنظمة “سهم” المضادة للصواريخ بدورها؛ ومقاتلات F-35A التي مُنحت، للمرّة الأولى، إلى أيّ حليف؛ ومقاتلات V-22، التي تحلّق كطائرة وتهبط كحوّامة؛ فضلاً، بالطبع، عن اتفاقية مساعدة سنوية بقيمة 30 مليار دولار.
التفاف نتنياهو على أوباما خلال تلك الزيارة لم يمنع اتفاقهما على صيغة مكتومة من التواطؤ المكشوف، تتناسى ما دار بينهما أثناء زيارة أوباما إلى دولة الاحتلال، حين كان الأخير محض مرشّح للرئاسة، وكان الأوّل زعيم حزب “ليكود” الطامح إلى هزم “كاديما”. آنذاك، كما حرص نتنياهو على التسريب إلى الصحافة، انزوى الرجلان بعيداً عن الحشد، فقال أوباما: “أنت وأنا نشترك في الكثير. لقد بدأتُ على اليسار وانتقلتُ إلى الوسط. وأنت بدأتَ على اليمين وانتقلتَ إلى الوسط. كلانا براغماتي يرغب في إنجاز الأمور”. وللمرء أن يحدّث، ولا حرج، حول طبيعة تلك “الأمور” وطابع ذلك “الإنجاز”.
أيضاً، كان المعلّق الإسرائيلي عكيفا إلدار قد ذكّرّ العالم بقسط من النفور الذي اكتنف شخص نتنياهو لدى رجالات إدارة رئيس أمريكي اسبق آخر هو بيل كلينتون، وعند الرئيس نفسه (الذي استخدم تعبير “فضلات الدجاج” في إحدى ثورات غضبه على نتنياهو)؛ مروراً بالسيدة الأولى هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية في ولاية أوباما الأولى، والمرشحة الرئاسية الديمقراطية لاحقاً؛ وليس انتهاءً بأمثال دنيس روس، أرون دافيد ميللر، وجو لوكهارت.
فهل امتنع هؤلاء عن التصفيق الحارّ كلما صنع نتنياهو مناسبة للتطبيل له شخصياً، وليس التزمير لدولة الاحتلال فقط؟ كلا، بالطبع، فمن ذا الذي تجاسر (حتى داخل أمانات المجالس، وليس علانية على أيّ نحو) في فتح ملفات توسيع الاستيطان، أو تهويد القدس، أو مصادرة الأراضي، أو عربدة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في المناطق ذاتها التي تخضع للتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، أو وضع معظم بنود اتفاقيات أوسلو في سلّة المهملات الإسرائيلية، أو الإصغاء إلى حركات الاحتجاج في الشوارع والجامعات ومبنى الكابيتول؟
ولماذا يُلام نتنياهو إذا قرّع المصفقون أنفسهم لأنهم لم يتوقفوا عن التصفيق، فخاطبهم هكذا، كتلامذة في المدارس الابتدائية: “لا تصفقوا ! استمعوا !”؛ وهل كانوا أصلاً، في قليل أو كثير، سوى عقول مصفقة متبلدة؟!
يخجل القلب من نعيك، ويضيق الحرف برثائك، تفيض المشاعر حزناً وصدمة إنّما لا يتّسع الفضاء الالكتروني لترجمتها.. تربّطت أصابعي عن النقر على لوحة الحروف واحترقت دموعي غزارة في المُقل.
غبت أيّها المتمرّد الأوّل يا من نفضت الغبار عن فكرنا لنستنير وبقينا جهالاً!
هذا المقال أوائل البدايات فيالصحافة كتبته في 2018 وكان من أجمل ما كتبت لأجمل من عنه كتبت
تأثّرت بك وانتظرت عودتك لأعاصر شيئاً من فنّك الأسطوري.
كان مقالي حلماً جميلاً لكنّك رحلت دونما وداع كما أعزّ أحبّائي.
ثقُل كأس الموت يا تمّوز، حرقته لاذعة ترفض التروّي فمهلاً على المواجع
شخصٌ بمثابة الحلم تتمنّى إدراك حقيقته و سبر عمق أغواره، إلّا أنّك إن نلت شيئاً عنه تجد أنّك لا زلتَ على البرّ المربِك، الأكثر حيرةً.
