جور نار
هل تعيش منظومة 25 جويلية … حالة إجهاض؟
نشرت
قبل 3 سنواتفي
من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrashالسؤال الذي قد يطرح نفسه…أو قد يطرحه كبار المتابعين للشأن التونسي من تونس وخارجها: هل انتهت منظومة 25 جويلية 2021؟ أم هل أجهضت نفسها دون أن تدري؟ أم هل انكشف أمرها؟ أم هل أجهضها من هم حول صانعها بما يقترحونه عليه وما ينصحون؟ أم هل اصطدم صانعها بواقع لم يكن يعرفه ولا يفقه معانيه، ولا يدرك كيف الخروج منه؟ فالشعب انتظر طويلا ما سيأتي به من وعدهم بدولة عادلة قوية ودولة لا فساد فيها ولا ظلم …دولة حقوق الانسان…ودولة يطيب العيش فيها…دولة لا يضطر بعض أهلها إلى مغادرتها هربا من حاكمها…دولة لا يختار شبابها الموت غرقا على الموت جوعا وقهرا فيها…
هل أنجز حرّ ما وعد…جميعنا نعلم أن ساكن قرطاج رجل نظيف اليد…لم يتورّط سابقا ولا أظنّه لو ابتعد عنه بعض الناصحين سيتورّط لاحقا في ما يسيء إلى ما نعرفه عنه من حسن سيرة ونظافة يد… كما لا أظنّه سينساق وراء ما يمكن أن يخرجه من عقول هذا الشعب…لكن هل كل ذلك يكفي لحكم دولة والخروج بها مما هي فيه من وحل أوصلها إلى حافة الجوع والإفلاس والعطش…؟ علينا ألا نحلم كثيرا…كما علينا أن لا نسيئ الظنّ بجميع من حكموا قبلنا، فحكم بلاد تعاني العراقيل وقطاع الطرق والمطبات ليس بالأمر السهل والهيّن، كما يتصوره البعض…فلا يمكن الجزم اليوم بأن كل من حكموا هم سبب ما تعيشه البلاد، علينا أيضا أن نعيد التشخيص فهناك العديد من الأطراف الأخرى التي كانت لها اليد الطولى والعليا في الخراب الذي تعيشه البلاد منذ 2011…وهؤلاء يحاولون اليوم الحفاظ على مواقعهم كشركاء يفعلون ما يريدون ومتى يريدون بالدولة وبمؤسساتها…ويتمتعون بمرتبة “الشريك” الواحد الأحد…شعارهم في كل ما يفعلونه “شدّ مد يا حمد”…
لا أحد كان على يقين من أن ما أتاه ساكن قرطاج أو صانع التغيير الثاني بعد تغيير الرئيس الوطني الأسبق بن علي رحمه الله، سيحالفه النجاح غير من أتاه…فساكن قرطاج هو الوحيد وبعض البعض من أتباعه كانوا وربما لا يزالون على ايمان بأن النجاح سيكون حليفهم….ولأني على يقين أنهم على خطأ كبير…سأقول إن هؤلاء لم يعيشوا عمق الدولة ولم يجوبوا ثنايا مؤسساتها…ولم يعرفوا يوما مشكلاتها وخفاياها….فالدولة من خارج أسوارها غير مَن خَبرَ ما في أحشائها….فساكن قرطاج وأتباعه وقعوا في نفس الورطة التي تورطت فيها منظومة الترويكا قبل عشر سنوات مضت، فالترويكا استهانت بأمر الحكم وعاشت وتفاخرت بوهم الإصلاح والنجاح، وتحقيق المعجزات ببدائل وهمية رفعتها حين كانت تعارض منظومة بن علي رحمه الله… وكانت تجزم وتمشي الخيلاء في كل ما تعلنه للناس وللشركاء، أنها ستنجح في الخروج بالبلاد إلى أفق أرحب يتعايش فيه ومعه الجميع، لكنها اصطدمت بواقع مغاير عمّا كانت تتصوره…فالحكم ليس شعارات ترفع وبرامج تكتب على عجل، وليس أقوال بعض المنظرين الذي ماتوا وماتت معهم ايديولوجياتهم…الحكم حقيقة يجهلها من لم يتعثّر كثيرا في مسالكها الوعرة والملغومة…الحكم علاقات خارجية….