تابعنا على

جور نار

هل أعدّ قيس عُدّته … أم دخل حافي القدمين؟

نشرت

في

ما الذي حدث بالبلاد؟ من انتصر على من؟ ومن كسب رهاناته؟ وهل فكر جميعهم في الوطن؟ كلها أسئلة تراوح مكانها تبحث عمن يشفي غليلها بإجابة عقلانية ومنطقية، فجميع من غاصوا في تحليل مجريات ما حدث يوم 25 جويلية ذهبوا إلى الأمر الذي يسعدهم ويسكرهم، فألغوا من مخيّلتهم كل من يشكّكهم في “عظمة” ما حصل…

محمد الأطرش Mohamed Alatrash
<strong>محمد الأطرش<strong>

 فاليسار الغبي الذي لم يكسب معركة واحدة من معاركه، ولم يجرّب الحكم والسلطة يوما واحدا هرول يبايع ساكن قرطاج، ووجد في ما حصل انتصارا له باستثناء حمّة، الذي وكأنه شعر بقرب عودة البلاد إلى حكم الرجل الواحد والحزب الواحد، وهو الذي كان في حرب معلنة ضدّ دولة الاستقلال ورجالاتها، أما شتات اليسار ممن يردِدُون إلى يومنا هذا مقولات ماركس وخطب لينين و”شلّة الملاعين”، احتفلوا وخرجوا وصرخوا ورفعوا كؤوس الفودكا على نخب ساكن القصر، كيف لا وهم يشاهدون اليوم عدوهم اللدود راشد يتخبّط ومن معه في وضع مهين، لم يألفوه ولم يكونوا ينتظرونه…أما الأحزاب التي أخرجها المشيشي من حزام الحكم والسلطة و”السَلَطة” بفتح السين و اللام فقد شربت على نخب قيس إلى صباح اليوم الموالي، وجعلت منه المنقذ والقائد الفذّ وقد يصبح في قادم العناوين عندها “المجاهد الأكبر” كيف لا وهو من ثأر لها ممن جعلوها على الهامش…

أما عبير ومن يحوم حولها فقد تعاملوا بحذر مع الأمر في بداية الأمر، ففي بعض دواخلهم سعادة وفرحة كبيرة بانكسار أجنحة عدوهم اللدود راشد ورفاقه، لكنهم وبعد مرور أيام من غزوة “أحَدْ”(نسبة إلى يوم الأحد) شعروا وكأنهم أكبر الخاسرين من غزوة الأحد، وكأن قيس استهدفهم بشكل أو بآخر، وأضمر لهم العداء دون أن يظهره علانية، ألم يحرمهم من قوتهم اليومي الوحيد “الحرب على النهضة” فمن سيحاربون غدا للمحافظة على رصيدهم على مقياس الزرقوني، أم سيتحولون على مقياس ريختر يا ترى؟…أما من خرجوا ليصنعوا “الطاولة والكراسي” التي أصبحت مبررا وحجة وخطرا داهما لساكن القصر ليعلن انقلابه على خصومه في المنظومة، (هم في نهاية الأمر من منظومة حكم واحدة جاءت إلى السلطة بعد انتخابات 2019) أعود لأقول أما من قدّموا مبررات “الخطر الداهم” لساكن القصر فهم إلى يومنا هذا سُكارى ولم يستفيقوا من سكرتهم، والخوف أن تتحوّل سكرتهم إلى غيبوبة، يستفيقون منها على وجع كانوا يحلمون بأنه سيذهب مع صاحب الغزوة والمقام، ساكن القصور الثلاثة والمتربّع على عرش الدولة قيس سعيد…

هل أعدّ قيس عُدّته أم دخل حافي القدمين؟

يدّعي جماعة وأقلام الموالاة، في إطار عملية النفخ في غزوة الأحد وصاحبها، وتقرّبا من مولاهم ساكن القصر، أن خُطط مولاهم عصية على الفهم وغير قابلة لإخضاعها لآليات التحاليل التقليدية…يا سلام…وهل خُلق مولاهم من غير ماء وطين؟

