وهْجُ نار

هل جاء سعيّد لإنقاذ البلاد … أم جاء ليستحوذ على حكم البلاد؟

نشرت

في

هل وقف قطار قيس سعيد في نصف الطريق…أم غرق في وحل الفخّ الدستوري…فالرجل ورّطه مستشاره ثم أكّد توريطه أحد أساتذة القانون الدستوري عبر ما صرحا به لإحدى قنوات “للاّ فاطمة”.

<strong>محمد الأطرش<strong>

فهما تحدثا عن تعليق العمل بالدستور نهائيا، والبدء في صياغة دستور جديد لجمهورية جديدة…ثم خرج علينا مولانا في قناة “للة فاطمة سكاي نيوز” ليعلمنا بإمكانية تغيير بعض فصول الدستور…وهو ما يعني أن سيدنا بدأ في حزمة التراجعات وقد لا تنتهي عند فصول بعض الدستور، فحقيقة الوضع والحكم كشّرت عن أنيابها في وجه سعيد ووقف يراوح مكانه لا يعرف أي طريق يسلك …فإن واصل سياسة الهروب إلى الأمام سيعترف ضمنيا أنه انقلب على الدستور واستغل أحد فصوله لفرض الحالة الاستثنائية، وقد تكون تبعات ذلك أكبر مما يتصوره وما ينتظره أنصاره، وقد يجد طريقة أخرى ليتراجع بها إلى الخلف، وحينها سيتورّط أكثر مع أنصاره ومع أتباعه وقد ينفضّ أغلبهم من حوله، وهو الذي فعل كل ما فعله من أجل أن يكسب ودّهم وينتصر بهم في الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، فالرجل لا يريد فقط التربّع على عرش البلاد كما يخيّل للبعض منّا، بل يريد أن يكون له حزب يكسب به المحطة الانتخابية القادمة ويكون سندا له في حكم البلاد…

فهل فعل قيس سعيد كل ما فعله فقط لأنه أدرك أن إضاعة الوقت لن تلعب لصالحه، وعليه استغلال غضب الشارع من الأحزاب المكونة للمجلس لينفّذ مخططه كاملا ويضرب بذلك سربا من العصافير بحجر واحد…فالرجل أبعد النهضة عن سدّة الحكم وأدخل الشكّ في صفوف أتباعها وتسبّب في انقسام كبير في أوصالها الحزبية، ونجح في خفض سرعة وتقدّم الدستوري الحر من خلال حرمانه من “قوته اليومي” مناهضة حركة النهضة، وأدخل الرعب في قلوب الجميع باتهام الجميع بالفساد، والأهمّ من كل هذا أنه وصل إلى أكثر من 90 بالمائة على سلم ريختر عفوا الزرقوني، وهي سابقة منذ تاريخ خروج بن علي لأداء مناسك الحج والعمرة وموته هناك رحمه الله…هذا ما قد يكون خطّط له مولانا…فهو يدرك جيدا أن كل إطالة للوقت وتأخير في وضع أسس برنامجه ومخططه سيكشف لأتباعه هشاشة مشروعه وضعف مردوديته على أنصاره، فهو الذي خاب ظنّه في جلب الموارد الكافية لإخراج البلاد من أزمتها، وهو الذي صُدم بحقيقة وضع البلاد اقتصاديا واستحالة إصلاح الأوضاع في ظرف زمني بسيط.

سقط كل ما خطّط له قيس سعيد في الماء لأنه جاء ببرنامج خلاصته منع الآلاف من السفر…ووضع المئات تحت الإقامة الجبرية…واستعمال أموال رجال الأعمال في إصلاح الأوضاع المالية للدولة بحجة استرجاع الدولة لأموالها…وحلّ مجلس النواب الحالي ووضع نصف نوابه في السجون بحجة الفساد دون أدلة واضحة  تورّط أغلبهم…وضرب الأحزاب والخصوم، لفسح المجال لحزبه أو حركته السياسية التي ستكون وراء خياراته دون أن يعلن ذلك علنا…قيس سعيد أخطأ أو ربما حوّلوا وجهته عمدا، فاختار خطاب الانتقام ونسي خطاب الأمل…فالرجل نظّرَ لعلاقة متشنّجة بينه وبين الشعب من خلال خطابه اليومي الذي لا يخلو من تهديد ووعيد…ونسي أن العبرة في السياسة بالأفعال…والأفعال تصنعها الأفكار…فالرجل لم يأت بخطاب تطميني يبعث الشعور بالارتياح، لدى كل مكونات المشهد السياسي والاقتصادي بالبلاد…فانقاد الى المزاج والعاطفة في صنع قراراته وكأن من نصحه قرأ حسابا لكل ذلك…ودرس شخصية قيس سعيد من كل جوانبها لتسهل عملية توجيهه وتحويل وجهته الى طريق لا تصل به بعيدا…

