جور نار
ورقات يتيم … الورقة رقم 12
نشرت
قبل سنة واحدةفي

اذا كان لي ان اصف السنة الاولى من تعليمي الثانوي بمعهد الحي فيمكن ان اضعها في توصيفة: سنة العبث الطفولي …دعوني اولا اصف لكم حالتي وانا الذي عاش تحت جلباب امه كل سنواته في الابتدائي، لان الوالد كان كثير الغياب عن العائلة بسبب اشتغاله بالبناء في ارجاء عديدة من البلد …

كنت ببساطة لا اعرف من الحياة عموما سوى الدراسة في المدرسة بساقية الزيت وبواد القراوة او اللعب في الحوش وضواحيه القريبة … واد القراوة الذي كم احببته وفي كل مرة ازوره او يزورني، أزداد عشقا له عشق المجنون بأجمل ايام عمري في ذلك الواد …هو لا شيء بالنسبة لكل الذين يعرفونه …ولكنه واد عميق عندي باشيائه البسيطة بحلوى “_لركوز” وهذا اسم بائع الحلوى الذي يمر بوميا بالوادي ليهبّلنا بحلواه البسيطة والتي لا يعرف سر صنعتها الا هو …رغم انه في الاخير لا تتجاوز بعض مكونات الحلوى عموما “طرف فارينة وطرف سكر” … ولكن بنكهة غريبة في متعتها… وصادف ان شاهدته والدتي مرة فكان ان استغربت من تعلقنا به وبزمارته التي يعلن بها عن قدومه وقالت: عجب تنجمو تاكلو الحلوى من عند هذا لركوز اللي يقزز ؟؟؟ وهي كانت صدقا محقة في وصفه لانه لم يكن يعتني مطلفا لا بهندامه ولا بنظافة وجهه ويديه شبه السوداوتين وسخا … ولكن اليست للقلب اقداره حتى في الحلوى وفي بائعها والقطعة منها انذاك كانت بمليم واحد …
امي والعديد منا على الاقل في ذلك الزمن لم نفهم بعض اسرار الحياة ومن ضمنها الاقدار … وهنا اسأل هل يستشير البرعم احدا قبل ان يبرز من غصنه للوجود ؟؟؟ او وعلى طريقة نزار الكبير …هل يستشير النهد الغلالة قبل ان يتكور ..؟؟؟ .زايد اقدار …الواد ايضا كان كوشة بوقطاية بضحكة صاحبها الدائمة رحمه الله، وبرفقة كل تلميذات مدرسة البنات واللاتي اختلطن بنا نحن عافلي القوم كتلاميذ منتخبين من “مكتب السوري” (الحبيب بورقيبة حاليا) … وكان الواد أيضا ذلك المعتوه فرج الذي يطوف يوميا بالوادي الف مرة بلباسه الافغاني البريء لا ذلك اليوم اصبح عنوانا للتفجير والتدمير والترهيب …وهو يعيد جملة لم ولن نفهمها لا لانه مات رحمه الله بل لانه هو ايضا لم يفهمها يوما …كان يتكلم بلغة اشبه بالصينية … يتمتم بعض الكلمات ويختمها بـ “في هذه الليلة” … اية ليلة ؟؟ .. هل له ليلته وليلاه ..؟؟؟ انه مجنون القرية وما اجمل مجانين القرى واتعس مجانين المدن بكل اطيافهم السياسية و والغبية …
