تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة رقم 3

نشرت

في

Avez vous déjà demandé à vos enfants s'ils trichent en ...

عبد الكريم قطاطة:

كان اليوم الاول للدخول الى التعليم الابتدائي في ذلك الزمن بمثابة اعلان ولادة جديدة لأي طفل … سنة 1955 وبمناسبة انعقاد مؤتمر الحزب الدستوري التونسي بصفاقس، وبالتحديد بالحي الزيتوني (معهد 15 نوفمبر حاليا) كانت سنة دخولي لمدرسة فرانكوآراب بساقية الزيت …

عبد الكريم قطاطة

ومما اذكره في تلك السنة خروج اهالي الساقية لاستقبال شعبي كبير ترحيبا بالزعيم الحبيب بورقيبة …انذاك كان والدي رحمه الله يحملني على ظهره لا فقط لاتمكن من مشاهدة الزعيم بل خوفا على ولده من ان يداس بين الاقدام وهو الذي كلو على بعضو لا يزن اكثر من 20 كلغ …كنت نحيفا جدا (وبقيت تقريبا على تلك الحال حتى يومنا هذا) وتلك النحافة عرضا وطولا كانت سببا في علاقة عاطفية جد متينة بيني وبين سائر المربين و “شاوش” المدرسة سي محمد الجلاصي هكذا كانوا يسمونه رحمه الله …كان تعاطفهم مع عبدالكريم الصغنن كبيرا (حنية وعطف كبيران) وحتى عندما انتقلت الى مدرسة الفتيات في وادي القراوة انذاك بموجب قرار الاختلاط في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي (وانا واحد من التلاميذ العقلاء الدافئين اللي لا ينبشوا لا يخبشوا) … هكذا كان ظنهم وهم والله مخطئون لأنو اتعدى على واد هرهار وما تتعداش على واد ساكت …وياما تحت السواهي دواهي وستكتشفون ذلك في بقية الورقات …

حتى عندما انتقلت الى تلك المدرسة اوصى شاوش المدرسة بالساقية زوجته التي كانت تقوم بنفس المهمة في مدرسة الفتيات، برعاية عبدالكريم او “كريّم” بالشدة فوق الياء، وهو اسمي الشائع في كامل محيطي …حومة واهل واصدقاء واتراب التعليم في كل مراحله … فاطمة زوجة سي محمد الجلاصي رحمهما الله كانت اكثر حنية من زوجها ..كنت واحدا من ابنائها المدللين وكنت سواء معها او مع زوجها ذلك الذي ينعم بأيديهما في الشتاء القارس وهما يفركان يدي حتى يبعثا فيهما الحرارة …واذ احمد الله على شيء فإني وبعد عودتي من فرنسا سنة 1979 وانا احمل بين دفاتري شهادة عليا في العلوم السمعية البصرية اختصاص اخراج، لم اكن مختالا فخورا بما احرزت عليه متناسيا جاحدا لجذوري …بل كان مشروعي الاول ان اعود لهؤلاء وامثالهم لاقبل اياديهم ولاقول لهم لولاكم ما كنت ان اكون ….

وكانت اول زيارة بعد بحث دام اشهر عن عناوينهم كانت لسي محمد وللة فاطمة …وعثرت عليهما بعد لأي بنصرالله بولاية القيروان بعد تقاعدهما … حيث عادا الى مسقط راسيهما …. كان لقاء غير عادي لقاء الاحضان بين اب وام وابنهما بعد 20 سنة …كنت سعيدا بسعادتهما وكنت اكثر سعادة وهما يقولان ..(ربينا وما خبناش) … نفس بحثي عمن وضعوا حجر الاساس لشخصيتي …لحياتي …لنجاحي …كان هدفه اللقاء مع المربي الفاضل السيد بشير شراد معلمي بالثالثة ابتدائي …هذا وايضا بعد لأي وعناء كبيرين وجدته بأريانة …بتونس العاصمة ووجدته كما عرفته قمة الهدوء والبسمة الخفيفة التي لا تفارق محياه .. وهذا الذي كانت والدتي لا تطيق اجوبته وهي تشتكيه من قلة مذاكرتي فيجيبها بنفس الهدوء “خليه يلعب انا فرحان بيه” …

طبعا دون نسيان المربين الاخرين في الابتدائي (المرحومين على الشعري وعلي الطرابلسي) وفي الثانوي استاذي في الآداب العربية، الفاضل محسن الحبيب متعه الله بالصحة والذي اهداني احد مؤلفاته عن تجربته في التعليم وخصص جزءا منها للحديث عن ابنه عبدالكريم ـ الاذاعي ـ عندما كنت احد تلامذته المتفوقين في مادة العربية ….و كذلك استاذي الكبير محمد صالح الهرماسي، استاذ التاريخ والجغرافيا سنة الباكالوريا، والذي كان له تاثير كبير جدا على كل تلاميذ الباكالوريا في نهاية الستينات بمعهد الحي، والذي بحثت عنه في دمشق باعتباره يشتغل في منصب سياسي مرموق جدا …اذ اني لم انس عندما شاركت في دورة تدريبية للاتحاد العربي للاذاعة واللتيفزيون بدمشق سنة 1996، ان اسأل عنه لالتقيه … وذهبت حتى إلى مقر حزب البعث الذي ينتمي اليه ولاسفي الكبير كان في تلك الفترة في سويسرا في مهمة خاصة ..

و كذلك المرحوم رشيد الحبيب استاذ التفكير الاسلامي في سنة الباكالوريا، استاذ الكاريزما واستاذ الغيرة على رسول الله (ذات مرة وهو يقص علينا مآثر خاتم الانبياء لمح تلميذا “يتضيحك” فما كان من سي رشيد الا ان انهال عليه (بصفة شلبوق) لا يقرا لا يكتب، مزمجرا غاضبا صائح: “اتضحك على محمد بن عبد الله ؟؟؟” …. نفس سي رشيد وبعد سن متقدمة هو الذي كنت احيانا اصلي وراءه صلاة الجمعة كامام بجامع المنار … وبعدها وانا اذهب لاسلم عليه كان يلح دوما على ان اتوجه له بملاحظات نقدية حول خطبته …وكنت اخجل من مثل سؤاله …وارد عليه بـ (يا استاذ راني تلميذك وانت الاستاذ) .. .ولكنه كان يقسم باغلظ الايمان انه يريد ملاحظاتي وانه معتز بي كاحد تلامذته الذي اصبحت له مكانة مرموقة ـ حسب تعبيره ـ في المجتمع …

