ضوْءُ نار
هجرة الأدمغة … و سياسة “الترهدين”
نشرت
قبل 4 سنواتفي
إذا أردنا أن نُعرّف مصطلح هجرةُ الأدمغة تعريفا بسيطا و قريبا من فهم العامّة فبإمكاننا القول بأنها تعني انتقال الكفاءات، و المختصّين، و أصحاب الشهائد العليا من البلدان ذات الأحوال الاقتصادية و السياسية المنعدمة أو المحدودة إلى البلدان المتقدّمة؛ بحثاً عن ظروفٍ معيشيةٍ أفضل، و بيئةٍ اقتصاديّة و اجتماعيّةٍ و ربّما أيضا سياسيّة أكثر استقراراً من أجل الحصول على فرص عمل أفضل برواتب محترمة و نفاذٍ للمخابر العصريّة و العمل في محيط مِهني يتميّز بالتعامل مع آخر التكنولوجيات تطوّرا …
و في واقعنا التونسي شهدت بلادنا هجرات فردية للبلدان الغربية و لا سيّما فرنسا و إيطاليا و ألمانيا منذ أواسط الستينات … ثم بدأت الوتيرة تتصاعدُ فأصبحت الهجرة منهجا رسميا منذ سنة 1972 تاريخ إحداث الوكالة التونسية للتعاون الفني و هي “مؤسسة حكومية لاستكشاف احتياجات الأسواق العربية و الأجنبية من الموارد البشرية و العمل على توفير الكفاءات التونسية لسد هذه الاحتياجات و كذلك إنجاز البرامج و المشاريع التنموية في البلدان العربية و الافريقية” … و تواصلت مغادرة الكفاءات التونسية للبلاد في نسق تصاعدي في الثمانينات و التسعينات… مع تسجيل حركة رجوع للبلاد من حين لآخر كلّما سنحت فُرص العمل أو البحث أو إمكانيات الاستقرار النهائي …
غير أنّ الآفاق المستقبلية بدأت في الانسداد منذ بداية سنوات الألفين حين كثرت أطماع الطرابلسية و عائلة بن علي و من والاهم من أصحاب المال و الضالعين في التهريب و المستحوذين على عالم الأعمال، إلى أن سقط النظام السابق و جاءنا “جهابذة السياسة” من الفاسدين و السرّاق و سقط المتاع فأغلقوا “فانة” الأمل لدى الشباب العاطل من الذين لا يملكون المهارات المهنيّة إلى الذين تحصلوا على أعلى شهائد التحصيل العلمي.. فانطلقت قوارب الهجرة السريّة و تلتها موجات انتقال أصحاب الكفاءات العلمية إلى أوروبا و كندا تحت مُسمّيات كثيرة منها إجراء التربصات أو تعميق البحوث أو إنهاء الدراسات أو إستكمال الدكتوراه خصوصاً في المجالات المالية، و الصحية، و مجالات البرمجيات، و الفضاء .. و كانت كلّها تنتهي بالبقاء في تلك البلدان لما تقدّمه لأبنائنا من تسهيلات و حوافز.
إنّ هجرةُ الأدمغة ليست ظاهرةً حديثةً، و ليست خاصّة ببلادنا إذ شهدَ التاريخ هجرات الأدمغة من أوروبا إلى أمريكا الشمالية في القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، و من بلدان العالم الثالث في آسيا وأفريقيا و بلدان أمريكا اللاتينية، إلى البلدان المتقدّمة و الأكثر احتضاناً للمواهب و القدرات مثل أمريكا و بلدان أوروبا …إنّ القصور الذهني وضعف ملكة الإبتكار لدى ساسة “الهانة” الذين بلانا بهم ربّ العالمين منذ عقود و لا سيّما منذ 2011 جعل التفكير في موضوع هجرة الأدمغة يُقتصرُ في بُكائيّة على رحيل أبنائنا و خيرة شبابنا “و هات من هاك اللاّوي” و كأننا هيّأنا لهم مجالات العمل و الإبداع أو أحضرنا المخابر و المستشفيات و الجامعات و فرص العمل لكي يبقوا بيننا و تنتفع البلاد بعلمهم و عملهم !