مجنون القرية هو شخصية هامة في المؤلفات وهو الذي اصبح في السينما شخصية بارزة في عديد الافلام ليمثل دور الحكيم ويؤكد اننا نحن هم المجانين وهم فقط العقلاء … وكمثال على تلك الاعمال الفنية التي تنطلق من المجنون الى العقلاء _يوسف شاهين في باب الحديد كممثل لدور المجنون علاوة على انه مخرج الفيلم °(قناوي العاشق المجنون لهنونة) و الذي ابدع فيه ايما ابداع فنال عشرات الجوائز العالمية على اتقانه لذلك الدور … سيتقدم بكم العمر وربما تتيقنون مثلي ان المجانين هم اسعد السعداء … في عالم اصبح فيه العاقل منا اتعس التعساء … لولا ايمانه بالاقدار … تصوروا فقط هذا الكائن البشري الذي سموه “عبدالكريم” يغادر الابتدائي الى المدينة و اضواء المدينة (على عنوان رائعة الفلتة السينمائية شارلي شابلن) واذا اردتم لمن تستهويه الاغنية الشعبية “ضايع في الطريق” نعم تمام الضياع …
مدينة صفاقس داخل اسوارها وخارجها لم اكن اعرف عنها شيئا بتاتا ومن عيوبي وكم هي كثيرة كما ستكتشفون … اني لا اكتفي في كل مجالات حياتي بالمعرفة العابرة… انا كنت ومازلت وسابقى اهتم بتفاصيل التفاصيل ..لانه ترسبت وترسخت لديّ قناعة مفادها انه حتى تلك التفاصيل البسيطة والبسيطة جدا هي التي تصنع الفارق في المعرفة وفي المتعة بالمعرفة وبالتالي المتعة بالحياة .. كنت ادرس يوميا بمعدل يتراوح بين ست وثماني ساعات مع راحة يومية من منتصف النهار الى الثانية بعد الظهر . .للغداء… وما ان تدق ساعة منتصف النهار من خلال منبهها بالمعهد في صرخة مدوية هي اشبه بانذار عسكري لحدث ما (كانت تفجع صدقا)..كنت وبعض اترابي نهرول من الحي طريق العين مرورا بقنطرته العالية .. وتحتها اناس لم نعرف عنهم وعن افعالهم شيئا الا في المرحلة الثانية من التعليم الثانوي (كبرنا شوية وصرنا نعرف حاجات يعني) عرفنا انهم شلة المزة (الخمر)وشلة اللواط، وشلة النوفي والقمار …
كنا نهرول في اتجاه باب الجبلي وبالتحديد للمطعم الخيري انذاك (والذي اصبح الان عمارات وبناءات امام صفاقس الجديدة)، لنتناول غداءنا مجانا تماما كركوبي في حافلة النقل باعتبار شهادة الفقر الذي يمدنا بها الشيخ خليفة غربال رحمه الله …و كلمة شيخ تعني العمدة في ذلك الزمان .. كفقراء يتمتعون بالغداء و بركوب الحاافلة مجانا مرتين في اليوم … الحافلة كانت تابعة لتعاضدية النقل انذاك والخاصة بطريقي المهدية وسيدي منصور، حمراء وبيضاء اللون بينما تتكفل شركة النقل بصفاقس (الجهوية للنقل الان) ببقية الطرقات صفراء وخضراء اللون … وككل المطاعم المدرسية انذاك كنا نتفنن في الاعراب عن غضبنا من نوعية المأكل بضرب السكاكين على الطاولة … وباصوات مزعجة جدا ولكن العبث احيانا لا يزعجه حتى الازعاج … و الغريب في احتجاجنا ان المليح فينا “عمرو ما كلا لوبية باللحم” …هكذا كنا نسميها لا مرقة لوبيا او مرقة جلبانة …او مرقة بطاطة … هذه تسميات عرفناها من بعض تونسيي العاصمة الذين اغرونا بها فتعلق بها البعض موضة وافتخارا بانتمائه الى تسميات العاصمة، بينما العديد وانا اولهم لم اطلب يوما من امي او زوجتي مرقة بطاطا …