لطالما تمنيّتُ أن أفهم من هو؟وكيف يُفكّر؟ ومن أين يأتِ لنا بكلّ تلك الحقائق الصادمة؟ السّاخرة والآخذة.
لِمَ هو بهذا التعقيد وتلك السلاسة في وقتٍ واحد؟!
كلّما صعُبَ عليك فهمه هان، و كلّما هانت كلماته استصعبت.
ذلك السّهلُ الممتنع ممتلئٌ بالشغف وكثير البرود، أستمعُ إلى حواراته القليلة جدّاً فأتمنّى أن أجد لتساؤلاتي أجوبة..
زياد الرّحباني اعترافات مشاكسة عمّا يجول في خاطره، يفاجِئُكَ ببساطة مفرداته وصعوبة تقبّلها في آن، حين يقول ” أنا مائة ألف شخصيّة فايتين ببعض” ويذهلك بحقيقةٍ أمرّ.
مضيفاً “بعد 5 دقائق من ولادتك رح يقرّروا دينك، جنسيتك، مذهبك، طائفتك، ورح تقضّي عمرك عم تدافع بغباء عن إشيا ما اخترتا”!! حتّى أنّه علّق وانتقد تغيير التوقيت حيث قال ساخراً:
” كل سنة بتقدموا السّاعة وبترجعوا لورا 10 سنين”.
هل هو بهذه العبقريّة التي يبدو عليها أم نحن بتنا جهالاً، لكثرة ما خذلتنا المعرفة في هذا الوطن الكئيب.
لماذا لا نرى ما يراه و نفقه ما يقوله، ونفكّر ولو قليلاً بنهجٍ يماثله؟!!
ليس زياد الرّحباني ذلك الموهوب، المؤلّف المسرحيّ أو الكاتب والملّحن الموسيقيّ فقط.
هو مَن لا تفوته فائتة في السياسة والأدب والفن والموسيقى والمجتمع ودائماً ما يُفصّلُ اعتراضات واتّهامات للجميع دون استثناء..
إنّه المشاكس الحذر، الصامت طويلاً ولكن إن حكى، أبكى التخلّف وأحبط مفاعيل الجهل، وصبَّ لينَ الزّيت على أفواه النار.
من هنا فإنّ المسرح اللّبناني في غياب زياد ناقصٌ وعند مستوى خطِّ الفقر!!
إلّا أنّه يغيب فجأةً وينقطع عن محبّيه عمراً. ليمنَّ علينا مؤخراً بعودةٍ خجولة أطلق فيها الوعد بالبقاء.
وها نحن هنا بعد سنوات من القطيعة المجحفة تلك، لا نُريدُ رحبانيّات متفرّقة، بل تتملّكنا رغبةٌ جامحة بلوحةٍ عنوانها فيروز وزياد الرحبّاني يغنيّان معاً، ويكسران كبرياء أفقٍ مثقّلٍ بانحطاط موسيقيّ!
ها هو المجنون العبقريُّ يحطّم صومعته ويُلقي علينا بسحر التراتيل.. بذكاءٍ فطري يضبطُ التوقيت الذي يراه مناسباً. مهما انتظرنا يبدو العناء مستحقّاً أمام جنون العظمة.
حين تدرك أنّ وحدَها النّسور من تغرّد خارج السّرب، وحين تقرّر تعود إلى أحضان فيروزها لتصبح الأغنية صلاة..
في زمن تتكاثر فيه الأقلام المتطفّلة على النقد الفني، وتختبئ وراء قناع “المحبة الصامتة” لتبثّ سمًّا باردًا في جسد الإبداع، يطلّ علينا مقالٌ “غير ودّي” عن حفل السيّدة ماجدة الرومي في “أعياد بيروت”، لا يحمل من الحسّ النقدي سوى مفردات طبية سطحية ومصطلحات صوتية غير واضحة أو مبررة ومبتورة السياق.
