وكأني بأتباع السلطان لا يعيشون معنا…وكأني بهم يعيشون في بلد آخر لا يشبه مأساة هذا البلد ووجع شعبه…غريب أمرهم وما يكتبون وما يزعمون…فنحن اليوم وأقصد أغلبية هذا الشعب الموجوع يبحث عن بارقة أمل واحدة تزيل عنّا ما تراكم من خوف واحساس بانعدام الأمن والأمان…وفقدان للعديد من مقوّمات الانسانية والعيش الكريم…فالتعليم من الكرامة …والصحة من الكرامة…والتعبير عن الرأي من الكرامة …والحرية من الكرامة…وعدم الحاجة من الكرامة…وأن نعيش في نظام ديمقراطي يحترم الاختلاف ويقبل بالآخر من الكرامة…فالكرامة ليست مجرّد كلمة تقال وسط حشد من الاتباع والأنصار…
يخرج علينا بعضهم يتباهى بــ”تيكاد8 ” وكأن هذا الحدث سيشبعنا وسيخرجنا من الوحل الذي انزلقنا إليه عن طيب خاطر وبإرادتنا…وكأن اليابان جاءت إلينا لتملأ بيوتنا سعادة…وأرصدتنا مالا…وبطوننا أكلا…وكأن اليابان تشعر بأوجاعنا وبآلامنا وتبكي حالنا أكثر منّا…وتستمع لأنين فقراء هذا البلد…لا شيء سيتغيّر بــ”تيكاد” أو بأكثر من مائة “تيكاد”…ولا شيء سيتغيّر بقمّة فرنكوفونية عرجاء سيغيب عنها نصف تركيبتها…ولا شيء سيتغيّر بالوعود الزائفة ما لم يتغيّر ما بأنفس حكامنا اليوم، فالخطب والتهديد والوعيد ورمي التهم مجانا على كل الخصوم، لن يصنع التنمية ولن يوفّر موارد الرزق ولن يجلب الاستثمارات…فلا توزعوا الأوهام على شعب فقد كل إحساس بالسعادة وغابت عنه لذّة البقاء في وطن أصبح غريبا عنه…
ليس غريباً أن تفقد السعادة في وطنك وليس أشد من ذلك غرابة أن تفقد حياتك وأنت تريد مغادرته… هربا من سطوته…ومن جبروته ومن أحقاده…ومن نكرانه لجميلك أنت الذي صنعت أمجاده… ففي وطن مثل تونس معلقة على جدران بيوت فقرائه صور المئات من الشباب الذي اختار الموت بحرا…ومئات المفقودين من شبابه الهارب من جحيم أكاذيب حكامه… وآلاف الحالمين بوطن أجمل يحميهم ويعوّض لهم ما خسروه في وطن بنوه …في تونس اليوم لن تجد عائلة واحدة لم تكتو بنار الفراق…فراق من ماتوا…ومن هاجروا…ومن تركوا وطنا خدعهم حكامه…وصادر أحلامهم وبدّد أمانيهم…وحكم عليهم بالموت…أحياء…
نعم هذا حالنا اليوم…ولا أحد ينتظر شيئا من دولة لا تعرف أي طريق تسلك…ولا تريد الاستماع لمن يدرك معنى المأساة… فهذا الشعب يعاني ومنذ 2011 من غياب الدولة واستقالة مؤسساتها، وغبي من يصدّق أن 25 جويلية جاء لإصلاح ما تمّ إفساده…وإعادة بناء ما تمّ هدمه…فهذا الشعب أو البلد أصبح فريسة أمام حكام لم يدركوا إلى يومنا هذا الطريق الاسلم لإخراج هذا البلد مما هو فيه…ولم يعرفوا إلى يومنا هذا كيف يضمدون جراحه…ويسكنون أوجاعه…بل زادوا على وجعه وجعا آخر…وجع اليأس والإحباط…
فكل حكوماتنا عجزت عن تسيير شؤون البلاد والعباد… وفشلت في ادارة المرفق العام للدولة … فالتعليم مشلول والخدمات الصحيّة مفقودة…والبعض من المرافق الحيوية تلاشى تماما…والاسعار ارتفعت لتخنق الشعب، والدولة غائبة …والوطن تحوّل الى غابة موحشة، لا تضبطها قوانين ولا قرارات …الحكومة تتهم التجار…بالاحتكار…والتجار يتهمون الدولة بضعف المخزون…والجميع يتلاعب بالسلع والخدمات وبقوت الشعب المسكين… ليتواصل طحن الفقير، ولتصبح مأساته كل يوم أكبر…وقد يصبح رغيف الخبز في قادم الأيام حلم أغلب سكان البلاد…وكأني به قرّر هو أيضا ان ينجو بنفسه من جحيم وطن لم يعد صالحا للحياة…افتقدنا الكثير من الأدوية وأصبحت قائمة الأدوية المفقودة أطول بكثير من قائمة الأدوية المتوفّرة… وخيّر بعضنا التعايش مع أوجاعه خوفا من أوجاع أسعار الدواء…
هذا هو حالنا اليوم…وهكذا هو حالنا بعد أن رسموا لنا مشهدا جميلا بــ”تيكادهم” وخطبهم العصماء وما كانوا ينتظرون…فنحن شعب نعيش تحت “سطوة” التنويم والتخدير منذ احدى عشرة سنة وبعض الأشهر…نحن شعب يُستنزف بالركض يوميا وراء حاجياته الأساسية ولا يجدها…نحن شعب يحرم من وسائل عيش أساسية…فلا سكن لائق…ولا رعاية صحيّة…ولا أسعار في المتناول…فيوم يحضر الماء يغيب الكهرباء، ويوم يغيب الماء يحضر الكهرباء…نحن شعب يستهلك عمره وأكثر في الجري وراء ضروريات العيش والبقاء على قيد الحياة…والاستماع إلى خطب “هوجاء” صباحا مساء…
نحن شعب أحلامنا بسيطة…ولم ننخدع أبدا بوعود حكامنا…لأننا خبرناهم…وخبرنا بدائلهم الجوفاء…وخطبهم المليئة بالهراء…أحلامنا لم تكن أكثر من العيش بكرامة…وحرية …وبأن نتذوّق العدالة الاجتماعية التي نسمع عنها في بلاد الغرب…أحلامنا هي ألا نأكل من أكداس القمامة يوما…وأن نسعد بأبنائنا بيننا، وألا نرمي بأبنائنا في البحر ليدفنوا في بطن حوت دون تأبين…ولا قراءة فاتحة ولا عزاء…أحلامنا هي أن نعيش دون وجع…ودون جرح يؤلمنا…أن نعيش لنسعد بأرضنا…لا أن نعيش نبحث عن كيف نغادر أرضنا…
اليوم فشلت دولة السلطان في توفير العديد من المواد الأولية…وفشلت في توريد الكثير من المواد الأساسية…فمخزوننا من المحروقات أشرف على النفاد …القمح مفقود…الزيت النباتي مفقود…السكر مفقود…القهوة مفقودة…وغدا قد يصبح الماء مفقودا…والهواء موؤدا…ونصف الشعب بالموت جوعا موعودا…افترستنا الأحقاد…وفرّق شملنا التعنّت والعناد…والخوف أن يصبح هذا الوطن غدا…بوجداننا مفقودا…مفقود…