كنت أمنّي النفس بأن نعلن يوما تونس دولة خالية من الأحقاد…لكن ما كل ما يتمنّى المرء يدركه…وأعترف أني خائف…ولأول مرّة منذ ولادتي أعيش خوفا لا مثيل له… أنا الذي “لم أرشفها” لأي كان حتى من الساسة…و”العسّاسة” و”الفشفاشة” و”الغشاشة” و”النشاشة”…اي نعم إني خائف…من دستور فصوله حقد وأبوابه انتقام…في يد رئيس لم نر منه يوما غير خطاب حقد وتهديد ووعيد…
أخاف حين أنظر في وجه أحفادي اليوم وأحفاد الغد، من مصير أراه مجهولا…نعم أخاف على أحفادي وقبلهم على أبنائي من وطن خرج عن السيطرة، يحكمه رجل خارج عن السيطرة…لا أحد يحاسبه اليوم…ولا احد سيحاسبه غدا…نعم أعترف إني خائف ولا أظنّ أن خوفي سيسيء لي، بل سيسيء للحاكم الذي جعلني أخاف كل هذا الخوف…لم أخف في عهد بورقيبة…ولم أخف في عهد بن علي…ولم أخف في عهد الترويكا ولا في عهد التوافق بين الشيخين…لكن أعترف أني اليوم خائف…خائف ليس على نفسي…ولا أخاف الموت فالموت قدرنا وخاتمة وجودنا…ولا أخاف السجن فكل الشعب بدستور الرئيس مسجون…فقط أخاف على من هم أغلى من نفسي على نفسي…أخاف عليهم من غد قد يطول مع رئيس غير “مسؤول” رئيس لا يفعل ما يقول، بل يفعل ما لا يقول…نعم إني أخاف من رئيس كتب دستورا على مقاسه…أخاف من رئيس كل فصول دستوره تريدنا أن نخافه…
أخاف رغم أني لست من الذين يعتدون على الغير وأملاك الغير…أخاف رغم أني لم أرتكب يوما جريمة ولم أتجاوز يوما قانونا…أخاف من دستور جعل السجن أقرب إلى الشعب من حبل الوريد… أخاف من رئيس لم يقل يوما خيرا عن / وفي هذا الشعب…رئيس استعدى كل الشعب بدعوى أنه انتخب من كل هذا الشعب وأنا منهم…نعم أخاف من الرئيس الذي لم يغب عنّا يوما صراخه…واتهاماته…وتهديده …ووعيده…نعم أخاف من رئيس لم يقم يوما بعمل صالح لصالح هذا الشعب بل جاءنا متحزّما منقلبا على من أوصلوه حيث يجلس اليوم…وأهدى لأتباعه كل مفاصل الدولة يهتكون عرضها…ويشوهون سيرتها…ويطمسون معالمها…
أخاف ولم لا أخاف…أخاف وأنا الذي يكتب كلاما قد لا يعجب الرئيس…ومن هم حول الرئيس…ولا حتى من يلعقون حذاء الرئيس وأحذية من يحومون حول الرئيس يبتغون فضلا ورضوانا …عفوا يبتغون نصيبهم من الغنيمة وكعكة “الانقلاب”…نعم أخاف أنا العبد الفقير إلى ربّه، الذي لا حول له ولا قوّة مع من انقلب على الدستور وجاءنا بدستور الحقد والخوف…دستور نزع عن الشعب الحصانة وأعطاها لــ”مولانا”…نعم أخاف من رئيس لا يقبل بالاختلاف…ولا بمن يقول له أخطأت…ولم لا أخاف، ودستور البلاد لا يعترف بحقّي في أن لا أحبّ الرئيس وأن لا اتبّع هدي الرئيس، دستور يمنعني من الاختلاف مع الرئيس وتوجهات وتوجيهات الرئيس ومن هم حول الرئيس ويروّجون لعدل الرئيس وكرم الرئيس وحفاوة الرئيس وطيبة الرئيس…وغضب الرئيس…
نعم أخاف…وكيف لا أخاف…وأنا أعيش في بلد حكامه يوزعون الخوف يمنة ويسرة…كيف لا أخاف ورئيسنا لا يتقن غير سياسات الإلهاء…والترهيب والترغيب…كيف لا أخاف ودولتنا صاحبة عالي المقام فشلت في توفير أبسط الاحتياجات…وفشلت في تغطية العجز الذي يصاحبنا منذ حلّ الحقد بالديار…كيف لا أخاف ورئيسنا يتعامل بسياسة من ليس معي فهو ضدّي…كيف لا أخاف وشعب هذه البلاد هو الشعب الوحيد على وجه الأرض الذي يطالب ويسعد ويصفّق لسجن بعضه الآخر…كيف لا أخاف ورئيسنا يسجن القضاة فقط لأنهم لم يلتزموا بالتعليمات ولم يعلنوا البيعة ولم يمضوا على لائحة الولاءات…فمنذ متى كان القضاة يتعاملون بالتعليمات…كيف لا أخاف والتهم تُرمى جزافا على كل من لا يليق بمقام الرئيس ومن هم حول ومع الرئيس…كيف لا أخاف ونصوص كل الأحكام لا تخرج من أفواه القضاة بل تخرج من أفواه حكّام القضاة…نعم أخاف…وأخاف…من فصول لا تحمي الاختلاف ولا تضمن الحريات…
