لم اجد اشهى واحلى هديّة منّي لجحافل البلطي والنوردو وكافون وبقية اسماء هذه الطائفة الغريبة العجيبة مما يسمونهم ظلما وقهرا “فنانين” ..
انا لن الوم تلك الجحافل الجماهيرية التي تتخمّر مع كلّ هذه الاصوات المبحوحة والناعقة في جلّها بارذل الكلمات ..تلك الجماهير هي صنيع اعلام مجرم ومتآمر على الذائقة الفنية ..المي وحزني مهولان على هذا المنتوج الجماهيري الارعن …هذا ما قاله ذات سنة ابن القباني عند رحيل احد اعمدة الفنّ العربي ..اللبناني عاصي الرحباني …فهل سيفهمون ما قاله القباني ؟؟ لا اظنّ … لأنّ اعادة البناء اعسر الف مرّة من عمليّة الهدم
كتب الشاعر السوري الراحل نزار قباني في الذكرى الأولى لرحيل الموسيقي العظيم عاصي الرحباني و تحديداً في 6/8/1987: .
عاصي الرحباني
1- عاصي الرحباني هو آخرُ الأشياء الجميلةِ في حياتنا
هو آخرُ قصيدةً، قبل أن ندخل في الأميّة
وآخرُ حبةِ قمحٍ، قبل أن ندخلَ في زمن اليباس
وآخرُ قمرٍ، قبل أن تهاجمنا العتمة
وآخرُ حمامةٍ تحطّ على أكتافنا.. قبل زمنِ الخراب
وآخرُ الماءِ قبل أن تشتعل الحرائقُ في ثيابنا
وآخرُ الطفولة.. قبل أن تسرق الحرب طفولتنا
2- بهِ بدأَ الحبُّ، وبهِ انتهى
وبهِ بدأ اللونُ الأخضر.. وبهِ انتهى
وبه بدأ النبيذُ .. وبهِ انتهى
وبه صار بحر (أنطلياس) أعظم من المحيط الأطلسي
3- هو أعطانا الضوءَ الأخضرَ لنحبّ .. فأحببنا
وهو الذي شجعنا على أن نذهب لمواعيدنا .. فذهبنا
وهو الذي علمنا أن نكتب على ضفائر حبيباتنا .. فكتبنا..
وهو الذي غطانا بشراشف الحنان ..فنمنا
4- “على يديّ عاصي .. تحوّلت الموسيقى من مظاهرة ٍ.. إلى لغةٍ صوفيّة
وتحوّل الحبُّ من غزوةٍ بربريّةٍ .. إلى صلاة
وتحوّل الشعرُ من قرقعةٍ لغويةٍ .. إلى جملةٍ حضاريّة
وتحوّلنا نحنُ، من كائناتٍ ترابيّةٍ إلى ضوءٍ مسموع
5- لم يكن عاصي، حادثًا هامشيًا في حياتنا
كان جيلًا.. ومؤسسة.. وأكاديمية
وحادثةً كُبرى من حوادثِ التاريخ
ويوم يكتبون تاريخ الشجر
وتاريخ الدفلى والبيلسان
والقرميد الأحمر
وتاريخَ القرى اللبنانية التي جعلها عاصي الرحباني
أهم من باريس، ونيويورك، وسان فرانسيسكو
يوم يعلمون، بعد ألف سنةٍ في مدارسنا، أسماء الجبال في لبنان،