جلـ ... منار
هل تسعى واشنطن لإزاحة موسكو من الشرق الأوسط؟
نشرت
قبل سنتينفي
مع استمرار الحرب في أوكرانيا، التي انطلقت في 24 فبراير 2022، بدأت صفحة جديدة من العلاقات بين الدولتين الكبيرتين؛ الولايات المتحدة وروسيا.
فمن جانبها، تبنت واشنطن مجموعة سياسات هدفت إلى إضعاف القُدرة الاقتصادية لروسيا، وإطالة أمد الحرب، وعدم تمكين موسكو من تحقيق نصر حاسم. أما روسيا، فقد عملت على تجديد علاقات الصداقة والتعاون مع أكبر عدد من الدول في العالم وتنمية المصالح المُشتركة معها من خلال أسعار تفضيلية لمصادر الطاقة، وأظهرت تفهمها لعدم قُدرة كثير من الدول على دعم موقفها علناً بسبب الضغوط الأمريكية عليها، فاكتفت بتبنيها موقف الحياد وعدم إدانة موسكو.
ولكن الولايات المتحدة وروسيا حرصتا على عدم توسيع الحرب خارج الحدود الأوكرانية، فأعادتا العمل مُبكراً بالخط الساخن بين وزارتي الدفاع الأمريكية والروسية، واتصل رئيسا أركان حرب الجيشين ووزيرا الدفاع في البلدين ببعضهما البعض. وأكد الرئيس جو بايدن أنه لن يُزود أوكرانيا بالأنظمة الصاروخية التي تُمكنها من مُهاجمة أهداف داخل حدود روسيا. وفي مجلس الأمن الدولي، لم تستخدم روسيا حق “الفيتو” لمنع صدور قرار بتجديد مُهمة القوة البحرية المُكلفة بتفتيش السُفن قُبالة الساحل الأوروبي واكتفت بالامتناع عن التصويت.
سيناريو مُستبعد:
في هذا السياق، ليس مرجحاً أن تسعى الدبلوماسية الأمريكية لإزاحة روسيا من مواقع نفوذها في الشرق الأوسط، ربما لأن موسكو تربطها مع بعض دول المنطقة علاقات تبادُل مصالح استراتيجية واقتصادية وثيقة لا يُمكن لواشنطن أن تحل محلها. وربما لأنه مع افتراض أن الولايات المتحدة تستطيع إزاحة النفوذ الروسي، فإنها لا تسعى لذلك لعدم رغبتها في تحمُل التكلفة المادية والسياسية على قيامها بالدور الذي كانت موسكو تقوم به. وربما أيضاً لأن واشنطن تتخوف من أن انسحاب روسيا من بعض المواقع، قد يُوجِدُ فراغاً سوف تملؤه دول وتنظيمات أكثر شراسة في عداوتها للولايات المتحدة، على غرار إيران وتنظيمي داعش والقاعدة.
هذا ناهيك عن إدراك واشنطن أن صورتها في منطقة الشرق الأوسط قد تغيرت، وأن أغلب الدول العربية وجدت مصلحتها تجاه الحرب في أوكرانيا في عدم الانحياز أو تبني موقف أحد الطرفين المُتحاربين بشكل مُطلق. وهذا ما ظهر جلياً مثلاً في البيان الصادر عن الاجتماع الطارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين الدائمين بتاريخ 28 فبراير 2022 الذي انعقد برئاسة الكويت وبناءً على دعوة من مصر لبحث تطورات الأزمة الأوكرانية. وتضمن البيان تأييد جميع الجهود الرامية لحل الأزمة الأوكرانية من خلال الحوار والدبلوماسية، والتأكيد على أهمية احترام مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
كذلك، فإن الدور الأمريكي كان قد أصابه الشحوب بسبب تحول الاهتمام الأمريكي في السنوات الأخيرة إلى آسيا واعتبارها الصين مصدر التهديد الرئيسي لمكانتها الدولية. وقد دعم من ذلك، الإشارات الأمريكية المُتكررة إلى تدهور مكانة الشرق الأوسط في سُلم أولويات السياسة الأمريكية. وجاءت طريقة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في عام 2021 لتُدعم هذه الصورة السلبية. وترسخت صورة أن واشنطن حليف لا يُمكن الاعتماد عليه وصديق “غير موثوق به”. ودعم من هذه الصورة أيضاً، امتناع الولايات المتحدة عن بيع بعض أنماط الأسلحة المُتقدمة لشُركائها في المنطقة.
