البندقية ـ مصادر
تزامنا مع عرض فيلمها “صوت هند رجب” ضمن المسابقة الرسمية في الدورة الـ82 من مهرجان فينيسيا السينمائي، كشفت المخرجة التونسية كوثر بن هنية، أن الدافع وراء تقديمها العمل، جاء بعد تأثرها العميق بنداء الاستغاثة الذي أطلقته الطفلة الفلسطينية هند رجب قبل استشهادها برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وأوضحت بن هنية، من حوارها لمجلة هوليوود ريبورتر، أن صوت هند ظل يلازمها، مما دفعها للتواصل مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني التي نشرت مقطعا من الاتصال للحصول على التسجيل الكامل. وتابعت: “حين استمعت للتسجيل، ما طاردني لم يكن فقط عنف ما حدث، بل أيضا الصمت بين الأصوات. كنت أستعد لإنجاز فيلم آخر، لكن كان عليّ أن أتوقف عن كل شيء لأروي هذه القصة”.
استلهمت كوثر بن هنية الفيلم من المكالمات الأخيرة للطفلة الفلسطينية ذات الأعوام الستة، التي علقت داخل سيارة في غزة يوم 29 يناير/كانون الثاني الماضي بعد أن قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بالدبابات عائلتها، وفقدت معظم أقاربها. وظلت هند على الخط مع طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني لأكثر من ساعة وهي ترجو إنقاذها، غير أن سيارة الإسعاف التي تحركت إليها استهدفت بدورها، مما أسفر عن استشهاد المسعفين الذين كانوا على متنها.
وبعد أن منعت كوثر بن هنية من دخول غزة، اختارت أن توصل ردها عبر السينما، فأنجزت عملا يدمج بين الوثائقي والدرامي، مستندة إلى تسجيل يمتد لـ70 دقيقة. تواصلت مع والدة هند للتأكد من رغبتها في مشاركة القصة مع العالم، قبل أن تسند أدوار المسعفين إلى ممثلين فلسطينيين، في حين أبقت صوت الطفلة كما هو من التسجيل الأصلي.
وتوضح بن هنية أن الفيلم التزم بدقة بما جرى، إذ استند إلى التسلسل الحقيقي للأحداث: تسجيل اللحظات الأخيرة للأقارب داخل السيارة، ثم رسالة العم التي تكشف بقاء الطفلة ذات الأعوام الستة على قيد الحياة، يليها نداءات هند المستمرة، وصولا إلى المكالمة الأخيرة للمسعف الذي كان في طريقه لإنقاذها. وتؤكد أن الهدف كان الحفاظ على صدق التجربة كما وقعت، مع الحد الأدنى من التدخل الفني.
وتقول المخرجة في حوارها لهوليوود ريبورتر: “كنت خائفة أن أخون صوتها، وأن يعجز الفيلم عن تكريم ذكراها”.
وتابعت: “هذا العمل يتمحور حول نداء استغاثة سمعه العالم ولم يستجب له أحد. إنه يواجه ليس فقط الصمت الذي قابل صرخة هند، بل أيضًا التواطؤ الواسع، بما فيها وسائل إعلام دولية، التي اكتفت بالمشاهدة دون أن تقدم العون للأصوات التي تنادي من غزة”.
وأشارت كوثر بن هنية إلى الثقل الأخلاقي في تصوير اللحظات الأخيرة لهند، ومؤكدة أهمية رفض الصمت والتواطؤ، قائلة: “على الأقل، مع هذا الفيلم، لم يتم إسكاتي”، فاستخدمت لغة الفن لتعبر عن مشاعرها الشخصية كي لا تكون متواطئة، كونها لا تملك سلطة سياسية وليست ناشطة.
وتعتبر المخرجة أن الخطوة الأهم تكمن في مشاهدة الفيلم نفسه، وأن دورها اقتصر على إنجازه، بينما يبقى استقباله بيد الجمهور. بالنسبة لها، مجرد أن يجد العمل من يشاهده يعد مكسبا في حد ذاته.
وعموما ترى أن النظرة إلى الرواية الفلسطينية لا تزال محاطة بالريبة، وهو أمر يتجاوز حدود فيلمها. وتعتقد أن هذا الوضع يجب أن يتغير، إذ من العبث أن يظل العالم بحاجة إلى تذكير بأن الفلسطينيين بشر، لهم مشاعر وأحزان حين يفقدون أحبتهم. وبالنسبة إليها، تكرار مثل هذه البديهيات يختصر حجم المأساة.
وردا على إمكانية فتح تحقيق في جرائم حرب ضد الضباط العسكريين المسؤولين عن القتل ترى، أن المأساة أعمق من حدود فيلم واحد، فبينما تروى قصة هند، يتواصل سقوط الضحايا في غزة بأعداد يصعب حتى تخيل المدة التي قد يتطلبها أي تحقيق جاد في كل حالة. تشير إلى أن قضية هند نفسها لم تُفتح بعد، وأن غياب الصحفيين عن الميدان يجعل الوصول إلى الحقيقة شبه مستحيل. ورغم ذلك يبقى الأمل قائمًا بأن يأتي يوم تتحقق فيه العدالة، لأن العالم بحاجة إليها.
وبينما يشارك الفيلم في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي، حيث يعرض الأربعاء 3 سبتمبر/أيلول.
وأعلن المركز الوطني للسينما والصورة في تونس قبل أيام اختيار الفيلم ليمثل تونس في فئة أفضل فيلم دولي في النسخة المقبلة من جوائز الأوسكار.
العمل من تأليف وإخراج المخرجة التونسية كوثر بن هنية، وقد حظي بدعم بارز من نجوم هوليوود منهم براد بيت، خواكين فينيكس، وروني مارا الذين انضموا إليه منتجين تنفيذيين قبل عرضه العالمي الأول ضمن فعاليات المهرجان التي انطلقت في 27 أوت/آب.
وشارك في التمثيل سجا الكيلاني، معتز ملحيس، كلارا خوري وعامر حليحل، والموسيقى التصويرية لأمين بوحافة.