جور نار

هل يعود تمثال الحريّة إلى أوروبا… مكبّلا بالأصفاد؟؟؟

نشرت

في

محمد الأطرش:

طالب منذ أيام نائب فرنسي في البرلمان الأوروبي بإعادة تمثال الحرية إلى فرنسا… واعتبر البعض هذه الدعوة والحملة التي أطلقها رافائيل غلوكسمان، استفزازية إلى ابعد الحدود… لكنها في نفس الوقت غير مبررة…

 ورغم كل هذا فإن إدارة ترامب نفسها، من خلال بعض التصريحات والمواقف المبدئية والقرارات التي صرّح بها ترامب، تعطيها بعض المصداقية والشرعية… علما بأن تمثال الحرية هو هدية من فرنسا للولايات المتحدة الأمريكية بمناسبة الذكرى المائوية لإعلان استقلالها… ويحتوي الاسم الكامل لذلك التمثال على السبب الذي من أجله قدمته فرنسا إلى الولايات المتحدة بمناسبة مائوية استقلالها، وهو “الحرية التي تنير العالم”… ويعتبر صاحب الدعوة إلى إعادة التمثال والذين معه، أن ترامب أطفأ نور تلك الحرية التي أهدت من أجلها فرنسا ذلك التمثال لبلاد العمّ سام… ترامب قرر تعليق وكالة التعاون “يوسايد” التي أسسها جون كينيدي منذ 64 عامًا… وهذه الوكالة كانت لفترة طويلة من أهمّ القوى الإنسانية القليلة التي تحسب على ما يُسمى “الإمبريالية الأمريكية”، لأنها كانت تقدم مساعدات إنسانية وتدعم التنمية في مئات الدول الفقيرة حول العالم، ففي سنة 2024 فقط، قدّمت الوكالة مساهمات تقدر بحوالي 72 مليار دولار…

إلغاء هذه الوكالة يعني إيقاف المساهمة والدعم للآلاف من البرامج والعقود في جميع أنحاء العالم… برامج وعقود كانت تهدف إلى توزيع الطعام، وتقديم الرعاية الصحية والتعليم، ومكافحة تهريب البشر… إضافة إلى تسبب هذا القرار في فصل وتعليق عمل الآلاف من الموظفين بشكل دائم…

وتقول منظمة “أطباء بلا حدود” التي تأسست على يد أطباء فرنسيين إن هذا القرار قد يقتل ملايين الأشخاص المصابين بفيروس الإيدز وغيرها من الأمراض الخطيرة، وقد تقتل أيضا الآلاف من الأطفال المصابين بالملاريا، واللاجئين والنازحين… فالمشهد الإنساني اليوم سيتغيّر في العشرات من الدول الفقيرة وفي كل مكان في العالم حيث كانت هناك لافتات تعلن للفقراء والمستضعفين أن “الديمقراطية الأمريكية” قد جاءت لمساعدتهم… هذه اللافتة لن تكون موجودة مستقبلا… ترامب ألغى كل عمل انساني كان يميّز أمريكا عن الكثير من الدول التي كانت تدعي الديمقراطية وترفع شعار حقوق الانسان… وقد يكون أغضب جون كيندي في قبره… هذا إن كانت طبعا نوايا الرئيس الراحل جون كيندي إنسانية بالأساس قبل أن تكون حاملة لنوايا استعمارية…

ويعتبر قرار ترامب ترحيل مئات الأجانب وطردهم من الولايات المتحدة سببا آخر من أسباب المطالبة بإعادة تمثال الحرية من بلاد العمّ سام غفر له… وقد تمّ نشر شريط قصير يظهر 250 فنزويليًا مكبلين بالأصفاد، يتم إجبارهم على الركوع ليتم حلقهم ثم اقتيادهم إلى الزنزانات منحنيين بزاوية 90 درجة… واعتبر هذا الشريط من كل مَن شاهده نوعا من الإذلال العلني… وقد قامت الحكومة الأمريكية بطرد هؤلاء استنادًا إلى قانون قديم يعود إلى أواخر القرن الثامن عشر حول “الأعداء الأجانب” (Alien Enemies Act)  وهو قانون يسمح باعتقال وترحيل أفراد مشبوهين (لكن لم يُدانوا قط) دون محاكمة، وذلك في حالة الحرب أو الغزو من قبل دولة معادية…

كما يعتبر قرار ترامب إغلاق “صوت أمريكا” و”راديو أوروبا الحرة “و”راديو آسيا الحرة” وهي محطات إذاعية بعضها تأسس سنة 1942 لمكافحة الدعاية النازية في أوروبا، سببا آخر في ما تقدّم به النائب الفرنسي… وقد كانت هذه المحطّات الإذاعية أداة إعلامية ونضالية حاسمة في الحرب الباردة من خلال وصولها إلى ملايين الأشخاص الذين كانوا يعيشون تحت الأنظمة التي تسيطر عليها الرقابة السوفياتية المستبدة… وكانت تبث بـأكثر من أربعين لغة وتهدف إلى جعل العالم أكثر حرية، من خلال تقديم الأخبار الموثوقة لأولئك الذين لم يكن لديهم مصدر لها… لكن اليوم والآن على تردداتها، يخيّم الصمت… وقد وصف مدير إذاعة أوروبا الحرة قرار ترامب بالهدية العظيمة لأعداء أمريكا…

قرارات ترامب لا رائحة للحرية فيها ولا تتقاطع ابدا مع الأبيات التي في اللوحة التي توجد أسفل تمثال الحرية… والتي تقول فيها إيما لازاروس، الشاعرة الأمريكية ذات الأصول اليهودية: “هلموا إليّ أيها المتعبون والفقراء، والجموع الحاشدة التواقة إلى استنشاق الحرية”…

فهل تعود الحريّة مكبّلة بالأصفاد إلى منزل أهلها باكية نادبة حظّها؟…

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version