هنا وجب على من هرولوا لبيعة سيّدهم، من رجال الإعلام، قراءة الأحداث بشكل واقعي ومنطقي…فلو كانت لمولاهم خُطط كما يدّعون، فلم كل هذا التعطيل في إعادة الروح إلى “ماكينة” الدولة؟ فهل يكفي أن يخرج علينا صانع التغيير الثاني ليقول إن الدولة تعمل بخير ولا خوف عليها حتى نصفّق ونقول “لبيك مولانا لبيك”؟ ما جرى في تونس يوم 25 جويلية أحدث صدمة لم يستفق منها أغلب الفاعلين والناشطين والمتابعين، فلا أحد كان يتصوّر أن الأمور ستصل إلى هذا المنعرج الخطير…فساكن القصر أقدم على أمر دون أن يعدّ له العدّة، ودون أن يقرأ لتبعاته حسابا، وحين جلس إلى من هم حوله يريدون إعداد العدّة صُدِمُوا بصعوبة الأمر، فتسيير شؤون دولة ليس في متناول الجميع وليس بالأمر الهين والبسيط، فالرجل أعلنها عديد المرّات أنه لن يعود إلى الوراء، وهذا يعني أنه على بينة كاملة مما ينتظره، فجميع من هرولوا وراءه يصرخون “عليك الحوت يا قيس” ينتظرون معجزة يقوم بها مولاهم تخرج البلاد مما هي فيه، وتخرجه هو من ورطة لم يكن يعرف حجمها، وتخرجهم هم من حرج قد يجعلهم يختفون عن الأنظار خجلا من احتفالهم دون سبب…ومبايعتهم لمولاهم …

ساكن القصر وصانع التغيير الثاني وضع هو ومن معه كل أوجاع الدولة والبلاد والشعب على طاولتهم، ليضعوا خارطة طريق يخرجون بها على العالم…فاصطدموا بحجم الكارثة…ديون لا يمكن خلاصها قبل عشرين سنة على الأقل…ووضع اقتصادي ينذر بالكارثة…ومؤسسات وقطاعات منتجة لم تعد تنتج…وقرابة المليون عاطل عن العمل يعوّلون على قيس ليجد لهم مورد رزق …وكفاءات لم تعد ترغب في تحمّل مسؤولية هذا الخراب…وفساد ينخر كل تفاصيل الدولة والحكم والبلاد…ووباء ذهب بأكثر من عشرين ألفا من أبناء هذه البلاد ولا يزال …واتحاد شريك في الخراب والدمار أصبح أحد أهم مشكلات الدولة…فمن أين يبدأ صانع التغيير في صناعة مجده وعزّ دولته التي أصبح يحلم بأنها ستطول وستكون في حجم دولة من صنعوا تاريخ البلاد قبل 14 جانفي…

فكّر صانع التغيير الثاني في أي ملف يفتحه، وأية مشكلة يعالجها من مشكلات البلاد فلم يجد غير النبش في الوثائق التي انتهت مدّة صلاحيتها، فعاد إلى تقرير عبد الفتاح عمر رحمه الله مُمنيا النفس بصيد ثمين يخرجه من مأزقه الاقتصادي، فالضغط على من جاؤوا في قائمة عبد الفتاح عمر ليدفعوا بالتي هي أحسن، قد يصلح بعض الشيء حال خزينة الدولة…فلما بحث في الأمر وسأل من هم أعلم منه بحقيقة ما جاء في التقرير صدم بخيبة قد تطول…فسأل معارفه عن حلّ آخر فقالوا له أليست للبلاد أموال منهوبة؟ فبحث في الأمر وتأكد مرّة أخرى أن لا شيء يؤكّد الحجم الخرافي الذي يروّج له بعض الذين يأكلون بيسارهم ويحقدون على بن علي ومن كانوا معه لتلك الأموال …فماذا سيفعل في ورطة الوضع الاقتصادي يا ترى هل سيعوّل على من وعدوه وهم في وضع لا يسمح لهم بإغراقنا بالهدايا والهبات…فكل العالم تأثر بما خلفته “الكورونا” ولايزال…أم سيُقدم على امضاء قانون الإنعاش الاقتصادي طمعا في بعض الملايين من المهربين وتجار المخدّرات والحال أنه رفع شعار محاربة هؤلاء في كل خطبه العنقودية؟