انا اعشق شكشوكة باللحم او لوبية باللحم وخبز شعير ومرقة وحتى الموبيلات الزرقة …ولست ادري كيف لأولئك الذين تفرنسوا او تتونسوا ان يتخلوا عن جلدتهم، خاصة ان كلمة مرقة تعني لدينا في صفاقس كل اكلة اساسها “الحوت” (السمك) … واجمل الاغاني التي تتغني بها صفاقس ثلاث: سيدي منصور ومريقة صفاقسية واضيفت اخيرا مياموري… اذن تصوروا مرقة اي حوت بالجلبانة (مرقة جلبانة) … هم تماما مثلهم كذلك الغراب الذي اراد ان يتزين بريش اخر ففقد شكله وشكل الاخر … وهنا علينا جميعا ان نعتذر للغراب الذي الصقت به عديد التهم الغبية كهذه وكتلك التي يروونها عنه في “الغراب والثعلب”، والحال ان كل الدراسات العلمية تؤكد انه من اذكى الطيور وحتى الرحمان اختاره كوسيط ليرشد قابيل إلى دفن هابيل … فهل يختار الرحيم طائرا غبيا ليري قابيل كيف يواري هابيل التراب ؟؟؟
غداؤنا في المطعم لا تتجاوز مدته الخمس دقائق نلتهم فيها ما يقدّم الينا سواء اعجبنا او تظاهرنا بالاحتجاج …وكأن الاحتجاج من جينات التونسي منذ ان خلق …بعد ان نكون قد قضينا ربع ساعة اخرى في الطابور في انتظار ان ياتي دورنا … بعدها نغادر ..الى اين …؟؟؟ بعضنا لحافلات النقل العمومي المنتصبة بباب الجبلي لاستراحة قليلة يتلهى فيها بقرطاس “ڨليبات” في انتظار العودة الى الحي، والبعض الاخر يتسكع في المدينة وانا اولهم …اولا كنت لا املك دانقا واحدا في جيبي لا للقلوب ولا لغيرها (وربما ذلك سر تعلق قلبي بالقلوب عندما ترعرعت قليلا، القلوب الادمية اعني) … ثم كنت اريد اكتشاف مدينتي نهج نهج دار دار زنڨة زنڨة … وكان لي ذلك بكثير من الدهشة …الازقة كانت ضيقة جدا ولعل اشهرها زنقة عنڨني …نعم زنقة عنڨني، لان عملية المرور فيها لشخصين جنبا الى جنب تكاد تكون مستحيلة واذا حدث ووقع ذلك فالشخصان هما اشبه بحبيبين متعانقين …وهي موجودة لحد الان والراغبون في معرفتها ساعطيهم العنوان شريطة ان يعبروا بصدق عن رغبتهم في المعرفة: اهو الاكتشاف ام عنڨني؟ … طبعا دعوني امزح معكم فقط…
لكن ما يميز المدينة داخل اسوارها (المدينة العتيقة) الحركية الدائبة بشكل مثير للاعجاب، حركية البشر والعربات المجرورة بالحيوانات او باجساد البشر -البرويطة) … فسوق الخضرة له اربابه وسوق الحوت له عشاقه ورياحين حوته، وبوشويشة السوق الشعبي لبيع الخضر والغلال ورغم انه على بعد امتار من سوق الخضرة، فلا عرك ولا معروك والتنافس مشروع وكل واحد وقسمو … والربع سوق الملابس التقليدية بهبية مبيعاته وهيبة بائعيه واليوم لا حكومة استطاعت ان تفرض هيبتها بعد الغورة و كذبة 14 جانفي … وكان على كل رؤساء حكوماتها من ابن الغنوشي الى ابن الشاهد ان يقوموا بتربص في مثل هذه الاسواق حتى يتعلموا معنى الهيبة والوقار والاجلال والاحترام .. سوق الجزارين بدواويره المعلقة والاشهى الف مرة من كل الملاويات …ورحبة الرماد ونهج الباي وحومة القصر وسوق البلاغجية (الحذائين) ورائحة الكولة تعترق .. و سوق الحدادين بقلب المدينة العتيقة تتصاعد منه نيران يقوّض بها الحديد وتليّنه سواعد لا تكلّ … وسوق الغرابلية وفيها من الغرابل ما تلذ له اعين النساء وتشتهيه اياديهم من غربال الشعير حتى المالطي وهو اجملها …
