دفءُ نار

هل تعرفون الجزائري الشريف ڤـلال ؟

نشرت

في

ڤـلال أعلى اليمين يتوسط بوتاف و الزعيم بومدين

في محاولة البحث عن الأسباب العميقة التي تجعل من الجزائر ظهيرا استراتيجيا لتونس أمنيا و طاقيّا وسياحيا وصحيا وخاصة فيما يتعلق مؤخرا بضخّ كميات ضخمة من الأوكسيجين الجزائري نحو مستشفياتنا الوطنية وتونس تجتاز مرحلة دقيقة جدّا في علاقة بانتشار الكوفيد 19، عثرت – إلى جانب الأسباب التاريخية المعروفة والمتصلة بعمق الروابط السياسية والاجتماعية بين البلدين وإيواء تونس لمئات المقاتلين الجزائريين زمن مقاومة المستعمر الفرنسي ولجوء الرئيس بومدين إلى تونس في سن الـــ18 سنة هروبا من الخدمة العسكرية ضمن الجيش الاستعماري ودراسته بجامع الزيتونة… وغيرها من عديد المؤشرات الدالّة الأخرى…- عثرت على مُعطى تاريخي أعتبره أساسيا ويتمثل في أن الأرض الجزائرية تميّزت بإنجاب رجال ونساء استثنائيين وهبُونا دروسا لا تنسى في الوطنية والشّهامة والإباء و “النّيف” كما يقول إخوتنا غرب البلاد.

<strong>منصف الخميري<strong>

أغلبنا يعرف زين الدّين زيدان ورابح ماجر في الرياضة وكاتب ياسين وأحلام مستغانمي في الأدب والشاب خالد ووردة الجزائرية في الفن ومحمد أركون وبنجامين ستورا في التاريخ وبيار الرابحي في الفلاحة الايكولوجية وجميلة بوحيرد والعربي بنمهيدي في النضال الوطني المسلح ضد المستعمر… لكن قليلين جدا هم الذين يعرفون من كان يُكنّى بصقر الجزائر : الشريف ڤـلال !

الشريف ڤـلال هو رجل أمني وديبلوماسي بخلفيّة مخابراتيّة من أشبال مدرسة المالغ للراحل عبد الحفيظ بوصوف التي تخرج منها و عمل بعدها من اجل مصالح الجزائر وكان مقرّبا جدا من قائد المخابرات الجزائرية الراحل مسعود زقار. كان أول سفير للجزائر بالولايات المتحدة الأمريكية من 1963 إلى 1967 وكذلك بكندا من 1964 إلى 1967… بعد تولّيه مهمة تمثيل جبهة التحرير الوطني في نيودلهي والقاهرة.

وُلد بقسنطينة من أب يعمل بقطاع الصحة ومن أم، فطيمة بوقفة، التي انتمت الى مجموعة مناضلة من أجل استقلال الجزائر وتمّ اعتقالها وتعذيبها من قبل القوات الفرنسية على امتداد سنتين إلى جانب أعضاء آخرين من عائلتها. وافته المنيّة في أفريل 2009 بالمستشفى العسكري عين النّعجة ودُفن بمربّع الشهداء بمقبرة العالية بالجزائر.

بومدين أمّم المحروقات والشريف حاصر تداعيات القرار الحارق :

ما كان لبومدين أن يؤمّم قطاع المحروقات في 1970 (الإنجاز الأكبر في مسيرة الهوّاري حسب المحللين) باعتباره قطاعا حسّاسا مُثقلا بالرّهانات المالية والاستراتيجية على المستوى الدّولي لولا مغانم الديبلوماسية السرية واللعب على التوازنات العالمية اللذان كان يقودهما مسعود زڤار والشريف ڤـلال واللذان ساهما بشكل حاسم في تطويق آثار ردود الفعل الانتقامية من الجانب الأوروبي والفرنسي بصفة خاصة.

ويُعتبر الشريف ڤـلال من مُنفّذي عملية اختراق قصر الايليزيه الفرنسي والتي نتجت عنها اكبر ضربة تتلقاها فرنسا الاستعمارية بتأميم المحروقات الجزائرية مستغلا في ذلك شبكة العلاقات التي كانت تتمتع بها زوجته الامريكية (والتي سنعود إليها لاحقا).