إن الحديث عن انتقال الصوت من طبقة الـ”Soprano Lyric” إلى “Mezzo-Soprano” أو حتى إلى “Alto” هو كلام صحيح علميًا من حيث التدرج الطبيعي لأي صوت بشري، لكنه يصبح مضللاً عندمايُطرح كأداة للطعن، لا كظاهرة بيولوجية طبيعية يعرفها كل دارس حقيقي لفسيولوجيا الصوت. فحتى مغنّيات الأوبرا العالميات ينتقلن تدريجيًا في طبقاتهن مع التقدم بالعمر، دون أن يُعتبر ذلك سقوطًا فنّيًا، بل نضجًا صوتيًا وإعادة تموضع ذكي للريپرتوار.
أما مصطلح “Tremolo” الذي استخدمته الكاتبة، (وليتها شرحت لنا نحن البسطاء اللي فهماتنا على قدنا معنى المصطلح الذي زودها به أحد المطرودين من حياة الماجدة) وهي استخدمته على عماها فأساءت فهمه على ما يبدو. فالـTremolo ليس عيبًا صوتيًا بالضرورة، بل أسلوب تعبير ديناميكي مقصود في الأداء، يُستخدم في الموسيقى الكلاسيكية والشرقية، ويُضفي بعدًا دراميًا على الجملة الغنائية، لا سيما في الأعمال العاطفية أو الإنسانية. لكنه يتحوّل إلى “اهتزاز غير إرادي” فقط في حالات مرضية مُثبتة طبيًا، وهو أمر لا ينطبق على الماجدة ولم تثبته أي جهة موثوقة في حالة السيدة ماجدة، بل استنتجته الكاتبة بإذن نقدية هاوية غير مؤهلة سريريًا أو أكاديميًا.وربما بأذن مستعارة ، من شخص ما !!
إن وصف الكورال بـ”العكّاز الصوتي” يعبّر عن جهل صارخ بوظيفة الكورال في الموسيقى الكلاسيكية والحديثة وكل الأغاني على حد سواء. الكورال ليس ترميمًا لعيوب، بل جزء أساسي من البنية الهارمونية، يعمل كدعامة جمالية وتعبيرية، سواء في موسيقى “باخ” أو أغاني فيروز أو إنتاجات اليوم الحديثة. حتى أم كلثوم ختمت حياتها الفنية بأغنية فيها كورال ومسجلة في الستوديو، وهي أغنية “حكم علينا الهوى”، فهل غرام بليغ حمدي بإضافة الكورال على أغلب ألحانه كان “عكازاً” لوردة وعبد الحليم وكل من لحّن لهم؟ استخدام الكورال لا يعني ضعفًا بل انسجامًا مع شكل موسيقي راقٍ يسمّى “الهارموني الكورالي”.
أما التلميح إلى أن السيدة ماجدة الرومي “تصارع للبقاء”، فذاك تعبير درامي هابط يتنافى مع اللياقات كما مع حقيقة ما رأيناه وسمعناه: فنانة قديرة تتحكّم بمسرحها، تدير الفرقة بوعي موسيقي عالٍ، تؤدّي بجملةٍ صوتية مدروسة تحترم مساحة صوتها الحالية، وتوظّف إمكانياتها التقنية بإحساس رفيع دون أن تفرّط بكرامتها الفنّية. ذلك يسمّى في لغة الموسيقى “interpretative maturity” أي النضج التعبيري، وليس انهيارًا كما يحاول البعض التسويق له بلغة “فيسبوكية” مستهلكة.
وأخيرًا، المقارنة بين ماجدة وصباح وفيروز مضلّلة وغير دقيقة. فكل صوت حالة مستقلّة، وكل مدرسة غنائية تُقاس بمعايير مختلفة. وإن كانت فيروز قد اختارت الابتعاد، في مرحلة ما بعد السبعين ،فذاك قرار شخصي لا يُفرض كنموذج على الأخريات. لأن أم كلثوم ظلّت تغني حتى العقد الثامن من عمرها، وهي راعت كما هو معروف طبقاتها الصوتية منذ بلغت الستين من عمرها. وهذا ما ما فات كاتبة المقال ذكره.