وثقة منظمات ودول مانحة…وشبكة علاقات دولية متينة…وانفتاح على كل المقترحات والحلول سواء كانت داخلية أو خارجية…الحكم هو كيف توفر الغذاء لأكثر من عشرة ملايين نسمة …والحكم هو كيف تحافظ وتضمن التعايش بين كل مكونات المجتمع والمشهد السياسي بلين كثير…وشدّة أحيانا… وبتنازلات موجعة …وأخرى كبيرة …وأخرى تحت الطاولة لا أحد يعلم بها….وبتوافقات خارجية وداخلية تضمن بها سيرا عاديا لشؤون الحكم والدولة…فالحكم ليس تعنتا إذن…وليس تمسكا برأي خاطئ ومخالف للجميع…والحكم ليس حلما تعيشه ليلا نهارا…وبعض الاسطر من كتب الفلاسفة…والحكم ليس تعاليا على الجميع وكأنك وحيد زمانك والأقدر على معرفة خبايا الأمور…فليس من السهل أن تجعل من بلاد شعبها لم يخرج من بعض الجهل والفقر والخصاصة ومهدّد بالجوع والعطش كل يوم، مدينة فاضلة…
كما أن الحكم وهذا الأهمّ هو كيف يحبك كل الشعب….وكل مكونات المشهد السياسي…وأن تكون من يُجمع عليه كل الناس حتى من كانوا خصومك…فالحكم ليس حقدا ولا رغبة جامحة في الانتقام من كل قديم، ومن كل من يخالفنا الراي ومن كل من نشتم عنهم رائحة لا تعجبنا…وهذا ما نعيشه بكل تفاصيله الكبيرة والصغيرة….فنحن اليوم نعيش مرحلة يغلب على “دستورها الخاص” الانتقام وتصفية الحسابات…والتخلّص بطريقة أو بأخرى من كل الخصوم، لقطع الطريق أمام عودتهم للحكم أو حتى للمشهد السياسي عموما…لغاية الانفراد بالحكم والتأسيس لمنظومة سياسية لم يألفها هذا الشعب سابقا …ولا أظنّه سيقبلها حتى وإن أرادها البعض…فالبعض ليس الكل…ولن يكون…
لنتحدث عن واقعنا وماذا ينتظرنا فعلا بعيدا عن الأوهام والأحلام…فلا شيء مما نستمع إليه ومنذ 25 جويلية سيتحقّق إن واصلنا على هذا النحو، وهذا ليس لأننا لا نريد أن يتحقّق، لكن لأنه لا قدرة لنا على تحقيقه، بالحصار الذي ضربناه على أنفسنا، وعزلتنا التي صنعناها بأيدينا…فعلاقاتنا توترت مع كل من كانوا عونا لنا…وعدد خصومنا تضاعف آلاف المرّات عمّا كان عليه…وتمسكنا بأحادية القرار أوقعنا في مشاكل لسنا في حاجة إليها في هذا الوقت…فنحن اليوم أغلقنا كل أبواب النجاح والخروج بالبلاد مما هي فيه…والأخطر هو أننا نصرّ على أننا على حقّ…والحقّ يقول غير ذلك…
لا…لسنا على حقّ…ولن نكسب شيئا بما نفعله اليوم مع كل من هم حولنا…فهذا الشعب ليس مستعدا بأن يفوّض شأن مصيره لأحد يصرّ على الحكم بمفرده …وليس مستعدا بأن يدخل في استفتاء حول مصيره ومصير أبنائه ومستقبل أجياله القادمة ويضعه بين يدي شخص واحد يفعل به ما يريد… وهذا الشعب لم ولن يصدّق ما يقال عن الشركات الأهلية التي كثر عنها الحديث أخيرا فهذه الشركات لن ترى النور، ولن تخرج البلاد مما هي فيه…فالأموال التي يقال إنها أموال الشعب وسيستردها ممن نهبها منه عبر هذه الشركات، هي في الأصل أموال رجال أعمال اقترضوها من البنوك للاستثمار وسيعيدونها للدولة حسب ما هو متعامل به في مثل تلك المعاملات البنكية والمالية…
