هل تهرب النهضة من الحكم … خوفا من تآكل جسدها الانتخابي؟؟
نشرت
قبل 3 سنوات
في
لست من الذين ينساقون وراء مزاجهم أو أحقادهم أو عاطفتهم للحكم على ما يدور في الساحة السياسية في ظلّ أزمة خانقة قد تعصف قريبا بالبلاد لو لم ننجح في كبح جماح أحقادنا ورغبة بعضنا في الثأر والانتقام وخاصة أولئك الذين جاؤوا من خلف…
ولا أذكر أني كتبت عن ثروة الغنوشي المزعومة، فأنا على يقين أن الأرقام التي ذكرت خيالية إلى أبعد الحدود…كما أني لست مستعدا للدخول في لعبة نشر القصص الخيالية عما يمتلكه بعض قيادات النهضة أو غيرها فالأكاذيب والتهم والروايات الملفّقة طالت الجميع خلال عشرسنوات، وكنت كغيري أحد ضحاياها كيف لا وبعضهم ولمدّة أكثر من سنة جعل منّي مليونيرا حتى خلت نفسي كما زعم فأغدقت على الجميع بما ملكت، جميعنا ساسة وإعلاميين وكفاءات علمية واقتصادية احترقنا واكتوينا بنار الأكاذيب والقصص الملفّقة، لكن هل استفادت البلاد من كل ما وقع بالأمس ويقع اليوم…فأغلب ما يقال وما ينشر هو من وحي خيال البعض ولا يمتّ للحقيقة بصلة…
فالنهضة في حقيقة الأمر هي طرف فاعل وأساسي في ما يصنع من إشاعات، فهي التي تغرق بها المشهد متى تريد وكيف تريد…و النهضة تحتاج أحيانا إلى دغدغة مشاعر وعاطفة أنصارها بخلقها أكاذيب وقصص خيالية، عنها وعن بعض قياداتها، تثير بها شفقة أنصارها وأتباعها، و”تفضح” بها ممارسات خصومها من خلال كشف حقيقة هذه الأكاذيب بعد مدّة والحال أنها منْ صَنَعَ كل تلك الروايات والأكاذيب عن نفسها…وأظنّ أن النهضة اليوم وبعد عشر سنوات من الحكم خلف ووراء وأمام الستار تعلمت كثيرا وعرفت كيف تخرج من المآزق التي كانت سابقا تضع نفسها فيها…ويبحث خصومها اليوم عن وضعها فيها…قد يرفض بعض خصومها أو بعض من اختصوا في الكتابة عنها هذا الطرح، فهُم إلى يومنا هذا يصفون النهضة ومن فيها بالغباء، وهنا أسأل هؤلاء إن كانت النهضة بكل هذا الغباء الذي يروجون له ونجحت في الاستحواذ على تفاصيل الدولة، وحكمت البلاد دون أن تتورّط في تبعات الحكم، فماذا ستفعل لو وصفها من اختصوا في الحديث عنها صباحا مساء ويوم الأحد بالذكاء والدهاء السياسي؟
في هذا السياق أقول إن أغلب من يتابع ما يدور في حركة النهضة وما يصدر عن بعض قياداتها تجاهلوا تصريح سامي الطريقي لشمس أف أم وهي المرّة الثانية في ظرف سنة ونصف التي يشير فيها قيادي من النهضة لمثل ما أشار إليه سامي الطريقي…فحين يقول الطريقي” حركة النهضة منفتحة على جميع الخيارات و مستعدة للذهاب الى المعارضة” فإن ذلك يؤكّد أن النهضة قد تفعلها فعلا في قادم الأشهر، لو استنفدت كل الخيارات المتاحة للخروج من الأزمة الحالية دون أن يضرّ ذلك بجسمها الانتخابي والقاعدي، فهي اليوم تعاني وجعا كبيرا دون أن تكشف ذلك للرأي العام…وبسبب ذلك تفكّر النهضة جدّيا في ما بعد هذه العهدة وتبعاتها، فكل فشل سياسي وحكومي سيحسب عليها لو بقي الحال على ما هو عليه…فهي تدرك جيدا أن ساكن قرطاج أقنع الجميع بأن الغنوشي وضع المشيشي تحت ابطه وهرب به كما هرب طاهر بكرتي في أحد النصوص التي قرأناها في مراحلنا الابتدائية…والنهضة تدرك أيضا أنها لم تنجح في تدجين ساكن قرطاج فاختارت تدجين من اختاره للقصبة فلو نجحت في وضع ساكن قرطاج تحت ابطها لما ساندت المشيشي ولما دخلت حربا ضدّ سعيد مستعملة سلاح القصبة…
