هل ما زال في ثوبنا ما يرقّع؟ أو: رئيس بملاحظة كسول لا يعمل
نشرت
قبل 3 سنوات
في
ما من شكّ في أن حالنا اليوم أصبحت مدعاة لكل شيء، للرثاء، للشفقة، للسخريةـ للشماتة و خاصة للاعتبار عند الشعوب التي تفكر في سلو ك المسلك الذي اتخذناه … و لا تغرّنّنا التسليات الفولكلورية التي نسمعها من هنا أو من هناك، من نوع التجربة الديمقراطية، و التجربة الوحيدة، و التجربة الناجحة … فهي مثل الخدع التي يستخدمها تجّار الخشب عند الإجهاز على غابة، أو باعة قطع الغيار المستعملة و هم يعاينون حادث مرور …
تجربتنا ماتت في مهدها و لا لزوم لمزيد المكابرة … ربما رأينا قليلا من الديكور الديمقراطي، و لكنه كان مثل طلاء أسترال على بيت متداعي الجدران مغشوش الأسس … لأن وصول الهوامش و معارضي الأمس إلى السلطة لا يعني بالضرورة تركيز ديمقراطية، ثم لماذا اختزال هذه في تعدد الأحزاب الخاوي معظمها، أو في حرية تعبير لا فضل لأحد فيها؟ … الديمقراطية الحق هي التي ترسي مؤسسات عادلة منتجة تتقدم بالبلاد و لا تتأخر بها، و هي التي تضع الأكفأ في التسيير و يظهر ذلك في النجاعة من عدمها … و لكن ما نراه هو العكس تماما، فإذا السياسي و الحزبي و المصلحي و الشخصي هو الذي يطبع كل شيء … و ها نحن نجني الثمر المرّ …
إذن لن نضيف جديدا إذا قلنا إن وضعنا اليوم بالغ السوء … حكومة تبحر حسب الرؤية (بالتعبير الفرنسي) بوصلتها الوحيدة هي الأيدي التي تمسك بسيقان كرسي رئيس الحكومة … تمنعه من السقوط و لكنها أيضا تعيقه عن الحركة أو تتحرك به كما تشتهي … و برلمان من الواضح أنه برلمان لكل الدول ما عدا تونس، و نائب عن جميع المصالح عدا مصلحة البضع عشر مليونا من المواطنين … و رئاسة جمهورية مصابة بداء التوحّد عندما تسمع ماسكها يتلو جمله المكررة بنفس النبرة و ذات النظرة، تقول هذا ليس معنا بل لعله يتلقى الوحي و نحن لا نعلم … مشاكلنا في واد و مشاكله في واد، نراه رئيسا و يرى نفسه رسولا بينما أفعاله أفعال صبيان في معركة حيّ …
حلقة مفرغة وقعنا فيها كما يقع الغريق المنكود في دوّامة مياه، كل ثانية نغوص أكثر … فهل من حل؟ طبعا و بالتأكيد … و قد سمعنا عددا كبيرا من العقلاء و غير العقلاء يتوجّهون إلى ثالث الأضلع (بل أوّلها دستوريا) أي رئيس الدولة … يخاطبونه، يكاتبونه، يناشدونه، يتوسلون إليه بأن يفعل شيئا … الذي يطلب منه حل البرلمان، و الذي يطلب منه إرسال الجيش، و الذي يطلب منه اعتقال الغنوشي و المشيشي و عبير و مخلوف و ذلك الذي غلّب على قلبي أسامة الخليفي !
بينما هناك آخرون أقلّ جنونا و أكثر احتراما للقانون يذكّرونه بصلاحياته المهمّة التي أسندها له الدستور و لكنه لا يلتفت إليها … منها تقديم مشروع لتعديل بعض الفصول العبثية في الدستور و القانون الانتخابي … خاصة تلك التي تذوّب الفوارق بين المسؤوليات بحيث صرنا لا نعرف من نعاقب و من نجازي … و أيضا تلك التي تعفي السلطات من أية رقابة، و تجعل كل المؤسسات سيدة نفسها، و مع المؤسسات الأفراد … و كم كثرت الحصانات في بلد صار مثل مركض خيل في سوق المقامرين …
تقول أنت حكومة تحمل حصريا يافطة الحزب الأغلبي فإن نجحت أعدنا انتخابه و إن فشلت أسقطناه؟ مثلا … تقول أنت برلمانا قاسية شروط الترشح إليه (مستوى علمي، تكوين قانوني أدنى، صحيفة سوابق نقية …) و لا حصانة لنوابه و لا قدرة لديهم على التحول من حزب إلى حزب؟ مثلا … تقول أنت أيضا قضاء مستقلا عن السياسة و المال و محميّا حماية مفاعل نووي؟ مثلا … تقول أنت إعلاما له عمادة مهنية تتحكم في الدخول إليه و الطرد منه وفق ميثاق حِرَفي و أخلاقي يستبعد الأحزاب و اللوبيات استبعادا كلّيّا؟ مثلا رابعة إلخ …
يمكن لرئيس الدولة أن يعدّ مشروعا في الغرض و يعرضه على الاستفتاء الشعبي … بإمكانه ذلك، ألم يقولوا إنه أستاذ الأساتذة في القانون و التشريعات و الدساتير؟ … و لكنه لن يفعل، و الله لن يفعل … فقد ذكرنا كل السلطات الواجب إصلاحها منذ قليل، و نسينا سلطة “المسؤول أمام الله” كما يردد دائما و كأنه أحد خلفاء الدولة الفاطمية … و بما أنه مسؤول فقط أمام الخالق لا أمام الشعب مثلما ينص الدستور، فلا حساب معه أو مع خصومه إلا … يوم القيامة …