المدينة مقسمة برشاقة …لكأنها جمهوريات لكل واحدة خصوصيتها …في المدينة العتيقة عندما تريد الفطاير والزلابية والمخارق في رمضان لا احد يعوض السيالة … عندما تريد صحين تونسي عليك بالغمقي في نهج الباي او بكسكروت الرمانة وما ادراك بسوق الجمعة .. وسطحة الجامع الكبير وهي تستضيف كل الكتب الصفراء بما فيها الروض العاطر في نزهة الخاطر او الايضاح في علم النكاح ….ساعود لتفاصيل وتاريخ اصدار هذا الكتاب في ورقة قادمة لكن كنا كلما حاول الواحد منا وعن غير قصد ان يمد يده ليطلع على هذا الكتاب الذي يحمل اسما مثيرا (النكاح) والذي مازال مثيرا لحد يوم الناس هذا، رغم ان النكاح في اللغة العربية وفي القرآن خاصة تعني الزواج … كنا كلما حاول الواحد منا التلصص على محتواه، هرول البائع مزمجرا وصائحا: “ما تحشموس تتعلمو في كلوبية السوق من الصغرة؟” … حتى البائع الذي هو تاجر بالاساس كان يحرص على قيم اخلاقية قبل الربح …
سوق الجمعة الان رغم قربه من الجامع الكبير اصبح مرتعا للباندية والمتسكعين، والرمانة جفت وجف كسكروتها وجلّ الحوانيت تحولت الى تجار الكترونيك …تصوروا مدينة عتيقة بنكهتها العتيقة بانهجها العتيقة باناسها الطيبين تتحول الى تجارة الكترونيك، الى منتزهات للصوص والسكارى والعابثين بها شكلا ومضمونا … تصوروا المدينة العتيقة بنكهة وسخها قديما رغم انه وسخ، تصبح اليوم اشنع وافظع واقذع من الوسخ ما في الوسخ … تصوروا المدينة العتيقة اصبحت ليلا لا امن ولا امان فيها وهي التي كانت تؤوي كبار القوم في صفاقس الذين يسكنونها شتاء ويهرعون الى الغابة صيفا… لان الغابة تعني الاجواء الفسيحة ومشموم الياسمين على اذن يعلوها كبوس “معنڨر” … و الغابة هي ايضا كعيبة سلطان الغلة (الهندي) ونغمة بوصرصار اي الصرصار وهو حسب تعبير امهاتنا “يطيّب في الهندي وفي الزللوز” اي اللوز …
تلك اللوحات واشياء اخرى عديدة في المدينة العتيقة كانت تاخذ من وقتي ساعتبن على الافل يوميا … في ذلك العمر كل شيء كان مباحا لنا الاطفال في المدينة العتيقة من باب جبليها الى باب غربيها الى باب ديوانها …ولكن ما ان نفقد البوصلة وتتجه بنا أقدامنا الى الانهج الضيقة المؤدية الى الباب الشرقي حيث نهج الجم، جتى تبدأ حواس واعين الرجال الكبار تحملق بكل شراسة وتبدأ اسئلتهم المزمجرة: “وين قاصدين ربي ؟؟..اش ضاعلكم غادي ….؟؟..بديتو تتعلموا في التزوفير والقباحة …ايا تطيروا من هوني والا نوريوكم “…كنا لا نفهم شيئا مما يقولون خاصة وهم يواصلون: “انتوما متاع كارطي ؟؟؟ يقصف قدّكم “…
ولم نفهم لا سبب غضبهم ولا معنى تلك الكلمة الا بعد عمليات استقصائية هي اخبث من السي اي آي والموساد مجتمعين ….الباب الشرقي يعني … ستعرفون ذلك واكثر في الورقة رقم 13 ….