<strong>ڤـلال<strong> <strong>مع كينيدي<strong>

انخرط الشريف ڤـلال بقوة وحنكة نادرة في أوساط الأعمال ومجموعات التأثير ونجوم الشوبيز الأمريكية في واشنطن وتوظيفها في خدمة الجزائر الناشئة، حيث صرّح ذات يوم بجامعة جورج تاون بواشنطن أمام ملإ من الشخصيات السياسية والعلمية والإعلامية فيما يتصل بالعلاقات بين الجزائر والولايات المتحدة الأمريكية: “كل ما نتمنّاه أن نكون أسيادا في بلدنا وليس مجرّد شركاء صغارا للقوى العظمى” . بما جعل صحيفة الواشنطن بوست تكتب عنه أنه رجل لا تُخيفه الكلمات لأنه كان من أكثر الشخصيات الديبلوماسية شُهرة في واشنطن خلال السنوات الستّين.

تمكّن بفضل علاقاته من تركيز مكتَبيْن للشركة الوطنية صوناتراك رائدة الصناعة البترولية في افريقيا بواشنطن ودالاس بما ساعد كثيرا الدولة الجزائرية على ترويج نفطها وغازها المشمول بالحظر الفرنسي مباشرة بعد قرار التأميم. وهكذا كان من المؤسسين الأوائل لما يُعرف اليوم بسياسة اللوبيينغ الدولية العاملة على تجنيد الأنصار وتحشيد الدعم الأممي وتطويق تداعيات الحصار الاستعماري.

كان الشريف ڤـلال صديقا حميما لجون كينيدي  وإخوته وكذلك لخلفه ليندون جونسون، الشيء الذي مكّن دولة الجزائر من شراء بيت الرئيس الأمريكي جونسون وتحويله إلى مقرّ للسفارة الجزائرية ومقر إقامة للسفير بواشنطن، رغم موجة اللّغط الاعلامي المُعادي الذي رافق هذا الشراء المشحون بالرمزية والدّلالات.

الحبّ في خدمة الجزائر و ليس العكس !

ارتبط الشريف ڤـلال بيولاند باتبيز المناضلة النسوية ومغنية الأوبرا، أول ملكة جمال في تاريخ أمريكا والتي كانت من ورثة شركة فوكس للسينما ومنخرطة في شبكة علاقات واسعة جدا ساعدت الشريف على توظيفها في خدمة بلده الجزائر الحائز لتوّه على الاستقلال الوطني.

<strong>ملكة جمال أمريكا في خدمة الجزائر<strong>

رفضت زمن الحرب الفيتنامية القيام بجولة دعائية في أمريكا بالبيكيني، وقد اشتهرت حينها بمقولة : أنا فنانة مغنية أوبرا ولست دمية للدعارة.

الشريف قلال، رجل فن وأدب كذلك !

كان محبّا للموسيقى والفنون الجميلة وربطته علاقات صداقة قوية بالفنان محمد عبدالوهاب (من الأرجح خلال فترة تمثيله لجبهة التحرير بالقاهرة) مُبديا دوْما انجذابا خاصة لأغنية “النهر الخالد” (مسافر زاده الخيال … والسحر والعطر والظلال) .

كان الشريف ڤـلال مثال الديبلوماسي المناضل المثقّف الذي صنع لنفسه مسارا طويلا مميزا عماده ثقافة رسوبية ثرية.

راهن على تجنيد الكاتبة والصحفية سالي كوين لنشر أعمال مهمّة حول الاقتصاد والتنمية الطاقية في البلدان الافريقية ومن ضمنها الجزائر، كما قام بدراسة بيوغرافيّة معمقة حول حياة صاحب “المعذّبون في الأرض” المارتينيكي الفرنسي (والذي يعتبر نفسه مواطنا جزائريا) فرانز فانون، كما أنجز مشروعا متصلا بإحياء الصحراء الجزائرية ومقاومة زحف الرمال. 

هؤلاء هم الوطنيون الحقيقيون الذين يبلغون أعلى مراتب الشّهرة والانخراط في دوائر التأثير وربط علاقات صداقة متطورة جدا مع رؤساء أقوى دولة في العالم والزواج من أجمل جميلات العالم… ولكن يوظفون كل ذلك الرصيد النادر في خدمة قضايا بلدانهم وليس أجنداتهم الخاصة كما يحصل اليوم مع ثورجيي الربيع العربي الذين يستقدمون كل كلاب العالم وأوغاده ومرتزقته وضباعه من أجل نهش جسد الوطن.

رحم الله الشريف ڤـلال وكل الوطنيين الشرفاء.

تعليق واحد

صن نار

Exit mobile version