ثم اذ انسى فاني لا انسى معلمي الفاضل الشيخ الامام علي الشعري الذي درسني العربية في السنتين الاخيرتين من مرحلتي الابتدائية، والذي كان ذا كاريزما رهيبة ايضا ..كنا نرتعد خوفا منه ولكننا كنا نحبه كذلك بشكل لا يوصف خاصة عند تدريسه لمادة التاريخ ..هو قمة الروعة باسلوبه الروائي المشوق … ولعل من الاوسمة في حياتي يوم دعاني الى منزله في احد اعياد الفطر …يومها احضر لي كل اولاده وبناته واحفاده وقدمني لهم بقوله (هذا اخوكم الذي لم تلده امكم، هذا الذي يشرفني وافتخر به كلما سمعت نقشاته في المذياع ….وكم حدثتكم عنه) … وتراني اتصبب عرقا من كل ما ذكر واردف بالقول …العفو يا سيدي انتوما الساس وما نحن الا “ياجورة” متواضعة امامكم .ثم يدخل الى غرفته ليخرج لي ورقة (دوبلوفاي) … ويا لقمة سعادتي …انها واحدة من تمارين الانشاء التي كتبتها بخط يدي وانا في سنة السيزيام …وهاوهو سي علي الشعري يحتفظ بها ليقدمها لي كواحدة من اعظم الهدايا التي تحصلت عليها في عمري …

انا من اولئك الذين تألقوا جدا في مرحلتين من عمرهم …الابتدائي والعالي اما مرحلة الثانوية فكانت مرحلة غريبة وعجيبة في حياتي … تلميذ متوسط للغاية والبقية ستأتي …تألقي في الابتدائي كان منذ السنة الاولى من ذلك التعليم …لم ادرس سوى شهر واحد

وتمت نقلتي الى السنة الثانية ؟؟؟؟…….. هكذا قرر الاطار المدرسي انذاك …وكنت طيلة تعلّمي الابتدائي مرسما في كل امتحان الاول وفي اسوأ الحالات الثاني او الثالث … وكانت هديتي في كل شهر (الامتحانات كانت كل شهر) ربع خبزة بالطلوق من عند كوشة الفريخة التهمها التهاما (ڨدمة على ڨدمة) …وبعد اربعة اشهر يدفع ابي 20 مليما ثمن الخبزة .انذاك …والاغرب في كل هذا اني لم اكن (محراث خدمة) كما يعبرون عن اولئك الذين يذاكرون ليلا نهارا … وعلى ذكر محراث قراية اعرف واحدا من هؤلاء كان لا يمارس اي نشاط لا رياضي ولا ثقافي خارج اوقات الدراسةا همه الوحيد والاوحد الانكباب الكلي على حفظ كل ما يدرس عن ظهر قلب ….ومن المضحكات والتي هي فعلا مبكيات انه حتى في دراسته العليا (حقوق) كان يسهر ليلا نهارا لحفظ كتب القانون …نعم يحفظ الكتب عن ظهر قلب … __بهيم متاع قراية __وبما ان الاحمرة على بعضها تقع …. فانه تقلد فيما بعد اعلى المسؤوليات …ولكن ….اين الغرابة في ذلك ؟؟…اليست عديد المسؤوليات قديما وحديثا هي اقرب للاحمرة منها الى من يستحقون ؟؟؟….

كنت في الابتدائي اركز كثيرا في القسم … وهز ايدك من المرق لا تتحرق …وربما من هنا تتفهمون انشغال والدتي بمصيري وانا الذي لا اذاكر الا نادرا ونادرا جدا وهي التي عقدت آمالها على الولد الوحيد لا فقط في عائلتها بل في كامل قبيلة الحوش الذي نقطنه ..الوحيد الذي دخل للمدرسة، في العائلة … وحتى ابن عمي وهو الوحيد ايضا في عائلته الذي دخل المدرسة (في فلسفة القبيلة °المدرسة محرمة على الاناث)… ابن عمي لم يحالفه الحظ ولم ينجح في نيل شهادة السيزيام … كان كثير الاستمرار في كل فصل ..هو يكبرني بـ3 سنوات و ووصلنا معا في نفس السنة لنجتاز مناظرة السيزيام… دخلناها معا …ولم يكن من الناجحين …مما حول الحوش الى مأتم عوض الفرح نجحت انا حيث اخفق هو …اذن كيف نفرح وابن العم لم ينجح ؟؟؟…. وحتى جريدة الصباح (المصدر الاعلامي الوحيد للاعلان على نتائج السيزيام في ذلك العهد) كنا في عائلتي نخفيها عن الاعين حتى لا تبدو فرحتنا شماتة لعائلة عمي ….

في الابتدائي لم اكن من التلاميذ المشاكسين على عكس الثانوي وما تلاه …بل كنت اخاف جدا من المربين رغم حنيتهم معي …ذات يوم وانا في الثالثة ابتدائية (سنة ختاني) نعم اجهزوا على كريم بعد ان انتظروا اخا له حتى يتم ختان الاثنين معا … لم تكن العائلة ماديا قادرة على ذلك ولكن ماديا ثم وهو ربما الامر الايجابي الوحيد، العائلة كانت تدخر لمثل تلك المناسبات حتى يكون الاحتفال في قيمة الحدث … ونظرا إلى سني المتقدمة فاني اذكر تفاصيل تفاصيل الاحتفال بذلك اليوم الاغر والاغبر …فرقة سي محمد الدريدي رحمه الله التي انتصبت وسط الحوش تشدو باعذب الاغاني وابي يتمايل مع الاهل والاصدقاء من المولعين بشفيق جلال واغنيته البوز انذاك (اشلوننا) وخاصة بموالها الشهير (يا غدار يا زمن). واذكر جيدا الوليمة التي اعدت للضيوف والتي فيها ما لذ وطاب من مآكل يصح عليها القول (زوروني كل سنة مرة) … ظروف يا سيدي الرئيس… وهذا الاخ لم يات الا بعد ثماني سنوات من عمري … وصحة ليه رحمه الله لم يعش ولم يذق مرارة وقساوة والم ما عشته .وعلى كل ورغم قساوة الطهار العربي بن عبدالله رحمه الله … احمد الله على ان اخي لم يتاخر الى سن الخامسة عشر مثلا ..ربما انذاك قاموا بختاني وتزويجي في نفس المناسبة …. محظوظ اليس كذلك ؟؟؟