لم يجد صانع التغيير الثاني شيئا يدفعه على الحساب للسكارى لتتواصل سكرتهم “وهم فيها يعمهون” حتى اشعار آخر، غير النبش في الملفات “الشعبوية” التي تسكر الناس وتذهب بعقولهم…فأن تتحدث عن الفقراء والأغنياء فأنت ستدغدغ الفقراء وهم الأغلبية…وأن تتحدث عن الفقراء الذين لا يجدون وجبة واحدة يوميا فإنك ستُسعد الفقراء، وسيطالبونك بإعلان الحرب على الأغنياء لتثأر لهم…فكل غني في هذه البلاد أصبح اليوم مشبوها وعرضة للمنع من السفر والوضع تحت الإقامة الجبرية والرجم إن أمكن…والمساومة إن استطعنا إليها سبيلا…فلكي تكون مواطنا صالحا ترضى عنك الملائكة وصانع التغيير الثاني وأتباعه وجب عليك أن تكون فقيرا “محتحت” لا شيء في جيبك..

عقيدة الصدمة…وكيف ابتلع بعض الساسة ألسنتهم؟

صانع التغيير وكأنه قرأ لناعومي كلاين كتابها “عقيدة الصدمة” الذي تحدثت فيه عن استغلال الأزمات والكوارث…أو افتعالها والمساهمة فيها لفرض نمط من الحكم والسيطرة على الشعوب…فالتلويح منذ وصول المشيشي إلى حضن الغنوشي بأن الفساد ينخر كل تفاصيل الدولة، كان مقدّمة لما يريد أن يأتيه صانع التغيير الثاني، فالرجل تأثر كثيرا بخيانة “صبيه المشيشي” فهو من أخرجه من غبار ملفات كانت موضوعة في أرشيف الدولة، ليجعل منه مستشارا له ثم وزيرا للداخلية ثم رئيسا للحكومة ولو انتظر قليلا لأخرجه من قرطاج وأجلس في مكانه من يريد…

كل ما جاء وفعله وأتاه صانع التغيير الثاني بعد تولي المشيشي حكومة الإخوة الأعداء وأقصد قلب تونس والنهضة وغلامها الائتلاف كان بحثا عن الانتقام والثأر ليس أكثر…وكان خاتمة مطاف هذا البحث غزوة الأحد….وخروج الأتباع للصراخ “الله واحد”…فالانقلاب على جزء من المنظومة كان أشبه بحلم غير قابل للتحقيق عند البعض، وهو الأمر الذي أطال عمر الصدمة في عقول أغلب المؤثثين للمشهد السياسي…فدخلوا الكهف لا يعرفون ماذا وقع وكيف وقع…فأصابهم الهلع، فالغموض الذي يحيط بصانع التغيير الثاني ورحم الله صانع التغيير الأول غريب وغريب جدا …

