تابعنا على

جلـ ... منار

واشنطن وحرب الإبادة الإسرائيلية… عظام ريغان وجثة بايدن

نشرت

في

في الـ”غارديان” البريطانية كتب مهدي حسن، الإعلامي الهندي/ البريطاني المعروف، يختصر مقدار التأثير الذي يملكه الرئيس الأمريكي جو بايدن لوقف المجازر الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة؛ على هذا النحو، الدراماتيكي من حيث الشكل، والمسلّح بواقعة فعلية من حيث المضمون: “السيد الرئيس، قُمْ بذلك الاتصال الهاتفي. أوقف هذه المجزرة”.

صبحي حديدي
<strong>صبحي حديدي<strong>

وحسن يفترض أنّ سيد البيت الأبيض يمكن أن يقتدي بسَلَف له في الموقع إياه، الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان؛ الذي راعته مشاهد القصف الإسرائيلي للعاصمة اللبنانية بيروت، فبادر بتاريخ 12 آب (أوت) 1982، اليوم الذي سوف يُسمّى “الخميس الأسود” لأنّ القاذفات الإسرائيلية نفذت غارات على مدار 11 ساعة متعاقبة، إلى الاتصال برئيس حكومة الاحتلال في حينه، مناحيم بيغين، وقال بالحرف: “مناحيم، هذا اسمه هولوكوست”. بيغين، بالطبع، ردّ هكذا: “أعتقد أنني أعرف معنى الهولوكوست” الأمر الذي لم يردع ريغان فأعاد التشديد على أنّ ما تشهده العاصمة اللبنانية هو “دمار وإراقة دماء لا حاجة لهما” ويتوجب وقف إطلاق النار؛ وهذا ما حدث بالفعل، إذْ غاب بيغين 20 دقيقة قبل أن يعاود الاتصال بالرئيس الأمريكي لإبلاغه أنه أمر أرييل شارون، وزير الدفاع الإسرائيلي يومذاك، بوقف الغارات على بيروت.

حسن ليس ساذجاً بالطبع، فهو أحد أمهر العارفين بطبائع الانحياز الأمريكي الأعمى خلف سياسات دولة الاحتلال، وإلى درجة التواطؤ على جرائم الحرب وتغذية المجازر الإسرائيلية بالسلاح والمال والمساندة الإعلامية والدبلوماسية وتسخير سلاح الفيتو. وهو، إلى هذا، يدرك جيداً أنّ قرّاء مقاله هذا ليسوا بالسذّج من جانبهم، أو على الأقلّ لم يتعودوا منه أن يستغفل عقولهم أو يستخفّ بركائز المنطق الأعلى الذي يحكم العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية. لكنه، في استعادة واقعة ريغان بصدد بيروت، لم يشأ إقلاق عظام الرئيس الأمريكي الأسبق الراحل، بالمقارنة مع الرئيس الحالي الحيّ/ المرشح مجدداً لولاية رئاسية ثانية؛ ولا حتى عقد مقارنة كوارث وحروب إبادة بين بيروت 1982 وقطاع غزّة 2024 (رغم تنويهه إلى أنّ ريغان تأثر حينذاك بمرأى طفل لبناني جريح، بينما أجهز الاحتلال الإسرائيلي على 12.000 طفل فلسطيني في قطاع غزّة حتى ساعة كتابة المقال).

في صياغة أخرى، للمرء أن يفترض وعي حسن التامّ، المسلّح بوقائع شتى خلّفها التاريخ حول العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية، بأنّ الركون إلى عظام ريغان يصعب أن يستنهض جثة بايدن، الهامدة أو تكاد في ممارسة أيّ تأثير ملموس لإجبار دولة الاحتلال على وقف إطلاق النار وتعليق حرب الإبادة ضدّ المدنيين الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ قطاع غزّة. ما يسوقه حسن، في المقابل، ولعله جوهر النبرة الإجمالية في مقالته تلك، هو دحض المزاعم الرائجة (على ألسنة صحافيين ومعلقين وأعضاء في الكونغرس) التي تقول إنّ البيت الأبيض لا يملك “رافعة ضغط” ملموسة وفعلية وفعالة لإجبار رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على القبول بوقف إطلاق النار. ذلك، من جانب آخر، لأنّ تلك المزاعم ليست أقلّ من ذريعة لتبرير المزيد من الاصطفاف الأمريكي خلف دولة الاحتلال، والحثّ على إرسال دفعات أخرى أضخم من السلاح والعتاد والأموال لتغذية حرب الإبادة.