اعود الى ذلك اليوم وانا في الثالثة ابتدائي حيث شعرت بالحاجة للذهاب الى مراحيض المدرسة …كنت اتعصر واحاول ان اؤخر عمل اليوم الى الغد __اقصد غائط التو الى ما بعد __لأني كنت اخاف ردة فعل المعلم …رغم انه لا شيء يوحي بغلظته …وتعسفت على معدتي وجهازي الهضمي طالبا __بونيس __من الوقت في انتظار انتهاء الدرس …وخيل لي اني نجحت في جلب عطفهما …. الا اني فوجئت بشلال __هذه اقرؤها باللغتين العربية والعامية مع المعذرة للمتقززين __فوجئت بذلك الشلال يكتسح الحواجز ويبلل ويعطر سروالي القولف ……يا للفضيحة ….وانا كريم المدلل يعبق بتلك العطور امام الاتراب وسيدي المعلم ….نظرت حوالي وجمعت شجاعتي بكلتا يدي كما يقول المثل الفرنسي واستأذنت من سيدي الخروج الى بيت الراحة تركت محفظتي بالقسم وتسللت كجرذ ملوث الى هنالك …هنالك اكتشفت حجم المصيبة وعبثا حاولت بماء الحنفية ان انظف ما علق بالسروال من آثار جريمة لم ارتكبها قلت عبثا لانه ومن عيوبي وكم هي كثيرة وستكتشوفنها اني لا اجيد اطلاقا كل ما هو يدوي …فتحولت حملة التنظيف الى حملة تلويث لساقي وملابسي وكل ما يحيط بي …كيف اعود الى القسم وانا اشبه شيء ب __كنايفي __ وهو الذي كان يقوم بافراغ الكنيف __شبه فستقية صغيرة مغطاة ومتصلة بالمراحيض في الحوش عبر قنوات لتخزين الغائط ثم وعند الامتلاء يقوم الكنايفي باخراجه ليتم استعماله كسماد للغراسات …_عملا _بالقاعدة الذهبية في علم الفيزياء للافوازيه رغم انها ايمانيا لا تصح __ القاعدة التي تقول لاشيء يفني لا شيء يخلق من عدم __ كيف لي ان اخرج من مرحاض المدرسة وانا على تلك الحالة …__مرسي الزناتي اتهزم يا رجالة __ ارتأيت ان الازم مرحاضي __حتى اش يعمل ربي __ وانتهت الدروس …

وبارح التلاميذ المدرسة …وبارح المربون …وبارح المدير … وعادل امام يعيط ….وانا على عكس عادل امام … لابد.. صامد …هامد ….. تسللت الى قاعة الدروس وحملت محفظتي وغادرت المدرسة …كان الوقت __ظليمة مغرب __ وكنت اسارع الخطى حتى لا ينخلع قلب عيادة __والدتي __و انا الذي لم اتاخر يوما على عودتي في توقيتي المعهود ..وحتى لا ينخلع قلبي من خوفي الرهيب من الظلام ….ثم ماذا ارى ؟؟؟؟؟ انه والدي الذي خرج ليبحث عني __الاكيد بعد الحاح كبير و__تقرقير اكبر من والدتي __ وهي ملكة التقرقير __تشد ما تسيب __ …..ولي عودة لذلك التقرقير عندما __زعمة زعمة كبرت شوية __ماكاد يقترب مني حتى اعمت بصيرته روائحي العطرة المنبعثة مني …وبدأت الطريحة التي لم تنته الا وانا ادخل باب حوشنا … كل ثلاث خطوات لعنات مختومة بضربة هنا وهنالك __وين تصب تنفع __ في مدخل حوشنا انذاك افتكتني خالتي فطومة رحمها الله من يده الغليظة وهي تزمجر في وجه ابي باعتبارها لا فقط زوجة اخيه الاكبر واخت امي الكبرى ولكنها باعتبارها ايضا الخالة العجوز التي __يختشي منها الجميع __ كانت تزمجر وتصيح __والله عيب عليك يا محمد اش فيه ما يتضرب هالتنتوفة …__ واسرعت والدتي لبيت الاستحمام وسآتي في ورقة قادمة على تفاصيلها هي وكل كنوز الحوش….اسرعت لتسخين الماء وللقيام بغسلي في مرحلة اولى ثم لاطلاق عنان البخور __جاوي و وشق __ علهما يعطران الاجواء ….

الحادثة الاخيرة وقبل انتقالي لمرحلة التعليم الثانوي والتي بقيت عالقة في ذهني والتي كان لها تأثير كبير على مستقبل دراستي فيما بعد حادثة كانت مع معلمي في اللغة الفرنسية في سنة السيزيام __السادسة __هو فرنسي الجنسية __موسيو دوميناتي __ كان شابا في الثلاثين وكان وسيما جدا ويمتلك دراجة نارية __فاسبا __ وكان من المربين الذين لهم عطف خاص على كريم __تصوروا انه كان ينتظرني كل يوم بجانب __القنطرة __التي كانت وسط الساقية حتى اصل كي يحملني معه وراءه على الفيزبا للوصول الى مدرسة الفتيات بوادي القراوة . __واشكون كيفي عاد ؟؟؟ امير الامراء ..كان من ضمن مشمولاته البيداغوجية الرياضة علاوة على النحو والصرف والانشاء والاملاء والحساب باللغة الفرنسية وكانت الرياضة انذاك “الكرة السجينة ” (بالون بريزونييه) … وكنا مختلطين كما ذكرت آنفا وكانت جل الفتيات (الهسكة واختها) اعني مكتملات البنية الجسدية اذ انه مع اجبارية التعليم وقع تسجيل التلاميذ انذاك حتى وهم في سن الثانية عشرة في السنة الاولى ابتدائي …وتخيلوا فقط تلميذة في السادسة ابتدائي وهي في سن ال18 ….. لي ثقة في خيالكم حتى ادخر الوصف لامور اخرى ….

