تابعنا على

جور نار

هذا الشعب لن يأكل رغيفه، ويداه مقيّدتان…

نشرت

في

أسئلة عديدة تخامرنا ونحن نعيش أردأ مراحل تاريخنا الحديث…هل سيُسمح لنا بأن نصرخ بكلمة حقّ في زمن أصبح الجور والظلم فيه لعبة يمارسها الساسة والحكام، ومن يلعقون أحذيتهم ومن انضمّوا للقطيع… في زمن انتشرت فيه صناعة الجبن والنذالة…وتميّز فيه بعضهم بهندسة وفبركة الأوغاد…هل حقّا نحن اليوم أفضل مما كنّا عليه كما يزعم بعضهم؟ وهل حقّا نحن اليوم في مشهد جميل لا خوف فيه ومنه؟ هل هذه حقّا بلادنا التي تمنيناها وبحثنا عنها واختلفنا وافترقنا من أجلها؟ أهذه بلادنا التي نريدها للجميع ولو اختلفوا؟ لا أظنّ أننا كنّا نريد هذه النهاية الموجعة…ولا أظنّ أن هذا الشعب يستحق ما هو عليه اليوم من بؤس ووجع…وإحباط…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

قديما تآمر على هذا الوطن الأصدقاء، والاشقّاء، وغدر بنا الحلفاء والأقرباء، لكننا لم نفرّط يوما في وطننا ولم نترك يوما أرضنا، ولم نختر طريقا خاطئة، ولم نسلك مسالك وعرة لا نعرف نهايتها، ولا يستفيد منها الشعب، ولا ترتقي بها الأمة…ونجحنا بحنكة وحكمة كبارنا سواء كان ذلك في عهد الزعيم بورقيبة أو في عهد الرئيس بن علي، في إفشال كل محاولات قوى التآمر وأدواتها من خونة الداخل والخارج، الذين رهنوا ضمائرهم، وباعوا وطنهم وحاضرهم ومستقبلهم…فهل فعلنا كل ذلك لنسقط حيث سقطنا اليوم؟

هل فعلنا كل ذلك لنصل إلى ما نحن فيه من انقسام وفتنة نطردها من الشباك، لتعود إلينا وتطل برأسها من ثقب الباب؟ هل فعلنا كل ذلك من أجل أن يصبح أعظم وأهمّ أهدافنا “كيلو فارينة” و”قارورة غاز” ورغيف خبز فقد طعمه وخفّت موازينه؟ هل فعلنا كل ذلك من أجل أن يصل بنا الأمر إلى خوف من أن نفشل في توفير مرتبات موظفينا؟ هل فعلنا كل ذلك من أجل أن يكون إنجازنا دستورا جديدا نلغي به دستورا لا يلبي رغباتنا وأطماعنا، قد يرميه من يأتي بعدنا أو ينقلب علينا في أول سلة مهملات تعترضه؟ هل فعلنا كل ذلك لينتحر شبابنا في المتوسط هربا من جحيم صنعناه بإرادتنا؟ هل فعلنا كل ذلك من أجل أن يهجر عشرات الآلاف من كفاءاتنا أرض الوطن ليصنعوا ربيع أوطان أخرى؟ هل فعلنا كل ذلك من أجل تنفيذ بعض نزوات حكامنا في فرض نظام حكم أعرج ابتر، لا هدف له ولا برامج غير تصفية الخصوم وإفراغ الساحة لصالحهم وتوسيع صلاحياتهم ليصبحوا ملوكا وسلاطين؟

هل يستحق هذا الشعب حقّا ما يقع معه… وله… وبه؟ هل يستحق هذا الشعب ساسة يحكمونه بالإشاعة والايهام والإلهاء وتحويل الوجهة، ساسة يقلبون فشلهم وهزائمهم إلى انتصارات وإنجازات، لا أثر لها في واقع الحال؟ هل يستحق هذا الشعب ان يعيش على أوهام يصنعها حكامه ويروجونها بحماسة في خطبهم؟ هل يستحق هذا الشعب المنكوب المكلوم حكاما لا يبحثون عن انقاذ ما يمكن إنقاذه، همّهم الوحيد البقاء على كراسيهم إلى أجل يحددونه ويقررونه هم؟ هل يستحق هذا الشعب حاكما لم يحدثهم يوما عن مشاغلهم وأوجاعهم دون أن يلصق بخصومه كل مؤامرات الدنيا، وكل أشكال الخيانة والعمالة؟ فهل كتب على هذا الشعب أن يعيش فقط على أمجاد الماضي…وأن يحنّ إلى نجاحات الماضي وإخفاقات الماضي وأوجاع الماضي، دون أن يسعد بحاضره ودون أن يصنع مستقبلا أفضل لأبنائه؟ وهل كتب على هذا الشعب أن يعيش على ثقافة الخوف والرعب من حاكمه…وهوس الاستبداد والقهر؟

