تونس اليوم ومنذ 14 جانفي 2011 تئن تحت وطأة ثقل أجسام أغلب ساستها ومن اختاروهم شركاء معهم في الحكم …فوضع بلادنا ليس في حاجة إلى إعلامي ومحلّل جهبذ وقارئ فذّ وعقل نادر لقراءة ما وصلنا إليه من خلل وانكسار...
تونس اليوم كذلك الملاكم الذي يتهاوى وهو يتلقى اللكمات والضربات دون انقطاع…هذا حالنا اليوم مع من خرجوا علينا تحت عنوان قادة المرحلة وأصحاب البدائل…تونس اليوم تئن…وتترنح…وتتمايل وجعا مما فعله بها ساستها…وبدائلهم الغريبة العجيبة منذ أن جعلوا من سكير حرق نفسه رمزا لمستقبل شباب البلاد …ساستنا الذين صدموا بواقع حكم لم يألفوه ولم يتصوروه بتلك الصعوبة هم سبب مصائبها…هؤلاء وببساطة لم يأتونا ببدائل ولا هم يحزنون…هؤلاء وببساطة تصرفوا مع شؤون البلاد كغنيمة تم الاستحواذ عليها ووجب الاستئثار بأكبر جزء منها قبل فوات الأوان…وقبل أن يخسروا كراسيهم في أول استحقاق انتخابي…
فهؤلاء الذين يعتبرهم بعضنا ساسة لا علاقة لهم بالسياسة ولا هم لها وبها يفقهون…هم أقرب إلى الانتهازيين…بل هم كذلك وأكثر…هؤلاء فقدوا أدنى درجات الحياء والخجل…وسيخجل من ذكرهم التاريخ… هؤلاء لم يعرفوا معاناة الشعب… ولم يعيشوا ولو بعضا من آلام أفراد هذا الشعب… لا يمكن بأي حال اعتبار هؤلاء من الساسة والقادة …فهؤلاء أقرب إلى “المجموعات” التي تتفق على أهداف تعمل على تحقيقها بكل الطرق، دون أدنى خجل ودون أدنى رادع من ضمير قد يغرق في سبات عميق…هؤلاء لا همّ لهم غير ما يمكن أن يستحوذوا عليه من غنائم …ولا همّ لهم غير الوصول إلى كراسي الحكم لـــ”شرعنة” ما يفعلون….
لا بد من الاعتراف أننا نحن ولا أحد غيرنا يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه البلاد…فباختيارنا لهم وتصديقنا لوعودهم ساهمنا دون أن نقصد في هذا الخراب الذي شهدته البلاد….وساعدنا هؤلاء على “الاستحواذ” على مقدّرات البلاد سياسيا واقتصاديا بصمتنا على من أصبح شريكا بأكثر من النصف في حكم البلاد، يفعل ما يريد متى يريد وكما يريد ولم نتفطّن أنه هو سبب ما حلّ بالبلاد والعباد …لذلك فنحن اليوم في حاجة أكيدة إلى الوعي الكامل بأهمية المرحلة وخطورتها والحرص على اختيار الأقدر في عملية تأثيث المرحلة القادمة…نحن في حاجة إلى وعي مجرّد من العواطف الحزبية والعقائدية والإيديولوجية والمنظماتية…والأهمّ وعي أعمق وأقدر على قراءة ما يجب الإتيان به في مرحلة قد تكون الأخطر في تاريخ تونس…فنحن وأعي ما أقول… نحن ودون أن نقصد، ساهمنا في “صنع” خراب الأمس الذي يؤلمنا اليوم وقد يؤلمنا غدا إن واصلنا التعويل على من كانوا جزءا من الخراب بعنوان الشراكة الكاملة في الحكم…