وكان موسيو دوميناتي ابدا ان يترك حصة الرياضة تمر دون لمسهن ومداعبتهن …والرغبة طبعا مشتركة …وكنت وانا __التنتوفة جسدا وعمرا __ ارقب ذلك بعين خجولة ….ولكن متفطنة …وكان موسيو دوميناتي يعرف اني اعرف وانا اعرف انه يعرف اني اعرف دون النبس ببنت شفة ….ربما كذلك لانه كان يحبني وينتظرني __ اي واحدة بواحدة انت تصمت وانا اجازيك .__..اقول ربما … لانه ربما ايضا لاني كنت متفوقا في دراستي باللغة الفرنسية عنده تماما كما اللغة العربية وهي التي شغفت فيها بمطالعة الكتب منذ الرابعة ابتدائي __ كامل الكيلاني عبدالمجيد جودة السحار في البداية ثم التدرج بعدها الى غراميات احسان عبدالقدوس في السادسة ابتدائي ….ذات يوم ونحن في تمرين حساب عند السيد دوميناتي من كتاب __الف وثلاث مائة مشكل __ كان ابن المدير السيد الدشرواي هو التلميذ الذي اتقاسم معه الطاولة الاولى في القسم …كان المشكل عسيرا بالنسبة لابن المدير فالتجأ خلسة الى الكتاب الاحمر لالف وثلاث مائة مشكل حيث فيه الحلول …قام بنسخ الحل واعدنا التمرين الى موسيو دوميناتي …يوم اعادة التمارين باعدادها نظر دوميناتي الى ابن المدير نظرة استغراب __انه يعرف تلاميذه جيدا و يعرف مقدرة وكفاءة كل واحد منهم __واستجوبه عن السر في التوصل الى الحل …

براف … اعترف التلميذ بفعلته ونال ما كتب له من عقاب __والعقاب انذاك ضرب بانماط مختلفة ولعل افظعها حسب ما اشاهده من توجع التلاميذ الضرب بالعصا على اطراف الانامل واليد ملتفة …بعدها نظر لي سي دوميناتي وسألني ..هل شاهدته وهو يستعمل الكتاب الاحمر ؟؟؟ ولاني لم اكذب يوما على اي معلم في الابتدائي__ على عكس الثانوي الذي اذا لم يوجد الكذب لكنا اخترعناه __اجبت اذن بصدق وعفوية نعم …نظر الى بغضب وقال .. لماذا لم تبلغني بفعلته ؟؟؟؟ لم اجبه ولكني لم اكن يوما قوادا ثم حتى اذا كان لي ذلك هل اقود بابن المدير ….ولم استفق من غفوتي الا و__داودي __يهبط على خدي ……….. كانت الواقعة بحجم الدمار دماااااااااااااار دمرني فتك بي اشقاني واتعسني …انا الذي لم تمتد اليه يد طيلة حياتي التلمذية …ثم من عند من ؟؟؟ من موسيو دوميناتي بالذات …..وكانت نقطة القطيعة مع مادة اللغة الفرنسية ومع مادة الحساب طيلة تعليمي الثانوي …

ياااااااااااااااااااااااااااااااااه كم هي جميلة تلك الايام وكم احس باليتم وانا اعود لروادها واضيف: رحمهم الله … …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم … الورقة 85

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:
حتّى اختتم الحديث عن دورتنا التكوينية في الراي اونو والتي كانت على امتداد شهرين، عليّ ان ادوّن هذه الملاحظات التي بقيت عالقة في خانة الذكريات ..

عبد الكريم قطاطة

كلنا نعرف ان السفر مع فرد او مجموعة عنصر هام لمعرفة ذلك الشخص او تلك المجموعة معرفة عميقة .. وسفرة ايطاليا لم تخرج عن هذا الاطار ..اكتشفنا مثلا (القرناط) الذي يستخسر في نفسه شراء قهوة، في بلد اشتهر بمتعة قهوته… اكتشفنا اناسا غاية في الضمار الجميل، وكنا نحسبهم غاية في المساطة… اكتشفنا ميولاتنا الى السهرات بكلّ الالوان من حيث مشروباتنا، ومن حيث ميولاتنا لمشاهدة نوعية اخرى من البرامج الايطالية في القنوات الخاصة والتي لا يصلنا بثها الى تونس… وانا ما نقلّكم وانتوما ما يخفاكم (كولبو غروسّو ـ الضربة الكبيرة) مثال من تلك البرامج التي هي في شكل مسابقات والعاب حيث يتنافس فيها رجل وامراة للاجابة عن بعض المسابقات وبعد كلّ سؤال يقوم الخاسر بنزع قطعة من ثيابه… ستريبتيز، ما تمشيوش لبعيد .. ينتهي خلع الملابس وقت نوصلو لهاكي الاشياء …

روما ايضا هي عاصمة الاناقة في اللباس .. تقف امام واجهة متجر لبيع الملابس للرجال وللنساء ..تقف ساعات مشدوها بجمالها وفيانتها ومصدوما باسعارها … وتكتفي بالعشق ..نعم وقفت مرة امام متجر واعجبت بكوستيم (بدلة) ايّما اعجاب ..وغادرت ..وأعدت زيارة نفس المتجر مرات ومرات ولم اشتر البدلة ..الذي يعرفني يعرف اني من النوع الترتاق الفلاق في الفلوس ..ولكن كان كلّ همّي ان اخصص مدخراتي المالية لعائلتي ..وفي الاخير اشتريت ما شاء الله من ادباش وهدايا لعائلتي واكتفيت بقميص لي .. فقط فقط فقط …

وعدنا الى تونس بعد انقضاء فترة التدرب التكويني .. وان انسى فانني لن انسى ما حدث لي عند وصولي الى مقرّ سكناي بصفاقس ..ولدي انذاك كان عمره سنة ونصف ..نظر اليّ نظرة باهتة لا روح فيها ..ثمّ وبعد ثوان ارتمى بين احضاني دون ايّة اشارة من ايّ طرف من العائلة ..سعادة مثل هذه المواقف تدّخر منها فرحا طفوليا من الابن ومن والده ما يكفي لسنوات من الازمنة العجاف …نعم من مثل هذه الاحداث يستمد الواحد منّا طاقة لا تفنى في مواجهته لمصاعب ومصائب الزمن .. يكفي ان يتذكّر طفلا له يرتمي في احضان ابيه بتلك السعادة والفرح حتى يقول (وان تعدّوا نعمة الله لا تُحصوها)…

سنة 1988 عشت فيها اذاعيا محطات لا يمكن ان انساها ..اوّلها التفكير ثم الانجاز لمشروع اسميته انذاك في احد برامجي (من اجل عيون الطفولة) ..والذي اردته تفكيرا منّي وانجازا من المستمعين في شكل بعث مكتبات خاصة بالاطفال المقيمين بالمستشفيات الجامعية… لنخفّف من احزانهم ووحشتهم ولنعوّدهم على مقولة (الكتاب خير جليس وخير انيس) ..قمت بدعوة المستعمين للقيام بحملة تجميع الف كتاب او مجلة لكلّ مكتبة وكان التآلف عجيبا مع هؤلاء المستمعين… ولم تمض 3 اشهر حتى ارسينا اوّل مكتبة بقسم الاطفال بالمستشفى الجامعي الحبيب بورقيبة بصفاقس ..وتواصل المشروع مع مستشفيات اخرى ..