لا يَلُوح أنّ الرئيس بايدن يقرّ بإنسانية كلّ الأطراف المتأثرة بالنزاع، إذْ وصف المعاناة الإسرائيلية بتفصيل واسع، بينما ترك المعاناة الفلسطينية غامضة، إذا كان قد تطرق إليها أصلاً

الحقيقة، يساجل حسن، أنّ “القائد الأعلى لجيش الدولة الأغنى في تاريخ العالم أبعد ما يكون عن العجز” وهو على شاكلة كلّ قائد أعلى قبله “يمتلك الكثير من الروافع”؛ وليس المرء في حاجة إلى تحكيم كبار رجال الدفاع والأمن في الولايات المتحدة للتأكد من هذه الحقيقة، وتدقيق مدى فاعلية هذه الرافعة أو تلك. خذوا بروس ريدل، الذي قضى ثلاثة عقود في المخابرات المركزية ومجلس الأمن القومي ونصح أربعة رؤساء؛ الذي يعتبر بوضوح تامّ أنّ “الولايات المتحدة تمتلك رافعة هائلة. في كلّ يوم نزوّد إسرائيل بالصواريخ، والمسيرات، والذخيرة، وما تحتاجه لإدامة حملة عسكرية كبرى مثل هذه التي تشهدها غزّة”. الأمر، مع ذلك، ينحصر في “حياء” الرؤساء الأمريكيين “إزاء استخدام تلك الرافعة، تبعاً لأسباب سياسية داخلية”.

وجهة ثانية يسوقها حسن، على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين أنفسهم، كما في مثال وزير دفاع الاحتلال يوآف غالانت الذي رضخ للمطلب الأمريكي بأن يكون إدخال المساعدات رديفاً لصفقة التبادل، وأعلن التالي في خطاب أمام الكنيست: “ألحّ الأمريكيون، ولسنا في موقع يسمح لنا برفض طلبهم. إننا نعتمد عليهم في الطائرات والمعدات العسكرية. فما المتوقع منّا؟ أن نقول لهم: لا؟”. بعد أقلّ من شهر كان العميد المتقاعد إسحق بريك قد ذهب أبعد: “جميع صواريخنا، والذخيرة، والقذائف دقيقة التوجيه، وجميع الطائرات والقنابل، كلها من الولايات المتحدة. وفي أي دقيقة تشهد إغلاقهم الصنبور، فلن نستطيع القتال. ولن تتوفر لنا القدرة. الجميع يفهمون أننا لا نستطيع خوض هذه الحرب من دون الولايات المتحدة. نقطة على السطر”.

والسؤال الذي يطرحه حسن، استطراداً، هو ما إذا كان بايدن يعبأ بالأرواح العربية أقلّ من ريغان؛ ويحيل الإجابة إلى ما نقلته مجلة “مذر جونز” في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، على لسان مسؤول سابق في إدارة بايدن: “لا يَلُوح أنّ الرئيس يقرّ بإنسانية كلّ الأطراف المتأثرة بالنزاع، إذْ وصف المعاناة الإسرائيلية بتفصيل واسع، بينما ترك المعاناة الفلسطينية غامضة، إذا كان قد تطرق إليها أصلاً”. بالطبع، ليس لأنه صاحب المقولة، الركيكة المكرورة المتكاذبة، بأنّ المرء لا يحتاج أن يكون يهودياً كي يصبح صهيونياً، فحسب؛ أو لأنه القائل، منذ بدايات انتخابه في الكونغرس، بأنّ دولة الاحتلال هي الاستثمار الأمريكي الأهمّ، ولو لم توجد لتوجّب على أمريكا أن تخلقها، فحسب أيضاً؛ بل أساساً لأنّ علائم الخرف الذي تجعله يخلط بين رئيس المكسيك ورئيس مصر هي محاذية لبواعث الانحياز الأعمى التي تجعله يصادق على المزاعم الإسرائيلية حول مستشفى المعمداني أو قطع رؤوس الأطفال الإسرائيليين.