كفانا نفاقا و كذبا على أنفسنا… فمن لم يُسعفه الحظ من أصحاب الشهائد العليا في السفر للبلدان المتقدمة لفّه النسيان في بلادنا و انضمّ إلى القافلة الطويلة للعاطلين، فهل نرفض هجرة الادمغة لنُلقي بها في جحيم العطالة و الخصاصة لإرضاء شعار زائف بالوطنيّة؟ و كأنه كُتب علينا البقاء في منزلة بين المنزلتين: فلا نحن أحضرنا المناخ الملائم لعمل أصحاب الكفاءات العليا، و لا نحن إبتهجنا بهجرتهم إلى حيث يبدعون.. هكذا نحنُ : ننغّص على الناجح فرحته بنجاحه، في كل المجالات تقريبا …
علينا أن نُغيّر نظرتنا البالية لموضوع هجرة الأدمغة، فنُحوّله من بكائيّة كاذبة إلى شُحنة إيجابيّة تنفع بلادنا و تُنصف مجهود أبنائنا من الإطارات العليا في الخارج… فنخلق منهم “لوبي” يساعد تونس و يلمّع صورتها و يشجع سلطات البلدان الأجنبية على مزيد استقدام التونسيين من مختلف الاختصاصات في إطار هجرة منظمة فينتفع المهاجر و”تتنفّس تونس” وينتفع بلد الإقامة … إضافة طبعا إلى الإيجابيات الأخرى الكثيرة التي تنتج عن الهجرة مثل التحويلات الماليّة التي يُرسلها أبناؤنا لتونس، و نقل المعرفة إلى بلادنا عبر المؤتمرات و المشاركة في المشاريع العلميّة و كذلك احتمال عودة عدد منهم إلى أرض الوطن بعد اكتسابهم المهارات اللازمة لعمليّة التنمية بما يصبّ في مصلحة تونس …
فهل يُقيّض الله لنا من يُفكّر في مصلحة أبنائنا و مصلحة البلاد، بعيدا عن الشعارات و سياسة “الترهدين” ؟
تصفح أيضا
ضوْءُ نار
رولان بارت … في “يوميات الحِداد”
نشرت
قبل سنتينفي
7 يناير 2023من قبل
صالح السيد Saleh El Sayyidرولان بارت (1915-1980) أحد الأعلام الفرنسيين الكبار في التيار الفكري المُسمّى مابعد الحداثة، تنوعت أعماله لتغطي مجالات عدة، وقد أثر على تطور مدارس نظرية في كل من: البنيوية، السيميولوجيا، الوجودية، النظرية الاجتماعية، الماركسية، وما بعد البنيوية… و برزت أسهاماته واضحة في مجمل الثقافة الإنسانية .
“يوميات الحداد “هى أحدث ما تُرجم إلى العربية من كتابات “رولان بارت” ضمن إصدارات المركز القومي للترجمة بالقاهرة، إعداد وتقديم “ناتالى ليجير” وقد ترجمته من الفرنسية “إيناس صادق”.
بدأ بارت كتابة هذه اليوميات في اليوم التالى لوفاة والدته في الفترة من 26 أكتوبر 1977 وحتى 15 سبتمبر 1979، كان يكتب بالحبر وأحياناً بالقلم الرصاص على بطاقات كان يعدّها بنفسه من أوراق ذات مقاس موحد كان يُقطّعها إلى أربعة أجزاء وكان يحتفظ دائماً باحتياطي منها على منضدة عمله، وقد تم تحريرها أساساً في باريس وأورت بالقرب من بايون وبعضها في تونس و المغرب حيث كانت تتم دعوة بارت بانتظام للتدريس هناك .
و تذكر “ناتالي ليجير” أنه فى أثناء كتابة اليوميات كان بارت يقوم بتحضير دراسته عن “المحايد” في الكوليج دي فرانس وكتب “الحجرة المضيئة” وقام بتحرير الأوراق الخاصة بمشروعه “فيتانوفا- حياة جديدة” وقام بتحضير دراسته المزدوجة عن “إعداد الراوية” في الكوليج وأساس كل من هذه الأعمال الكبرى أنها تندرج كلها بوضوح تحت معنى موت الأم. (1)
كيف لبارت الذي يقول عن نفسه إنه: هوية بلا تحديد ولا جوهر ثابت، إشارة حرة، دال عائم بلا مدلول، روغان لا نهائي وانتهاك لكل التخوم والحدود، أن يقع في شَرَك الحزن ويتسربل عالمه بالحداد !؟ (2)، وهل استطاع أن يواجه الموت الذي لحق بالأم، هل تملّكته الجسارة أن يزيل الوهم عنه، أن ينفذ إلى داخله ويحيط بشموليته أو يتحرر منه؟