ـ يتبع ـ

تصفح أيضا

عبد الكريم قطاطة:
في الفترة ما بين 2004 و 2010 لم تكن الاحداث التي عشتها كمّيا كثيرة وها انا امرّ على ابرزها لاخلص بعدها لقهرة الربيع العبري…

عودة لسنة 2004… في اواسط تلك السنة بدأت رحلة تعاقدي مع جامعة صفاقس كخبير مدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا… صاحب المقترح هو مدير معهد الملتيميديا انذاك الزميل والصديق “عبدالحميد بن حمادو” الذي أعرفه منذ درسنا معا في تعليمنا الثانوي بمعهد الحيّ… سي عبدالمجيد فكّر في انشاء مادّة للعلوم السمعية البصرية ببرامج بعض شعب المعهد…تحادث في الموضوع مع زميلي الكاميرامان انذك مفيد الزواغي فأشار عليه بالاتصال بي وكان ذلك… وانطلقت مسيرتي كمدرّس لهذه المادة لمدة عشر سنوات بعد ان طلبت ترخيصا في الامر من رئاسة مؤسسة الاذاعة والتلفزة وتحصلت عليه، شرط ان لا يؤثّر ذلك على واجباتي المهنية… ومنين يا حسرة ؟
في وحدة الانتاج التلفزي كنا نعيش البطالة الدائمة ونتقاضى على ذلك رواتبنا ومنح الانتاج ايضا… وكان كلّما عُيّن مسؤول جهوي أو وطني جديد، قام بزيارة اذاعة صفاقس للتعرّف على احوالها وطبيعيّ جدا ان يزوروا وحدة الانتاج التلفزي… وكنت مطالبا كرئيس مصلحة الانتاج ان استقبلهم وان اقدّم لهم بسطة عن الوحدة وعن انتاجها… وكنت دائما اردّد نفس الاسطوانة التي كم اقلقت المديرين الذين تعاقبوا على رأس اذاعة صفاقس… كنت اقول لضيوفنا الاعزاء (اعني المسهولين): وحدة الانتاج التلفزي فيها كلّ شيء الا الانتاج، وبقية التفاصيل تأتيكم من مديري!…
مقابل ذلك كانت علاقاتي مع منظوريّ في مصلحة الانتاج التلفزي على غاية من الودّ والاحترام … بل ذهب بي الامر الى إعلامهم انه بامكان ايّ منهم ان يتغيّب لكن عليه يكتب لي مطلبا مُسبقا لرخصة غياب دون ذكر التاريخ، احتفظ به عندي حتى يكون وثيقة استظهر بها اداريّا كلّما اقتضى الامر وذلك لحمايتهم وحماية نفسي… وفلسفتي في ذلك تتمثّل في الآتي: مالفائدة في حضور موظفين لا شغل لهم ؟ خاصة انّ بعضهم يقطن عشرات الكيلومترات بعيدا عن صفاقس المدينة… ثمّ اليس واردا للموظّف الذي لا شغل له أن يصبح شغله الشاغل احداث المشاكل مع زملائه ؟ اذن مخزن مغلوق ولا كرية مشومة… لكن في المقابل واذا اقتضت مصلحة الوحدة ان يعملوا 16 و 18 ساعة ما يقولوش (احّيت)…
تلك العلاقة التي وضعت اسسها بيننا كرئيس ومرؤوسين رأيت عمقها يوم مغادرة الوحدة للتقاعد… يومها أحاط بي زملائي ورفضوا رفضا قاطعا ان اكون انا من يحمل بنفسه وثائقه وكلّ ماهو ملكه الخاص الى منزله… وحملوها عني جميعا وبكلّ سعادة مخضّبة بدموع العشرة… والله يشهد اني وطيلة حياتي كمسؤول سواء اذاعيا او تلفزيا لم اقم يوما باستجواب كتابي لايّ كان… ولم اخصم لايّ كان من اعدادهم في منحة الانتاج وفي الاعداد المهنيّة…
