“بابا ما تنساش خمسة ايترات زيت من زيت السنة ابعثهملي مع الترانسبور…” ” بابا كملتوا خرطتوا الزيتونات…كان كملتوا وعصرتوا ما تنسانيش بابا والله كمل زيت عمناول…” ياما بربي قولي لبابا راني قعدت من غير بسيسة السنة …الزيت وفا عليّ ما تنسونيش في بيدون بوخمسة على الأقل”، ” يا احمد ما تنساش تشريلي خمسة ايترات زيت من زيت السنة وكان لازمك فلوس نبعثلك…ابعثهملي مع ولد خالتك هاهو جاي”…
كل هذا الذي سردته هو ما يقال بين مهاجرينا في شمال المتوسط وبين عائلاتهم هنا في تونس مع كل بداية ونهاية موسم جني الزيتون، فأغلب من هاجروا بحثا عن “الخبزة” يشتاقون لزيت من احدى زياتين “حوازتهم”، وإن لم يكن لهم “حوازة” وهنا أعني بها الغابة فإنهميشتاقون لزيت تونسي جديد وإن لم يجدوا فإنهم يبحثون حتى عن زيت الموسم الماضي….هكذا هم أبناء هذا البلد خارج الحدود…لكن ما الذي وقع هذه السنة؟؟ أصبح من الصعب جدا إرسال بعض الزيت لأبنائنا هناك في باريس أو في بروكسيل او في أية مدينة شمال المتوسط … فأزمة الزيت والارتفاع الشاهق والجنوني لأسعار الزيت جعلا الدولة تمنع زيتنا من مغادرة الحدود نحو أبنائنا الذين اشتاقوا إليه ليكون رفيقهم في شهر رمضان وفي “بسيسة” من يد امهاتهم …
هذا ما يقع اليوم عند إرسال بعض الزيت إلى أبنائنا هناك…فهل سيحرم فلذات أكبادنا هذه السنة من زيت مجرد مذاقه ينسيهم تعب الغربة ووجع البعد؟ والسؤال هل سيضطرّ مهاجرونا إلى البحث عن زيت اسباني او إيطالي او من جنسية أخرى يشترونه بالعملة الصعبة عوض أن يصلهم زيت غاباتهم وغابات أجدادهم؟ فمن أولى بزيت هذه البلاد يا ترى؟؟ ألا تعلم عالية المقام دولتنا اننا حين نرسل زيتنا لأبنائنا في المهجر فإننا نزيد من شوقهم إلى هذا الوطن ليعودوا إليه كل صيف بمليارات من العملة الصعبة تعيننا على مجابهة هذه الأوقات الصعبة، وحتى لا يلوي صندوق النكد الدولي ذراعنا…
أليس من الأجدر أن نزيد ونُحيي شوق أبنائنا للعودة إلينا كل صيف عوض الذهاب إلى بلد آخر للسياحة من خلال الحفاظ على ما يشدّهم على هذه الأرض وخيراتها؟؟ من أولى بمال أبنائنا المهاجرين بحثا عن “الخبزة” بلادنا أم بلاد أخرى قد توسع الهوّة بيننا وبين فلذات أكبادنا؟؟
لتعلم الدولة أن ما يربط بيننا وبين مهاجرينا هي أمور بسيطة …حياتية…لن ترهق خزائننا ولن تذهب بمالنا…فلتر من الزيت وكيلوغرام من تمر دوز أو توزر يكفيان لإحياء شوق أبنائنا لوطنهم وأرض أجدادهم…
لماذا نحرمهم من منتوج أرض أجدادهم…كيف سنستميلهم للعودة صيفا إلى حضن بلادهم…أم هل أصبح زيتنا ممنوعا من السفر؟؟