تتجسد في يوميات الحداد نزعة كتابية تؤكد أنه لا يمكن قول كل شيء أو بالأحرى لا يمكن قول الجديد والأشد تطرفاً إلاّ بشرط التخلي عن الكلية وتدميرها، كتابة تصير متقطّعة على نحو متزايد، كتابة يشكل فيها الجزء في حد ذاته استحالة قول كل شيء، وذلك على النقيض من اختيار شكل أدبي مثل اليوميات الذي يقضي بالعكس بقول كل شيء، بالبوح بكل شيء خاص بالحياة .(3)
وتعد هذه النزعة امتداداً لأسلوب بارت الذي يُفضّل الكتابة الشذرية لأنه يرى أن الكتابة في الحقيقة ليست شيئاً سوى البقايا الفقيرة والهزيلة للأشياء العظيمة الموجودة في دواخلنا، وأن ما ننتهي إليه في الكتابة هو الكتل الصغيرة الشاذة الغريبة بالمقارنة مع النسيج المعقد المنسجم الأجزاء الموجود داخلنا، فهو لا يشيّد بناءً كلياً كاملاً بل يعمل على ترك بقايا وفضلات متنوعة ظاهرة للعيان .(4)
ينفتح استهلال اليوميات على طقس الرحيل، كصدمة نفسية بين جدلية الموت/الحداد،العُرس/الفرح تلك اللفتة التي بدأها بارت في 26 من أكتوبر 1977 في اليوم التالى لوفاة الأم، بطاقة صغيرة كتب عليها التاريخ خطين فقط :
“أولى ليالي العُرس،ولكن أول ليلة حداد !”، لفتة يترك فيها غالبية المساحة إلى بياض الورق ومن خلال هذا الاختصار وعن طريق الاستخدام المنقوص للمساحة البيضاء تمنح إذناً بعدم قول كل شيء.
إذا كان الموت هو الحد النهائي الذي يتحدى القيم، ويُكذّب شتى مزاعم الإنسان، ويُلقى على كل ما في وجودنا من آمال ظلال الفناء الأسود البغيض، فإن بارت بحساسيته الغنية يكشف عن كل ما تحمله هذه الواقعة في أنظارنا من معاني الغرابة واللاواقعية والاحتمالية والالتباس والشك وعدم اليقين وهي تجهز على القدرة على التعبير والكتابة :
“هناك وقت يصبح فيه الموت حدثاً ومغامرة، وبهذا المعنى يحرك ويثير الاهتمام ويشد وينشط ويصعق ثم في يوم ما لا يعود حدثاً ولكن فترة أخرى مكدسة لا معنى لها لا تُحكى، مغتمة، ميئوس منها: حداد حقيقي غير قابل لأية جدلية سردية “
وعندما تعجز اللغة، ويتخذ اليأس منحنى درامياً،يخرج بارت من قبو الأرض العلامات الأقدم والأكثر شيوعاً، الحجر الذي هو التجريد النقي، العلامة ذاتها الأصلية التي تنسلخ من ألعاب اللغة، من الثرثرة:
“يأس: الكلمة استعراضية إلى درجة كبيرة،لكنها جزء من اللغة/الحجر”، كما يعود الحجر كإشارة فريدة، بدائية، ونهائية لكل تعبير، هذا ما يؤدي إليه الحزن المفرط: “الحزن مثل حجر .. مُعلّق في رقبتي، وفي أعماق نفسي “
تكتسب الأم عند وفاتها قيمة انطولوجية لا سبيل إلى تعويضها أو استبدالها أو الاستعاضه عنها بغيرها، وهنا يرتفع عن الموت طابع الغياب المطلق وتتبدى الأم وكأنها حاضرة أمامه وجها لوجه، ولكن ما الذي ينتمي إلى ماهية الشخص حينما يكف الجسم في غمار حدث الموت، عن أن يكون موجوداً؟
تظهر أطياف الأم في مشاهد عديدة في اليوميات، وهي تعكس حالات متباينة في العلاقة بينهما، فمنها ما يؤكد المحاكاة في السلوك إلى درجة التماهي التام مع الأم – وإن كان ذلك لا يمنع تداخل خطاب يشي بالسخرية المريرة – وهو عنف موجه ضد الذات كأثر واضح للحزن المترسب:
“نحو السادسة مساءً: كانت الشقة دافئة ومريحة ومضيئة ونظيفة، قمت بذلك بقوة وتفان (كنت استمتع بذلك بمرارة) منذئذ وإلى الأبد أصبحت أنا نفسي أمي نفسها”.
ومن ناحية أخرى تظهر الدرجة القصوى من الحنو والشفقة – والأم تحتضر- تجاه الابن وهي تتلمّس راحته:
“كنت أتجول كيفما كان عبر الحداد، وكانت النقطة الشائكة تعود ثابتة بلا انقطاع: الكلمات التي قالتها لي في أثناء سكرات الموت والمركز المجرد والجهنمي للألم الذي يغمرني (“حبيبي ر.،حبيبي ر.”-أنا هنا- “أنت غير مستريح في جلستك”).