تحركات مُضادة:
في هذا الإطار، نستطيع فهم التحركات الأمريكية والروسية في منطقة الشرق الأوسط. فقد تحركت الولايات المتحدة للحصول على أكبر قدر من التأييد الدولي لموقفها ضد روسيا، وإبعاد الدول العربية عن موقف “الحياد” الذي اتخذته، ومُعتمدة في ذلك على علاقات التحالف التقليدية معها. وقام وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في مارس الماضي، بزيارة إلى المغرب والجزائر والضفة الغربية، علاوة على إسرائيل. وقامت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية بزيارة كل من تونس والإمارات، وكان من المفترض أن تضم أيضاً مصر ولكن الزيارة لم تتم. وقام وفد من أعضاء الكونجرس الأمريكي بزيارة إلى السعودية والإمارات، وآخر بزيارة إلى مصر والأردن. وبغض النظر عن الأهداف المُعلنة من تلك الزيارات، فمما لا شك فيه أنها تناولت موضوع الحرب في أوكرانيا، وطلب الولايات المتحدة من هذه الدول دعم موقفها تجاه الحرب.
ومع ذلك، فقد جاءت النتائج مُختلطة، حيث امتنعت دولة الإمارات عن التصويت لإدانة روسيا في مجلس الأمن الدولي، وقام سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي، بزيارة إلى موسكو، في مارس الماضي، حيث صرح خلالها بأن الإمارات تتعاون مع روسيا بشأن ضمان أمن الطاقة. واستمر هذا التعاون بين الدول المُنتجة للنفط في إطار “أوبك بلس” والتي اتفق أعضاؤها، في اجتماعهم في مايو 2022، على زيادة حصة إنتاج كمية أكبر من النفط أكثر مما كان مُتوقعاً. ولم تُشارك الدول العربية في تطبيق العقوبات الاقتصادية على موسكو، وهو ما كان موضع إشادة من جانب وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في أول يونيو الجاري.
وتُقدم الجزائر حالة واضحة للتنافس الأمريكي – الروسي، فهي من جهة تحتفظ بعلاقات تِقنية وعسكرية قوية مع روسيا، وتُصَدرُ من جهة أخرى الغاز إلى أوروبا من خلال خط نقل الغاز مع إيطاليا، حيث يُمثل الغاز الجزائري نسبة 11% من الاستهلاك الأوروبي. وعلى الرغم من امتناع الجزائر عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار إدانة التدخُل العسكري الروسي في أوكرانيا، وتصويتها ضد قرار تجميد عضوية موسكو في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؛ فقد حرصت الولايات المتحدة والدول الغربية على التواصل معها. وقام وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، بمُباركة أمريكية، بزيارة إلى الجزائر، في 28 فبراير الماضي، وطلب من حكومتها زيادة تصدير الغاز إلى أوروبا لتعويض النقص في إمدادات الغاز الروسي. وأصدرت إدارة شركة “سوناطراك”، المملوكة للدولة الجزائرية، بياناً أفاد بالاستجابة لهذا المطلب وأن خط الغاز الجزائري- الإيطالي لا يعمل بكل طاقته، وأن هناك مجالاً لزيادة حجم الصادرات. وتبع ذلك زيارة كل من وزير الخارجية الأمريكي ووكيلة الوزارة إلى الجزائر.
في مقابل ذلك، تمثل التحرك الروسي في زيارة وفد برلماني من أعضاء مجلس الدوما وعميد الدبلوماسية الروسية لافروف للجزائر، في مايو الماضي؛ وذلك للاحتفال بمناسبة الذكرى الستين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. ومن ناحيته، أشاد وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، بموقف روسيا “المرن” وتفهمها أسباب زيادة صادرات الجزائر من الغاز إلى أوروبا برغبتها في زيادة مواردها المالية، وأن علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو لم تتغير. وتحدث لافروف عن آفاق تطور العلاقات الاقتصادية والتقنية والعسكرية بين البلدين، ووجه باسم الرئيس بوتين دعوة للرئيس الجزائري لزيارة موسكو. وخلال زيارته، أشاد لافروف بموقف الجزائر المُحايد في الأزمة الأوكرانية.
