حادثه: كمال مثلوثي وعبد القادر المقري
خلال شهر سبتمبر المقبل سيتم إجراء انتخابات الهيئة الوطنية للمحامين من أجل تجديد تركيبة الهيئة عمادة وأعضاء. وحسب المعطيات الأولية لمصادر مطلعة فإن ثلاثة أعضاء من الهيئة الحالية (حسان التوكابري، محمد محجوبي، نجلاء التريكي) لهم نية الترشح لرئاسة الهيئة وكذلك مترشحان سابقان هما بوبكر بالثابت و محمد الهادفي رئيس الفرع الجهوي السابق بتونس، الذي استضفناه لتسليط الضوء على برنامجه الذي سيدخل به غمار هذه الانتخابات والخطوات التي سيعمل عليها لمزيد النهوض بهذا القطاع.
ـ أنت في إيجاز
الأستاذ محمد الهادفي، محام لدى محكمة التعقيب، بدأت ممارسة المهنة منذ سنة 1987 أي ما يقارب الأربعين سنة محاماة في درجاتها الثلاث. ترأست الفرع الجهوي للمحامين بتونس من 2019 إلى 2022.
ـ ماذا قدمت للقطاع في عهدتك تلك؟
* رغم صعوبة تلك الفترة التي تزامنت مع جائحة كوفيد فقد اضطلع الفرع خلالها بمسؤولياته كاملة سواء من حيث الدفاع عن المهنة وأهلها أو استقلال القضاء أو عن الحقوق والحريات عامة، كما نظمنا عدة ملتقيات حول محاور مهمة كضمانات الدفاع، والتضامن بين الزملاء مهما كان انتماؤهم، أو حضور المحامين في وسائل الإعلام، كذلك باشرنا عددا من الإصلاحات الواقعية كإرساء شباك إرشاد خاص بالمحامين في محكمة الاستئناف أو الاشتغال على ملف أتعاب المحامين الذي كان يكتنفه بعض الغموض والجدل، فتم توضيح ذلك ونمذجة الأتعاب وضبط معايير موضوعية لها وغير ذلك.
ـ بين مغادرتك رئاسة الفرع والآن، مرت ثلاث سنوات عرفت خلالها مهنة المحاماة متغيرات شتى، فهل يطرح برنامجك قراءة لهذه المتغيرات ويجيب عنها؟
بل قل مصاعب تعيشها المهنة، وهناك أربعة محاور أساسية سأشتغل عليها للنهوض بقطاع المحاماة للخروج من الوضعية التي أصبح يعيشها وأول النقاط التي سأعمل على ترسيخها مع الزملاء المحامين:
ا/ مراجعة هيكلة المهنة
أ ـ إخراج رؤساء الفروع من عضوية مجلس الهيئة أي إنشاء مجلس وطني لرؤساء الفروع يحرص على دراسة العراقيل التي يتعرض لها المحامون بكافة ولايات الجمهورية والعمل على تذليلها ورفع العقبات التي من شأنها أن تعطل أعمالهم
خدمات المحامي حق لا يجب أن يبقى مقصورا على الأثرياء
ب ـ فصل تسيير صندوق المحامين للتقاعد والحيطة الاجتماعية عن إدارة مجلس الهيئة حتى يقدم الخدمات المناطة به لمنظوريه يشكل أكثر تفرغا وكفاءة وتوفير تمويلات جديدة له
ج ـ فصل مجلس التأديب عن مجلس الهيئة لإضفاء مزيد من النجاعة والاستقلالية وفض النزاعات في أطر تراعى فيها حقوق المحامي
اا/ إعداد المهنة للمستقبل بوضعها على درب التقدم وإقحامها فعليا في مسيرة العصر
أ ـ تطوير شكل مباشرة المهنة في اتجاه الدفع بأن يصبح شكل المباشرة الجماعية هو الشكل الرئيسي، وهنا لابد من العمل على تطوير النصوص الحالية المنظمة لشركات المحاماة، وإقحام حتى بعض المهنيين الآخرين (عدول تنفيذ، خبراء محاسبين…) في المكاتب المذكورة
ب ـ تطوير منظومة التكوين في المهنة
ج ـ رقمنة العدالة (تعصير مكتب المحامي وإقحامه في الرقمنة)
ااا/ فتح المهنة على محيطها وتثبيت التواصل المتجدد معه
IV/ تنظيم تسيير المهنة وإدخال الرقمنة في مجال الاستشارات والنظر في الملفات القضائية بالسعي لتمكين المحامين من العمل في كنف الاستقلالية التامة وإستعادة المحاماة لبريقها المتوهج الذي من أجله أحدثت للدفاع عن المنوبين والانخراط المبكر والدائم في النضال الوطني والديمقراطي، والمساهمة في بناء الدولة الحديثة التي يسودها القضاء العادل وتحفظ فيها حقوق الأفراد والجماعات مع السعي للتعاون مع السلطة القضائية بالمشورة وتبادل الرأي لما فيه حسن سير العدالة وتطوير العمل القضائي.
