جور نار

نحن قوم …

نشرت

في

نحن قوم نؤمن بالتحنيط و التأليه.. نصنع الأيقونة و نضعها في قمقم و نقسو على من يأتون بعدها.. في كل ميدان نبني سورا و سدا حول اسم ليصبح الواحد الأحد الأوحد.. لا يقبل المقارنة و لا المنافسة و لا النقد أحيانا..

<strong>سالم حمزة<strong>

في الشعر: أبو القاسم الشابي وحده لا شريك و لا منازع له.. أو هكذا أقنعونا من خلال إذا الشعب يوما اراد الحياة.. و بذلك نسينا أو تناسينا يوسف رزوقة و الصغير أولاد أحمد و سوف عبيد و آخرين لا يقلون إبداعا و عطاء.. في الأدب: محمود المسعدي و سده و حدث “أبو قطيْطة” قال و من بعده أغلقنا باب الإبداع و المبدعين.. أو هكذا روجوا لنا من خلال الاكتفاء بالسد في البرامج الدراسية.. حتى حفظنا عن ظهر قلب (هلهبا هلهبّا.. سبحت صاهباء..) و كأن الأدباء الذين جاؤوا بعد المسعدي لا أثر لهم..

في العمل النقابي: فرحات حشاد الشهيد.. رمز الوطنية و العمل الميداني.. أو هكذا أعلمنا المؤرخون حتى أن الذين جاؤوا بعده استعملوا اسمه و شعار (أحبك يا شعب..) أصلا تجاريا للاحتماء و الاختفاء.. حشاد غطى على التليلي و الحامي و عاشور.. في المسرح: توقف العداد عند علي بن عياد و كأن المسرحيين الذين جاؤوا من بعده أبطال من كرتون.. بل نحن متأكدون أن العديدين لم يشاهدوا و لو عملا واحدا للمرحوم علي بن عياد … و لكنه رسخ في أذهانهم و غطى على منصف السويسي و فاضل الجعايبي و جليلة بكار و حبيب شبيل و محمد بن عثمان و فرحات يامون و توفيق الجبالي و رجاء بن عمار و نور الدين و ناجية الورغي و غيرهم..

في الكرة: جعلنا منتخب 1978 مرجعا و أيقونة لا نذكر سواه.. لاعبوه حفرناهم في أذهاننا فظلمنا فلتات كروية أخرى جاءت قبل أو بعد ذلك الجيل.. أمثال نور الدين ديوة و الحبيب موقو و ماضي صاحب أول هدف في ملعب المنزه و شقرون و الشايبي و الحمروني.. في الدين: الشيخ فاضل بن عاشور مثال لرجل الدبن المتسامح الذي لم يهمل الدنيا و الدليل أنه انخرط في العمل النقابي.. و كل من جاء بعده لا تجوز مجرد مقارنته به.. أو هكذا صوروا لنا..

في السياسة: بورقيبة حرر البلاد و حرر المرأة و أصلح التعليم و اعتنى بالصحة.. و بعده أغلقنا باب الوطنية و انقسمنا بين متاجر باسمه و ناقم على عهد حكمه.. لتخسف أضواء رجال خدموا البلاد في أحلك فتراتها أمثال صالح بن يوسف و الهادي نويرة و أحمد بن صالح و غيرهم.. حتى في الفن: ألهنا صليحة و الهادي الجويني و علي الرياحي و لم نعترف بمن جاؤوا بعدهم..

هكذا نحن: نحن للأموات و نقدس الشاعر الواحد و الأديب الأوحد و المجاهد الاكبر النقابي الرمز.. و كأن التاريخ لم يجُد بغير هذا و ذاك.. أو كأن البلاد أصبحت عاقرا بعد هؤلاء و أولئك..

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version