جور نار
ورقات يتيم … الورقة رقم 23
نشرت
قبل 8 أشهرفي
ساقية الدّائر كانت بالنسبة لي في تلك السنة (الرابعة آدابا) نقطة تحوّل كبير في علاقاتي الاجتماعية ..اصبحت اختلط بعديد الاعمار والمستويات التعليمية وتعرّفت على ما يسمّى انذاك بكبار الحومة اعني كبار اسماء الساقية من التجار والخبّازة والجزارين وكافّة المهن واالاثرياء المعلنين والمتسربلين وراء ثياب رثّة بالية ولا همّ لهم الا كنز المال وهؤلاء تقول فيهم عيّادة ومثيلاتها ...
يعيشون فقراء ويموتون اغنياء …وكم هم في منتهى الغباء بالنسبة لي ..على عكس ذلك كنت اعشق المرحوم سالم يعيش احد اثرياء الساقية الذي كان يمتطي “كاليسه” وجبّته القمراية ومشموم الياسمين “يدرجح على وذنو ” وهو يتجوّل في ساقيتنا ..هذا عاش غنيّا ومات غنيّا اذ انه وهب قطعة ارض لمتساكني الساقية حتى تكون مقبرة للجميع، شريطة ان يكون هو اول المدفونين فيها ..وكان له ذلك ..رحمه الله ..اي اعمل لآخرتك ولا تنس نصيبك من الدنيا … عرفت كل هؤلاء دون قطيعة مع البسطاء فكرا او مالا .. ربّما لانّني واحد منهم وربّما ايضا لانني كنت ومازلت اعتبر جميع البشر اخوة لي ..السنا جميعا ابناء آدم ؟؟؟…
دعوني قبل ان اعود الى كبار الجومة في الساقية احك لكم عن بداية قصّتي مع التدخين والذي لازمني لحدّ يوم الناس هذا ..في الشهر الثاني من تلك السنة تعرّفت على زميل في الدراسة دمث الاخلاق قليل الكلام حاضر البديهة .. نجيب الجبالي وهو نجيب اسما ودراسة … نجيب صديقي هذا، كان قد بدأ عزفه على اوتار السيجارة قبلي وكنّا كلّما ذهبنا الى حانوت “قميحة” وهو الحانوت الوحيد في جمهورية معهد الحي انذاك حيث كانت طريق العين موطن معهدي تختزل في المعهد ومستشفى الهادي شاكر والقنطرة والمقابر المحيطة بها ..فقط … اليوم عمارات هلبة ودكاكين هلبة ومعاهد هلبة وتزوفير هلبة وزايدة ڨلبة … واووووووووووووووووووووف من زحمة الطريق الف هلبة ..
كنا اذن انا وزميلي نجيب نذهب احيانا متى كانت الميزانية تسمح لشراء كسكروت …لا تذهبوا كثيرا بخيالكم ..الكسكروت انذاك كان يعني ربع خبزة وقليلا من الهريسة وكعبتين زيتون ونصف حلقة زيت ….كنّا على فقره نلتهم سيدك الكسكروت التهاما.. كأثيوبي لم يذق الطعام منذ اشهر …وكنّا نستمتع ربّما بشيء من المازوشية بحرارة الهريسة …كان نجيب يطفئ حرارتها بسيجارو كواكب (نوع من السجائر الفاخرة مقارنة بالارتي والحلّوزي) ..وكنت انا اطفئها بـكعبة حلوى نعناع … كان كلّما اشعل سيجارته انظر اليه بعين نصفها مندهش ونصفها راغب في الاكتشاف …ذات مرّة سالني نجيب .تحبّ تجرّب ؟؟؟ اما راك تحصل …ولأنني كنت معتدا بنفسي مزهوّا بقدرتي على التحدّي اخذت معه نفسا حتى اثبت له اني استطيع ان اجرّب دون ان اقع في الفخّ ..لكن دوّيو …اللي ذاقو لعبت ساقو …
ربّما ايضا انذاك التدخين يعني اكتساب نوع من الرجولة ..رايت في كريّم ذلك الذي تعملق على سنّه وخرج من كهف الطفولة ..وكنت ابرّر تدخيني بـ”اشبيه هوما ارجل منّي” …؟؟؟… لا والاغرب من ذلك اني تجاوزت المدخنين بامرين: اوّلهما اني اخترت نوعا رفيعا نسبيا “المنته” واضفت للسيجارة كعبة الحلوة التي لازمتني لحدّ الان ..الحلوى بالنسبة لي هي تقضي على ما تبقيه السيجارة في الفم من مرارة التدخين، ثمّ وهو الاهم ان تبعد شبهة التدخين عن عيادة وسي محمد …باهيشي زادة ..؟؟ المقصوف عبدالكريم عنطز وولّى يتكيّف .. وتقوم القيامة .؟؟؟ ونجحت هذه الحيلة في ردم كل شبهات جريمتي عن عمّار 404 لزمن متقدّم …
