جور نار

هنيئا للحارقين … ولا عزاء للمحروقين !

نشرت

في

يبدو انّ قدر جلّ التونسيين في هذا الزمن التعيس ان يكونوا امّا حارقين او محروقين … نعم لا خيار آخر .. الحارق هو من فئة الذين يئسوا من موته وهو شبه حيّ فاختار ميتة البحر علّها تنجّيه من ميتة الارض …وفي اللحظة التي يركب فيها موج البحر لا اراه الاّ مستحضرا بيت نزار قباني في قصيدته زيديني عشقا (زيديني غرقا يا سيّدتي انّ البحر يناديني ..زيديني موتا علّ الموت اذا يقتلني يُحييني) ..

<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

وبتعبير اكثر بساطة لسان حاله يقول وهو يقرّر الحرقة (تي انا ميّت ميّت) هذا الحارق هو من زاوية اخرى يمكن اعتباره اكثر سعادة من المحروق ..المحروقون في بلدنا هم (على كلّ لون يا كريمة ) فباستثناء تلك الفئة النكبة الفئة الكلبة من سياسيين لصوص ..ومن اعلاميين عار على عار ومن مرتزقة وفي كلّ القطاعات هذه الفئة التي لا ضمير لها ..لا حسّ وطني فيها ينبض بمواجع الوطن ..ميكيافيليّة الجينات (الغاية تبرّر الوسيلة) وقادرة على المشي على ارض معبّدة بالجماجم لتحقيق مآربها ..

بقيّة افراد هذا الشعب هم محروقون بدءا بحرقتهم على قوتهم اليومي وقوت اطفالهم وصولا الى المحروقين على وطن يضيع يوما بعد يوم بين انياب امّا حكّام برتبة سنة اولى تحضيري في العلوم السياسية، او ذئاب جُرّبت على امتداد عشرية كاملة ففشلت واغرقت البلاد في انفاق وظلمة، وبكلّ وقاحة مازالوا يبحثون عن مواقع على الخارطة ولم يستفيقوا يوما على حقيقتهم والتي هي ايضا من فئة المحروقين سياسيا …لولا وجود قطعانهم التي تُصرّ على وضعهم في مرتبة المبشّرين بالجنّة (وهذه المرّة بكسر حرف الشين لا بفتحه) ..ولولا كورال من الانتهازيين اسموا نفسهم بجبهة الخلاص وهم اقرب الى جبهة “الفلاّية” الصالحة لقتل القمل ولا شيء آخر .. ولولا خاصّة مَن منَحهم فرصة العمر يوم 26 جويلية 2021 أي ذلك القيس …

كان يومها “راسو راس الڨـول” ولا وجود لحارس مرمى اصلا ..ومع ذلك لم يحاول حتى اصابة الشباك ..بقي متفرجا على الجمهور يصفّق له ويهلّل باسمه ونسي تسجيل الهدف ..(شفتو اش معناها نحن محروقون ؟؟) وما نقوله في السياسة نقوله في الاعلام …اعلام لبس ثياب العهر وتحالف مع الشيطان (مع احترامي لنزر قليل) وباع رسالته بابخس وارخص الاثمان ..

نقوله ايضا في الرياضة وتونس على ابواب كأس العالم في قطر ..واصبح المحروقون منّا في موقع لا نُحسد عليه ..هل نتمنى الحظّ السعيد لفريقنا الوطني ام نرى في انّ خيبته ان كانت بنتائج كارثية قد تكون افضل فرصة لاعادة البناء على اسس سليمة بعد التخلّص من المنظومة ومولى المنظومة (من هنا تكوي ومن هنا تشوي) وفي كلتا الحالتين نحن محترقون .. محترقون على فلذات كبد هذا الوطن واساس بناء مجتمعه (المربّين وتلاميذنا الذين لم يبدأ عدّاد ساعة سنتهم الدراسية يشتغل) ….

في اليابان ياتي المعلّم في الدرجة الثانية في مرتّبه الشهري بعد الامبراطور ..وفي بلدنا يماطل الحاكم في تسوية اوضاع مربّينا ..رغم انّ كلّ مال الدنيا لا يساوي عظمة رسالتهم في بناء جيل الغد ..فكيف لا نحترق على هذا المربّي وهو اما محترق بشموس الصيف مع زملائه مطالبا بحقوقه الشرعية او هو محترق بزمهرير الشتاء كذلك الذي قدره ان يعيش بين الثلج وبين النار او واخيرا هو محترق بعبير اللاكريموجين، وذنبه الوحيد انه لم يحرق كعديد حاملي الشهادة العليا خارج الحدود ..

محترقون نحن في مدينة اصبحت الان عاصمة للمزابل والنفايات وتطمح للدخول في موسوعة غينيس لاكثر مدينة اُهملت من لدن السلطة المركزية في ابسط حقوقها: نظافة اليئة ..وهاهي تدخل منذ ايام في خانة الاحتراق الفعلي …نعم انها النار التي ارادت ان تاخذ نصيبها في المشهد لتُسوّد معالم المدينة ولتزيد على عفن المزابل شذى الروائح السامة ..انها صفاقس هيروشيما الان ..

الم اقل لكم انّ الحارقين قد يكونون اكثر حظوظا منّا نحن المحروقين ..؟؟

17 نوفمبر 2022

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version