وهْجُ نار

هل هي حرب استنزاف بين قيس والبقية؟ وهل تصبح بعض فصول الدستور قنابل عنقودية؟

نشرت

في

كم ستتواصل الحرب المعلنة بين سكان قصور الحكم؟؟ وهل ستهدأ الأجواء بين الفرقاء في قادم الأيام أو الأشهر؟ كلها أسئلة يرددها البعض هنا وهناك…لكن هل وصلنا فعلا حافة الهاوية، أم لا يزال الأمل قائما في إصلاح الأوضاع وإعادة الروح لمسار الإصلاحات بالجلوس حول طاولة واحدة؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

أظنّ أننا مقدمون على أكثر الأيام سوادا فساكن قرطاج يصرّ على مواصلة حربه، فكل خروج إعلامي له هو بمثابة الغارة على خصومه وآخر غارة كانت خلال تناوله مأدبة إفطار في الشعانبي، وخلالها استعمل ساكن قرطاج قنابل عنقودية لا أظنّ أن الأمور ستهدأ بعدها أبدا…فهل يمكن لكل هذه الأمور أن تهدأ أم أن البلاد ذاهبة إلى الشلل التام …وربما إعلان الإفلاس الذي يزعم البعض أننا لا نصل إليه في قادم الأيام أو الأشهر…

الغنوشي وحرب البقاء ساكنا لقصر باردو

ينتظر بعض المتابعين للشأن البرلماني بقية تفاصيل حرب البقاء التي يخوضها رئيس مجلس باردو، وقد وصل الأمر ببعضهم إلى التأكيد على أن أيام الغنوشي على كرسي باردو أصبحت معدودة…فهل ينجح التحالف الرافض لرئيس حركة النهضة في جمع الأصوات المطلوبة أم سيخسر رهانه للمرّة الثانية؟

الواضح أن التحالفات البرلمانية لسحب الثقة من راشد الغنوشي فشلت إلى حدّ الساعة في جمع المطلوب من الأصوات، والواضح أيضا أن الأمور لن تتطوّر كما ينتظره ساكن قرطاج، فالتحالف البرلماني الرافض لإنزال الغنوشي من على كرسي رئاسة البرلمان أثبت تماسكه أكثر من التحالف المطالب بإنزاله…والأخطاء التي وقع فيها ساكن قرطاج ومحاولات انقلابه المفضوحة على الدستور ورغبته الجامحة في الانفراد بالسلطة جعلت العديد من القوى البرلمانية تختار الابتعاد عن خيار الانضمام إلى التحالف الرافض للغنوشي…ورغم انضمامها للمطالبين بكرسي الغنوشي أخيرا فإن كتلة الإصلاح بقيادة حسونة الناصفي لن تغامر في آخر المطاف بالتصويت مع العريضة الساعية لإسقاط الغنوشي … فمصالح كتلة الإصلاح في بقاء الوضع على ما هو عليه أكبر بكثير من مصالحه لو وقع إبعاد الغنوشي عن رئاسة البرلمان…و تصويت الناصفي ومن معه على العريضة يعني تعريض الحزام الحكومي أيضا لخطر التفكّك…وهذا ما لا يمكن للناصفي القبول به…وهو يعلم أن النهضة لن تتمسك بحكومة المشيشي لو سقط الغنوشي من كرسي باردو فحينها سيكون الناصفي وكتلته أكبر الخاسرين…فالناصفي لن ينجح أبدا في جمع ما يمكن من الأصوات لإنقاذ حكومة المشيشي لو تخلّت عنه النهضة، فلا التيار ولا حركة الشعب ولا غيرهما سيكون معه في صفّ واحد للإبقاء على المشيشي وقد يلتقيان في هذه الحالة مع النهضة لو قررت التخلّي عن المشيشي…لذلك فإن التحالف البرلماني الداعم لبقاء الغنوشي على كرسي باردو سيكون المستفيد الأكبر من هذا الخلط الغريب والعجيب لأوراق المشهد السياسي…فبقاء المشيشي مرتبط أساسا ببقاء الغنوشي في مكانه…شعارهم جميعا “تخليني نخليك”….

المشيشي المستفيد الأكبر من الوضع الراهن…

يعتبر المشيشي أسعد سكان القصور الثلاثة، فهو الفتيل الذي أشعل الحرب بين قرطاج وباردو..فساكن قرطاج يبحث عن إبعاده من القصبة، وابعاد الغنوشي من باردو كلفه ذلك ما كلّفه…كما أن المشيشي على بينة من أن السبيل الوحيد لإخراجه من القصبة هي تقديم استقالته أو تخلّي الحزام الحكومي عنه، ويدرك أيضا أن الحزام الحكومي لن يغامر بمجرّد التفكير في سحب الثقة منه لأن ذلك قد يجعله يهدّد بورقة الاستقالة التي ستصبح فيتو يرفعه في وجه الحزام الحكومي لو فكّر في فكّ الارتباط معه، وستصبح أيضا ورقة ضغط على حزامه الحكومي لو أرغموه على بعض المراجعات أو التعيينات التي لا يقبلها في الوقت الراهن…فالاستقالة ستعيد العهدة الى ساكن قرطاج وهو ما لن يعجب بالتأكيد الحزام الحكومي الذي حاربه ساكن قرطاج بكل ما يملك من أسلحة حتى المحرّم منها سياسيا…لذلك فإن الحزام الحكومي الحالي سيقبل ببقاء المشيشي رغم الفشل الذريع الذي يصاحب عمل الحكومة ما لم يعلن ساكن قرطاج انهزامه رسميا وتخليه عن محاولة الاستحواذ على السلطة، ووضع يده على جميع مفاصل الدولة…كما أن الحزام الحكومي سيعمل كما عمل الناصفي وكتلته على إعادة الانتشار في مفاصل الدولة والتمكّن منها من خلال بعض المواقع الحساسة خدمة لمصالح حزبه وقواعده والأحزاب المكونة لكتلته…علما بأن المشيشي يدرك جيدا أن ساكن قرطاج لن يتراجع عن حربه وأنه سيواصل المحاولة حتى نهاية العهدة وقد يعلنها حرب استنزاف سياسية إن لزم الأمر، وهذا الوضع لا يقلق المشيشي في شيء بل يجعله في مأمن حتى اشعار آخر…