لو بحثنا في مكاسب وحصيلة الغزوة لوجدنا أنها صفر…يحاذي صفرا آخر…فالذين كانوا يمنون النفس برؤية راشد الغنوشي في طريقه إلى السجن خفتت أصواتهم قليلا واختنقت “الله واحد الله واحد قيس ما كيفو حدّ” في حناجرهم وأصبحت تكاد تُسْمع…والذين كانوا يمنون النفس بانفراج اقتصادي يوفر لهم مورد رزق وانتعاش مالي أصبحوا وكأنهم من الشيعة يلطمون صدورهم وبعض الأعضاء الأخرى…والذين كانوا ينتظرون موكب النواب السجناء وهو في طريقه إلى “المرناقية” أصبحوا يبحثون عن أرقام هواتف بعض النواب ليجاملوهم خوفا من غد…فأن تسجن التبيني “الزوالي” مقارنة بالحيتان الكبيرة رغم ما أتاه فهذا لا يعتبر نصرا مبينا…وأن تسجن العياري ولو في قضية قديمة فهذا لا يعتبر نصرا وفتحا مبينا…وأن تقرر وضع بعض الأسماء (التي وحسب دراسة ممن هم حولك قد تحرك مشاعر من يكرهونهم، ويصفقون لك للأمر) تحت الإقامة الجبرية فلا أظن أن أمرا كهذا سيزيد من عدد أنصار مولانا…وأن تقرر تعيين صاحب شهادة جامعية وعاطل عن العمل واليا ببنزرت، فذلك لن يحفّز بقية العاطلين للتصفيق لك، ولمؤازرتك، فعدد الولاة في البلاد لا يتجاوز 24 واليا …وحتى وإن فعلت فهل يمكن اعتبار تلك الخطّة انتدابا؟ وأن تذهب لمخزن حديد على ملك بعض الخواص تتوعد المحتكرين وتهددهم بالحديد فذلك لن يوفّر الخبز لملايين الفقراء والمساكين…ولا أظنّ أن الحديد جُعل للأكل مع الحليب…خلاصة كل ما وقع هو أن صانع التغيير أصبح يبحث يوميا عن حدث يُلهي به أتباعه ومن بايعوه عن سؤال “وبعد يا ريس شنوة عملتلنا؟” ويجعلهم يصفقون صباحا مساء ويوم الأحد…

شخصيا ومنذ انقلاب 25 جويلية لم أقتنع تماما بأن الهدف الرئيسي لصانع التغيير الثاني كان الانقلاب الشامل على منظومته، فالرجل وحسب رأيي المتواضع كان يبحث عن استرجاع عهدة الحكم والتصرّف في شؤون السلطة التنفيذية ممن أخذوها منه غدرا، لينجز بعض وعوده لأتباعه، طمعا في ولاية ثانية قد ينجح خلالها في تنفيذ مشروعه السياسي صحبة رفيقه ” فلاديمير ألييتش أوليانوف المكّي” شهر رضا لينين…فالمشيشي ولأنه أظهر الكثير من الغباء في تصرفه وتسييره لشؤون الدولة ارتمى خوفا من السقوط في مجلس النواب في حضن الشيخ الغنوشي ومن معه، والواضح أنهم هم من أوهموه بأنهم سيسقطونه برلمانيا إن نفّذ تعليمات ساكن قرطاج وأبقى على وزرائه ضمن التشكيل الحكومي “المشيشاوي”، فأصابه الهلع فارتمى في حضن الغنوشي قائلا” ماني وليدك يا شيخنا نحب نجرب كرسي القصبة”…

أعود لأقول إن مولانا صانع التغيير الثاني لم يكن يبحث عن الانقلاب، بل كان همّه استرجاع ما له وسرق منه، وتنظيف المكان بعض الشيء ليكون في مأمن من بعض الخروج عن النص من لدن خصومه…فكان أن انتجت الصدمة وضعا غريبا، ورعبا في صفوف كل مكونات المشهد، جعلهم يبتلعون السنتهم إلى يومنا هذا…فقال كلمته الشهيرة “لا رجوع إلى الوراء”…فعن أي وراء يتحدث مولانا صانع التغيير يا ترى؟ فهو في وضع غريب لا يمكن من خلاله العودة إلى الوراء، ولا يمكنه كذلك التقدّم إلى الأمام…فعن أي وراء يتحدّث؟ فهل سيُسْعِدُ خصوم النهضة ويجرّ قياداتها إلى التحقيق؟ لا لن يفعل…فذلك يتطلب ملفا قضائيا ثقيلا ومقنعا قضائيا يسمح بذلك، ويتطلب قبل كل شيء عزيمة على تحمّل تبعات معاداة حزب عقائدي قد يختار التصعيد الشعبي لحماية مكاسبه وهذا لم يفعله غير بورقيبة وبن علي…ولا أظنّ أن مولانا يملك مثل هذه الملفات، فلو كان يملكها لما انتظر مرور الشهر الأول دون حراك…وهل سينقذ البلاد من ثورة قادمة لا محالة؟ لا لن يقدر…لأنه لن ينجح في تحقيق أي وعد من وعوده، فمشكلة البلاد أكبر وأعظم من خطاب حماسي، وشعارات جوفاء لا إنجاز بعدها…ولا أظنّ أن هذا الشعب سيصبر أكثر مما صبره مع خصومه…

خلاصة غنائم غزوة الأحد…الخاسر الأكبر هو صانع التغيير الثاني فهو من سيتحمّل تبعات كل ما يقع وسيقع بعد يوم 25 جويلية…وستطالبه جموع الشعب بما ينسيهم من سبقوه في الحكم، ولا أظنّه قادرا على تحقيق ولو واحد بالمائة مما يمكن أن يُرْضي أتباعه وأنصاره ومن بايعوه…أما النهضة ففي ظاهرها تعيش غضبا وانقساما…لكن في داخلها تعيش وضعا عاديا ومريحا قد يساهم في انقاذها من التآكل كليا، أو التشظّي سياسيا في قادم الأشهر والسنوات…فهي لن تتحمّل تبعات ما بعد 25 جويلية، ولن تدخل قياداتها السجون…وحتى وإن وصل الأمر إلى حلّها فإنها اطمأنت على مستقبل أتباعها وقد تأمرهم بإعادة الانتشار حزبيا حتى اشعار آخر…

خلاصة ما نحن فيه …

سيواصل صانع التغيير البحث عن وسائل إلهاء أتباعه وتحويل وجهتهم، ليبعدهم عن الحديث عن المكاسب، وعن برنامجه خلال قادم الأشهر والسنوات، وعن مطالبته بالنتائج والإنجازات…وسيبحث مولانا عن كل ما من شأنه إرضاء أتباعه ومواصلة تصفيقهم …وقد يأتي ببعض من أوصلوه إلى قرطاج في خطط وظيفية سامية فنصف عدد الولاة سيكون لأتباعه…ونصف عدد المعتمدين سيكون لأنصاره…ونصف الحكومة سيكون لرجالاته…ونصف كل شيء سيكون له ولمن ساندوه…فصانع التغيير الثاني اصبح مهووسا بالحكم منفردا…وأصبح يخاف الخيانات…فكم مرّة زار مقرّ وزارة الداخلية…وكم مرّة التقى فيها عناصر من المؤسسة العسكرية…رغم أنه على بينة أن مؤسستنا الأمنية لم ولن تحيد عن عقيدتها التي تربّت عليها في الدفاع عن البلاد وضمان أمنها…كما أنه على بينة من أن المؤسسة العسكرية تربّت على الانضباط والحفاظ على مكاسب الدولة وحماية حدودها…فهل سيواصل صانع التغيير الثاني طريقه إلى الأمام ويعلن الحرب على الجميع بعد أن صُدم بواقع لم يخطر على باله يوما؟ وهل سيكفي إعلانه الحرب على الجميع بإرضاء أتباعه؟ فالفقير يريد أن يعلن فكّ ارتباطه مع الفقر… والعاطل يريد أن يحتضن عملا يغنيه عن السؤال…والمظلوم يبحث عمن يرفع عنه مظلمته…والمريض يبحث عمن يداويه…وهؤلاء جميعا لن تعنيهم حرب صانع التغيير الثاني للفوز بولاية ثانية، والاستحواذ على كل مفاصل الدولة والحكم…فقط لا يريدون أن يجوعوا…فهل سيبقى صانع التغيير الأول على سُلّم الزرقوني…أم يصبح الأول على سُلم ريختر…وهل يواصل أتباعه السهر على أنغام “هل رأى الشعب سكارى مثلنا؟”…أم سيغني أتباعه “تكويت وما قلت أحيت هزيت الجمرة بايديَ”…؟؟

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 89

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …

عبد الكريم قطاطة

وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…

وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..

قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …

لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …

وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …

سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…

عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..

وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …

ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم ..الورقة 88

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …

عبد الكريم قطاطة

وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..

في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…

اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…

اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…

لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…

في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…

عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…

اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

التقصي عن أمراض السكري وضغط الدم… وليس عن أعوان التلفزة!

نشرت

في

محمد الزمزاري:

انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.

محمد الزمزاري Mohamed Zemzari

يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.

الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.

طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.

وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.

أكمل القراءة

صن نار