ورافق ذلك على مستوى القمة، قيام الرئيس بوتين بعمل اتصالات هاتفية مع عدد من رؤساء الدول العربية ضمت مصر والإمارات والسعودية والجزائر والمغرب وسوريا، فضلاً عن اتصالاته مع قادة إيران وتركيا وإسرائيل. وقام لافروف أيضاً بزيارة إلى سلطنة عُمان، ثُم السعودية، حيث التقى خلالها وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، وألحقها بزيارة إلى البحرين.
حدود الصراع:
ليس هناك ما يُشير إلى أن ثمة هجمة دبلوماسية أمريكية لخلخلة النفوذ الروسي في المنطقة العربية والشرق الأوسط، ولا ما يُشير إلى أن واشنطن تعتبر أن ذلك في مصلحتها، فهي حريصة على أن تُبقي صِراعها مع موسكو ضمن الحدود الجغرافية لأوكرانيا، وأن تُطيل من أمده لاستنزاف أكبر قدر من القدرات الاقتصادية والعسكرية الروسية؛ وذلك لأن هدفها ليس دعم أوكرانيا وحسب، بل كما قال وزير الدفاع الأمريكي أوستن هو “إضعاف روسيا” حتى لا تُكرر ما قامت به في أوكرانيا مرة أُخرى.
وبالتأكيد، فإن الولايات المتحدة لا تهدف إلى نقل مشهد المواجهة والتوتر السياسي في أوروبا إلى مناطق جغرافية أخرى، حتى لا تسير الأحداث في طريق لا يُمكن السيطرة عليه أو يُهدد بمواجهة مباشرة بين البلدين، خاصةً أن صانعي السياسة الأمريكية يُدركون جيداً أن التهديد الروسي بالرغم من إلحاحه وعُنفه، فإنه – من وجهة نظرهم – “مرحلي ومؤقت”، وأن الخِصم الحقيقي للولايات المتحدة هو الصين. وهذا ما صرح به وزير الخارجية، بلينكن، في مُحاضرة له بجامعة جورج واشنطن، يوم 26 مايو 2022، بقوله “إن الصين هي الدولة الوحيدة التي لديها نية لإعادة تشكيل النظام الدولي ولديها القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك”، وأن “الصين أخطر تحدٍ طويل الأمد للنظام الدولي”.
عن مجلة “المستقبل”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
تصفح أيضا
وفاء سلطان:
البارحة نشرت بوستا مفاده ان مقدار سلامك الداخلي هو انعكاس لعملك وإيمانك ونواياك وأفكارك وصداقاتك وعلاقاتك ونجاح اسرتك.
فكرة البوست ولدت بعد محادثة على الخاص مع شخص لم أكن أعرفه من قبل، شخص متدين جدا جدا،
ولكنه كان مهذبا ولطيفا، لسبب واحد التقطته من خلال الحديث ألا وهو أن لديه شكوكا بطبيعة ما يؤمن به
أراد أن يجرني لأفصح عن كل ما أعرفه بهذا الخصوص، لأن ما أقوله راح يغوص في تلافيف دماغه ويحرك شيئا عنده.
في سياق الحديث قلت له: أشعر أنني أسعد امرأة في العالم، والشخص الأكثر سلاما
فردّ على الفور:
بعكسي تماما فحياتي قاسية جدا، وتابع: أعيش وأشعر أن كل شخص يتعامل معي بوحشية لأنني إنسان طيب وأخاف أن اؤذي أحدا.
قلت: الطيبة لا تعني أن تترك الوحوش تنهشك!
فردّ: أخاف من الله
قلت: ومتى كان الدفاع عن النفس ضد مشيئة الله؟
لن أخوض أكثر في بقية الحديث، لكنني أود أن أعلق على ما سبق وذكرته منه.
عندما أقول أنا أسعد امرأة في العالم والأكثر سلاما، لا أقصد أنني لم أحزن ولم أتألم، فالحزن والألم جزء من الطبيعة البشرية وعامل فعّال في ديناميكية الحياة.
الحزن ليس الوجه المغاير للسعادة، بل التعاسة هي ذلك الوجه.
نعم، لم أشعر يوما أنني تعيسة، ولكنني حزنت مرارا كردّة فعل على حدث ما.