فبينما يتكرر نداء الأم مرتين تأتي إجابة بارت وحيدة جافة تدل على الوجود كشيء أساسي “أنا هنا” للحي، ساعتها تجيب من على وشك الموت إنها تشفق عليه، وهو قد تحجر واستنزف القدرة على الكلام لأنه معزول عن العالم – في موطن مجرد وجهنمي من الألم- ولكن هيهات للأم أن تكف عن شفافيتها العميقة، وهو حبها الراسخ .
كما ينتقل الحنو/الشفقة إلى منطقة جمالية، إذ تنتصب الأم -هكذا يتخيلها بارت- في رفض صارم لرداء الحداد، أو عتمة العالم، وكأنها تقول له: رفّه عن نفسك أو عش حياتك كما ينبغي :
“معطفي حزين بنفس درجة الكوفية السوداء أو الرمادية التي كنت ألبسها دائماً، يخيل إلىّ أن ماما لم تكن تتحملها، أسمع صوتها وهي تقول لي: ضع قليلا من الألوان، لأول مرة إذن أرتدي كوفية ملونة (سكوتش)”.
تتبدى حالة التمزق العاطفي والنفسي والفكري لبارت بين رفض فكرة الخلود ومعاودة الإيمان بها، ويأتي هذا في إطار أن اليوميات تشكل إطارًا للاعتراض ضد حضارته والثقافة التي يسكنها وهو يلجأ إلى مساحة أخرى، مساحة تعبير مختلفة، إنه الشرق العربي -المغرب- في قرية مولاي بوسلهام الساحلية في منتصف الطريق بين الرباط وطنجة، حيث يشهد لحظة عميقة من الابتعاد عن الحاضر والثقافة الأوروبية حيث يُكتب شيء في السماء، في مساء الصيف، بتحليق السنونو ويشهد على علامة وجود الأرواح،خلودها:
“رأيت طيور السنونو تطير في مساء الصيف، قلت لنفسي – وأنا أفكر بحزن شديد في ماما- أي تخلف في عدم الإيمان بالأرواح وبخلود الأرواح ! أية حقيقة غبية هذه المادية!
_______________________________________
الهوامش :
1 – رولان بارت “يوميات الحداد “: نص وضعته وفسرته ناتالي ليجير، ترجمة إيناس صادق، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولي 2018م.
2 – هكذ يتحدث بارت عن نفسه في كتابه رولان بارت بقلم رولان بارت ص 15
3 – اريك مارتن: رولان بارت الأدب والحق في الموت، ترجمة نسرين شكري، ص 112
4 – حوار مع رولان بارت ضمن كتاب النقد والمجتمع، ترجمة فخري صالح، ص 78
انطلق اليوم الثلاثاء غرة نوفمبر 2022 موسم جني الزيتون بولاية سيدي بوزيد. وتحتل هذه الولاية المرتبة الأولى في عدد أصول الزيتون بحوالي 14 مليون شجرة وسط مؤشرات بصابة هامة قدّرت بـ190 ألف طن زيتون بما يقابله 38 ألف طن من الزيت.
وتتصدر الولاية كذلك قائمة الإنتاج الوطني بـ21%. و قد أشرف الوالي السيد عبد الحليم حمدي على الافتتاح بإحدى ضيعات المركب الفلاحي بالطويلة.
فوزي الصالحي
عام رحل، و عام حلّ … طُويت صفحة 2021 بأيامها الصعبة و الأكثر و الأقلّ صعوبة، بلغت فيها الجائحة ذروتها و أفقدتنا أحبة بلا عدد و لا عوض، ثم تراجعت تحت عزم النساء و الرجال كأنها جُفاء … و نفتح بداية من يوم غد بوّابة اثني عشر شهرا جديدا تنتظرنا و ليس علينا انتظارها … فالأحلام العذبة حين تواجهها يد ويطاولها فكر، تصبح ممكنة و تتجلّى حقيقة و ما أجمل حقائق الشعوب حين تنهض، و حين تقاوم، و حين تستمر … فلنستمرّ …
و كل عام و “جلّنار” و قرّاؤها المتزايدون خيرا و بركة، بمليون خير
لا، بل بـ 12 مليون خير !
صن نار
- ثقافياقبل 9 ساعات
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 10 ساعات
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل 20 ساعة
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يوم واحد
الصوت المضيء
- جور نارقبل يومين
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 3 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 3 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 3 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