بين مهاتفة ريغان مع بيغين، واضطرار بايدن إلى استخدام شتيمة حروف الـF الأربعة الشهيرة في وصف نتنياهو داخل حديث المجالس، ثمة 42 سنة من اعتناق رؤساء الولايات المتحدة معدّلات في السياسة الإسرائيلية لا تقلّ عن تسعة أعشار؛ وثمة مئات مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية، والأسلحة عالية التدمير والتخريب والإبادة، وعشرات الحالات في استخدام حقّ النقض لتعطيل أيّ وكلّ مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يمسّ دولة الاحتلال. ولعلّ الأصل، الذي فاتت حسن الإشارة إليه، هو أنّ بايدن كان ضمن أعضاء الكونغرس الديمقراطيين الذين أيدوا غزو العراق سنة 2003، ولا يبدّل من تبعات موقفه أنه أبدى الندم عليه لاحقاً. ما لا يصحّ أن يُفوّت، كذلك، هو حقيقة أنّ بايدن يظلّ رجل وول ستريت المخلص والمدافع الشرس عن مصالح والشركات الكبرى والرساميل العملاقة الأكثر شراسة ضدّ المجتمع، وسجلّه في هذا حافل ومذهل؛ يتصدره تعاونه مع عتاة الجمهوريين لإقرار قانون إساءة استخدام مبدأ الإفلاس، الذي كفل للشركات الكبرى منافذ تهرّب عديدة ومنعها عن ملايين المواطنين المشتغلين بالأعمال الصغيرة.

وهكذا، إذا كان استدعاء عظام ريغان حول بيروت، لا يساوي بالضرورة التنقيب عن مظاهر حياة في همود جثة بايدن بصدد قطاع غزّة؛ فإنّ ما ارتكبته دولة الاحتلال وتواصل ارتكابه من هولولكوستات متعاقبة لا يتغير جوهرياً، بقدر ما يتعدد ويتكرر وتتضاعف أفانينه الوحشية والهمجية.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جلـ ... منار

موجات

نشرت

في

وفاء سلطان:

مضى على وجودي في أمريكا 36 سنة.

لم أدخل يوما مطعما إلا وتركت للنادلة بخشيشا يفرح قلبها وفوق تصورها.

وفاء سلطان

معظم الذين يخدمون بالمطاعم في أمريكا هم طلاب جامعات ليسدوا مصروفهم، فلقد اشتغل أولادي في المطاعم أثناء جامعاتهم وأعرف كم كان البخشيش هاما بالنسبة لهم.

إلا البارحة قررت أن لا أترك لها سنتا، لكن زوجي رفض القرار وقال كعادته: حرام!

(نعم هو ألطف مني في هكذا مواقف)

أوقح نادلة رأيتها في حياتي، تخبط الصحون على الطاولة وكأنها خرجت لتوها من معركة مع زوجة أبيها.

ضبطت أعصابي بشق الأنفس

لقد اعتدنا ان نفتح حديثا مع من يخدمنا في المطاعم حتى نعرف حياته من ألفها إلى يائها،

ولكن هذه النادلة لم تترك لنا مجالا لنقول: شكرا!

نحن نذهب إلى المطعم ليس من أجل الأكل فقط، بل لتغير الجو وتحسين النفسية، وعندما تقارب الفاتورة المائة دولار وتلقى هكذا معاملة تصاب بالإحباط

حسب رأيي خدمة الزبائن في أمريكا أفضل من أي بلد في العالم زرته، ولنفس السبب لم أحب دول أوروبا!

القاعدة العامة في أمريكا تقول: يجب أن تتعامل مع الزبون كما لو كان دوما على حق!

لو كانت ابنتي محلي لقالت: ماما ارجوكِ سامحيها، لا أحد يعرف كيف كان يومها

هذا صحيح، ولكن على من يشتغل في المرافق العامة وخصوصا المطاعم أن يكون لطيفا تحت أي ظرف!

