تحول المشهد السياسي التونسي تحت التطاحن الظاهري للرئاسات الثلاث شبيها بمسرحية مبتذلة يتقاسم أدوارها الفاشلة ثلاث مجموعات اختار كل منها زاوية لشد المتفرج الذي مل كل المشاهد واكتشف سوء الإخراج والإدارة.
ففي الوقت الذي تضيع فيه البلاد بين اقتصاد مفلس و تنمية مفقودة و إنتاج ميت و سياحة منكوبة و مديونية خانقة، و يتوه فيه الشعب بين الفقر و انسداد الآفاق و الخوف من الحاضر و المستقبل، نجد طبقة سياسية في واد آخر تتناحر على السلطة و تضيّع على الشعب فرص النجاة و تمثل له في حقيقة الأمر نكبة أخرى من نكبات الدهر التي حلت به منذ عشر سنوات.
ويمثل مجلس النواب في حقيقة الأمر عبئا سياسيا وماديا ثقيلا على كل التونسيين وبات يمثل خطرا يصدر العنف للشارع التونسي ويقدم عن بلادنا التي صفّق لها مجلس النواب الأمريكي كديمقراطية ناشئة بعد الثورة، صورة مخجلة للعالم تبرز أن الشعب ممثل بفئة تمارس “السياسة” بالسب والشتم والتهجم على المخالفين في الرأي والعنف والبلطجة وإهانة النساء وتعنيفهن. فهذا المجلس لم يقم بواجباته وإنما تحول بفعل سوء الإدارة بالخصوص وعدم قدرة رئيسه على خلع جبة المفتي والفصل بين صفته البرلمانية والحزبية، إلى ما بلغه اليوم من انحدار و ما حصده من نفور كبير من عامة الشعب الذي لم يتوان عن المطالبة بحله خلال الاحتجاجات الأخيرة. فالنواب الذين يتمتعون بأجور عالية وبمنح مغرية ويعيشون في رغد العيش لا يمثلون شعبا غارقا في الديون و الآداءات وغلاء المعيشة وتكاليف الحياة.
لقد حول رئيس مجلس النواب هذا الفضاء التشريعي من جلسات عامة إلى جلسات ضيقة تدار عن بعد و يتحكم فيها بالأزرار بحجة التوقي من الكورونا التي يواجهها الشعب في كل مكان خصوصا داخل وسائل النقل المكتظة التي يمتطيها مكرها أخاك لا بطل في ظل خلية أزمة غائبة ببرلمان الشعب.
وعندما نستعرض أهم ما يقوم به هذا المجلس خلال حلقات الصراع بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، نجد تمريرا لسلسلة من مشاريع القوانين الخاصة بتوفير خطوط تمويل واتفاقيات قروض متعددة تحت عديد المسميات والأهداف منها مع الوكالة الفرنسية للتنمية للمساهمة في تمويل برنامج دعم الإصلاحات لتعزيز الاقتصاد، ومع المؤسسة الألمانية للقروض من أجل إعادة الإعمار لدعم الإصلاحات في القطاع العمومي وآخر لدعم الإصلاحات في القطاعين البنكي والمالي، وعقد قرض مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير كتمويل أول لسياسة التنمية الطارئة من أجل الصمود والإنعاش، وقرض آخر مع البنك الإفريقي للتنمية لتمويل برنامج دعم مجابهة فيروس كوفيد 19 عن طريق الإدماج الاجتماعي والتشغيل، وغيرها من القروض والاتفاقيات التي لا تناقش في جلسات عامة وتمرّ في ظل الصراع بين القصبة وقرطاج.
أما رئاسة الحكومة فقد اختارت الهروب إلى الأمام وعوض التركيز على مشاغل المواطنين وضرورة القيام بإصلاحات في كل المجالات التي انتكست و دمّرت بفعل السياسات الاقتصادية الخاطئة والتجاذب السياسي المتواصل ووباء كورونا، فقد ظلت تجذب الحبل من الطرف الآخر بينها وبين رئاسة الجمهورية، وبلغ تمسّك رئيس الحكومة بتشكيلته الوزارية الجديدة حدّ استشارة المحكمة الإدارية غير المختصة في المسائل الدستورية وذلك في غياب للمحكمة الدستورية المعطّلة – وهذه نكبة أخرى – كما عقد اجتماعا بخبراء القانون الدستوري وعمد كليات الحقوق لمزيد الاستشارة، كل هذا بهدف عدم التنازل و التمسك بثلاثة أو أربعة وزراء مرشحين تتعلق بهم بحسب رئيس الجمهورية شبهات فساد وتضارب مصالح.
ولا يمكن إلا اعتبار رئيس الجمهورية شريكا أساسيا في إضاعة وقت التونسيين وحاجتهم للإصلاحات باعتباره لم يقدم أي ملف للقضاء ولم يكشف يوما عن تفاصيل الاتهامات التي يوجهها للعديد من الأطراف تحت مسميات مختلفة وغامضة ويكتفى بالخطب الإنشائية التي يجمع لها في كل مرة فئات سياسية يختارها لاكتمال المشهد ويخرج للناس كل مرة من مكان دون أن نعرف المغزى والفائدة من هذا الخروج المفاجئ، لأنه من المفروض أن مثل هذه الزيارات التي تتضمن طلبات الناس عادة ما تأتي إليهم بثمارها الجيدة. لكننا نرى جعجعة ولا نرى طحينا إلى حد الآن على الأقل.
فهل يتغير المشهد السياسي بحكم “وقوف الزنقة للهارب” كما يقول مثلنا الشعبي أم سنستمر في هذه المسرحية التي سئمها الشعب ؟