اذن وعودة الى علاقتي بجامعة صفاقس كمدرّس للعلوم السمعية البصرية بمعهد الملتيميديا ثم بعده بسنتين بمدرسة الفنون والحرف، حاولت ان اعطي دون كلل لطلبتي… كنت قاسيا معهم نعم… ولكن كان ذلك بحبّ لا يوصف… وبادلوني نفس الحب ان لم تكن دوزته اكبر … كنت الاستاذ والاب والاخ والصديق و كنت ايضا صدرا اتّسع حتى لاسرارهم الخاصة… رغم اني كنت ايضا بوليسا في امور الانضباط وتقديس العلم… وطلبتي الذين هم في جلّهم اصبحوا اصدقاء بفضل الفيسبوك شاهدون عليّ… ولعلّ من الاوسمة التي افتخر بها ما حصل في نهاية السنة الجامعية سنة 2012…
إذ ككلّ نهاية سنة جامعية يقع توزيع شهائد وجوائز للطلبة المتفوقين في جميع السنوات… وفي اخر القائمة سمعت من منشط الحفل يذقول: (الان الجائزة الاخيرة في هذا الحفل وادعو الاستاذ عبدالكريم قطاطة لتسلّمها)… فوجئت حقا بالاعلان… وكانت لوحة رُسمت عليها زيتونة وكُتب فيها (شهادة تكريم للاستاذ عبدالكريم قطاطة نظرا إلى عطائه الغزير لطلبة المعهد)… واعذروني على اعادة جملة تُريحني كلما ذكرتها وهي… “وبعد يجي واحد مقربع ويقلك شكونو هو عبدالكريم اش يحسايب روحو ؟؟” … بل تصوروا انّ زميلة من اذاعة صفاقس بعد حادثة ذلك الفيديو المنحوس حول من هم اعلام العار في نظري سنة 2012 (رغم انّي صححت فيما بعد ماجاء فيه ووضحت انّي لم اعمم وختمت بالاعتذار .. لكن وقت البعض يبدا يستناك في الدورة مهما وضحت وكتبت واعتذرت يكون موقفه”قاتلك قاتلك”)… تلك الزميلة ذهبت الى ادارة مدرسة الفنون الجميلة وطلبت منها فسخ عقدي معهم لاني لا اشرّفهم… وضحكوا منها وقالوا لها فيما قالوا: هاكة موش فقط استاذ الطلبة، سي عبدالكريم استاذنا وشرف لنا ان نكون تلاميذه… ورجعت المسكينة الى منزلها خائبة مذهولة مهمومة وغبينتها غبينة، المغبونة… وانا مسامحها…
قضيت 10 سنوات بمعهديْ الملتيميديا ومدرسة الفنون الجميلة وحتما ساعود الى اشياء عديدة حدثت فيها خاصة بعد قهرة جانفي 2011…
الحدث الاخير سنة 2004 كان دون جدال كُرويّا… تتذكّرو نوفمبر 2004 ..؟؟ وبالتحديد يوم 20 منه ؟؟ تتذكّروا هاكي التشكليطة السافيّة ؟ تتذكّرو زوبا وهو يمشكي في ملاعبية المكشّخة واحد بعد واحد ؟ تتذكّروا كيفاش علّق تيزييه في سقف الملعب ؟؟ انّه نهائي الكأس الشهير… وانه يوم سقوط امبراطورية فرعون الكرة ولد شيبيوب… وانا نعرف انو بعض المكشخّين ماشين عاد يسرسطو ماجاء من سور في كتابهم .. عن بطولاتهم .. عن القابهم وتونس بكلّها تعرف عن محصولهم في الشمبيونزليغ وطبعا ماشين يذكروني بهدف بوتريكة ويختمو بـ (ما تكلموناش احنا ماشين لكاس العالم في امريكا).. لاصدقائي المكشّخين الباهين فيهم وهم قلّة لانّ اغلبهم لا يورّيك ولا يفاجيك .. فقط لاصدقائي نحب نسألكم سؤال وحيد ..توة هدف زبير السافي في هاكي الفينال موش سميّح موش شيء يعمل 5555 كيف؟