الحياة لا تعاش إلا ببعض التنازلات، وعندما يتعلق الأمر بعملك يجب ان تتمتع ببعض القدرة على إخفاء آلامك الشخصية ولا تنقل طاقتك السلبية لغيرك!

طاقة كل إنسان تشدّ أو تحجب عنه رزقه، وذلك حسب طبيعتها

كنا ندفع على الأقل 20٪؜ من قيمة الفاتورة، لكن بعد تراشق بالنيران وشد شعر ترك لها زوجي مبلغا، وأنا أتمتم: يا خسارة

فالسلوك الذي يُكافأ يتكرر!

أكمل القراءة

جلـ ... منار

أناقة ما بعد السبعين

نشرت

في

وفاء سلطان:

في الثمانينات من عمرها.

أحنى الزمن ظهرها قليلا، لكن روحها مازالت تعانق السماء.

وفاء سلطان

التقينا في المكان المخصص لعربات التسويق على باب أحد المحلات.

وبينما هي تسحب عربتها التقت عيوننا فصبّحت علي.

رددت التحية، وتابعت: تبدين جميلة جدا، إذ من النادر أن ألتقي بامرأة بهذه الأناقة والترتيب!

فعلا الحياة الأمريكية العملية أنستنا الكثير من أصول الأناقة والتزين.

إلى حد ما، تعجبني هذه العفوية في أمريكا،

فلقد خففت عنا نحن النساء مهمة التبرج كل صباح، وزادت ثقتنا بأنفسنا.

لكن من ناحية أخرى، من الجميل أن نحافظ على أناقتنا ومظهرنا طالما لا نبالغ

نعم لا نبالغ، فلقد أصبحت الكثيرات من النساء اليوم نسخا متكررة من لعبة باربي:

قشرة من الخارج وفراغ من الداخل

المهم، أشرقت ابتسامتها حتى أضاءت وجهها المهندس بطريقة فنية غير مبتذلة، وقالت بعد أن وضعت يدها على كتفي:

حبيبتي كل سلوك تتقنينه عادة، فمتى تعلمتِ عادة تصبح طريقة حياة

ثم تابعت:

منذ سنوات مراهقتي لا أخرج من البيت حتى أتأكد من أنني أسر الناظر إليّ، فمظهرنا الخارجي يعطي الانطباع الأول

أكدت لها أنها فلسفتي كذلك، وتمنيت لها يوما جميلا

أكمل القراءة

جلـ ... منار

من عياش إلى السنوار… “دوري” الإرهاب الصهيوني

نشرت

في

صبحي حديدي:

اللجوء إلى منهجيات المقارنة يقتضي، بادئ ذي بدء ربما، اعتماد درجة الحدّ الأدنى من التكافؤ أو التناظر تارة، والتفاوت والتنافر تارة أخرى، بين مقارَن وآخر؛ الأمر الذي تتضاعف اشتراطاته، ومشاقّه استطراداً،

صبحي حديدي

إذا كانت المقارنات تخصّ البشر عموماً، وفي ميادين مثل الأخلاق والنفس والسياسة والعقيدة خاصة. فليس من اليسير، في يقين هذه السطور، وضع قياديي “حماس”، ممّن استهدفتهم آلة الإرهاب الإسرائيلية في مواقع شتى وسياقات زمنية وسياسية مختلفة، على محكّ تقييمٍ مقارَن واحد أو متماثل؛ حتى إذا كان تسويغ هذا الخيار ينطلق من مبدأ المساواة، ضمن معايير سياسية أو عسكرية أو إيديولوجية، إيجابية أو سلبية، متَّفق عليها أو محلّ اختلاف. وحتى، أيضاً وربما قبلئذ، إذا ارتكزت المقارنات على مسلّمة ابتدائية وناظمة تضعهم، أجمعين، في خانة مقاومي كيان استعماري عنصري استيطاني فاشي المكوّنات وأبارتيديّ المسارات.