أفقنا… مكاتب جماعية تقطع مع الفرديات والعشوائيات
ـ بالاطلاع على مكاتب وظروف عمل عديد المحامين تبدو مهنتكم تحت أشكال من المعاناة، فهل من حلول لذلك؟
أنتما تتحدثان عن الشكل التقليدي الموروث لممارسة المحاماة وهذا صحيح، ولكن الإصلاحات المبرمجة من شأنها أن تغير الأوضاع نحو الأفضل، فمثلا بُعد المسافة بين مكتب المحامي ومقرات المحاكم سيحل جديّا بإرساء منظومات الاتصال الحديثة، وقد بدأنا بعدُ في إرسال الوثائق عبر البريد الإلكتروني وسيتوسع ذلك باستغلال التكنولوجيا ورقمنة الملفات. وفي أورويا اليوم يتحدثون عن “عصر المحامي الرقمي” وعن محامين بلا مكاتب أصلا ودون حاجة إلى ذلك.
ـ ما نلاحظه أيضا أن هناك محامين لا يجدون عملا، في حين أن آخرين لديهم تخمة من الإنابات والنيابات وخاصة من المؤسسات، فهل هذا راجع لكثرة المحامين قياسا إلى عدد المتقاضين، أم لاختلال ما، أم لوجود مسالك غير مشروعة في إسناد القضايا؟
* أولا عدد المحامين بالجمهورية لا يتجاوز العشرة آلاف على 12 مليون ساكن، وهذا لا يقارن ببعض البلدان الأوروبية التي تصل إلى أضعاف هذا الرقم في مدينة واحدة لا في كامل البلاد، فالمشكلة ليست في العدد بل في محدودية أشكال التدخل والخدمات المسداة، ثانيا لا بد من تغيير نظرة المجتمع في ما يخص التمتع بخدمات المحامي التي ما زال عندنا من يعتقد أن ذلك مقصور على الأثرياء، وهنا على الدولة أن تقوم بدورها في باب الإعانة العدلية لكافة المواطنين غير القادرين على تكالبف التقاضي، ثالثا وكما أسلفت هناك عمل كبير حول ضبط وترشيد أتعاب المحامين (في فرنسا مثلا، اتفاقية الأتعاب تتحدد ويتم إمضاؤها مسبقا)، كما أنه مطلوب منا إرساء علاقة ثقة متبادلة بين الحريف والمحامي، وأضيف هنا “مكتب المحاماة” الجماعي المذكور أعلاه والذي سيتجاوز العمل الفردي والعشوائي القديم، في نفس الوقت ومع آليات المراقبة والشفافية والدور التعديلي المناط بالعمادة، سيقع التخلص من عنصر المحاباة والتفاوت غير المنصف بين المحامين. وأخيرا لدينا في الأفق إرساء منظومة تأجير قار (Salariat) لبعض أصناف المهنة.
ـ هناك أيضا اتهامات طالت العمادة في ما يهم تعطيل ترسيم المحامين الجدد
* تعطيل الترسيم بجدول المحامين جماعيا أمر مرفوض، وقد حصل ذلك سابقا ـ لأسباب سياسية ـ في مناسبتين: الأولى مع التونسيين خريجي جامعات الجزائر، والثانية حول بعض القضاة المعزولين الذين قرروا مزاولة مهنة المحاماة، وقد تم فض الإشكال جزئيا وسيكون بقية الملف من أنظار المكتب القادم للعمادة.
أرفض التعامل الانتقائي مع المحامين
ـ موضوع يعتبر في خانة “المسكوت عنه” ويتعلق بوضعية المحامية عبير موسي التي رفض عميد المحامين التعامل معها
*الأستاذة عبير موسي هي زميلة كباقي الزملاء لها مالهم من حقوق الدفاع والتضامن، وقد وقع لها إشكال مع العميد الأسبق (الأستاذ بودربالة) عندما كانت نائبة بالبرلمان وقصدت مكتبه حين تم الاعتداء عليها بحرم المجلس، أما فرع تونس للمحامين فقد ترافع عنها وهو يتابعها باهتمام ولا يتعامل مع الزملاء بشكل انتقائي.
ـ مما يلفت الانتباه أنه أثناء المحاكمات التي تقام ببلادنا، لاحظنا حضور محامين عرب وأجانب، فهل للمحامي التونسي أيضا فرص للترافع في تلك البلدان؟
نعم وهذا رهين علاقة هيئتنا بهيئات المحامين في البلدان الأخرى، توجد اتفاقيات في هذا الصدد مع أجوار المغرب العربي، كما توجد اتفاقية مع فرنسا في حاجة إلى تطوير، وسنسعى إلى توسيع ذلك مع المذكورين ومع بقية بلدان العالم حتى يتسنى لنا تصدير خدمات المحاماة التوسية وهي قادرة بكفاءة على ذلك.
مواصفات العميد الناجح حسب رأيك؟
مهما كان اسم العميد المقبل، فيجب أن يكون عميدا لكل المحامين مهما كانت ألوانهم السياسية وغيرها، كما يتوجب عليه أن يكون مستقلا وشجاعا.
كلمة حرة؟
أنا على يقين من أن المحاماة قلعة للنضال والحرية والتجديد وستبقى عصيّة على من يتربصون بها ولن تنال منها سهامهم مادامت موحدة ومتضامنة ومتماسكة ووحدتها هي مصدر قوّتها وهي الضامنة لاستقلاليتها.