تابعنا على

جور نار

نحن شعب يتنفّس تحت الماء

نشرت

في

لنقُل منذ البداية أن هنالك ما يُشبه الإجماع في تونس اليوم على أن الوضع العام سيّءٌ للغاية، ولكن هنالك اتفاق عام ضمني في نفس الوقت أن الحلّ لا يكمن في الاحتماء بالماضي بجميع تلويناته الدينيّة والدونيّة كما يحاولون إيهامنا بذلك في خرجات باكية على الديمقراطية الجريحة وأخرى معبّرة عن طموحات صريحة لاعتلاء نفس الكرسي الذي اكتوَيْنا عقودا بأشواك حُكمِه.

منصف الخميري Moncef Khemiri
<strong>منصف الخميري<strong>

نعم لم نعد نقدر على التعرّف إلى ملامح وطننا الذي شحب وجهه وغرز ضرعه وجفّت منابعه وتيبّست معاني الفرحة والأمل في عروقه فجأة.

والأكثر خطرا حسب تقديري من شحّة الموارد واختفاء بعض المواد الغذائية الأساسية والعجز عن توريد بعض المواد الضرورية الأخرى مثل المحروقات وقطع الغيار … الأكثر خطرا هو فقدان الأمل في بلد سينهض يوما وفي نخبة سياسية ستقدر يوما على رسم دروب حقيقية للانعتاق والتقدم.

نفقد الأمل لأننا مللنا خطبا سياسية لا تعطينا سوى أمل زائف في إنجاز محطات سياسية ستُخرج تونس من أزمتها المركّبة، فهم يطْهُون لنا نفس الأطباق الباردة السّاردة منذ عقود ولم ينبلج بعدُ صبح تونس التي بها نحلم. وكأنهم يقولون لنا غير مهمّ أن تكون لنا مدرسة عمومية راقية ومستشفيات لا يتكدّس المرضى في معابرها ونقل عمومي لا تُداس فيه كرامة الرّاكبين وغير مهمّ أن يتمّ “تبريك” إدارة تونسية عاتية بالرشوة والتكاسل وضمّ مصالحها وخدماتها إلى “شؤون العائلة ورزق السيّد الوالد” وليس مهمّا أن “يحرق” أغلب شبابنا بشكل نظامي وغير نظامي نحو شواطئ أكثر أمنا وتوفيرا للقمة العيش…

بالنسبة إليهم غير مهمّ كل هذا، الأهم هو “الجغجغة” السياسية التي يتفنّنون في إعطائها عناوين مُنمّقة مثل الانتقال الديمقراطي وشرعية الصندوق والسلطة الأصلية والبصليّة ومنع التنكيل بالشعب وتحصين الهبّة الشعبية الخ… الأهم هو الإجابة عن السؤال الوطني المحيّر : هل أن الأصل هو في 17 ديسمبر أو في 14 جانفي؟ وهل يجوز الاحتفال بــ 14 دون السقوط في اقتراف ذنب اغتيال الثورة والالتفاف عليها ؟

هم لا يقولون لنا على سبيل زرع قليل من الأمل: سنة كذا، سننزل بنسبة المتسرّبين من المدارس من 150 ألفا إلى مستوى النصف، ولا يقولون لنا بعد كذا سنوات، سنرتقي بمخزوننا من المياه من 700 مليون م3  إلى ضعفها، ولا يقولون لنا على سبيل المثال سنة 2030، سننزل بنسبة التضخم من 9 %  إلى 3 بالمائة على أقصى تقدير، وهم لا يبشّروننا بأن مؤشر التنمية الجهوية سيمرّ بعد خمس سنوات من 0.4 % إلى واحد أو 2 % بعد كذا سنوات… وهم لا يُفرحوننا بكلام طيب من قبيل أنه سيُصبح للمهندس والأستاذ والطبيب التونسي في أفق سنة 2035 نفس مرتّبات نظيره الأوروبي حتى يصبح “الماء اللي ماشي للسّدرة الزيتونة أوْلى بيه” وحتى تُغلق نهائيا “قاراجات البؤس” التي تؤوي الدروس الخصوصية.

هم لا يقولون شيئا من هذا، كل ما يتفوّهون به هو الأعراس الديمقراطية المُقامة حسب التقاليد التونسية الأصيلة وما تستدعيه من طبلة وزكرة وكسكسي بالمسلان حتى وإن كان الشعب عريان ڨريان… وكل ما يرطنون به هو الاستحقاق الانتخابي الذي سرعان ما يتحوّل عادة ومباشرة بعد إنجازه إلى نحيب ونديب لكون الانتخاب أضحى في ربوعنا رياضة لا يُتقنها سوى الكناتريّة والبانديّة والمستثمرين في الشعوذة الشعبوية والدينية.