ثمة، بذلك، مقادير متقاطعة عليا من التكافؤ في مصائر الاستهداف الإسرائيلي لأمثال يحيى عياش (المهندس) والشيخ أحمد ياسين وصلاح شحادة وعبد العزيز الرنتيسي وسعيد صيام وصالح العاروري وجميلة الشنطي وإسماعيل هنية ويحيى السنوار؛ وثمة أيضاً، وفي المقابل الموضوعي أو الضروري، مقادير متقاطعة دنيا من التباينات الناجمة أصلاً عن الوظائف والدلالات والمصائر. طرائق النَيْل من المهندس أو السنوار، ليست مثل اغتيال الشيخ ياسين (قعيد الشيخوخة) أو هنية (النائم في فراشه)، والفارق لا يخفى بصدد الآخرين.

غير منتفاة بالتالي، بل هي ضرورة سياسية ومبدئية، مسألة التشديد على قاسم مشترك أوّل هو إرهاب الدولة الإسرائيلي بوصفه شكل تنفيذ هذه الاغتيالات، وإرهاب الدولة الصهيوني بوصفه المضمون العقائدي الذي يحرّك الدوافع من قلب “فلسفة” عتيقة ترى في الفلسطينيّ تهديداً وجودياً في ذاته وبذاته. وأياً كانت تفاعلات الشكل مع المضمون فإنّ توحّش إرهاب الدولة يلجأ، دون إبطاء، إلى إخراج الجغرافيا من المعادلة: “المهندس” ابن سلفيت في الضفة الغربية، متساوٍ مع السنوار سليل مجدل عسقلان المحتلة سنة 1948، وكلا الفلسطينييَن في خانة واحدة مع محمد الزواري… التونسي!

وليس عجباً أنّ الليكودي أرييل شارون كان مهندس اغتيال الشيخ ياسين؛ و”حكيم” حزب العمل، شمعون بيريس، كان الآمر باغتيال عياش؛ والليكودي الثاني نتنياهو كان على رأس حكومة الاحتلال يوم استشهاد السنوار. وليس من باب العجائب أنّ الثلاثة كانوا مجرمي حرب بامتياز، كلٌّ على طريقته وأفانين إجرامه، وأنّ تكوين دولة الاحتلال ظلّ ينحطّ من هاوية عنصرية إلى أخرى فاشية.

والحال أنّ منهجيات المقارنة الكلاسيكية ذاتها قد تعيد إنتاج مواضعاتها المألوفة، بين ماضي 1996 وحاضر 2024، على أصعدة حاسمة تخصّ ما هو عميق ومحوري في معمار “حماس” السياسي والعسكري والعقائدي. ذلك لأنّ أغراض الاحتلال من وراء اغتيال “المهندس” انقلبت ضدّها حين أفقدت قيادات “حماس” بعض ذرائع الاعتدال، وانتظار استكمال الانتخابات بوصفها الاستحقاق السياسي الفلسطيني الأبرز في ذلك الطور، وأفسحت المجال أمام انعتاق الحرج الآخر الذي كان يكبّل فصائل عز الدين القسام ويشلّ عملياتها.
وليس استشهاد السنوار ببعيدٍ، اليوم، عن منطق تطوّر مماثل تُضاف إليه اعتبارات عديدة فرضتها سيرورات “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة الإسرائيلية ضدّ قطاع غزّة؛ إذْ قد يقبل امرؤ أنّ غياب السنوار عن المشهد الميداني في قلب المعركة المفتوحة يمكن أن يوجع المقاومة، وقد يساجل امرؤ آخر بأنّ الغياب ذاته قد يكون عتبة الوثوب إلى مراحل انتقال ليست أقلّ استكمالاً لتلك التي دأب عليها القائد الغائب.

“دَوْري” إرهاب الدولة الصهيوني تتعاقب فصوله، إذن، ولكن ليس من دون تبدّلات تقلب السحر على الساحر الإسرائيلي؛ كأنْ يفوّت السنوار على الكيان فرصة “اقتناص” على شاكلة شيخ في كرسيّ متحرّك، أو قيادي نائم في فراش.

ـ عن “القدس العربي” ـ

أكمل القراءة

صن نار