كنت وما زلت مؤمنا بانّ التونسي عندما تكلّم فيه لغة العقل والقلب يستجيب ..وهذا عامل من عوامل تفاؤلي الدائم بتونس والتونسيين ..اعرف انّ تونس دخلت مرحلة سوداء في العلاقات المجتمعية والعائلية منذ 2011 ..ولكن ثقتي لا حدود لها في انّ معدن الانسان الاصيل مهما مرّغوا انفه في مخططاتهم (ونجحوا ايما نجاح في ذلك ) لا بدّ ان يعود الدرّ الى صدفته .. فالذهب قد يعلوه الغبار ولكن ابدا ان يصدأ …في نفس السنة فكّرت ادارة اذاعة صفاقس في تخصيص مساحة اسبوعية للشباب حيث ينتقل فريق اذاعي الى مناطق عديدة من الجنوب التونسي لربط مباشر مع الاستوديو الذي كنت اشرف عليها تنشيطا… هدف البرنامج اعطاء الفرص وعلى امتداد 3 ساعات للشباب ليعبروا عن مشاغلهم بكلّ حرية وبعيدا عن ايّة رقابة ..ايّة رقابة … وهذه التجربة كانت منطلقا لبعث اذاعة الشباب في اذاعة صفاقس سنة 88 وساعود للحديث عنها ..

في اكتوبر سنة 88 قامت الاذاعة التونسية بتجربة جديدة في البث الاذاعي اسمتها (فجر حتى مطلع الفجر)… وكما يدلّ العنوان هو برنامج مباشر ينطلق في منتصف الليل ويتواصل حتى الخامسة صباحا… وهو برنامج يومي ويُبث بشكل مشترك بين الاذاعة الوطنية واذاعة صفاقس واذاعة المنستير ..ينشطّه من الاذاعة الوطنية مجموعة من الزملاء ونصيبهم في ذلك 5 ايام في الاسبوع… بينما بقيّة فتات الاسبوع تتقاسمه اذاعة صفاقس واذاعة المنستير حصّة واحدة في الاسبوع …وشكرا على هذه الصدقة ..والله لا يضيع اجر المحسنين ..

كنت انا من عُينت لتنشيط تلك الحصة اسبوعيا ممثلا لاذاعة صفاقس … وللامانة كانت مناسبة متميّزة لمستمعي الاذاعة الوطنية ونظرا إلى انّ بثّ اذاعتنا لا يصل لبعض مناطق البلاد حتى يكتشفوا اصواتا اخرى والوانا اخرى واجواء اخرى… وهنا اتقدّم بالرحمة على روح الزميل الحبيب اللمسي الذي كان رابطنا الهاتفي مع المستمعين المتدخلين في ذلك البرنامج من غرفة الهاتف للاذاعة الوطنية… وسي الحبيب كان ممن يسمونه حاليا (فان) لعبدالكريم…

في اكتوبر 88 حدثان هامان عشتهما في مسيرتي الاذاعية… اولها الاعتراف بديبلومي الذي نلته من المعهد الوطني للعلوم السمعية البصرية بباريس سنة 1979 .. اي نعم بعد 9 سنوات من الاهمال والظلم… والفضل في هذا يعود للمرحوم صلاح معاوية الرئيس المدير العام لمؤسسة الاذاعة والتلفزة ….علم بالاشكال الحاصل بيني وبين الادارات والمسؤولين الذين سبقوه، فدعاني لمكتبه ودعا مدير التلفزة انذاك الزميل مختار الرصاع والكاتب العام للمؤسسة، وطلب منهما وفي اقرب وقت رفع المظلمة التي تعرضت لها ..وفعلا وفي ظرف اسبوع قام بانهاء تلك الوضعية التي طالت وبكلّ جور ..

الحدث الثاني وقع بعد زيارة المرحوم معاوية لاذاعة صفاقس للاطلاع على حاضرها وآفاق تطويرها … يومها التقيته في كواليس الاذاعة وكان صحبة زميلي رشيد الفازع الذي انتمى في بداية السبعينات الى نفس دفعتي عندما قامت بتكويننا لتدعيم التلفزة التونسية باطارات جديدة كلّ في اختصاصه ..رحّب بي المرحوم صلاح الدين معاويو وهمس لي: ايّا اش قولك تشدلي انتي اذاعة الشباب ؟؟ ..واذاعة الشباب هذه انطلقت في اذاعة صفاقس منذ 1988 وهي عبارة عن فترة زمنية بساعتين من السابعة الى التاسعة مساء… فوجئت صدقا بالمقترح ..وعرفت في ما بعد انّ المرحوم صلاح الدين معاوي كان ومنذ بداية الثمانينات متابعا لاخباري بحلوها ومرّها في اذاعة صفاقس ..

اعيد القول اني فوجئت بالمقترح ..بل لم يستهوني ..وهاكم الاسباب ..انا منذ دخولي لمصدح اذاعة صفاقس كان لي مخطط لمستقبلي المهني ..هذا كان مخطّطي: 10 سنوات اذاعة …10 سنوات تلفزة … وبقية العمر ان طال العمر للسينما …. و(اللي يحسب وحدو يفضلّو) لان الانسان في كلّ حالاته ..في طفولته .. في شبابه .. في كهولته .. في شيخوخته ..وفي كلّ قرارات حياته منذ الولادة الى المغادرة لا تخطيط له ..نعم هنالك “اجندا الهية” نخضع اليها جميعا .. قد تاخذنا نرجسيتنا وثويريتنا لنقول: سافعل .. سافعل .. سافعل ..ولكن وعند الوصول الى سنّ الحكمة سنكتشف اننا جميعا خاضعون للاجندا الالهية … انا كنت وسابقى دائما من المؤمنين بالارادة والطموح والفعل …وهذا لا يتنافى مع ما قلته بل هو متناسق مع (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) ..