الحزن شعور عابر يثيره حدث مؤلم، أما التعاسة فهي حالة عقلية دائمة تستنزف طاقة البشر وتحولهم إلى
دمى لا حياة فيها، يشعرون عندها أن لا قيمة ولا فائدة لوجودهم
بالمناسبة، استطيع ان أعمّم وأقول: لم أصدف في حياتي متدينا مهووسا وخضت قليلا في حياته إلا واكتشفت أنه تعيس إلا حد الاستنزاف، والإفراط في تدينه ليس أكثر من وهم، وهم يشبه إلى حد بعيد وهم الغريق عندما لا يجد سوى قشة فيتعلق بها.
الإنسان يملك إرادة حرة وهي وحدها، ولا شيء غيرها، ينقذه من تعاسته
أما الله فهو صوت الضمير في أعماقه، ذلك الصوت الذي يعزز إرادته ويضيء له الطريق
ولقد أضاء لي الطريق حتى صرتُ أرى ثقب الإبرة خلال لحظة ظلام دامس
فأدخل فيه الخيط كي أشبك جروحي وجروح الآخرين
عبد الله السيد ولد اباه*:
“يورغن هابرماس” هو بدون شك أهم فلاسفة الغرب الأحياء وقد وصل سنّ الرابعة والتسعين، وأصدر عشرات الكتب الفلسفية والاجتماعية الهامة، آخرها كتابه المرجعي في تاريخ الفلسفة من مجلّدين.
لقد كتبتُ حوله الكثير وصحبتُ أعماله الفكرية منذ مطلع الثمانينات، بيد أنّ الحديث اليوم يتعلّق بالموقف الذي عبّر عنه في عريضة وقّعها باسمه مع آخرين، بخصوص الأحداث المأساوية التي تمرّ بها غزّة حاليًا.
ما استوقفني في العريضة أمران، أوّلهما التأكيد على “شرعية” العدوان الإسرائيلي على سكّان غزّة من منظور “حق الدفاع عن النفس”، وثانيهما القول بأنّ اتهام إسرائيل بشنّ حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني مظهر من مظاهر العداء للسامية!
لم يذكر في العريضة أيّ شيء عن الاحتلال الإسرائيلي وحق المقاومة الفلسطينية الذي تكفله المواثيق والقوانين الدولية، ولم يتم الاعتراف بجذور وخلفيات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي لم يبدأ يوم 7 أكتوبر.
لقد استغرب الكثيرون مواقف الفيلسوف الألماني العجوز الذي يقدّم نفسه بكونه آخر مدافع عن تركة التنوير والحداثة الإنسانية، وأكبر معارض لليمين المتطرّف في أوروبا والنزعات الشعبوية العنصرية المتنامية في القارة. والواقع أنّ هابرماس لم يُخفِ يومًا من الأيام نزعته المركزية الغربية، من خلال الصراع المحتدم الذي خاصه ضد الأفكار التفكيكية والنقدية في الفلسفة الغربية من نيتشه إلى هايدغر وفوكو وديريدا.
ما حاربه هابرماس لدى هذا التيار الواسع الذي يصفه بالعدمي هو التشكيك في السردية العقلانية التنويرية لأوروبا الحديثة، برفض القول بالخلفيات السلطوية والإقصائية في الخطابات المعرفية والعلمية التي تدعي الكونية الموضوعية والمحايدة.
وعلى الرغم من تشبث هابرماس بالأنموذج التواصلي المفتوح القائم على التداول البرهاني الحر، إلا أنه في الحقيقة لم يسعَ يومًا إلى اكتشاف الثقافات الأخرى، بما يبرز جليًا في كتابه الأخير حول تاريخ الفلسفة الذي ينطلق فيه من مركزية اللاهوت الأوروبي في تشكّل المنظومات الفلسفية.
ما علاقة هذا التوجّه الفلسفي بتعاطفه مع إسرائيل وتنكّره لحقوق الشعب الفلسطيني الذي يتعرّض لحرب إبادة جماعية غير مسبوقة؟
العلاقة واضحة، وهي أنّ هابرماس عاجز عن التفكير خارج مقاييس الكونية الغربية حيث تشكّل الحالة الإسرائيلية امتدادًا طبيعيًا للسياق الأوروبي، ومن هنا إشارته إلى حساسية موضوع المحرقة اليهودية بالنسبة لألمانيا، وكأنّ الشعب الفلسطيني مسؤول عن هذا الحدث الذي تمّ في العمق الأوروبي.
