جور نار

هل يقرأ حكامنا صحافة الدول الديمقراطية؟؟؟

نشرت

في

أسأل نفسي دائما هل يقرأ حكامنا صحافة الدول الديمقراطية وما تكتبه عن حكامها من نقد وسخرية سواء كانوا من صغار المسؤولين أو من هم في أعلى هرم السلطة…؟

<strong>محمد الأطرش<strong>

هل يريد حقّا حكامنا نحن شعوب الدول العربية، وهنا اعمّم ليس خوفا من التورط في الكتابة عن وطني تونس بل لأننا نحن العرب نتشابه في كل شيء تقريبا حتى في ما يقرأ حكامنا…وهنا اسأل أيضا هل يريد حقّا حكامنا أن نشعر في عهدتهم بأننا في بلد ديمقراطي حرّ يسمح لنا برفع اصواتنا ضدّهم وبأن نقول لهم لا …هل يريد حقّا حكامنا أن نفاخر بهم وبديمقراطيتهم وقبولهم الاختلاف، والراي الآخر والنقد حتى وإن كان ساخرا موجعا في حقّهم في شكل رسوم كاريكاتورية…وبأن نجاهر بمطالبتهم حتى بالرحيل إن فشلوا أو أخطؤوا وأفسدوا في الأرض…أليس نقدنا في صالح حكامنا وشعبنا ووطننا…ألا يكشف نقدنا مواطن الخلل في حكم حكامنا وطريقة تسييرهم لشؤون البلاد…؟ ألا ينبههم عمّا فشلوا وأخفقوا فيه حتى يعدّلوا ساعتهم على ما يجب فعله وإصلاحه…

لم يرتاب حكامنا من كل من يعارضهم ويكتب عنهم وينعتهم بالفاشلين، ومن يقول لهم أخطأتم والحال أنهم حقّا مخطئون…ويخطئون؟؟ هل يدرك حكامنا أنهم لن يخلدوا على كراسيهم وان يوم خروجهم سيحاسبهم الشعب، أولا بعدم التمسك بهم… وبنسيان عهدتهم وما جاء فيها وكأنها لم تكن…وثانيا بعدم التصويت لهم إن أرادوا مواصلة البقاء على كراسيهم…هل قرؤوا حسابا للحسابين حساب شعوبهم وحساب التاريخ…؟ ألا يريدون هم أن يذكرهم التاريخ بأمجادهم وما نجحوا فيه، وليس بفشلهم واخفاقاتهم وفسادهم واستبدادهم…؟؟ ألا يريدون حقّا ان يذكرهم التاريخ ويجازيهم الربّ على حسن افعالهم وعدالتهم في الأرض أم لا يهمهم الأمر أصلا؟ ألا يريدون ان يكتب عنهم النقاد كلاما يبقى شاهدا على نجاحهم وعدالتهم وما فعلوه من أجل أوطانهم؟

أكتب هذا اليوم بعد كل ما وقع للصديق توفيق عمران الذي لم ألتقه منذ حوالي ثلاثة عقود…ما ضرّ ساكن القصبة لو رسمه توفيق ولو ببعض من السخرية، ألم يرسم قبله وفي عديد المرّات ساكن قرطاج؟ فالكاريكاتور هو فنّ الإصلاح بالسخرية الراقية الهادفة التي تعوّض أحيانا مقالا أو حتى كتابا وإن كانت ساخرة وموجعة ومعبّرة وعديدة الايحاءات…ألا يذكر ساكن القصبة أن كل العهود التي سبقت وصوله إلى دار الباي كانت عامرة برسامي الكاريكاتور وعلى رأس جيلهم الأول العميد علي عبيد رحمه الله ومحمود الرباعي وحسن المشيشي، ثم جاء الجيل الثاني الذي تميّز بجرأته وافتكاكه لمساحة صغيرة من الحرية ومنهم الحبيب بوحوّال والشاذلي بالخامسة ومصطفى المرشاوي ثم كان الجيل الثالث الذي لا يزال بعضه يحاول التعايش مع المتغيرات التي وقعت بالبلاد ومنهم لطفي بن ساسي، عماد بن حميدة، عادل أمبيّة، توفيق عمران، رشيد الرحموني، حاتم بالحاج، عبد الرحمن بالخشين، توفيق الكوكي، منير الهادفي، وكنت منهم في الثمانينات وبداية التسعينات ـولم أحترف هذا الفنّ بل حافظت عليه هواية لا أكثرـ وغيرهم من جيل كان أمله كبيرا ان ينعم حقّا بما تعنيه الديمقراطية من حرية تعبير كلمة ورسما…وسخرية…فالكاريكاتور ساخر أو لا يكون…

ألا يعلم حكامنا وكل الحكام العرب أن رسام الكاريكاتور يكون عادة ودائما ضدّ السلطة باستثناء بعض من ولدوا من رحم السلطة كعلي عبيد رغم انه رسم كثيرا ضدّ السلطة أيام الهادي نويرة رحمهما الله…ألا يعلم حكامنا أن رسام الكاريكاتور لا ينقد ولا يرسم طمعا في الحكم أو انتماء لمعارضة بل لأنه خُلق ليعارض لينقد وليكشف الخلل والأخطاء…وليحاول الإصلاح بما يأتيه من سخرية مرسومة…وإن كانت موجعة في أغلب الأحيان…ثم في الخلاصة لماذا يخاف حكامنا اليوم في تونس وفي بقية الدول العربية من وجود معارضة تنافسهم في الوصول على كراسي الحكم؟ أيمكن لفريق كرة قدم أن يلعب ضدّ نفسه…ويفاخر بذلك أمام العالم وشعبه ؟؟

أكاد أجزم ان الناقد بقلمه ورسام الكاريكاتور بريشته يخدمان الحاكم بما يكتبانه ويرسمانه أكثر مما يضرانه، فهما بوصلته التي لا يدفع لها أجرا وهما المنبّه الذي يحذره من الخطأ ومواصلة الخطأ… فالناقد عموما هو مستشار للسلطة لا يتكلم همسا بل يرفع صوته دون مكتب ولا كرسي في قصور الحكم…ألم يدفع بن علي وبورقيبة غاليا احتكارهما للحكم والسلطة وعدم انفتاحهما على بقية مكونات الساحة السياسية؟ ألم تكن آخر أقوالهما ندما عمّا فعلاه وأوصلهما إلى ما وصلا إليه رغم كل ما قدماه لصالح الشعب والوطن ولا أحد سينساه لقرون وقرون…ألم تكن آخر أقوالهما “غلطوني…” و”فهمتكم…”…

أظنّ أننا اليوم في كل الدول العربية دون استثناء، في حاجة إلى إعادة الثقة بين الحاكم وشعبه ولن يكون ذلك بالتعتيم وكتم الأصوات المرتفعة، ورفض الرأي المخالف وتجفيف منابع المعارضة بجميع مكوناتها… بل يكون نقدا وإصلاحا وصوتا مرتفعا ورأيا صريحا والأهمّ من كل ذلك عندما يكون القاضي أقوى من” السلطان”، لا يهابه أو يفكر فى إرضائه. يحكم بالعدل والإنصاف بما يراه من أدلة وبراهين وحقائق ملموسة…

وأختم بأن أقول…أيدري ساكن القصبة أن أغلب رسامي الكاريكاتور هم من الفقراء…فكيف نطلب من فقير ان يصفّق للسلطة وهو المسجّل في دفاترها “معارض فقير على قيد الحياة”…وغدا حين يموت يقال عنه “عاش فقيرا ومات فقيرا…” ودفن في مقبرة الفقراء… 

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version