أخاف…والله أخاف من ساسة لم يقرؤوا الدرس من التاريخ…ولم يتعظوا بما كُتب في كتب التاريخ… كيف لا أخاف ودولتنا تكرر نفس أخطاء الماضي…كيف لا أخاف ودولتنا أوصلتنا إلى الحافة…نعم، فنحن اليوم في الحافة…كيف لا أخاف ورئيسنا لا عمل له غير تشويه الماضي ورجالات الماضي وانجازات الماضي…فهل ثمة حاضر بلا ماضي…وهل نمرّ للمستقبل دون صناعة الماضي…وبناء الحاضر…كيف لا أخاف والفتنة بدأت تطلّ علينا من ثقب مفتاح الباب…وقد تطرق في قادم الأشهر الأبواب…وتريدوني ألا أخاف فكيف لا أخاف…
كيف لا أخاف وأتباع الرئيس يسجلون كل حركاتنا…كل همساتنا…كل مكالماتنا…كيف لا أخاف ووثائق الدولة السرية وغير السريّة تجوب شوارع وأزقّة مواقع التواصل الاجتماعي دون رقيب ودون سؤال من أوصلها إلى ذلك الحال…كيف لا أخاف وأنا قد أضطرّ في قادم السنوات إلى الخوف من كل من يقف بجواري…وإن كان أخي…فقد يكون مخبرا لمولانا…أو مندسا يسجل حديثنا للسلطان…كيف لا أخاف ودستورنا دستور ملوك يوفر لهم الحصانة وهم يحكمون…ويوفرها وهم في قصورهم بتقاعدهم يتمتعون…
كيف لا أخاف وإعلام القصر…وإعلام أتباع ساكن القصر قد يتحولون غدا خصما مباشرا لكل من يعارض ساكن القصر… يروّجون عنه الاشاعات…ويحرّضون عليه الأتباع والزبانية…ويتهمونه زورا وبهتانا بتهم من وحي حقدهم وما يضمرون…نعم إني أخاف القصر وسكان القصر…وكاتب دستور ساكن القصر…وكيف لا أخاف…وكيف تريدون منّي أن لا أخاف…فجميعنا اليوم وغدا سيخاف جميعنا…أنا أخاف صديقي… وصديقي يخاف الشرطي والشرطي يخاف آمره…وآمره يخاف قائده…وقائده يخاف قائده العام…وقائده العام يخاف الوزير…والوزير يخاف صاحب التنسيقية…وصاحب التنسيقية يخاف ساكن القصر وساكن القصر يخاف صندوق النكد الدولي والمنظمات المانحة… والعمّ سام…وصديقنا “ماكرون”…وبقيّة الشلّة…وبعض الدول الشقيقة والصديقة…
أخاف…صدقا أخاف …أخاف مجتمعا مدنيا انقلبت مكوناته إلى مؤسسات تحمي ساكن القصر وتحارب بالنيابة عن ساكن القصر…وتهاجم خصوم وأعداء القصر…وتحاكم كل من يخالف قانون ودستور صاحب القصر…كيف تريدون منّي ألا أخاف …ومن يحكموننا اليوم لا علم لهم بشؤون الحكم…ولم يجهزوا أنفسهم سابقا للحكم…كيف تريدون منّي ألا أخاف ونحن نعيش منذ وصول هؤلاء إلى الحكم في عبث ومعارك تافهة…وجدل عقيم وتنافس غريب عجيب على غنيمة لا وجود لها أصلا…
أخاف نعم أخاف…أخاف من فشل الحكومة ومن اختار الحكومة …ومن اختار أعضاء الحكومة…فأنا وإن اختلفت مع ساكن القصر لا يمكن بأية حال أن أسعد لفشل الحكومة…فإن فشلت الحكومة…فشل الشعب …وفشل الوطن…وفشلهم لن يكون في صالح أبنائي…ولن يسعد أحفادي…لكن أخاف أيضا أن يغضب منّي صاحب الحكومة وأعضاء الحكومة إن قلت يوما إنهم فشلوا…وصاروا عبئا على الوطن…وإن عليهم الرحيل…كيف تريدون منّي ألا أخاف ومولانا لن يقبل بالرحيل…وهو الذي قد يطلب منّا أن نجوع …حفاظا على الدولة…والدولة هي مولانا…أليس ساكن القصر هو صاحب الدولة…فكيف يجوع صاحب الدولة والشعب شبعان…أمن العقل والمنطق هذا؟
في الختام…أخاف … نعم أخاف كثيرا…أخاف لأني أدرك معنى وقيمة الأوطان، كما أدرك وجع الشعب “الجوعان”…لكن لن أنقلب على مبادئي وما تعلمت… لن أنخرط في حملات الدجل والمديح والمحاباة والمراوغة والتبجيل والتعظيم ولن أقول ما يريد سماعه ساكن القصر وأتباعه … لأني أنا صاحب السيادة كما جاء في الفصل الثالث من دستور مولانا السلطان “الشعب التّونسي هو صاحب السيادة يمارسها على الوجه الذي يضبطه هذا الدستور”…فقط أوصيهم بأن لا يأمنوا الكرسي وأرجل الكراسي التي بجوار الكرسي، وأرجل الكراسي التي تصفّق لمن يجلس على الكرسي…فكم من أرجل كرسي تخلّت عن الكرسي…فسقط الكرسي ومن على الكرسي…أليس الشعب هو أرجل الكراسي…التي تمسك بالكراسي ليجلس صاحب الكراسي …على عيني…وراسي…