صديقي هذا ومعلّمي في دنيا التدخين اقلع عن التدخين لظروف صحية كادت تعصف بقلبه ..وعبدالكريم احتفل سنة 2016 بخمسينيته في دنيا التدخين …نعم خمسون سنة ولم افكّر يوما في الاقلاع عنه لم يعبّر لا قلبي ولا رئتاي عن قلقهما من سجائري … نعرفو تبرير واهي …_ وكلّما سالني احد الاطباء هل تدخّن اجيبه: لاااااااااااااا انا نتكيّف!… وبعيدا عن مضاره العديدة وبعيدا عن حرامه او حلاله ..وبعيدا عن عاطفتكم اسألكم هل تتصورون عبدالكريم “ما يتكيفشي ؟؟” توّة هذا انا .؟؟؟ …لست ادري ماذا اقول لصديقي وزميلي نجيب الجبالي، استاذ العربية المتميز …ربي يهديك او بارك الله فيك …السيجارة تعيدني حتما لسي مبروك الحمّاص …احد اطيب الطيبين من بسطاء الساقية ..كنا نحتال (جميع المدخنين) على ايجاد 10 مليمات لشراء سيجارة ..وفي هذه الحالة الاغنياء كثيرا ما يتبرعون على قليلي ذات اليد من امثالي بـ”بونتة سيڨارو” اي آخر ما يتبقى في السيجارة … بعضنا الاخر يعمل يومين او ثلاثة في المرمّة فقط من اجل ادخار ثمن قهوة وعلبة دخان وركشة هنالك …فهمتوها ..؟؟؟ توة تجي بالكشخي ..وكان الميسور يوزّع على المعسور دون حسابات ..دون مقايضة ..دون نحب منك حق 5 سواڨر…
ما اروع ذلك التكاتف الاجتماعي الذي لم نجده في ازمنة اخرى …ربما الحالة الشاذة الوحيدة كانت بعد 14 جانفي عندما قام الاهالي بدورهم في التكافل و كل واحد منهم اصبح يساهم حسب اختصاصه في الحفاظ على حومته من عصابات السرّاق والباندية ايام الانفلات الامني ….رغم ان عصابات السياسة الذين اتوا بعد نكبة 14 جانفي كانوا اشد بلاء من لصوص وباندية تلك الفترة الاولى …..بل هم محترفون جدا وجذورهم في الخارج تحميهم من غضب الشعب المسكين …والمغلوب على امره لعشرين سنة مقبلة على الاقل …اذا لم تحدث ثورة حقيقية اخرى …
سي المبروك كان يراقب عمليّة بيع وشراء السجائر في حانوته ..وكان طبيعا جدا ان يعرف نوعية سجائر كل واحد منا .. لم اكن من المدخنين بشراهة كما اغلب اصدقائي ..ثم سيجارتي ثمنا تساوي اثنتين من الكريستال او الارتي …ولكنها انذاك “مصيرفة” … كنت كثيرا ما احتال على عيادة بحاجتي لكتاب ما او لكراسة …لاخذ ثمن سجائري …وكنت يومها اقترض كتابا من احد الزملاء كي ابرهن لها اني اشتريت الكتاب المزعوم …تتفحّصه جيدا علّها تتذكّر يوما خطوط الغلاف لتعود بعد ايام سائلة عنه ولأقول لها قمت باقراضه لصديقي الفقير .._وكنت اتصوّر عندها اني عدّيتها عليها، ولكنّها تباغتني بـ: انت مكش فقير؟؟؟… ماهو اتسلف كيفو علاش تمعسني كل شهر بحق كتاب ؟؟؟ اصمت ثم ارد: مانيش قاعد نشري في الكتب الكل …انا وصحابي نتبادلو هوما يشريو البعض وانا كيف كيف (كل واحد شيطانو في جيبو …هكذا كنت اتصوّر) ..اما هي فكانت تغم داها في رداها وتهمهم: ماشفت حتى كتاب متاع صحابك اللي تحكي عليهم ويسلفوك كيف ما تسلفهم …يا لندرة يا وليدي وقتاش يهديك ربّي وتجي للثنية ..؟؟…ولانها تهمهم، نعمل روحي ما سمعتهاش في انتظار ملاكشة اخرى …
وجاء سي المبروك يوما ليختلي بي ويهمس حتى لا يسمعه احد … شوف يا كريّم (بضم الكاف) انت نحسبك ولدي ونعرف انو بوك عامل يومي ونهار يخدم وعشرة لا …ونعرف نفسك عزيزة وما تحبش تطلب دخانك من عند حتى حد ..وزيد دخانك انت ما يتكيفوهش … اسمعني وخلّيها بيني وبينك ..المنتهة اللي في حانوتي الكلّها على ذمّتك حتّى لين تنجح وتولّي تخدم…كان نجمّت اتخلّصني خلّص ..وكان ما نجمتش السماح بيناتنا ……يااااااااااااااااااااااااااااه شفتو ما معنى الزمن الجميل ؟؟….شفتو الرجولية والمواقف من انسان بسيط ولكنه عميق .؟؟….شفتو علاش طيلة عمري المهني كنت احب البسطاء…؟؟ لانهم اعمق من العميقين ولانهم اجمل واروع …هنيئا لهؤلاء …هنيئا لهم لاننا في جلّنا لسنا ببسطاء و”نمشكلوها برشة” …غير قادرين حتى على قول كلمات من نوع توحشتك …من نوع انحبك …من نوع ما احلاك …من نوع قداش نموت عليك …استحلفكم بالله الا ترون ان متعة الحياة في بساطتها تفكيرا وتعبيرا وسلوكا ؟؟؟ ..