الغريب أنّ هابرماس المدافع بقوة عن الشرعية المعيارية الإجرائية التي هي أساس المدونة القانونية الحديثة والمتشبث بعقلانية المجال التواصلي خارج أي تدخل للمرجعيات الدينية المقدسة، لا يشعر بالتناقض وهو ينحاز لأخطر الأنظمة اليمينية المتطرّفة حيث تتحالف الصهيونية الدينية المتشدّدة مع الأحزاب العنصرية الفاشية .
وصفه الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”
لقد تعلّل هابرماس بما أسماه استثناء الديمقراطية الإسرائيلية، دون أن يقف عند المرجعية المسيانية للدولة التي حصرت هويتها القومية في مكوّنها اليهودي، بما يعني إقصاء خمس سكانها وهم من نسيجها المسلم والمسيحي الأصلي، كما أقامت في المناطق المحتلّة نظام تمييز عنصريًا لا يختلف في شيء عن حالة جنوب إفريقيا السابقة حسب إقرار رئيس الموساد السابق تامير باردو.
كيف يمكن الحديث عن دولة ديمقراطية تقوم على العنصرية والتطهير العرقي، وترفض معايير المواطنة المتساوية وتكرّس الاحتلال الاستيطاني؟
لقد وصف الفيلسوف الألماني “بيتر سلوتردايك” مفكّر التواصلية هابرماس بأنه “السليل الأخلاقي للنازية”، ويعني بهذه العبارة أنه ينتمي للفكر نفسه والمرجعية النظرية نفسها وإن اعتمد قاموسا أخلاقيًا عقلانيًا. هل يمكن من هذا المنظور لفيلسوف أوروبا الكبير أن يستوعب المأساة الفلسطينية التي هي بالفعل حرب إبادة حقيقية، وكل من يبررها هو شريك في العدوان والمذبحة؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فيلسوف وباحث وكاتب وأكاديمي موريتاني
جلـ ... منار
ترامب الثاني: انتظار الفاشية خلف انتصار الـ”ماغا”!
نشرت
قبل أسبوعينفي
9 نوفمبر 2024من قبل
التحرير La Rédactionصبحي حديدي:
بعد الهزيمة المدوية التي مُني بها الحزب الديمقراطي الأمريكي، في شخص مرشحته للرئاسة كامالا هاريس ومقاعد مجلس الشيوخ في وست فرجينيا ومونتانا وأوهايو؛ لم تكن مفاجأة أن النقد الأوضح لخطّ الحزب واستراتيجيته أتى من أحد كبار “المشبوهين المعتادين” القلائل جداً في نهاية المطاف: السناتور برني ساندرز.
“ساندرز” يعتبر نفسه مستقلاً، ولكنه ينضوي ضمن تجمّع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ ولا ينأى عنهم إلا في مناسبات قليلة؛ لأنه، في واقع الأمر، محسوب عليهم في أعمّ المناسبات.
ما يقوله ساندرز اليوم ليس جديداً من حيث المبدأ، أو هو لا يتصل أساساً باندحار هاريس والحزب الديمقراطي، لأنّ إهمال أولويات الطبقة العاملة، كما يساجل ساندرز اليوم، ليس خياراً طرأ على الديمقراطيين خلال الأشهر القليلة التي أعقبت عزوف جو بايدن عن الترشيح وصعود نجم هاريس؛ بل هو قديم ومتقادم وجزء لا يتجزأ من الشطر الرأسمالي في فلسفة الحزب الديمقراطي، على غرار الحزب الجمهوري وإنْ بفارق هنا أو هناك. كذلك يحيل ساندرز بعض أسباب الهزيمة الأخيرة، بل يوحي ضمناً بأنها الأبرز: “بينما دافعت قيادة الحزب الديمقراطي عن الأمر الواقع، كان الشعب الأمريكي غاضباً وأراد التغيير. وكان على حقّ”.
