وفاء سلطان:
هل تذكرون حصة “الإنشاء” في مدارسنا؟
ماذا كانت المواضيع المطروحة؟
– صف نزهة قمت بها مع العائلة إلى بستان!
– اكتب رسالة لعمك المهاجر تذكره بالوطن
– صف فصل الشتاء!
– ماذا تحب أن تصبح في المستقبل؟
– اكتب عن عيد الأم!
– تحدث عن خطاب السيد الرئيس
لذلك خرجنا إلى الحياة لا نجيد إلا الجمل الإنشائية التي لا تقدم ولا تؤخر.
……….
بينما المواضيع التي تطرح للنقاش في المدارس هنا (في الولايات المتحدة) هي عادة مواضيع مثيرة للجدل وهناك اختلاف في المواقف منها، على سبيل المثال:
– ماهي السن الأفضل لمنح شهادة سياقة 16 أم 18
– هل أنت مع الموت الرحيم أم ضده؟
– هل أنت مع حق المرأة في الإجهاض أم ضده؟
– هل أنت مع عقوبة الإعدام أم ضدها؟
– هل أنت مع السماح قانونيا بزواج المثليين أم ضده؟
– هل أنت مع اعطاء حق الإقامة للمهاجرين
اللاشرعيين أم ضده؟
وفي كل مرة يطلب من الطالب أن يشرح بالتفصيل الأسباب التي تجعله مع أو ضد، مع ذكر المراجع التي اعتمد عليها لتوثيق رأيه.
العقل النقدي مكتسب ويتعلمه الإنسان في المدرسة أولا، ويصبح لاحقا – وبصورة عامة – مهارة يجيدها حتى المواطن العادي.
بينما لا يمكن أن يكتسبه الإنسان الذي يعيش في مجتمعات قمعية والتي مناهجها الدراسية والإعلامية تعزز القولبة العقلية، وبالتالي تكرّس الثقافة الدينية والسياسية السائدة.
لهذا السبب ترى المجتمعات الحرة ابتكارية ومتجددة باستمرار، بينما القمعيّة راكدة وميتة!
هذا لا يعني أن يكون كل إنسان ناقدا متمرسا في النقد، لكن يعني أن يلتزم بالحد الأدنى لقواعده، ألا وهي أن يقارع الفكرة بفكرة ملتزما باحترام شخص الكاتب.
أتابع يوميا الأخبار والتقارير في أكثر من محطة إعلامية أمريكية، ولا أركز على الخبر بحد ذاته أكثر مما أركز على تعليقات القراء.
تبهرني تلك التي أتفق معها والتي لا أتفق على حد سواء،
وأتعلم منها كما لم أتعلم من قراءة التقرير نفسه.
……….
على مدى الثلاثة عقود الأخيرة لم تكن حياتي الكتابية سوى حرب ضروس مع ثقافات قمعية وعقول مشوّهة ومقولبة!
لا أعتقد أن كاتبا في تاريخ العرب تعرض للتهميش والشتم والتهديد ومحاولة تشويه سمعة أكثر مما نلت.
يوميا علي أن أتعامل مع ردود على العام والخاص، شبيهة بـ:
– يا قح…بة ألم يدرسك حافظ الأسد الطب مجانا؟
– أيتها العاهرة النصيرية ألم تقرئي قول رب المجد
(أحبوا أعداءكم)؟
– اليهود يدفعون لك، النصارى يدفعون لك!
– أيتها العجوز الشمطاء (قال شمطاء قال، العما في قلبهم شو عميان)
– مخرفة، نرجسية، مصابة بعقدة نقص
(البركة كلهم أطباء نفس )، وقس على ذلك!
ومع هذا يخرج عليّ خبير بعلم النقد ليقول لي:
(حظرك لهذا الشخص خطأ كبير ويدل على عدم سعة صدرك للنقد)
ماشاء الله تعا حضرتك واجه ما أواجهه، علنا ندرك سعة صدرك!
ثلاث نقاط سأؤكد على أهميتها بخصوص كتاباتي:
– حياتي العائلية والشخصية هي الأساس الذي استند عليه،
وبناء عليها (تكسرت النصال على النصال)!
أنا مشبعة حبا واحتراما وتقديرا، وأقود حياة يحسدني عليها أسعد البشر، لأن نواياي وأفعالي وأفكاري هي من صنعتها.
– حربك معي المبنية على الحقد والغيرة والتمييز الطائفي والعنصرية الدينية وعدم التسلح بخلق حسن لن تقدم أو تؤخر!
بالعكس، تساعدني أن أمضي قدما فيما عقدت العزم عليه،
فأنا كالفحم الذي تحولّه النار ألماسا
– سأستمر في نشر كل ما اؤمن به وبحرية مطلقة،
فلا تجهد نفسك في محاولة الإساءة إليّ
– بالمقابل، لا أنسى أية كلمة تشجيع وأقدرها حق التقدير،
واحترم كل إنسان يختلف معي شرط أن يتناول فكري لا شخصي