أصبحنا شعبا نأكل انتخابات ونتعشّى استفتاءات ونبيت على الاستحقاقات الموعودة ونتغذى من بعث المجالس والهيئات ونسهر على بلادة الكرونيكارات وتعدّد الزوجات لنستفيق في اليوم الموالي على أنباء الفواجع والطوابير ومآل التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

ماذا يقول الأجنبي الذي يزور تونس في وضع كهذا ؟

زارني صديق فرنسي في الآونة الأخيرة (والذي سأُفرد له ورقة مخصوصة ذات يوم ربما) وتحادثنا طويلا بشأن بلادنا التي لم يزرها منذ17 سنة، وكان أكثر ما شدّ انتباهي في انطباعاته عنصران أعتبرهما على غاية من الأهمية بالنسبة إلى عيون خارجية عاشقة لهذا البلد :

___ بقاء المشهد العام على حاله نسبيا منذ سنوات على مستوى البُنى التحتية وجودة الخدمات في المرافق العمومية بل وتراجع مستواها في بعض الأحيان، إضافة إلى عدم ظهور مؤشرات بارزة تعكس تطوّرا ملموسا في درجة رفاه الناس عموما عندما تلتقيهم في الساحات وفي الأسواق. وفي الجهات الداخلية بصورة خاصة، فالمشهد مازال على حاله تقريبا بشاحناته التي تنقل العاملات الفلاحيات دون توفّر أدنى مقوّمات السّلامة، والمقاهي التي يملؤها الذكور، وبُقع الضوء والأمل النادرة التي تمثلها ميدعات الأطفال ذات الألوان الزّاهية أمام المدارس.

___ العنصر الثاني هو أن المُطّلع ولو بشكل جزئي على ما يتوفّر بتونس من مدّخرات صعبة غير مُتاحة بشكل متكافئ بين جميع بلدان العالم من حُسن حظّنا، يُلاحظ بسرعة مفارقة عدم تطابق حجم أرصدة القوّة التي لدينا مع مستوى التطور العام الذي يبرز من خلال تفاصيل الحياة لدى عموم الناس. أسرّ لي صديقي هذا بأن السؤال عادة ما يُطرح على نحو “ماذا يتوفّر من خيرات ببلد ما حتى نتعرّف على حظوظ تطوّره ونموّ مؤشرات التنمية والسعادة فيه ؟ بينما في الحالة التونسية، علينا أن نُلقي السؤال بشكل آخر : ما الذي لا يتوفّر في تونس حتى لا نراها تُعاند النمور الأسيوية الأربعة : تايوان وسنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية ؟”.

فتعداد التونسيين المُبالغ في ضآلته وموقع تونس المحوري على ضفاف المتوسط ومستوى تعلّم بناته وأبنائه وتصنيفها من ضمن البلدان الأوائل في العالم المنتجة لعديد المنتجات المطلوبة في العالم مثل الكفاءات الرقمية والطبية والهندسية والفوسفات والتمور وزيت الزيتون والنفط الخام (الذي كنّا نقوم بتكريره و تقاعسنا عن ذلكǃ) والنسيج والأحذية والأسماك والأسلاك الكهربائية والزيوت الأساسية والأسمدة والمنتجات الفلاحية… كلها عناصر قوّة ومناعة وتطوّر قادرة على بناء دولة قوية يحجّ لها العالم. نحن من الشعوب القليلة فوق هذه الأرض التي لا تأكل من وراء البحر لأن خبزنا أنواع وقمحنا ألوان والغلال والخضراوات والزياتين لدينا تنمو في كل مكان. 

الشيئان الوحيدان اللذان لا تتوفر عليهما بلادنا حسب اعتقادي هما اليورانيوم بطبيعة الحال وإرادة وطنية فولاذية صادقة تستفيد من هذا المخزون الاستراتيجي النوعي وتضع البرامج الملائمة للتطوير في كل قطاع وفق استراتيجية وطنية تبنيها الدولة بأجهزتها وخبرائها ومهندسيها، لا أن تطلب من المواطنين الغلابة أن يبرمجوا مشاريعهم بأنفسهم وأن يبعثوا الشركات الأهلية في ظل عقلية عامة (دولة ومواطنين) متأسّسة على التحيّل والسرقة والاسترزاق والاحتطاب والتذاكي والنفاق والرياء والأنانية المفرطة التي تخزّن المواد الغذائية إلى أن تُصبح مرتعا للديدان والحشرات.  

نحن شعب يتنفّس تحت الماء… ولكننا سنطفو يوما على السطح لا للعبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط بل للعودة نحو تونسنا التي لا خيار لها سوى أن تظل البلد الأجمل والوِجهة الأكمل.

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

التقصي عن أمراض السكري وضغط الدم… وليس عن أعوان التلفزة!

نشرت

في

محمد الزمزاري:

انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.

الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.

طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.

وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.

أكمل القراءة

صن نار