انا مازلت مُصرّا ومنذ مارست الكتابة الصحفية في بداية السبعينات ومنذ مارست العمل الاذاعي في نهاية السبعينات على ان اقدّم شخصي كمواطن عادي جدّا يُمضي مواقفه ولا يمضي..
ومعنى انّي لا امضي انّي اوّلا اتحمّل تبعات كلّ ما اكتب او اقول، و ثانيا انتظر ايّ راي مخالف احاوره ان رايت فيه اضافة وتنويرا واصلاحا لي، واتركه جانبا ان رايت فيه مضيعة للوقت …وهكذا بدأت وهكذا انا الان … اعتزّ بمواقفي ايّما اعتزاز واعتزّ اكثر بكلّ من يُصلح فيّ اخطائي …منطلقي في ذلك ان لا احد يملك الحقيقة المطلقة وانّه من واجب كلّ حاملي الافكار ان يتبنّوا القاعدة الذهبية منذ الازل (علمنا شيئا وغابت عنّا اشياء) دون نسيان ما قاله ابو الفلسفة اليوناني الكبير سقراط في آخر ايّامه (علمت انني لا اعلم شيئا) ولعلّ سمة الكبار تواضعهم وهم يدوّنون افكارهم …
لذلك اشفق جدّا على من يعلو صوته او حرفه ليصبح يلعلع واهما انّه المهدي المنتظر ولا حجج فوق حججه ..بل واعتبر هؤلاء اجهل الجهلاء …واذكر جيّدا مقالا ذات سنة في جريدة الايام كان عنوانه وانا اتحدّث فيه عنّا معشر الصحفيين “ارجوكم لا تصدّقونا بسرعة ” وما قلته ليس تبخيسا لكلّ من يخربش ..ابدا .. بل هو تاكيد على انّ ما ننشره او نصدح به هو رأي يحتمل الصواب ويحتمل بنفس المقدار الخطأ ..ربما الفارق بين رأي وآخر ما يحمله الواحد منّا من كمّ معرفي ومن نصيب من الوعي والتجربة ..
مدخلي هذا اردت من خلاله ان ابدي بعض الاراء في ما يحدث على الساحة سياسيّا … اليوم ساكتب وفي تقديري عن جماعة 24 جويلية وجماعة 25 جويلية ..هكذا هم يؤرخون … بعضهم مع حركة الاصلاح وآخرون للانقلاب …الان وقد مضى على ذلك الحدث دهر، اصبح عندي شبه يقين بانّ تأريخ ما حدث باليوم والشهر هو للمراجعة .. اصبحت عندي قناعة بانّ التاريخ الاقرب للواقع هو يوم 24 جويلية ونصف ..اقول هذا لانّ ماحدث بعد 25 جويلية لم يصل الى تحقيق اهداف من خرج ذلك اليوم مناديا بالتغيير ..وهذا ما حدث تماما يوم 14 جانفي 2011 وما حدث يوم 7 نوفمبر 87
نعم ..في الحالات الثلاث تحوّلت فيها احلامنا الى كوابيس ..نعم التاريخ اعاد نفسه ومن سوء طالعنا انه اعاد نفسه في شكل مأساة …اعود لما حدث في 25 جويلية 2021 …ولما بعده …نحن وفي تقديري دائما لم نعش 25 جويلية عشنا فقط 24 جويلية ونصف …فجماعة 24 مازالوا مُصرّين على انهم افضل فئة بعثهم الله لتونس المنكوبة ..الا انهم هم المفسدون ولكنّهم لا يشعرون ..وجماعة 25 جويلية لم يدركوا بعد انّ الملفات الحقيقة لم تُفتح لحدّ الان …ودائما من وجهة نظري المتواضعة لي شبه يقين بأنّ ما تحتاجه تونس علاوة على محاسبة من اذنب في حقّ تونس بعد 14 جانفي 2011 وبقضاء عادل وحازم وناجز ..
هنالك ماهو مهمّ جدّا في نظري ..الا وهو اعادة التفكير في اسس هامة في حياة المجتمعات ومن اولويات تلك الاسس ..1 الديموقراطية … 2 حقوق الانسان … 3 حرّية التعبير …من خلال ما عشناه ومنذ جانفي 2011 تاكّد بشكل قاطع انّ هواة الحديث عن الديموقراطية لم يفهموا يوما انّه لا معنى للديموقراطية السياسية دون ديموقراطية اجتماعية …انّ دمعة الثكالى وتضوّر الجائعين وبطالة جزء هامّ من ابنائنا بمختلف مستوياتهم العلمية هي من اولى الاولويات في المجتمعات …
آتي الان لحقوق الانسان ..دعوني اسأل هل من حقّ الجندي الخائن لوطنه ان يتمتّع بحقوق الانسان ..؟؟… الخائن لوطنه ليس انسانا فكيف نمتّعه بحقوق الانسان … والمواطن في ايّ موقع كان يجب ان يكون جنديّا لخدمة وطنه ..نوسّمه عند القيام بواجبه ونقسو عليه ايّما قساوة عندما يخون …
المحور الثالث والذي يجب حتما اعادة النظر فيه هو حرّية التعبير … لا جدال في انّ الحرّية عموما وحرّية التعبير خاصة من انبل ما يوجد في المجتمعات… لكن وهذا ما يتفق عليه الجميع اذا ما تحوّلت تلك الحريّة الى معاول هدم سواء لجهل اصحابها برسالتهم او لاحتوائهم من طرف ايّة اجندة بما في ذلك اجندة النظام الحاكم، تصبح وقتها لعنة على المجتمع … انا لا فهم ولا اقبل كيف لا يقع سنّ قوانين صارمة لكلّ من يعمد الى السباب والثلب والشتيمة ونشر الاخبار الزائفة بدعوى حرّية التعبير …هؤلاء بالكلمة المكتوبة او المسموعة او المرئية هم ايضا خونة لرسالتهم ولبلدهم …ولا حياد مع مثل هؤلاء ..
اختم بالقول نحن جميعا في حاجة الى ثورة فكرية وثقافية تخلّصنا من عبثنا ومن مراهقتنا ومن جعجعتنا وصراخنا .. نحن بحاجة الى باتشينغ لعقولنا حتى نتخلّص من بعض المعتقدات … وتعيد الينا بصرنا وبصيرتنا كما ذكرت في مقالي الاسبوع الماضي … واعيد القول ارجوكم لا تصدّقونا بسرعة …نحن في نهاية الامر نجتهد … نقدّم مواقف تحتمل الخطأ والصواب والاهم انّ هنالك العديد منكم من هم افضل واعمق منّا ….