بعد كل هذا هل يمكن القول بأن منظومة 25 جويلية تعيش آخر ايامها وأنها إلى زوال إن عاجلا أو آجلا…وقد تفشل وتذهب ريحها في قادم الاسابيع، فالامتحان الحقيقي قادم، وهذا الشعب أصبح يخشى على قوته مما يراه وما عاشه ويعيشه منذ إعلان التغيير الثاني من صانع التغيير الثاني …فالشعب لن يشبع بقرار تغيير يوم الاحتفال بثورته المزعومة ولن يهتمّ للأمر أصلا غير من قاموا بالأمر…ولن يعيش في بحبوحة من العيش يوم الإعلان عن حلّ مجلس الشعب…ولن ينتفخ مرتبه يوم التخلّص من كل أحزاب الخصوم…ولن يصبح سعيدا حين يُسجن أحدهم بشبهة الفساد…كما لن يفرح حين يقال أحد الولاة أو أحد المسؤولين القدامى دون ذنب ودون خطأ…فهذا الشعب أو لنقل الكثير منه خرج سعيدا يوم أعلن ساكن قرطاج عن حلّ حكومة المشيشي وكنت منهم، في حدود الفرح، لا الخروج صارخا، فشخصيا كنت أكبر الناقدين والمطالبين بإبعاد المشيشي، كما أن الكثير من هذا الشعب سعد كثيرا بتجميد نشاط مجلس النواب لكنه لم يخرج ليبايع ساكن قرطاج ملكا…وليجعله الحاكم الوحيد بأمره وأمر البلاد…ولا ليقول نعم على انتخابي على المقاس ونظام سياسي أقرب إلى الإمارة…
اليوم أصبح هذا الشعب في حيرة من أمره…بعد أن بان له الخيط الأبيض من الخيط الأسود…وعرف أن ما عاشه ليس أكثر من حلم ليلة ذهب مع فجر اليوم الموالي…فأوضاع البلاد زادت سوءا رغم ما يزعمه بعض الأتباع …والحصار أصبح أشدّ على مصالح هذه البلاد…والعزلة أصبحت ظاهرة للعيان …واقتصاد البلاد أصبح عاجزا عن تسديد معلوم حاجياتها…وجميع المؤشرات تشير إلى إمكانية تأزم الأوضاع إلى ما لا نهاية له…فهل هذا حقّا ما كان ينتظره الشعب حين خرج محتفيا بما أتاه ساكن قرطاج؟ فهل دغدغة مشاعر رفض النهضة والحقد على قياداتها وأتباعها ستصلح حال البلاد…وهل إرضاء الرافضين لمجلس نواب الشعب سيكفي الشعب غذاء الأشهر القادمة…وهل ضرب الأحزاب وتعطيل أعمالهم سيحدّ من نسب العجز والتداين الداخلي والخارجي…وهل تعليق العمل جزئيا بما جاء في الدستور سيرضي عنا المنظمات والدول المانحة…وهل إلقاء بعض الوجوه في السجن دون محاكمة نهائية ومؤيدات رسمية سينسي الناس همومهم…وهل …وهل…وهل…كلها أسئلة لن تجد من يجيب عنها…فزمن الشعب يريد ولى…فالشعب اليوم نعم…يعبد ما تعبدون…لكنه لا يريد ما تريدون…ولن يختار ما تختارون…ولن يقول نعم لما له عليه ستستفتون…فلا تسيئوا به الظنون…فهو يبحث فقط عن استقرار…وأمن…وعدل…وأبناء من البطالة يتخلصون…وكرامة وعدل…وقانون…ولا هم يَظلِمُون…ولا يُظلمُون…
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل 8 ساعاتفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن الثلاثين سنة، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1991… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 15 دقيقة
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- صن نارقبل 36 دقيقة
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل 50 دقيقة
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية
- صن نارقبل 57 دقيقة
بعد وقف الإجراءات الإدارية ضدهم… الاحتلال يطلق أيدي المستوطنين في الضفة الغربية
- صن نارقبل ساعتين
الجنائية الدولية تأمر بإيقاف نتنياهو، والكيان يتهمها بمعاداة السامية!
- ثقافياقبل 3 ساعات
بنزرت… ملتقى إقليمي عن برامج المؤسسات الثقافية وتوقيت عملها
- جور نارقبل 8 ساعات
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
- ثقافياقبل يوم واحد
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”