نحن لا نصفّق من دون وعي، بل نُصغي بفهم. وما سمعناه من ماجدة في “أعياد بيروت” كان صوتًا لا يزال يُغنّي بروح تُحسن استخدام تقنيات الـVibrato Controlled، وتعرف متى تُمسك بالجملة ومتى تُسلمها للمرافقة الموسيقية، دون أن تفقد شخصيتها الأدائية.
السكوت الذي دعا إليه كاتب المقال باسم “المحبّة”، هو صمت الجاهلين. أما المحبّة الحقيقية، فهي أن نعرف الفرق بين الهبوط الصوتي، وبين إعادة توزيع القدرات وتكييف الأداء بما يليق بمقام الفنّ النبيل…
كان مثيرا ولافتا أن طرفي الحرب الإيرانية الإسرائيلية التي امتدت لـ(12) يوما، يعتبر نفسه منتصرا.
فور وقف إطلاق النار خرج الإيرانيون إلى شوارع وميادين طهران يحتفلون بالنصر، يرددون الهتافات، ويتعهدون بمواصلة القتال في جولات أخرى.
بذات التوقيت، سادت التغطيات الإعلامية والسياسية الإسرائيلية نزعة انتصارية إجماعية.
ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” كلمة أطلق عليها “خطاب النصر”.
من الذي انتصر حقا؟!
أسوأ إجابة ممكنة إصدار الأحكام بالأهواء، وتنحية الحقائق جانبا.
إنها جولة في صراع طويل وممتد، تليها جولات أخرى بعد وقت أو آخر.
القضية الفلسطينية جوهر ذلك الصراع.
لم تكن من أعمال المصادفات عودة الزخم مرة أخرى إلى ميادين القتال في غزة فور وقف إطلاق النار على الجبهة الإيرانية.
“حان وقت التركيز على غزة لإنهاء حكم حماس واستعادة الرهائن”.
كان ذلك تصريحا كاشفا للحقائق، أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي “إيال زامير” في ذروة دعايات النصر.
إنهما حرب واحدة.
هكذا بكل وضوح.
أكدت المقاومة الفلسطينية المعنى نفسه في عملية مركبة بخان يونس، أوقعت أعدادا كبيرة من القتلى والمصابين، وأثارت الفزع في صفوف الجيش الإسرائيلي.
لا يمكن إنكار مدى الضرر الفادح، الذي لحق بالمشروع النووي الإيراني، جراء استهدافه بغارات إسرائيلية وأمريكية مكثفة ومتتالية.
هذه حقيقة.. لكنه يستحيل تماما أي زعم إنها قوضته، أو أن أمره انقضى.
لم يتمالك الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، الذي انخرط بصورة مباشرة وغير مباشرة في الحرب على إيران، أعصابه فأخذ يكيل الشتائم المقزعة لمحطة “سي. إن. إن”، على خلفية تشكيكها في روايته.
“إنها حثالة”!
لم يكن لديه دليل قطعي أن العملية الأمريكية، التي استهدفت ثلاث منشآت نووية، “أصفهان” و”ناطنز” و”فوردو” الحصينة في أعماق الجبال، حققت أهدافها.
حسب تسريبات عديدة فإن السلطات الإيرانية نجحت في نقل اليورانيوم المخصب وأجهزة الطرد المركزية من تلك المنشآت قبل قصفها بقاذفات (B2) إلى أماكن أخرى آمنة.
التسريبات شبه مؤكدة بالنظر إلى عدم حدوث تسرب إشعاعي، أو تلوث بيئي إثر تلك الضربات، التي استخدمت فيها قنابل عملاقة لأول مرة.
يصعب التسليم بـ”الإنجازات” الإسرائيلية في ضرب المشروع النووي الإيراني دون فحص وتأكيد.
بقدر آخر فإنها لم تحقق نجاحا يذكر في تقويض المشروع الصاروخي الباليستي، الذي أثبت قوته التدميرية ودرجة تقدمه، التي ألزمت الإسرائيليين البقاء في الملاجئ لفترات طويلة.