اعود للعرض المقترح من السيد صلاح الدين معاوي وكان ردّي الفوري: تي انا نخمم نوقّف العمل متاعي في الاذاعة لانتقل للعمل كمخرج في التلفزة وانت تقللي اذاعة الشباب ؟؟ وفعلا انا منذ سنة 88 قررت التحضير لمغادرة المصدح ولكن على مراحل اوّلها ردم كوكتيل من البريد الى الاثير واعلان وفاته .. بالمناسبة، عندما سمع المرحوم صالح جغام بنيّتي في ايقاف الكوكتيل (قطّع شعرو) كما تعرفونه رحمه الله عندما يغضب ..طلبني هاتفيا وقال لي: يا خويا عبدالكريم يخخي هبلت توقف الكوكتيل ؟؟ برنامجك ضارب ودائما الاول في الاستفتاءات السنوية .. اش قام عليك ؟؟ ضحكت وقلت له يا صالح ستعرف يوما الاسباب وبعدها نحكيو…

انذاك فكرت في ايقاف الكوكتيل وفعلت ..الكوكتيل اصبح في اذهان المستمعين اسطورة ..وانا من موقعي الفكري كنت دوما ضدّ الاساطير … اذن عليّ ان اكون متناسقا مع نفسي واوقف الاسطورة ..نعم ربما بقساوة على نفسي وعلى المستمعين اوقفت الكوكتيل ..وتلك هي المرحلة الاولى ..وفي المرحلة الثانية التجات للتعويض .. عوضته في مرحلة اولى ببرنامج مساء السبت ثم باصدقاء الليل …واختيار هذه المواقيت كان مقصودا ايضا ..كنت محسودا على فترة الكوكتيل من العاشرة الى منتصف النهار وكان بعض الحساد ينسبون نجاحي الى تلك الفترة الزمنية من اليوم ..لذلك ومع كوكتيل الاصيل ومع البرامج التي ذكرتها كنت اريد ان ابرهن انّ نجاح ايّ برنامج ليس مأتاه فترته الزمنية… بل اقول اكثر من ذلك، المنشط هو الذي يخلق الفترة الزمنية وليست الفترة الزمنية هي التي تخلق نجاح المنشط ..وحتى عندما اوقفت الكوكتيل وعوضته بمساء السبت كان في نيتي وبكل حزم ان انهي علاقتي بالمصدح سنة 1990 لانتقل الى مخططي وادخل في الحقبة الثانية وبدءا من 1990 في عشرية العمل التلفزي …

سمعني السيد صلاح الدين معاوي بانتباه وبتركيز شديدين وانا اعلمه بنية مغادرتي العمل الاذاعي سنة 90… وقال لي (ما اختلفناش… شدّلي اذاعة الشباب توة، وعام 90 يعمل ربّي .. هذا طلب اعتبرو من صديق موش من رئيس مدير عام) ..ابتسمت وقلت له طلبك عزيز وعلى العين والراس لكن بشرط ….في بالي فيه البركة مع الورقة 85 .. وطبعا ندّلل عليكم لاترك ماهيّة شرطي الذي وضعته، للورقة المقبلة …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

رغم عيوبه السبعة… الأمريكان يعيدون دونالد ترامب، ولا يستعيدون “معجزة” 2008!

نشرت

في

عبد القادر المقري:

فوز دونالد ترامب بعهدة ثانية (غير متصلة) في سدة البيت الأبيض يحمل معه عددا لامتناهيا من الدلالات… خاصة إذا عرفنا أن منصب الرئيس الأمريكي هو عبارة عن “واجهة” لتوازن قوى وإرادات ونوايا داخل الطبقة النافذة وأجهزتها، بأكبر قوة على الأرض حاليا.

عبد القادر المقري Makri Abdelkader

قد يبدو الأمر مستغربا خاصة من وجهة بلدان كمنطقتنا حيث تتجمع كل السلطات في يد شخص واحد تسبغ عليه أجلّ الأوصاف البشرية وفوق البشرية وحتى الإلهية… وهذا طبيعي بحكم الموروث الذي تراكم لدينا على مر آلاف السنوات، وتمركزت فيه السلطة بشكل مبالغ فيه لدى أفراد حملوا مختلف الألقاب التي توحي بالعظمة والقهر والسلطان المطلق، وبات ذلك مقبولا وبديهيا لدى العامة مهما كانت قشور بعض الدمقرطة هنا وهناك… وحتى في العشرية الماضية التي يسوّق أصحابها أنها كانت قوسين ديمقراطيين وسط عصور من الاستبداد، فلقد تصرف “الديمقراطيون” بشكل لا يختلف عمن سبق وعمن لحق… ويكفي هنا التذكير بذلك “الاعتصام” الذي دفعوا إليه بأنصارهم سنة 2012 أمام مبنى التلفزة التونسية، وطالبوا خلاله بعودة الإعلام الوطني إلى تمجيد “إنجازات” الحاكم، بدل عملنا الإخباري المحايد الذي حاولنا الشروع فيه بعد جانفي 2011…

إذن أسفرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن عودة دونالد ترامب إلى الحكم مجددا كإحدى النوادر في تاريخ تلك البلاد… إذ تذكر المصادر أنه وحده رئيس قديم يدعى “كليفلاند” حكم في بداية القرن 19 فترة أولى، ثم خسر معركة التجديد، وعاد بعد ذلك إلى البيت الأبيض … أما الـ 55 رئيسا الباقون فكانوا إما يجددون وهم في مكانهم، أو يخرجون خروجا لا رجعة بعده… وهذا قد يعكس قوة شكيمة لدى شخصية ترامب المضارب العقاري الذي لا ييأس وفي جعبته صبر التجار وعنادهم الأزلي… ويترجم هذا الرجوع خاصة رغبة الـ “إستابليشمنت” الأمريكي في حسم بعض الملفات التي بقيت مفتوحة، بل مبعثرة الأوراق، في عهد العجوز المريض جو بايدن…

من هذه الملفات أو في صدارتها الحرب في أوكرانيا… هي كما وصفها عديدون حرب أوروبية أوروبية، وقد اندفعت في خوضها (بالوكالة) إدارة بايدن أولا لتأكيد زعامة الولايات المتحدة على الحلف الأطلسي… وثانيا ربما لانتماء الرئيس المتخلي إلى جيل ولد ونشأ وكبر ومارس السياسة والأعمال زمن الحرب الباردة، وخلّف ذلك لديه نفورا من السوفيات والروس وكل ما له صلة بهم… فضلا عن سبب ثالث يتم التطرق إليه بين الفينة والأخرى وهو أنشطة ابنه “هونتر” التجارية ومصالحه بأوكرانيا، فيما يتهم الروس بايدن الإبن بامتلاك مختبرات في كييف لإنتاج أسلحة كيميائية… وعلى العموم، فقد كلفت هذه الحرب الخزينة الأمريكية ما يزيد عن 174 مليار دولار على الأقل، من المساعدات العسكرية والاقتصادية … حسب آخر تصويت من الكونغرس (الذي كان يسيطر عليه الديمقراطيون) في شهر أفريل الماضي…