هل حقّا حافظنا على الدولة أم لم يبق لنا غير بعض بقاياها؟ فحين نرى اليوم كثرة المنافقين والدجالين نشعر وكأننا نجسّد صورة رسمها لنا ابن خلدون منذ ستّة قرون خلت حين قال:”عندما تنهار الدول والاوطان يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والمدّعون… والكتبة والقوّالون… والمغنون النشاز والشعراء النظّامون… والمتصعلكون وضاربو المندل… وقارعو الطبول والمتفيهقون (أدعياء المعرفة)… وقارئو الكفّ والطالع والنازل… والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون…تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط… يضيع التقدير ويسوء التدبير… وتختلط المعاني والكلام… ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل.. ” فهل صدق كل ما قاله ابن خلدون عنا وفينا؟ هل انهارت الدولة التي بنيناها وشيدناها بأيدينا؟ فنحن في زمن المداحين…وزمن الهجائين… وزمن قارعي الطبول… فهل بالتطبيل والنفاق سنعيد للدولة هيبتها …وللبلاد مكانتها …وللأمة كرامتها وعزّتها؟ وهل بالمتصعلكين وعابري السبيل سننجح في خلاص ديوننا؟ وهل بالانتهازيين سننجح في درء العجز عن ميزانيتنا؟

هل بهذه الأقلام وأصوات الدعارة الإعلامية سنعيد الأمل المفقود لشبابنا ومن أوجعناهم بما فعلناه بهم منذ أكثر من احدى عشرة سنة؟ هل نحتاج حقّا إلى كل هذه الأصوات التي تحترف التطبيل والنفاق؟ هل نحن في حاجة إلى من يعملون ليلا نهارا على توسيع الهوّة بين أفراد هذا الشعب، بين الحاكم والمحكوم؟ هل نحن في حاجة إلى من يخططون فقط لتوسيع الشرخ بين مكونات النسيج السياسي والمجتمعي؟ هل نحن حقّا في حاجة إلى من باعوا ضمائرهم واحترفوا التغطية والتزييف وخيّروا الصمت أمام ما يقع بالبلاد منذ أكثر من احدى عشرة سنة؟

لا … لسنا في حاجة إلى هؤلاء وامثالهم، ولن نكون في حاجة إليهم ابدا فنحن من صنع تاريخ هذه الأمة وبنى مجدها، وأجدادنا هم من كتبوا تاريخها بأحرف من دمهم ومعاناتهم ونضالاتهم …نحن اليوم في حاجة إلى حاكم لا يفرّق… حاكم يجمع الجميع حول طاولة الوطن وإن اختلفوا… حاكم يحب الجميع وإن لم يتفقوا… حاكم لا يتمسك بالكرسي بقدر تمسكه بوحدة هذا الشعب رغم اختلافه …نحن في حاجة إلى حاكم يتقن إدارة احتياجات هذا الشعب وهذه البلاد …فلا مبرر لوجود من لا يفقه كيف يدير احتياجات شعبه وأمته ويخرجهما من أزمتهما…ولا مبرر لبقائهم جالسين على كراسيهم حين يفشلون في القيام بواجبهم…نحن في حاجة إلى حاكم يخفّض من مستوى الاحتقان بين مكونات مشهدنا السياسي والمجتمعي بخطاب يوحّد… خطاب يجمّع… خطاب حب… لا حقد فيه… ولا تهم ولا شتيمة…ولا محاكمات على الهواء لا إثبات فيها غير بعض الهراء…نحن في حاجة إلى حاكم نبكيه يوم يغادرنا…ونتمسّك به يوم يترك الكرسي… ولا حاجة لنا بحاكم يرفع مستوى الاحتقان  ولا يقرأ حسابا لمخاطر الفتنة…فهذا الشعب الذي صبر أكثر من عشر سنوات لن يصبر أكثر… ولا أظنّه يرضى بمثل ما عاشه…وهذا الشعب لن ترهبه السجون ولا التهم الباطلة، ولا القضايا الملفّقة، ولا الاقامات الجبرية، ولن تسكته أبواق السلطان وإن كثر صراخها وعلا صوتها…وتناثر بصاق افواه أقلامها ومادحيها في منابر قنواتها…

نحن في حاجة إلى حاكم يدرك ان رغيف الخبز لا يعوّض الحرية ابدا…وأن “كيلو فارينة” لن ينسينا كرامتنا…هذا الشعب لن يقبل بأن يأكل رغيفه ويداه مقيّدتان… ومحكوم عليه بالصمت… فالصمت جريمة وخيانة لمن لم يسكتوا يوما عن الحق…فإن كنتم يا حكام اليوم تحبون وطنكم مائة مرّة… فهذا الشعب يحبّ وطنه مليون وألف مرّة ومرة…ومرّة أخرى…

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟

نشرت

في

محمد الزمزاري:

ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.

لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…

هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..

أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار