وهْجُ نار

هل بدأ ساكن قرطاج في تعبيد الطريق نحو ولاية ثانية؟

نشرت

في

ماذا بعد هذا الانتظار يا ترى؟؟ هل ستعود الأمور إلى ما كانت عليه؟ هل سيذهب ساكن قرطاج بالبلاد إلى نظام رئاسي شمولي ويتربّع على عرش البلاد بتزكية من الغرب خدمة لبعض أجندات هذا الأخير وخاصة تلك التي تتعلّق بإعادة إعمار ليبيا؟ هل… وهل …كلها أسئلة تجول بخاطر المتابعين للشأن السياسي بتونس اليوم؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

يؤكّد بعض المتابعين للشأن التونسي من داخل البلاد وخارجها، أن ساكن قرطاج قد يمدّد في مدّة “الشكّ” حتى ينتهي من تنفيذ خطّته المتمثّلة في تطهير مجلس النواب وبعض مفاصل الدولة الأخرى من كل من تعلقت بهم شبهات فساد والفارين من العدالة…حتى يضمن لنفسه صلاحيات أوسع، وقد تطول المدّة إلى ما لا نهاية له في صورة عدم نجاحه في إيجاد صيغة للتحكّم في ما يدور تحت قبّة باردو، فهو في حاجة أكيدة إلى المجلس النيابي لتمرير العديد من مشاريع القوانين التي ينوي إحالتها للمجلس حال تطهيره، والتي ستكون من آليات تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة…وهذا يعني أن ساكن قرطاج لن يغامر بحلّ مجلس النواب وإعلان انتخابات سابقة لأوانها في ظرف كهذا، فقد تأتي نتائجها بما لا يريده ويتمناه…ولن يفعلها إلا في حالتين، الأولى لو نجح في تكوين تيار أو حراك خلفه يتقدّم باسمه ولصالحه للانتخابات التشريعية، وهذا مستبعد فساكن قرطاج “له حقد” من نوع خاص على الأحزاب يذكرنا بمعمّر القذافي، ولا أظنّ أن هذا الشعب سيقبل بنظام شبيه بنظام القذافي، والثانية، لو فشل في تدجين من هم تحت مجلس باردو ليكونوا في خدمة مشروعه وبرامجه، وتدجين من هم تحت قبّة باردو يمرّ أولا بإبعاد الغنوشي من هناك،

فساكن قرطاج لا يفكّر فقط في توسيع صلاحياته اليوم للإيفاء ببعض وعوده لمن انتخبوه، بل يطمح للعودة إلى كرسي قرطاج في الانتخابات القادمة، بعد إعداد العدّة كاملة لذلك ومنها تغيير النظام الانتخابي، وتنقيح بعض فصول الدستور، أو ربما العودة إلى النسخة الأولى والاصلية من دستور 59، وهو اليوم يحاول إيجاد كل آليات الوصول إلى ما يطمح إليه، من خلال القضاء على كل العراقيل التي قد تعترضه في طريقه إلى قرطاج للمرّة الثانية، بما في ذلك خصومه…فالنهضة بحجمها الانتخابي قد تعرقل مسيرة ساكن قرطاج، فهو لا ينسى أنها ساعدته بنصف مليون صوت خلال الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فحجمه الانتخابي كان بالضبط عدد الأصوات المتحصل عليها في الدور الأول، وهم الشباب الذين خرج جزء كبير منهم يوم 25 جويلية الماضي، من أجل إيجاد وتوفير مبررات على أرض الواقع لساكن قرطاج تخوّل له تفعيل الفصل 80 من الدستور، والواضح أن هذا الأخير لا يريد أن تذهب كل الأصوات التي ساندته في الدور الثاني “كرها” في المترشح الثاني، (ليس حبّا فيه طبعا) إلى غيره سنة 2024، فهل يقوم ساكن قرطاج اليوم بنفس الدور التي قامت به النهضة بعد خروج بن علي، فهي من فتّت المشهد لصالحها بمساعدة قوى اليسار الغبي…فهل يريد ساكن قرطاج اليوم حقّا وكما يقول البعض تفتيت المشهد وتوسيع دائرة أتباعه ليبقى على كرسي قرطاج لدورة أخرى وربما لأكثر من ذلك؟؟ فهل أصابت عدوى عشق السلطة والكراسي ساكن قصرنا الرئاسي، أم هي نزوة وستمر…أم هي مجرّد تخمينات بعض المتابعين للوضع في تونس…؟؟

ساكن قرطاج إذن وحسب ما يدور على ألسنة المتابعين لما يقع هذه الأيام في تونس مصمّم على مواصلة الطريق التي سلكها منذ يوم 25 جويلية …ولن يتراجع عن ذلك قبل تحقيق كل أهدافه والتي تدور أغلبها في خانة توسيع صلاحياته والتحكّم الكامل في مفاصل الدولة…والحكم، حتى اشعار آخر…لكن هل قرأ ساكن قرطاج حسابا للأوضاع التي تعيشها البلاد يا ترى والتي لو تواصلت على نفس الوتيرة قد تكلفه غاليا…فمن خرجوا يصفّقون ويصرخون باسمه قد يخرجون بعد شهر أو أكثر ليطالبوه بالرحيل لو فشل في تحقيق ما ينتظرونه منه…فهل قرأ ساكن قرطاج حسابا لكل هذه الاحتمالات؟…

فالشعب لن يهمّه طرد الغنوشي…أو إيقاف ياسين العياري …أو حتى فيصل التبيني…أو حتى ابعاد النهضة عن الحكم لو شعر بالجوع…وفقد الأمل في مستقبل أفضل لأبنائه…فأغلب الذين خرجوا بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 يعيشون الندم والإحباط مما عاشوه خلال العشر سنوات التي مرّت…فلا شيء تحقّق من وعود كل من عارضوا بن علي…ولا حتى بنسبة ضئيلة مما كان يحقّقه نظام بن علي…فهل سيحقّق ساكن قرطاج المعجزة ويقلب الأوضاع لصالحه…؟؟

على ساكن قرطاج أن يعي جيدا أن تونس تعيش أوضاعًا هي الأصعب في تاريخها، من حيث الظروف المعيشية، والوضع الاقتصادي العام الذي انزلق إلى أسوأ ما يمكن أن تعرفه البلاد، منذ بداية هذه العهدة…فتونس إذن تعيش ظرفا استثنائيا يتطلب مجهودا استثنائيا، وابتعادا حقيقيا عن المصالح الضيقة للخروج منه…وعلى ساكن قرطاج الدعوة إلى توحيد الجهود خدمة للمصلحة العامة لهذا الوطن، فمحاولة العمل على عملية إصلاحية واسعة وشاملة بمفرده، ستكون لها عواقب جد خطيرة على البلاد، وعلى جميع مؤسسات الدولة والحكم…فهو يعلم أن هذا الشعب لن يقبل مستقبلا باللعب والمجازفة بمصير شعب بأكمله كما وقع له خلال العشر سنوات الماضية، ويعلم أن هذا الشعب أصبح يفرّق بين من يريد فعلا خدمة البلاد ومن يريد التلاعب بمصيرها…فهذا الشعب اختاره بمعية القدر ليكون قائدا لعملية إنقاذ واسعة وشاملة…فهل سيكون قادرا على ذلك لوحده؟؟

ماذا ينتظر الشعب من ساكن قرطاج؟

المطلوب إذن من ساكن قرطاج أن يجعل من إصلاح أوضاع البلاد هدفه الأول قبل أي هدف خاص آخر، فإصلاحها سيكون أكبر سند له إن أراد فعلا البقاء على كرسي قرطاج رئيسا…فتونس عاشت عشرية سوداء بأتم معنى الكلمة، فكل ساسة ما بعد الرابع عشر من جانفي جرّبوا في هذه البلاد كل فنون إدامة الصراعات، وقطع الطريق أمام بعضهم البعض…فإضافة إلى الإرهاب الذي خلّف وراءه جيشا من الأيتام والأرامل، فإن الخيارات الاقتصادية والاجتماعية خلّفت وراءها مئات الآلاف من العاطلين عن العمل، وخلّفت وراءها مئات الثكالى من العائلات التي فقدت أبناءها غرقا في المتوسط…

بعد عشر سنوات من التفقير والتجويع والإحباط …وزرع الألغام في جسد الدولة ترسخت في ذهن المواطن التونسي قناعة بأن كل المواعيد الانتخابية التي عاشتها عشرية الخراب لم تأت بمن يرأف بحال هذه الأمة…بل كانت كلها أشبه بسباق “ماراتون” نحو السلطة والمصالح الشخصية والغنائم السياسية، فلا أحد من الذين فازوا بمقعد في مفاصل الحكم حاول البحث في أسباب الأزمة التي حلّت بالبلاد، وطرق معالجتها عبر برامج سياسية، واقتصادية ناجعة، جميعهم انزلقوا إلى حروب ثانوية لا دخل لها بمصلحة الوطن…فهذا يتّهم هذا والآخر يتّهم الآخر…والنتيجة وقوع البلاد ضحية لكل القيادات التي تداولت على حكمها وضحية لسياسات المحاصصة واقتسام الغنيمة…

جميع من تداولوا على السلطة لم يلتفتوا يوما لخدمة البلاد بل سقطوا في لعبة إدانة السياسات السابقة دون أن يقدّموا تصوّرا جديدا يخرج تونس من الأزمة التي وقعت فيها…ولا أحد تقدّم بمشروع جديد لإدارة شؤون الدولة…جميعهم أراقوا دمها…وهتكوا عرضها…ويتّموا شعبها…وجوّعوا المواطن وسلبوه وسلبوا الدولة…

ماذا عن الحكومة الثالثة للرئيس…؟

لسائل أن يسأل هل أصبحت تونس عاقرا أم هل هجر رجالها الأكفاء أرضها…فتونس المعروفة بجودة كفاءاتها، وكثرة خبراتها في إدارة شؤون الدولة، أصبحت اليوم عاجزة عن إيجاد من يقودها ويخرجها مما هي فيه…فكل الحلول التي عاشتها تونس منذ حكومة الترويكا الأولى، كانت حلولا ترقيعية، أكدت للجميع عجز معارضة المنظومة السابقة في إيجاد البدائل التي صرخت بها كثيرا أيام حكم بن علي رحمه الله…فكل من تداولوا على حكم البلاد عجزوا عن التصدّي لأية أزمة مرّت بها، واضطروا للارتماء في حضن المنظمة الشغيلة لتهادنهم ولتذبح معهم الدولة من الوريد إلى الوريد…ولم يكن المقابل زهيدا بل كان شراكة كاملة في الحكم وصلت حدّ المشاركة في صياغة نتائج كل المناظرات، والمشاركة الكاملة في اختيار المرشحين للخطط الوظيفية، والتدخل الكامل في النقل والتعيينات وحتى الإعفاءات فالاتحاد مرّ من “ديقاج” العلنية إلى “ديقاج” السرية التي يتفق فيها مع الحكومة ليلا لتنفذها هذه الأخيرة نهارا، فكم من مظلوم أثمرت هذه العشرية؟ اضعاف عدد من ظلموا خلال عهدي بن علي وبورقيبة رحمهما الله… ووصلت غطرسة المنظمة الشغيلة إلى حدّ الموافقة المشروطة على الحكومات من عدمها…فالمنظمة الشغيلة ومن خلال قيادتها الحالية والتي كانت قبلها ابتزّت الدولة طيلة عشرية كاملة ولم ترحمها يوما…وخنقتها وكتمت أنفاسها إلى درجة أصبح الحديث عن الاتحاد جريمة، يعاقب عليها فاعلها بقانون صاغه ساكن ساحة محمد علي دون ان يكتبه على الورق…

ينتظر المواطن اليوم تغييرا في سياسة الدولة، وفكّا كاملا لارتباطها برضاء المنظمة الشغيلة في كل ما تفعله وما تأتيه، فبعض الذين اكتووا بنار ساحة محمد علي قالوا علنا “ما رضاء الله إلا برضاء الوالدين والطبوبي”…أقول ينتظر المواطن اليوم تغيُّرا كاملا في منهجية إدارة شؤون الدولة، فالشعب لا يهمّه من يكون رئيس الحكومة القادم ولا من يكون أعضاؤها …ما يهمه هو حمايته من تبعات الأزمة…وتوفير الأمن والغذاء والصحة والعدالة وحماية المال العام من المفسدين، ومحاسبة من أوصلوا البلاد إلى ما هي فيه اليوم، وضمان مستقبل أفضل لأبنائه…كما ينتظر الشعب من ساكن قرطاج أن يبتعد عن المحاصصة الحزبية في حكومته القادمة، والأخيرة، فالشعب على بينة من أن ساكن قرطاج وبقية مكونات السلطة، هم اليوم أمام الفرصة الأخيرة لإثبات جدارتهم بقيادة هذه الدولة…وعلى ساكن قرطاج أن يأتي بأسماء قادرة على تحمّل مسؤولية إدارة شؤون الحكم في ظرف صعب كالذي تعيشه البلاد…ولا أظنّ أنه سيجدها بسهولة فالجميع اليوم اصبح يخاف الجلوس على كراسي الحكم، بسبب مهزلة العشرية التي عشناها مع من أغرقونا وعودا…وخربوا الدولة وأحبطوا شبابها…وعلى ساكن قرطاج أن تكون بصمته واضحة على اختيار تشكيلة حكومته الثالثة، فالتعويل على الكفاءات الشابة في فترة كهذه لن “يفيدنا” كثيرا، فالبلاد في حاجة إلى من هو قادر على الجلوس مع المنظمات العالمية والدول المانحة، وغيرها لتخفيف العبء على ما ينتظرنا من تسديد ديون فاقت كل حدود المعقول…فدون الاستعانة بمن خبروا التفاوض مع المنظمات والدول المانحة والمؤسسات المالية العالمية فلن نصل إلى مرفأ النجاة…فتونس تمر بفترة صعبة وصعبة جدا وتوقيت معبّد بالمطبات والعراقيل والألغام.

 خطوط كثيرة على حكومة ساكن قرطاج الثالثة والأخيرة رسمها قبل أن تبدأ عملها…فالشعب التونسي يأمل اليوم بعد 25 جويلية في انفراج ولو صغير للأوضاع، دون ذلك فالإحباط قد يجرّنا هذه المرّة إلى مربّع نجونا منه عشرية كاملة…وقبل كل ذلك أما آن أن يخرج علينا ساكن قرطاج ليقرأ على مسامعنا خارطة طريقه لإعداد البلاد إلى مرحلة ما بعد حكم “الجماعة” خلف ووراء الستار….

ختاما على ساكن قرطاج أن ينجح بما سيأتيه ويجعل الذين كانوا يديرون وجوههم في اتجاه آخر حين يرونه على شاشة التلفاز، ينظرون إليه اليوم مبتسمين…ولا يديرون له وجوههم…فهل هو قادر على ذلك؟؟

                                                                       

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version