فهل بدأ الغنوشي يفكّر جدّيا كيف يتخلّص من الورطة التي يعيشها مع حركته؟؟ فهو لم يكن يتمنى أبدا أن يجد عبير موسي تحت قبّة البرلمان…ولم يكن يتمنى أبدا أن يفوز بنسبة مقاعد ضعيفة تجعله تحت رحمة توافقات لا يتمناها أبدا…ولم يكن يتمنى أن يكون ساكن قرطاج بكل هذا التعنّت…كما لم يكن يتمنى أن تفرض عليه نتائج انتخابات 2019 التحالف مع من كان يعتبر مجرّد الالتقاء معهم جريمة وخروجا عن أدبيات الحركة…الغنوشي تأكد أن هذه العهدة لن تكون مريحة أبدا وأن القطيعة مع ساكن قرطاج قد تصبح ابدية لو فشل في محاولة التقارب الأخيرة، فساكن قرطاج يريد “رأس” المشيشي قبل كل اتفاق يحصل بينه وبين حركة النهضة….والنهضة تدرك أنه بخروج المشيشي فإنها ستكون أمام خطر فتح جميع الملفات وتحمّل تبعات كل الفشل الذي صاحب عشر سنوات من الخراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي…كما أنها تدرك جيدا أن المحطة الانتخابية القادمة ستكون مقبرة للعديد من الأحزاب ومقبرة سياسية للعديد من الوجوه التي هرولت لتكون ضمن مشهد هذه العهدة…كما أن قياداتها على بينة من أن الجميع سيبحث بكل الطرق عن توريط النهضة في كل الخراب الذي تعيشه اليوم البلاد، ولن يكون بإمكان الغنوشي ولا رفاقه درء الأسوأ لحركتهم لو حافظت النهضة على واجهة الحكم شريكا بنصيب الأسد فيه…ولأن الشيخ راشد تعلّم كثيرا عن خصومه الكبار بورقيبة وبن علي و قائد السبسي رحمهم الله، فقد يذهب طوعا إلى الخيار المؤلم لحركته وقواعده بالابتعاد عن واجهة الحكم لتوريط البقية في تبعاته وخاصة خصمه المعلن والأهمّ والأخطر في هذه المرحلة: ساكن قرطاج، فهو الوحيد الذي يمسك بما يمكنه من بتر ساق النهضة والحدّ من حركتها …
يدرك الغنوشي جيدا أنه سيبقى في مرمى نيران ساكن قرطاج وعبير ما لم ينسحب من المشهد السياسي لهذه العهدة…فالانسحاب من المشهد والجلوس على الربوة والاكتفاء بالمعارضة هو الأمر الوحيد الذي قد يبعده ويبعد حركته عن مدى نيران قيس وعبير …فالبقاء تحت قصف مدفعية عبير إضافة إلى القصف العشوائي لبعض بنادق الصيد الأخرى والمتأتي من بعض الأحزاب القيسية نسبة لقيس سعيد ستكون تبعاته خطيرة وخطيرة جدا في قادم المحطّات الانتخابية…وسيجعل من عبير موسي حسب الغنوشي زعيمة للمعارضة وسيعيد من جديد شبح 2014 الذي جاء بقائد السبسي ومن معه إلى الحكم…فالاستقطاب سيتحوّل من استقطاب ثنائي إلى استقطاب ثلاثي وقتي في قادم الأيام لو اختارت النهضة الصعود إلى ربوة المعارضة…النهضة ومن معها …وساكن قرطاج وصبيانه…وعبير وفرضية نزول بعض الجالسين على الربوة إليها لو خفّضت من منسوب حدّة خطابها تجاههم وتجاه المنظومة السابقة …وهذا الاستقطاب الثلاثي سيفرض حربا أخرى ستدور رحاها قبل المحطة الانتخابية، وهي حرب عبير مع من سيحكم بعد النهضة وصبيها المشيشي، فعبير ستوجه قصفها إلى ساكن قرطاج ومن معه ظنّا منها أنها هي من كان وراء ابعاد النهضة عن المشهد…فمن يعرف عبير يدرك أنها لن تقبل بأن تكون شريكا لأحد بل تريد الزعامة لوحدها…ولن تنجح في الاستحواذ على الزعامة دون أن تُبعد ساكن قرطاج ومن معه من أم المعارك القادمة…فعبير تريد أن تكون خيارا بين خيارين لا خيارا بين عدّة خيارات…
