ككلّ مناسبة في بلادنا يحتدم الجدل بين مساند و معارض .. هل نحتفل أم لا نحتفل
ما الفرق يا سادتي ان احتفلنا أم لم نحتفل .. كلّ حرّ في رأيه و نفسه و حياته و طريقة عيشه و وجهة نظره ففيم سيضرّ غيره إن احتفل ، لم نضيّق على أنفسنا و الحياة رحبة واسعة أمامنا ؟ … فمن أراد الاحتفال فله ذلك و من أراد أن يكون يومه عاديّا فلن يجبره أحد على الاحتفال
أ ليس جميلا أن تزيّن واجهات المحلات بالألوان الزّاهية ؟
أ ليس جميلا أن تعيش الشوارع على وقع يوم مميّز ؟
أ ليس جميلا أن تحفل النزل و المقاهي و القاعات بروّادها ؟
أ ليس جميلا أن تجتمع العائلات و الأصدقاء في البيوت لاستقبال يوم جديد و سنة جديدة ؟
أ ليس جميلا أن يشعر الأطفال بفرحة اللّمة و متعة اللقاءات ؟
أ ليس جميلا أن يتبادل النّاس التّهاني و المعايدات و حتّى الهدايا ؟
أ ليس جميلا أن يقتنص النّاس مناسبات للفرح في زمن عزّ فيه الفرح ؟
أ ليس جميلا أن نحيي ما تعوّد عليه أسلافنا منذ آلاف السّنوات ؟
نعم ما تعوّد به الأسلاف منذ عصور بعيدة … فقد كانت احتفالات بداية السنة معروفة منذ آلاف السنين . لكن كلٌّ شعب كان يحتفل ببداية تقويمه الخاص كان ففي حين كان المصريون يربطون بداية عامهم بالفيضان السنوي لنهر النيل ، كان الفينيقيون والفرس يحتفلون بالاعتدال الربيعي كمنطلق لعامهم الجديد.
أمّا البابليون القدماء فقد كانوا منذ حوالي 4000 عام ، يحتفلون في أواخر شهر مارس، حيث كانت البشارة بأول قمر جديد بعد حدوث الاعتدال الربيعي، وعندما حدث تساو بين ضوء الشمس والظلام اعتبروه آنذاك الوقت بداية عام جديد يدعو للاحتفال.
بعدها قام الامبراطور يوليوس قيصر بوضع الأول من يناير (جانفي) ، كأول يوم في السنة ، بعد الإصلاحات التي قام بها في التقويم الروماني الذي كان يحوي بعض الخلل. وقد سُمِّيَ (أي يناير) كذلك نسبة إلى “يانوس” إله التغيير والبدايات الروماني . وقد كانوا يحتفلون به بتقديم تضحيات لـ “يانوس” أملا في نماء ثروتهم في العام الجديد .
و طوّرت شعوب العالم احتفالاتها و صار لكل منها عاداته و تقاليده في استقبال العام الجديد حيث تضاء المدن الكبرى و العواصم العالميّة و تنتشر مظاهر الفرح في الشوارع و بين النّاس
فيحرص الإيطاليون مثلا على أن يستقبلوا عامهم بطبخ العدس و هو طبق لا يغيب عن مائدة رأس السنة مهما كانت الأكلات المصاحبة له وذلك لأنهم يعتقدون أنّ حبّاته تشبه العملات المعدنية وهي ما تبشرهم بالنجاح المالي في المستقبل
أمّا الإسبان فيقومون بتجميع العنب بكميات كبيرة فهو ما يرمز إلى آمالهم في الأشهر القادمة ويتم ذلك قبل منتصف الليل مباشرة ، ومع كل دقة جرس للساعة 12 عند منتصف الليل يتم تناول حبة من حبّات العنب.
في هولندا واليونان والمكسيك تقام احتفالات رأس السنة الميلادية بإعداد خبز الكعك والمعجنات على شكل حلقات وذلك لما تعنيه من اقتراب العام من دورة كاملة.
و في البلدان الاسكندينافيّة و خاصّة السويد والنرويج تقام احتفالات رأس السنة مع عادة تناول بودنغ الأرز مع اللوز المخبأ، حيث يقال ان من يجد اللوز يمكنه أن يتوقع 12 شهرًا من الحظ الجيد.
وفي الولايات المتحدة يتم إسقاط كرة عملاقة في “تايمز سكوير” بمدينة نيويورك عند منتصف الليل
و في أستراليا، حيث تكون سيدني من بين أولى المدن الكبرى التي تعلن الانتقال إلى العام الجديد سنويّا، تتمّ إضاءة سماء المدينة بأكثر من مائة ألف من الأسهم النارية و يتوافد المواطنون و السيّاح على دار الأوبرا و ميناء سيدني لمشاهدة هذه العروض الخلابة
و مثلها تشتعل سماء دبي فتخطف أنظار العالم أجمع بأجوائها الصاخبة التي جعلت ملايين الأشخاص يتوافدون إليها سنوياً مع نهاية كل عام للمشاركة في احتفالات رأس السنة، وذلك لما يرافقها من فعاليات مميزة مثل أجمل عروض الألعاب النارية التي تنطلق من معالم دبي الشهيرة على غرار برج خليفة أطول ناطحات السحاب في العالم أو عروض نافورة دبي الرّاقصة التي يفوق ارتفاعها 150 مترا
أمّا الشّعب المصري فشأنه شأن الشعب التونسي ففي الوقت الذي تسجّل فيه النّزل الكبرى إقبالا من الميسورين و الطبقات الرّاقية تكتفي البقيّة باحتفال بسيط بين الأهل و الأصدقاء. ولعلّ ما يميّزه في تونس تحديدا هو تناول طبق الدّجاج المشوي أو المصلي الذي تفضله الطبقات الوسطى خاصّة، و اجتماع الأسر حول التّلفاز لمشاهدة ما تقترحه القنوات من مظاهر فرجة و ترفيه و أمان بالخير و الرّفاه في العام الجديد
و سواء كنتم من المحتفلين أم من غير المحتفلين فلعلّ هذا العام يكون أفضل لبلادنا .. يكون عاما تتخلّص فيه من مآزقها و خيباتها .. عاما يلتئم فيه شمل أبنائها و تنجلي عنها الغمّة ..عاما تنطلق فيه نحو بناء مستقبل أفضل .. عاما يولي فيه شعبها للعمل المكانة الأمثل .. عاما يغدق على شعبها الخير و النّماء و الرّخاء … عاما للنّجاح و الفرح و الإقبال على الحياة …