قبل وقف إطلاق النار مباشرة بدت الضربة الصاروخية في بئر السبع، تأكيدا أخيرا على درجة عالية من الفشل الإسرائيلي في إضعاف القدرات الإيرانية.
ثم تبدى الفشل فادحا في طلب إثارة الفوضى بأنحاء البلاد، تفضي تداعياتها إلى الإطاحة بنظام الحكم.
بحقائق الجغرافيا والتاريخ والحضارة، إيران ليست دولة صغيرة أو عابرة.
إنها مع مصر وتركيا الركائز الكبرى في حسابات الإقليم، مهما جرى لها، أو طرأ عليها من متغيرات سياسية.
بقوة إرثها التاريخي تحركت الوطنية الإيرانية لرفض الاستسلام بلا شروط لـ”السلام عبر القوة” حسب تعبير “ترامب”.
تحت الخطر الوجودي توحدت إرادتها العامة، بغض النظر عن أية تحفظات على نظام الحكم.
كان المواطن الإيراني البطل الأول في التصدي لتغول القوة الأمريكية والإسرائيلية.
أبدى الإيرانيون قدرة لافتة على الإحلال في مراكز القيادة والسيطرة تحت أسوأ الظروف، بعدما نال العدوان من قيادات عسكرية وعلمية ذات وزن ثقيل في الضربة الافتتاحية.
في حرب الـ(12) يوما تبدى شيء من التعادل الاستراتيجي، الطرفان المتحاربان تبادلا الضربات الموجعة.
فرضت السلطات الإسرائيلية تكتما مشددا على حجم الأضرار التي لحقت ببنيتها التحتية والعسكرية؛ جراء الضربات الإيرانية، حتى لا يفضي النشر إلى زعزعة ثقة مواطنيها في قدرة جيشهم على المواجهة.
فاقت الخسائر الباهظة أية طاقة على الإفصاح، لا عرفنا عدد القتلى والمصابين، ولا ما هي بالضبط المواقع الاستراتيجية، التي استهدفت، ومدى الضرر الذي لحقها.
المعلومات المدققة من متطلبات إصدار الأحكام.
بصورة عامة تقارب الحقيقة فإننا أمام حالة “لا نصر ولا هزيمة”، غير أن إسرائيل يمكن أن توظف مجريات الحرب لإثارة اليأس من كسب أي معركة ولو بالنقاط.
بدا المشهد الختامي ملغما بالتساؤلات الحرجة.
وجه الإيرانيون ضربة رمزية لقاعدة “العديد” الأمريكية، لتأكيد حقهم في الرد على العمل العسكري الأمريكي داخل أراضيهم ضد ثلاث منشآت نووية.
أُبلِغت مسبقا السلطات القطرية باستهداف القاعدة القريبة من العاصمة الدوحة خشية ردات فعل سلبية.
نُقِلت إلى الأمريكيين فحوى الرسالة الإيرانية.
كان ذلك عملا احترازيا، حتى لا تفلت الحسابات، في وقت توشك فيه الحرب على الانتهاء.
وصفت الضربة الإيرانية بـ”التمثيلية”.
الأقرب للحقيقة، إنه سوء تقدير فادح، لم يكن له لزوم، أو ضرورة، أربك البيئة العربية العامة المتعاطفة مع إيران، كما لم يحدث من قبل.
أثارت الضربة الرمزية شكوكا وظلالا لا داعي لها.
بقوة الحقائق كانت الحرب على وشك أن تنتهي.
الخارجية الإيرانية تشترط وقف الهجوم الإسرائيلي قبل العودة إلى المفاوضات مرة أخرى.
والحكومة الإسرائيلية تطلب وقفا فوريا لإطلاق النار، تحت ضغط الترويع، الذي ضرب مواطنيها، إذا ما وافقت طهران.
الجانبان المتحاربان يطلبان لأسباب مختلفة وقف إطلاق نار.
هكذا توافرت أمام “ترامب” فرصة للتخلص من عبء الحرب على شعبيته.
لم تكن إسرائيل مستعدة لأي اعتراف، بأنها لم تحقق أهدافها من الحرب، لكن الحقائق وحدها تتكلم.