ادعوكم ان تذهبوا لمن تحبون واسعدوهم ببساطتكم …لنحاول معا ان ندرك ان هنالك في حياتنا ما يسمّى بسنوات الضياع …فيها فوّتنا في جلّنا الفرص على ان نعيش حياتنا …..وفيها ضاعت اعمار البعض …وفيها غرق اخرون في سراديب الروتين … او الحرمان ..وفيها وفيها وفيها وفيها ….ولكن الاكيد والذي لا يجادل اننا في جلنا حرمنا انفسنا من التمتّع باشياء كم هي بسيطة ..ولكن كم هي هامة …كم من صديق ..اخ ….اب ..ام ..حبيب … جار …زميل …في حاجة الى كلمة واحدة تسعده أيما سعادة من نوع “مااخيبك” عندما لا نجرؤ على القول محلاك ..اليست الاشياء تعرف باضدادها …مااخيبكم …
ـ يتبع ـ
تصفح أيضا
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
محمد الزمزاري:
انطلقت الحملة الوطنية المتعلقة هذه المرة بالتقصي حول الأمراض المزمنة وكان مرض السكري وأيضا مرض ضغط الدم هما المدرجان في هذه الحملة.
يشار إلى أن نسب مرضى السكري و ضغط الدم قد عرفت ارتفاعا ملفتا لدى المواطنين و بالتحديد لدى شريحة كبار السن مما يكسي اهمية لهذه الحملات التي تنظمها وزارة الصحة العمومية بالتعاون المباشر مع هيئة الهلال الأحمر التونسي.. وقد سنحت لنا الفرصة لحضور جزء مهم من الحملة في بهو محطة القطارات الرئيسية بساحة برشلونة، لنقف على تفاعل عديد المواطنين المصطفّين قصد الخضوع لعملية التقصي بكل انضباط وكان جل الوافدين طبعا من كبار السن، كما لوحظ تواجد عدد كبير من ممثلي الهلال الأحمر ومن الأطباء بمكتبين ويساعدهم بعض الممرضين.
الغريب انه لدى تغطيتى العارضة لهذه الحملة المتميزة التي تهدف اساسا إلى توعية المواطنين وحثهم على تقصي الأمراض بكل انواعها بصور مبكرة، بالاعتماد على كافة قنوات الاتصال وأهمها الإعلام الذي لن يكون الا داعما لهذا الهدف الإنساني لكن احد اعوان الهلال الأحمر فتح معي بحثا ان كنت من التلفزة الوطنية ملاحظا ان القناة المذكورة هي الوحيدة المسموح لها بالقيام بالتغطية ولم يكتف بهذا بل أكد ان الأطباء لا يحبون التصوير.
طبيعي اني لم اتفاعل مع هذا الجهل وضحالة المعرفة باهداف الحملة بالإضافة إلى عمليات التقصي الفعلي ..ولما تجاوز في الإلحاح طلبت منه الاستظهار بصفته هل هو منسق الحملة حتى يمكنني أن امر إلى المسؤول عنها بصفتي صحفيا ..وواصلت عملى أمام انكماش هذا العون التابع للهلال الأحمر حسبما يدل عليه زيه.
وبعيدا عن هذا، لا يفوت التنويه بالجهود الكبيرة التي يتحلى بها طاقم الاطباء و الممرضين و متطوعي الهلال الاحمر، الذين يجهدون انفسهم لانجاح هذه الحملة سواء داخل بهو محطة السكك الحديدية او عبر بعض الفرق التي تعمل على التعريف بجدوى التقصي حتى خارج البهو الكبير.
صن نار
- ثقافياقبل 20 ساعة
قريبا وفي تجربة مسرحية جديدة: “الجولة الاخيرة”في دار الثقافة “بشير خريّف”
- جور نارقبل 21 ساعة
ورقات يتيم … الورقة 89
- ثقافياقبل يوم واحد
زغوان… الأيام الثقافية الطلابية
- جلـ ... منارقبل يومين
الصوت المضيء
- جور نارقبل 3 أيام
ورقات يتيم ..الورقة 88
- ثقافياقبل 4 أيام
نحو آفاق جديدة للسينما التونسية
- صن نارقبل 4 أيام
الولايات المتحدة… إطلاق نار في “نيو أوليانز” وقتلى وإصابات
- صن نارقبل 4 أيام
في المفاوضات الأخيرة… هل يتخلى “حزب الله” عن جنوب لبنان؟