ليس تماماً، أو على الأقلّ ليس بمعدّل 71.7 مقابل 66.8 مليون ناخب، والفوز في التصويت الشعبي للمرّة الأولى بالنسبة إلى مرشح جمهوري منذ سنة 2004؛ و295 مقابل 226، في المجمّع الانتخابي؛ وليس في 27 مقابل 18، على صعيد الولايات؛ وليس وقد اتضح أنّ أداء هاريس كان أضعف من أداء بايدن 2020 في كلّ الولايات… التأزم، استطراداً، أبعد من مجرّد “غضب” شريحة من الشعب الأمريكي؛ والهزيمة هذه ليست أقلّ من فصل جديد في مسلسل طويل من انتقالات عاصفة وتحوّلات كبرى يعيشها المجتمع الأمريكي، فلا تقتصر على الحزبين الديمقراطي والجمهوري وحدهما، بل تمسّ سائر فئات الشعب وطبقاته، على أصعدة شتى اجتماعية ــ اقتصادية، ثمّ سياسية ومعنوية وأخلاقية وثقافية، وسواها.
في الوسع الابتداء من حقيقة أولى بسيطة، ماثلة للعيان وأوضحتها أنساق التصويت الاجتماعية والجغرافية والعُمْرية، مفادها أنّ الولايات المتحدة بعد 248 سنة على إعلان استقلالها ليست، بعدُ، مستعدة لانتخاب امرأة إلى منصب الرئاسة؛ وهيهات، تالياً، أن تكون جاهزة لانتخاب امرأة من أصول مهاجرة، آسيوية وسوداء البشرة في آن معاً. وفي باطن هذا المعطى الأول لوحظ أنّ تصويت المجموعات الهسبانية ذهب إلى ترامب بمعدّل 45 بالمائة، رغم التصريحات العنصرية البغيضة التي شهدتها بعض تجمعات ترامب الانتخابية، على مسمع ومرأى منه (كما في تعليق توني هنشكليف ضدّ بورتو ريكو بوصفها “جزيرة القمامة” مثلاً)؛ وهذا فضلاً عن أغلبية عالية لصالح ترامب في أوساط الرجال، لاعتبارات ذكورية لا تخفى.
وجهة أخرى في استدلال مغزى مركزي خلف الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة هي تلك التي تبدأ من تصريح ترامب، خلال خطبة انتصاره، بأنّ الـMAGA (مختصر للحروف الأولى من شعار ترامب الانتخابي باللغة الإنكليزية: جَعْلُ أمريكا عظيمة مجدداً) هي ‘أعظم حركة سياسية في التاريخ’؛ ليس لأنها كذلك بالفعل، فهي أبعد ما تكون عن أيّ طراز من العظمة حفظه التاريخ، بل لأنّ مكوّنات الاستيهام فيها حرّكت عشرات الملايين خلف ترامب: أشدّ تأثيراً من الاقتصاد ومسائل التضخم والقدرة الشرائية، وأدهى استقطاباً من رهاب اللاجئين والمهاجرين والأجانب، وأعمق دغدغة للكوامن الفاشية التي تصاعدت وتتصاعد في نفوس أمريكيين كُثُر ابتداء من العقدين المنصرمين.
كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
وفي قلب الـ”ماغا” كان يتنامى هوس “القومية الأمريكية” الذي لم يعد غريباً أو ناشزاً أو نادر الاستخدام كما كانت الحال قبل صعود ترامب، ومنذ شيوع هستيريا تعظيم أمريكا سنة 2015، حين تضاعفت أكثر فأكثر النزعات العنصرية والمناطقية، وفلسفات “التفوّق” العرقي الأبيض. كذلك، في جزء متمم، لم تعد الولايات المتحدة حصينة تماماً إزاء مؤثرات العالم خارج المحيط، ولم يعد تكوينها المجتمعي ــ الذي ساد الاعتقاد بأنه متعدد المنابت، تعددي الأعراق ــ بمنأى عن يقظة القوميات هنا وهناك، في العالم بأسره ثمّ في أوروبا حيث المنبع الثقافي الذي يغذّي قسطاً غير ضئيل من “القِيَم” الأمريكية.