كل ما أتاه قيس سعيد اتسم بالتسرّع وعدم التروي و أغلب القرارات تم أخذها دون بحث معمّق، ودراية كاملة بجميع جوانبها وتفاصيلها…قيس سعيد لم يأت ببرنامج انقاذ البلاد بل جاء ببرنامج ليستحوذ على حكم البلاد، فأرهب الجميع وأخافهم …وكان مفعول الصدمة كبيرا على الجميع إلى درجة أن أغلب الفاعلين السياسيين ألتزموا الصمت لفترة طويلة ولم يستوعبوا حقيقة ما حدث …الصدمة نالت من صانعها أيضا فقيس سعيد يعيش إلى حدّ الساعة تحت مفعول الصدمة التي أحدثها وتحت مفعول أرقام الزرقوني الخيالية…كما أن الصدمة نالت من أنصار وأتباع  قيس سعيد إلى درجة أنهم انساقوا معه في حملة الشيطنة والاتهام بالفساد والدعوة إلى الإيقافات الشعبية، والمحاكمات والانتقام والثأر…

هكذا إذن جاء قيس ببرنامجه ومخططه ليحكم البلاد وحيدا مع من يبايعونه ويعلنون له الولاء…فلا هو فكّر في تحقيق طموح شباب البلاد…ولا في استكمال بناء مجتمع المعرفة…ولا إصلاح الاقتصاد والعمل على تأسيس اقتصاد جديد متين يوفر لجميع المواطنين جودة الحياة…ولا هو فكّر في العمل على بناء مجتمع خال من الأحقاد والضغائن والعمل على إيجاد مصالحة شاملة لا تستثني إلا من أجرم في حق العباد والبلاد…

فهل جاءنا قيس ببرنامج يؤسس للمستقبل وأجيال المستقبل…لا…هل جاءنا قيس ببرنامج يخرجنا مما نحن فيه… لا…هل جاءنا قيس ببرنامج يقضي به على البطالة التي أقضّت مضاجع كل العائلات التونسية من شمال البلاد إلى جنوبها… لا…هل جاءنا ببرنامج يفتح الأفاق لشباب تونس الجديدة… لا…هل جاءنا ببرنامج يجعل البلاد متماسكة اجتماعيا واقتصاديا… لا…هل جاءنا ببرنامج يعيد ادماج البلاد في محيطها الخارجي… لا…هل جاءنا ببرنامج يعيد الروح للشراكة مع دول حوض المتوسط ودول الجوار والاتحاد الأوروبي… لا…هل جاءنا ببرنامج يسمح لنا الاقتراب أكثر من الشقيقة ليبيا والمساهمة في إعادة إعمارها من خلال شبابنا العاطل والمحبط… لا…هل جاءنا ببرنامج لإصلاح بنيتنا التحتية من طرقات وطرقات سيارة وسكك حديدية وشبكات اتصال وتهيئة ترابية وعمرانية سليمة… لا…هل جاءنا ببرنامج نتقدم به أكثر على درب البناء الديمقراطي… لا…هل جاءنا ببرنامج لإذكاء روح المواطنة وتعزيز دور المواطن في البناء الديمقراطي محليا وجهويا ووطنيا… لا…هل جاءنا ببرنامج يدعم حماية حقوق الانسان ويضمن الحريات والعدالة… لا…هل جاءنا ببرنامج لاستكمال مجتمع المعرفة والانخراط في شبكة الاقتصاد الجديد… لا…هل جاءنا ببرنامج لتحديث الفلاحة وحماية مواردنا المائية … لا…هل جاءنا ببرنامج تضامني نستفيد منه زمن الأزمات…لا…

قيس سعيد جاءنا بعصاه ليخيفنا ويخيف أجيالنا القادمة…جاءنا بعصاه ليقول للجميع أنا مولاكم…أنا الزعيم…أنا الرئيس…أنا سيدكم …لكن هل يستفيق قيس سعيد من غفوته، أنسي أنه كذلك البهلواني الذي يمشي على حبل يرتعش لا يمكنه العودة إلى الوراء ولا مواصلة طريقه خوفا من السقوط…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version