عندما كنّا اطفالا على ابواب المراهقة كانت علاقتنا بالسنما وقاعاته مختصرة على مناسبتين سنويا .. عيد الفطر وعيد الاضحى لا الامكانيات تسمح ولا العائلة …ليلة العيد بالكاد نلتهم وجبة العشاء التهاما سريعا حتّى تجدنا جماعات لا فرادى ننتظر حافلة النقل العمومي التي تقلّنا من مناطق سكنانا الى قلب المدينة
انذاك كان عدد قاعات السنما زهاء العشرة _ وعلى شكون ترضى _ هذه مختصة في الافلام الهندية ثانية في افلام العنف _ ماسيست وهاركول وسبارتاكوس وامثالهم ثالثة في الافلام المصرية والثنائي فريد شوقي وخصمه اللدود محمود المليجي او الثنائي الرومنسي شادية وعبدالحليم .._ اليوم في صفاقس انتقلت كلّ هذه القاعات الى رحمة الله _ نعم كلّها … من الافلام التي شاهدناها في ذلك الزمن وذلك العمر فيلم عنترة …بطولة فريد شوقي الذي قام بدور عنترة والممثلة كوكا التي قامت بدور عبلة …
كنّا انذاك نتماهى مع فارس بني عبس كبطل لا يُقهر بل كنّا ننتصب حرّاسا له كلّما تحيّن احد خصومه للاطاحة به فنصيح بكلّ حرقة ومساندة _ ردّ بالك اوكة متخبيلك _ ..ولم نفهم انّ عنترة الذي قُدّم في ذلك الفيلم هو تضخيم مهول لشجاعة وصولات وجولات لو شاهدها شاعر بني عبس يوما لفضح غلوّها واكاذيبها …ونضجت فكرة ماهية شخصية عنترة العبسي لنكتشف ملامح اخرى لشاعر من شعراء الجاهلية عانى من العنصرية وحاول بكبريائه وعزة نفسه ان يدافع عن انسانية الانسان فكان شاعرا فحلا في الغزل والاعتزاز بالنفس كمحارب من اجل قيمه قبل حبيبته …
الان وانا اشاهد بعض فروخ ثويرين هذا الزمن الاعرج واستمع الى خطاباتهم الفرعونية تاكّدت من خلال انصاره انّ عنترة الاسطورة مازالت ساكنة في العديد منّا …وان هؤلاء المناصرين لم يخرجوا من كهف المبايعة لكل من يعلو سيف صوته على الاخرين فلا هو ولا قطيعه فهموا بعد انّ تونس اذا خسرت 10 سنوات من عمرها لانّ القطعان المهرولين وراء العناترة الجدد لم يرشّهم الوعي بعد ليُدركوا انّ الخلاص لن يكون بمنطق الخطابة والطبلة والربابة والعنتريات التي ما قتلت ذبابة ….