وفي هذا الباب، يقف دونالد ترامب على النقيض من بايدن… فمعروف عنه موقفه غير العدائي من روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين خاصة… بل يمكن وصف علاقة الطرفين بنوع من التفاهم إن لم يكن بالصداقة… كما أن ترامب ينتهج بعضا من نظرية “مونرو” الانكفائية خصوصا في ما يتعلق بعدم الالتزام بقضايا لا تهم المصلحة الأمريكية المباشرة… فكما قلنا، الصراع الأوكراني هو شأن أوروبي، ومكانة هذه القارة (سيما بعد أن أصبحت اتحادا) في سياسة ترامب لا تعدو كونها منطقة منافسة أكثر منها حليفا تندفع الولايات المتحدة للذود عنه والإنفاق عليه…. وهذا ما يفسر تخوف العواصم الأوروبية من مآل السباق نحو البيت الأبيض، وهي عارفة ما ينتظرها في صورة رجوع ترامب بعد أن جربته في العهدة الأولى…

وتبعا لهذا، من المنتظر رؤية عديد الالتزامات الأمريكية الخارجية تتقلص إن لم نقل تتلاشى بصفة شبه كلية… لا ننسى أن ترامب انسحب من تعهدات دولية عديدة كالتي حول المناخ مثلا، وأهم منها تهديده المستمر بالانسحاب من الحلف الأطلسي ولو جزئيا… ويستتبع ذلك كما أسلفنا انحسار “السخاء” الأمريكي في مساعدة دول هذا الحلف عسكريا وحتى اقتصاديا… دول هذا الحلف ومن ترضى عنه هذه الدول أيضا… ولعل أول من استبق هذا الانحسار، كان إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي الذي سارع إلى ترميم علاقاته بدولة كالمغرب… وقد تتبع ذلك خطوات مماثلة مع دول عربية وإفريقية تجمعها علاقات “تاريخية” بفرنسا والمتروبول الأوروبي عامة (في سياسات الهجرة والتأشيرات ربما)… وقد تمثل هذه الفضاءات وأسواقها بديلا، إلى حد ما، عن الدعم الأمريكي لاقتصاد القارة العجوز… عكس ما يتوقعه اليمين الأوروبي المتطرف من قمع متزايد للهجرة، اقتداء بسياسات ترامب في بلاده من هذه الناحية…

فلسطينيا… وإن كانت سياسة واشنطن المنحازة كليا للكيان الإسرائيلي لا تختلف بين شتى الجالسين في المكتب البيضاوي، إلا أن تفاصيل صغيرة قد تتغير مع إمساك ترامب بمقاليد إدارة الصراع… وهنا يتوجب الانتباه إلى الدور الإيراني في مجريات الأحداث الأخيرة الناجمة عن هجوم 7 أكتوبر 2023 وما تلاه من عدوان إسرائيلي ماحق على غزة والحنوب اللبناني… وسواء كان الطرف الثاني في مواجهة الاحتلال منظمة حماس أو تنظيم “حزب الله”، فإن هذه الفصائل تمثل باعتراف إيران نفسها، أذرع طهران في المنطقة إضافة إلى مثيلاتها في سوريا والعراق واليمن البعيد…

وإذا كانت المواجهة في عهد بايدن ظلت تكتفي بمحاربة الأذرع العربية دون المساس بالجوهر الإيراني، فإنها مع ترامب قد تغيّر مسارها ومرماها تماما… ترامب له حساب قديم مع طهران وبرنامجها النووي وليس في وارده “ملاطفة” إيران كما فعل بايدن، كما أنه قد يركز على ضرب إيران مباشرة وتهدئة الجبهة مع أذرعها… مما قد يفضي إلى تشجيع تغيير في حكومة الكيان (وقد بدأت التصدعات بعد في فريق نتنياهو) يقضي بوقف ولو تدريجي لإطلاق النار في قطاع غزة وجنوب لبنان…

يقيت نقطة أخيرة في ما يخص “كامالا هاريس” المرشحة سيئة الحظ… لقد أثبتت هذه المرأة رغم هزيمتها، شجاعة وديناميكية منقطعتي النظير… امتطت قطار الانتخابات وهو سائر لتعويض “جو بايدن” بُعيد انسحابه المفاجئ في 21 جويلية الماضي… فيما كانت الحملة الانتخابية في أوجها على مسافة 100 يوم فقط من يوم الاقتراع، وفيما كان منافسها ترامب جاهزا منذ أشهر وحملته ماضية على أشدها… فكان عليها أولا الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي ولم يكن ذلك بديهيا، ثم خوض حملة طاحنة في فترة قصيرة، ثم خاصة الرد على مثالب الخصم الشرس حول رئيسها وفترة حكمه، ثم حولها شخصيا وحول مقدار كفاءتها لاعتلاء منصب الرئيس…

ولئن تجاوزت الولايات المتحدة إرثها المثقل بالميز العنصري عند انتخاب أوباما كأول رئيس أسود ومن أصول غير بروتستانتية (ولا مسيحية حتى) سنة 2008، ولأسباب انكشف أنها جاءت وفق “كاستينغ” متلائم مع مرحلة تصعيد الإسلام السياسي لحكم البلاد العربية… فإنه لا يبدو أن ذلك سيتكرر بسهولة، خاصة أن هاريس تعترضها “عوائق” ما زالت ذات وزن في العقلية الأمريكية والغربية عامة… ورغم التطور الكبير في العقليات، إلا أنه يبدو أنه لم يحن الوقت بعد لرؤية امرأة على رأس بعض الديمقراطيات الكبرى… فقد فشلت “هيلاري كلينتون” سنة 2016 في سباق مماثل نحو الرئاسة الأمريكية، كما فشلت قبلها “سيغولين روايال” في فرنسا سنة 2007، وكلاهما بيضاوان أوروبيتان أصلا ومفصلا…

وهذا ما يضيف أسهما إلى شجاعة امرأة ذات أصول إفريقية وآسياوية، مثل كامالا هاريس…

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 84

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

الحديث عن ايطاليا البلد الذي احتوانا في تدرّبنا بالراي اونو حديث يحتاج الى مجلّدات .. اليوم ساحدثكم عن ايطاليا والمعمار والجمال ..