وكي لا يُظلم ترامب أو تُنسب إليه وحده شرور الـ”ماغا” فإنّ غالبية الإدارات الأمريكية السابقة، منذ عهد وودرو ولسون وليس رونالد ريغان أو جورج بوش الأب والابن؛ لم تفعل سوى محاولة تطوير المشروع الإمبريالي الأمريكي، السياسي والاقتصادي والثقافي، تحت هذه المظلة بالذات: سطوة أمريكا العظمى! ولم نعدم كاتباً أمريكياً ظريفاً جنح ذات يوم إلى الشكوى من “واجب مقدّس” أُلقي على عاتق أمريكا تجاه العالم، اتخذ سلسلة تسميات مثل “الإمبراطورية بالصدفة العمياء” و”الإمبريالية بالتطوّع” و”العبء الجديد للرجل الأبيض”. وفي كتاب بعنوان “السلام الأمريكي” صدر للمرّة الأولى سنة 1967 ولم تمنع حرب فيتنام من جعله مرجعاً أثيراً لدى شرائح واسعة من القرّاء في أمريكا، كتب رونالد ستيل: “على النقيض من روما، إمبراطوريتنا لم تلجأ إلى استغلال أطرافها وشعوبها. على العكس تماماً… نحن الذين استغلتنا الشعوب واستنزفت مواردنا وطاقاتنا وخبراتنا”!
والرجل، ترامب، الذي أعلن على الملأ أنّ إعادة انتخابه سوف تخوّله أن يكون دكتاتوراً؛ وأنه سيثأر من خصومه، وعلى رأسهم أولئك الذين كانوا مستشارين في إدارته أو وزراء أو رؤساء أركان أو محامين، بمن فيهم نائبه نفسه؛ وأنّ عودته إلى البيت الأبيض سوف تريح الأمريكيين من واجب الذهاب إلى صناديق الاقتراع الرئاسية، مرّة أخرى أو إلى الأبد… لماذا سوف يعفّ، هذا الرجل بالذات، عن الذهاب إلى أقصى مدى في الفاشية والتسلط وترويض ما يتبقى من قواعد/ نواهٍ ديمقراطية في نظام الولايات المتحدة؟ للبعض أن يتشبث بمقولة رسوخ هذا النظام، وأنه أقوى من أيّة سلطات يمنحها الدستور للرئيس الأمريكي؛ ولكن… كيف يُلجَم رجل كهذا وهو يسيطر على البيت الأبيض، ومجلس الشيوخ، ومجلس النوّاب، والمحكمة العليا، فضلاً عن كونه القائد الأعلى الفعلي للقوات المسلحة؟
من المنتظَر، بالطبع، أن يغرق كبار “نطاسيي” الحزب الديمقراطي، المختلفين عن ساندرز من حيث المنهج والغاية والوسيلة، في ترحيل أسباب الهزيمة إلى عوامل مثل تأخّر بايدن في قرار عدم الترشيح، أو اختيار تيم والتز شريكاً على البطاقة مع هاريس، أو الأدوار التي لعبتها وسائل الإعلام اليمينية واليمينية المتطرفة، أو تدخّل الاستخبارات الروسية لصالح ترامب من زاوية عدم حماس الأخير للحرب في أوكرانيا، أو حتى الآثار (أياً كانت) لعجز هاريس والديمقراطيين عن كسب الصوت العربي في ولاية متأرجحة مثل ميشيغان؛ وسوى ذلك، ممّا هو كثير متعدد ومتشابك، محقّ أو باطل أو في منزلة بينهما. الراسخ، مع ذلك، أنّ فوز ترامب ليس اختراقاً تاريخياً لشخصه وشخصيته وما بات يمثّل في وجدان ملايين الأمريكيين، فحسب؛ بل هو انتصار ساحق للـ”ماغا” في مدلولاتها الأعمق، والأبعد أثراً وديمومة، من المحتوى الركيك الذي يعلن جعل أمريكا عظيمة مجدداً.
وما يصحّ أن يُنتظر من ترامب الثاني ليس المزيد من التطرّف في السياسة الخارجية، وملفات حرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة، وتعزيز التطبيع مع السعودية خصوصاً، وتقليص الحضور الأمريكي في الأطلسي، فقط؛ بل ما هو آت على صعيد الداخل الأمريكي، أيضاً، لجهة انحسار يمين الجزب الجمهوري، مقابل صعود اليمين المتشدد: العنصري أكثر، والانعزالي أشدّ، والشعبوي أنكى، و… الفاشيّ الأعتى.
ـ عن “القدس العربي” ـ
صن نار
- ثقافياقبل 23 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 23 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