موش تقول الواحد صيفا يبدا في يدو مشموم ياسمين وطاولة معبّية بالبطيخ والدلاع والهندي وما ننساوش الفقوس .. وهي تصير كورة من غير فقوس ؟…ويعاود يتفرّج عليه ويعشق العزف متاع زوبا ورقصتو كيف انتوني كوين في زوربا اليوناني ؟ وفي الشتاء يبدا قاعد تحت كوسالة وكاس تاي منعنع ويعاود يتفرّج على زوبا وهو يعزف اشي الحبّ كلّو واشي انت عمري .. واشي انساك ده كلام ويختمها ب ميا موري … نعرف اصدقائي المكشخين الباهيين يعرفوني بليد وماسط وخايب وقت نحكي على مكشختهم ..اما يدبّرو روسهم قلتلهم حبّوني؟… واذا حبوك ارتاح والله… دعوني الان اسرّ لكم بما لا يعرفه اغلب محبّي الفريقين حول ذلك النهائي… واصدقائي ومهما كانت الوان فرقهم يعرفون جيّدا انّي صادق في ما اقول والله شاهد على صدقي…
قبل خوض النهائي كان لنا لاعب معاقب (وسام العابدي)… ولد شيبوب كلّم هاتفيا انذاك احد مسؤولي النادي وقللو نقترح عليك اقتراح لفائدة الزوز جمعيات… قللو نسمع فيك هات… قللو تهبّط وسام يلعب الطرح وانا نقول للملاعبية يسيّبوا الطرح… تربح انت وتعمل شيخة انت وجمهورك وانا نعمل احتراز عليكم وناخذ الكاس… طبعا المسؤول رفض وبشدّة… ولد شيبوب قللو راك ماشي تهبط من غير قلب دفاعك وسام… تعرف اش معناها ؟ معناها ماشي انييييييييييي………… بزوز .. المسؤول ظهر حتى هو قبيّح وقللو .. انا منيش مهبّط وسام واحنا اللي ماشي انننننننننني ……… بزوز … وكلمة عليها ملك وكلمة عليها شيطان ..ولكم ان تعمّروا الفراغ وتربطوا بسهم … لكم حرية التعليق مهما كانت الوان فرقكم لكن مع ضوابط الاحترام …السبّ والشتم والكلام البذيء لا مكان لها في صفحتي! …
ـ يتبع ـ

جور نار
لا تخرّبوا سور وسقف الوطن… فنحن غدا من سيدفع الثمن!
نشرت
قبل شهر واحدفي
15 أبريل 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
كنتُ بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مقالي الأسبوعي في جلنار، حين بلغ مسامعي صراخ وألم ووجع عائلات من قضَوْا تحت أكوام حجارة سور معهد المزونة، رحمهم الله.

تمرّد القلم بين أصابعي، ورفض إتمام ما بدأه والانصياع لأوامري، وما أكتب، معلنًا الحداد على من ماتوا، ووُئدت أحلامهم تحت حجارة سور جريح ينزف دم سنوات الإهمال والتخلي.
سور أصابته لعنة “باركينسون” تشريعاتنا المهترئة، فارتعش وجعًا. سور لم يرأف بحاله أحد من القائمين على شؤون ترميمه، وترميم ما يحيط به. سور سال دم جراحه، وأسال دم من مرّوا بجانبه وأمّنوه على أرواحهم. سور توجّع وتألم طويلًا، وبكى… ولم يسمع بكاءه أحد، حتى أبكى أمهات بعض من اعتادوا المرور بجانبه… سور تآكل، وبانت عورته، فغضب وانهار على من كانوا يمرّون بجانبه، يتكئون عليه، ويستظلون به من غضب الشمس وثورة الأحوال الجوية، وهم في طريقهم لطلب العلم.
الغريب ما قرأته بعد الفاجعة، وما سمعته من صراخ من خرجوا يهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور. أغلب من خرجوا علينا يولولون، يطالبون بمحاسبة من تسبب في الفاجعة، ويطالبون بتحميل المسؤولية لكل من قصّر في أداء واجبه أو غفل عنه.