لسائل أن يسأل وهل تستفيد البلاد من وضع كهذا يا ترى؟ الإجابة في غاية البساطة ..لا…لن تستفيد البلاد في شيء من بقاء الوضع الحالي على ما هو عليه….فالمشيشي أثبت عدم قدرته وانعدام كفاءته للخروج بالبلاد مما هي فيه، لذلك حاول الاستعانة بمجموعة كبيرة من أصدقاء الدراسة وأحاطهم به في رئاسة الحكومة وفي بعض الخطط الحساسة من مفاصل الدولة، وقد يواصل هذا الخيار في قادم الأيام تحسبا من أي تغيّر في مواقف بعض الأطراف الداعمة اليوم لحكومته، كما أن المشيشي تفطّن لضعفه الفادح في تمرير خطاب إعلامي يعطي صورة اجمل عن حكومته ونشاطها فاختار التعويل على مفدي المسدّي لسدّ الثغرة الكبيرة التي أوقعت به في العديد من المطبّات، لكنه لم يقرأ حسابا لتاريخ الرجل (المسدّي) مع من جلسوا على كرسي القصبة سابقا، فالمسدّي لم ينجح في عمله اتصاليا كما يزعم البعض وأغلبهم من أصدقائه فسياسة تلميع الصورة والتعاقد مع شبكة واسعة من الملمّعين من المدونين ورجال الإعلام التي اتبعها المسدّي مع مشغليه السابقين فشلت وجاءت بنتائج عكسية رغم قيمة العمل الحكومي المنجز حينها، والدليل أن كل من عمل معهم المسدّي لا يزالوا يعانون إلى يومنا هذا من رفض جماهيري وإعلامي كبير وشيطنة غير مبرّرة من أغلب مكونات المشهد السياسي وهذا الرفض يعود أساسا للسياسة الاتصالية الرافضة للرأي المخالف التي اتبعها مفدي المسدّي…والتي استعمل فيها المسدّي العديد من الأسلحة المتاحة لتكميم العديد من الافواه التي تخالفه الراي…

كيف سيكون الوضع إذن؟

لن يتغيّر المشهد في قادم الأشهر وربما في قادم السنوات لو تواصلت الحرب بين القصور…وقد يلغي هذا الخلط العجيب الدور الحقيقي لمجلس النواب ليكتفي بالتصويت في قادم الاشهر على بعض المعاهدات والقروض والقوانين التي لا تعني المشهد السياسي …فالنهضة لن تلتقي أبدا مع التيار وحركة الشعب والدستوري الحر في أي تحالف ممكن…والتيار وحركة الشعب لن يلتقيا مع عبير موسي أبدا في أي تحالف أو ائتلاف ممكن…وقلب تونس لن يفكّ ارتباطه مع النهضة والائتلاف أبدا وسيكون هذا الثلاثي رافضا أية محاولة لانزال الغنوشي من كرسيه…وكتلة الإصلاح لن تقبل بأن تكون طرفا في تحالف برلماني لإسقاط حكومة المشيشي…لذلك لن تغامر بالتصويت على عريضة ابعاد الغنوشي…فالمجلس لن يفرز طرفا أغلبيا مهما كانت المتغيّرات والأحداث في قادم الأشهر والسنوات…أمّا الاتحاد فسيواصل حربه مرّة مع هذا الطرف ضدّ الآخر، ومرّة أخرى مع الآخر ضدّ هذا من أجل حوار وطني يجمع الجميع حول طاولة واحدة يجلس هو وسطها وأعلاها لغايتين…الأولى: خدمة لقياداته الراغبة في تعديل الفصل 20 من قانونه الداخلي فالحوار سيعيد الاتحاد إلى واجهة المشهد رغم أنه الجزء الأكبر من كل ما تعانيه البلاد اليوم ومنذ عشر سنوات…وهذه العودة قد تكسبه ثقة قواعده وتقبل بالتعديل ليواصل الطبوبي ومن معه الجلوس في مكاتب ساحة محمد علي لعهدة أخرى….والغاية الثانية: هي إعادة الثقة بينه وبين قواعده الغاضبة من مردوده منذ جلس على كرسي ساحة محمد علي…أما ساكن قرطاج فسيغيّر جميع استراتيجيات حربه من حرب شاملة ومعلنة بجيوش نظامية (التيار وحركة الشعب والبعض الآخر من اليسار) إلى حرب استنزاف تكون فيها بعض فصول الدستور بمثابة القنابل العنقودية….

خلاصة القول…لا أحد يفكّر في الشعب…ولا في المصلحة العليا للوطن….جميعهم يفكّرون بعقلية “أنا وبعدي الطوفان”…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version