أدرك الغنوشي بما يروّج له استباقا بعض قياداته من فرضية الصعود إلى ربوة المعارضة أن عبير موسي ليست الباجي رحمه الله، وقد تتحالف مع الشيطان ضدّه وضدّ حركته ومن معها، فعبير لن تترك الفرصة تمرّ لو نجحت في الفوز نسبيا بانتخابات 2024 …ولن تضع يدها في يد الغنوشي أو من سيخلفه على رأس الحركة فمجرّد التفكير في الأمر سيجعلها تخسر كل الرصيد الذي قد تكسبه من معركتها الحالية مع الغنوشي وحركته…ورغم أن هذه الحرب المعلنة من عبير ضدّ النهضة جعلت من قواعد وأتباع هذه الأخيرة تلتف حولها وحول زعيمها، فإن ذلك لن يمنع من أن تتحوّل عبير في قادم الأيام إن أصرّ الغنوشي على البقاء حاكما خلف وأمام الستار إلى الزعيمة الوحيدة للمعارضة والطرف الأخطر على حركة النهضة في قادم المحطّات…
أمام هذا الوضع الميؤوس منه بدأ الغنوشي في البحث سرّا وعلنا وترويجا وهمسا عن حلول لإنقاذ حركته من تآكل حتمي لو تمسكت بالبقاء في واجهة الحكم فهي ستكون مسؤولة أمام الشعب وأمام الجميع عن كل الخراب الذي مسّ البلاد منذ عشر سنوات ونصف، وسيجعلها الحزب الذي سيطالب الجميع برأسه لو أوصل البلاد إلى ما لا تحمد عقباه…لذلك نعيش هذه الأيام عمليات كرّ وفرّ بين الغنوشي ومن هم حول ساكن قرطاج بحثا عن خلطة جديدة تورّط الجميع مع النهضة في تبعات ما وقع وما سيقع فالغنوشي اليوم يفكّر بشعار “الشنقة مع الجماعة خلاعة” وهي الفرضية الوحيدة التي سيتقاسم فيها نتائج الدمار الذي أحدثته الحركة ومن معها بالبلاد في المحطّة الانتخابية القادمة، دون ذلك، ولو أصر على البقاء حاكما على القصبة ومن يسكنها سيتحمّل لوحده كل تبعات ما جرى، ولن يجد من يذهب إلى صناديق الاقتراع من أجله سنة 2024…
يدرك الغنوشي جيّدا أن بعض من هم معه اليوم في حزام حكومة المشيشي السياسي والبرلماني بدؤوا في البحث عن “عركة” يفكّون بها ارتباطهم بحكومة “الهشْ”…وتأكد من خلال بحث بعضهم عن تحقيق بعض المكاسب من تعيينات وترضيات لأنصارهم هنا وهناك أنهم سيغادرون المركب عاجلا أو آجلا قبل فوات الأوان…وسط كل هذا الذي يجري هنا وهناك بدأت بعض قيادات حركة النهضة تلمّح إلى إمكانية الانسحاب من الحكومة والبقاء في المعارضة…فهل تعني هذه التلميحات أن النهضة تفكّر جدّيا في الأمر…وهل يعني أنها بدأت تشعر فعلا بصعوبة الخروج من الأزمة واستحالة الوصول دون تآكل إلى المحطة الانتخابية القادمة…لكن لو انسحبت النهضة اليوم من الائتلاف الحاكم …هل ستسكت مدافع عبير عن قصفها؟؟ وهل سيقع تثمين ذلك الأمر من الدستوري الحر على أنه انتصار ساحق على الغنوشي ومن معه وهل سيكون هذا الانتصار الافتراضي كافيا لفوز عبير بالمحطة القادمة؟؟ والأهمّ هل سيتحمّل المشيشي ومشغّله ساكن قرطاج لو أصرّ على المواصلة دون حزامه السياسي والبرلماني كل أعباء الفشل القادم ؟؟ وهل سيكون ذلك بمثابة الانتحار لقيس سعيد ومن راهنوا عليه؟؟ فهل يفعلها الغنوشي ويهرب من نيران عبير وملامح الفشل المدمّر ويترك المشيشي وساكن قرطاج لمصيرهما صحبة من سيواصلون معهما تسيير شؤون الدولة والحكم؟؟؟ وهل ستقبل عبير بأن تكون في معارضة يجلس فيها إلى جانبها الشيخ الذي أعلنت عليه الحرب منذ دخولها البرلمان؟؟
عهدة غريبة عجيبة لا أحد يعلم كيف ستنتهي…فهل يغني أنصار عبير في قادم الأيام “شدّ شدّ الغنوشي هرب…” ؟؟ أم يتمتم الغنوشي سرّا…”أنا والنهضة وبعدنا الطوفان”….؟؟