هكذا نقفز على كل وجع ومأساة، لنواصل الدعوة إلى الانتقام من كل ما سبق، ومن كل من سبقونا في تحمّل مسؤولية خدمة هذا الشعب… هل يجب أن ننتقم ونثأر بعد كل فاجعة أو فشل ممن سبقونا في تسيير شؤون مؤسسات البلاد؟ هل يجب أن نشيْطن كل من سبقونا في خدمة الوطن بعد كل وجع يشعر به جسد هذه الأمة؟ ألا يجدر بنا أن نعتبر مما حدث، ونبدأ بإصلاح حالنا وأحوالنا؟
أتساءل: ألا يتساءل أحدكم لماذا كل هذا العزوف عن تحمّل المسؤولية؟ أليس للفصل السادس والتسعين من المجلة الجزائية دور كبير في هذا العزوف، الذي أفرغ مؤسساتنا من كفاءات كنّا نفاخر بها، ونطمئن بوجودها على حالنا وحال مؤسساتنا وحال البلاد؟ ثم، أليس للفصل الرابع والعشرين من المرسوم عدد 54 نصيب مما نحن فيه، ومما عشناه ونعيشه؟ فمن كان يرى في السور عيبًا وخطرًا، لن يكتب عن الأمر، ولن يُنبّه لخطورته، خوفًا من أن يُتهم بنشر أخبار زائفة وإشاعات كاذبة…
ألم نغرق اليوم في وحل الفصل السادس والتسعين، ورعب المرسوم الرابع والخمسين؟ لماذا تنشر تشريعاتنا وبعض قوانيننا الخوف والرعب في نفوس كفاءاتنا، ومن يملكون القدرة على تحسين أوضاعنا؟ أيمكن للأمم أن ترتقي وهي تعيش تحت وطأة الخوف والرعب من قوانينها؟ كيف نطلب من بعضنا خدمة الوطن وهم يعيشون رعب القانون، ورعب الحقد، ودعوات الإقصاء والثأر والانتقام من كل قديم، وكل مخالف في الرأي، وكل من لا يعلن لنا البيعة، ولا يقف صارخًا “مزغردًا”، مصفقًا لأخطائنا، ملمّعًا لفشلنا، داعيًا لنا بطول العمر وجزيل الثواب؟
يا من تستمتعون بوجع خصومكم، ومن لا تتفقون معهم، ومن تركوا أثرًا طيبًا وانتصروا عليكم بما حققوه وأنجزوه…الوطن أمانة بين أيادينا جميعًا، فجنّبوه الفتنة، وجنّبوه الأحقاد، وحافظوا على سور الوطن…ولا تخربوا سقفه، فإن انهار سقف الوطن، فنحن، نحن الشعب، من سيدفع الثمن… نعم… نحن الشعب من سيدفع الثمن.


عبد الكريم قطاطة:
في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…
بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…
هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…
السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…
انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…
ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…
تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…
وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…
في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…
دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…
الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…
رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …
ـ يتبع ـ


غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها

بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي

لبنان: لاغتيال قيادات حزب الله… الاحتلال استفاد من خدمات “منشد ديني”!

الاتحاد العربي للذكاء الاصطناعي ومهرجان “سينما الجبل” بعين دراهم

لإخلاء غزة من سكانها، تهجيرا وإبادة… الاحتلال يطلق عملية “جدعون ساعر” العسكرية
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل يومين
غزة… قصف من السماء، وحرائق في الخيام، واستشهاد صحفية وعائلتها
- صن نارقبل يومين
بوتين: أول شروط التفاوض مع أوكرانيا… ضمان أمن روسيا القومي
- صن نارقبل يومين
لبنان: لاغتيال قيادات حزب الله… الاحتلال استفاد من خدمات “منشد ديني”!
- ثقافياقبل 3 أيام
الاتحاد العربي للذكاء الاصطناعي ومهرجان “سينما الجبل” بعين دراهم
- صن نارقبل 3 أيام
لإخلاء غزة من سكانها، تهجيرا وإبادة… الاحتلال يطلق عملية “جدعون ساعر” العسكرية
- صن نارقبل 3 أيام
جدل في الكونغرس الأمريكي… حول صفقة أسلحة بـ 3 مليار دولار مع قطر والإمارات
- صن نارقبل 3 أيام
بغداد… قمة عربية تحت رماح أمريكية، إيرانية وإسرائيلية
- اجتماعياقبل 4 أيام
300 فرصة عمل جديدة في تونس خلال العام الحالي و800 وظيفة أخرى خلال العام القادم