عبد الكريم قطاطة

لا نختلف في انّ جمال المدن الايطالية له رونق خاص وهذا ما دفع بالبعض وهو يصف بعض هذا الجمال يردد مقولات من نوع: (اشاهد فينيسيا، اي “البندقية” المدينة العائمة، ثم اموت) VEDERE VENEZIA E MORIRE .. … رغم انّ تاريخ هذه المقولة يؤكّد انها قيلت عن مدينة نابولي وليس فينيزيا ..ولانّ الجنوب كان ومازال ضحية التحيّل والظلم، تحوّل المثل الى البندقية … اي نعم كل جنوب قدره الاحتقار ..وحتى ايطاليا نفسها الواقعة في جنوب اوروبا يعتبرها الاوروبيون الاخرون حثالة اوروبا… رغم انهم يدركون جيدا انّ الفنّ خُلق في ايطاليا ..والسباغيتي ايطالية او لا تكون… والمثلجات بفففففففففف دنيا اخرى .. خللي عاد من الكورة المحنونة .. نودّكم ولا نشهّيكم ..

نحكي على اوروبا .. اما كي نحكيو على العالم كُرويا بالنسبة لي تبقى البرازيل عنوان السحر وتجي بعدها تونس (متاع الجرو والقادري!! .. ايّا نبدّلو هالصحيّن) .. في زمن ما… القرن الخامس عشر… اصبحت ايطاليا زعيمة العالم ورائدته في الفنون والثقافة ..وهو ما يسمّى عصر النهضة ..طبعا النهضة متاعهم موش النهضة متاعنا …ما اقرب طز لشرّڨ …في ذلك الزمن وتحديدا في افريل 1507 وضع البابا يوليوس الثاني حجر الاساس لبناء معلم الفاتيكان… والذي هو وبعبارة موجزة يمثّل مكّة بالنسبة للمسيحيين، لانّه مركز القيادة الروحية للكنبسة الكاتوليكيّة… وككل المشاريع الضخمة في المعمار كان عرضة للعراقيل لانّ بناء معلم الفاتيكان نهائيا لم يتمّ الا في 14 ماي سنة 1590 …

وكيف نكون في روما ولا نزور الفاتيكان؟ … الفاتيكان اصبحت فيما بعد اصغر دولة في العالم 0 فاصل 49 كيلومتر مربع مساحة… وسكانا لا يتجاوز تعداده 850 فردا ..هذه المعلومات اسوقها فقط للتذكير بها لكن ما هالني وانا ألج إلى كاتدرائية “الفاتيكان”سيكستين” هذا المعمار الضخم والرهيب …كنت اتساءل كيف للانسان في ذلك الزمن (القرن 15) ان يشيّد مثل ذلك المعلم وبذلك الحجم ..اعمدة رهيبة طولا وسُمكا .. كيف صنعوها ؟؟ كيف رفعوها وهي طولا بحجم عشرات الامتار وسُمكا بقطر دائري ضخم؟؟ .. بكلّ امانة لم ار في حياتي لا الواقعية ولا الافتراضية معلما بتلك العظمة… وهو مُحلّى بابهى الزخارف والفسيفساء اتسمعني ليونارد ديفنشي ؟؟ وبتماثيل عملاقة … قلت في بداية توصيفي له هذا المعلم الرهيب ..اي نعم ..رهبته تتمثّل في انّ كلّ من لا يحمل في قلبه ايمانا عميقا بالاسلام، قادر هناك في لحظات وجيزة ان يعتنق العقيدة المسيحية !…

معلم آخر وهو في قلب العاصمة روما لا يمكن لكلّ زائر للمدينة الخالدة ان لا يذهب اليه .. انها نافورة تريفي (لافونتانا دي تريفي) ..النافورة تُعدّ من اجمل نافورات العالم وهي من مواليد القرن السابع عشر واستغرق بناؤها 30 سنة… و منذ ولادتها ولحدّ الان ظلت محلّ رعاية واصلاح وتطوير (كيف المعالم التونسية اللي عندنا بالضبط قريب يطيحو على روسنا … وهي المصنفة في خانة “دار الخلاء تبيع اللفت”)… الشيء الخاص بنافورة تريفي انّها تختزن اسطورة منذ القدم ..فالسائح عند الوقوف امامها عليه ان يرمي بقطعة نقدية في فسقيّتها… حسب المعتقدات الايطالية، فإن القاء تلك القطعة النقديّة يحقّق لصاحبها كلّ ما يتمنّى وحتما سيعود لزيارة روما ..انا كنت طبعا من الذين القوا بالقطعة النقدية .. فقط لاخذ صور تذكارية … ولانّ نيتي كانت مخوّزة .. لم تتحقق برشة امنيات ومللي دفنوه ما زاروه …

الايطالي في حياته انسان (تعشقو عشق) يحبّ جدّا الحياة بكلّ ملذّاتها .. وفي نفس الوقت يؤمن بالعمل كقيمة حضاريّة ..الايطالي يمكن ان نفهمه من اغنية لـ”توتو كوتونيو” بعنوان (دعوني اغنّ)… لاشاتا مي كانتاري… لانه حتى وهو يتحدّث ويداه في حركات سمفونية رائعة، يغنّي .. حتى وهو يمشي (وهنا الاصحّ حتى وهي تمشي) هي تغنّي وترقص …الباعة الذين ينتصبون كلّ ايام الاسبوع في اماكن مخصصة لهم يعرضون بضاعتهم على الآخرين وهم يغنّون .. ربما هم من فهموا (المغنى حياة الروح … يسمعها العليل تشفيه ..وتداوي كبد مجروح ..تحتار الاطباء فيه ..وتخلّي ظلام الليل .. بعيون الاحبّة ضيّ .. شوي شوي شوي شوي غنيلي وخذ عينيّ) .. اصبحت لديّ شكوك في انّ الكبير محمود بيرم التونسي صاحب كلمات هذه الاغنية عمل حرقة في زمانو لايطاليا واستلهم من روح شعبها الفنان في كلّ شيء ..اغنية الستّ غنيلي شويّ شويّ …

وهنا يتوقف قلمي عن مواصلة الكتابة ..معناها بعد رائعة بيرم كلمة، وزكرياء احمد تلحينا، والستّ غناء نواصل انا في لغوي؟؟ عيب يا عبدالكريم عيب …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار