تابعنا على

جور نار

ورقات يتيم … الورقة رقم 8

نشرت

في

رسم زواج الكرتون noivos الحب الطفل png

في صائفة الخامسة “ابتدائي” حدثان هامان عاشهما الحوش …اولهما زفاف ابنة عمي الوسطى (جميلة رحمها الله) وثانيهما خطوبة اختي الكبرى، سعيدة اطال الله في انفاسها …

عبد الكريم قطاطة
<strong>عبد الكريم قطاطة<strong>

في عرس ابنة عمي وهي اول مناسبة فرح في حوشنا تجند الجميع للحدث ـ وهذه احدى مزايا عائلاتنا في الحوش ـ في مناسباتنا الكبرى وفي الاعياد ايضا سلوكيات اهل الحوش تصبح رائعة للغاية … انذاك ينسى الجميع كل خلافاتهم ومشاحناتهم ويتجندون للحدث … واذكر جيدا من ضمن تلك الخلافات التافهة جدا في مضمونها ولكنها المعبرة جدا عما يعيشه سكان الحوش من تضايق وتوتر من ابسط الاشياء .. اتذكر ذات يوم عشية صيف حمل ابي زاده وزواده (سطل وجمّاعة) لجمع “كعبات” هندي …بعضه اخضر كما احبه انا والبعض الاخر اصفر، اي مكتمل النضج، كما تحبه والدتي … ورغم امتلاك كل عائلة في حوشنا لـ “طوابي” تابعة له ومقسمة بعدل، فان سي محمد بدا له يومها ان يجمع الهندي من طابية مشتركة بين الجميع …

دخل سي محمد مزهوا بما جناه من الطابية المشتركة …نظر له “سيدو” (اخوه الاكبر) ولم يرق له هذا الصنيع فقال له وبصوت ساخر وهادئ: “علاه يا محمد ما عجبتك كان هاكي الطابية يخخي جنانك ناقص طوابي والا ما فيهمش هندي؟ … وكعادة سي محمد، اللي ما يقبلش كلمتين خوات، نظر له بعين حادة (وهو مكسبه الوحيد لان عينه الاخرى فقدها منذ صغره بعد ان اعتدت عليه امه للا امنيية وليست منية، بمنكبها دون شعور) …نظر ابي الى اخيه الاكبر وزمجر قائلا: “حسدتني يا سيدي في عقاب كعبات هندي؟؟؟ طيب اهو تو نوريك فيهم” …طرح سي محمد كل ما جمعه ارضا وانهال عليه رفسا بساقيه، هاذي تنفع هاذي تضر حتى تركه “قد قد هو والقاعة” والقاعة تعني الارض …

ضحك عمي محمود بكل سخرية وشماتة وانتهى الامر …والدي رحمه الله بقدر ما كان سريع الغضب حاده …بقدر ما كان في المقابل سريع النسيان لا يحمل حقدا لاحد …اتذكر دائما ان عمي في الغد قدم من سوق الغلال بساقية الزيت من عمله (كدلال) وهو يحمل كعادته بعض الكعيبات من الدلاع والبطيخ والفقوس التي يجمعها من كبار الفلاحين كجزء من حقوقه وهو “يدلل” على بضاعتهم .. قدم ونادى للجميع، “ايا ايجاو” ….كان كل مرة يقسم المحصول مجانا على العائلات الثلاث …وكان يوكل الامور لوالدتي حيث يرى فيها الحاكمة العادلة في عملية القسمة …طبعا وافراد الاحزاب في حوشنا _ كيار الفتيات وخالتي وزوجة عمي الاوسط الذي كان “اينابت” inapte )غير كفيء في برج المراقبة (لانه كان شبه ضرير بالكاد يرى …

كانت هذه الجموع تحتشد لتراقب العملية انطلاقا من confiance c’est bien contrôlé c’est mieux …. نعم للثقة ولكن وجب الحذر .. ثم يكتب اسم رب كل عائلة في قرطاس صغير ويطوى بعد ان يخرج سي كريم خارج قبة برلمان العملية ويقع طي هذا القرطاس ثم ينادي احدهم ان “ادخل يا عبدالكريم سايي” … في خلوتي كنت امني النفس بالكدس الفلاني ..ربما لوجود فقوسة اعجبتني لا غير رغم ان امي كثيرا ما كانت تردد “بين الماء والفقوس كان تحريك الزروس” وادخل واقوم بوضع كل قرطاس على كدس من الكدوس … وكل واحد وسعدو يا وعدو …هل لاحظتم الشفافية والديموقراطية درءا لكل فساد او شيطنة …؟؟؟؟ لا ارهاب ولا ترهيب ….يشبه كثيرا تونس ما بعد 14 جانفي وحتى ما قبلهK لكن في الهم عندك ما تختار _….

يومها وبعد ان تمت القسمة نظر عمي الى ابي وقال …اش قولك يا محمد خويا موش هالبطيخة خير من كعبات الهندي المحنونين ..؟؟ ابتسم ابي وقال وهو ينظر الى البطيخة بنهم …لا، هايل ما عندي ما نقول …ربما هو تذكر انه عندما خطب امي (وكانت كل اعين ابناء اعمامها ‘بروجكتورات’ عل جسد الوالدة تكتفي بمتعة الحملقة …ومن يقدر على اكثر من ذلك وابوها بشاربيه وبكاريزما يوسف وهبي …تخاف منه وتهابه صقور العشيرة فما بالك بصبيانهم لن يتجرأ احد على التحرش بالحوهرة المصونة والدرة المكنونة محسونة …دعوني اهمس للعدول، كتاب قران معظم الزيجات _…بجاه مولاكم …. تخلصوا من هذا التوصيفات التي اسمعها منذ قبل ميلاد المسيح في كتابة عقد قران يوم الاشهار ..يا الله اعجزت قريحتنا الى ذلك الحد…..؟؟؟ ابناء عمها كان كل واحد منهم يمني النفس بالحصول عليها يوما ما نظرا إلى جمالها وحذاقتها كما يقول عنها كل من يعرفها …اما انا فهي عندي اجمل الجميلات واكثر النساء “حذاقة” اي حكمة .. لا شحا …

ربما تذكر ابي عندما خطبها وفاز بقصب السبق وتزوج بها وهو ابن عمتها، قولته الشهيرة عنها ( مختالا فخورا): بطيخة .في جدر العيايدة، قفزلهم بيها بوك محمد قطاطة … وبقي حتى يعد عشرات السنين من زواجهما اكبر حزار على “بطيخته” من جميع الاعين وخاصة من اعين ابناء عمها …

اعود لعرس ابنة عمي الوسطى جميلة …هي كانت اجمل بنات عمي الثلاث واكثرهن طموحا لرجل “يملا عينها”_بكل المفاهيم … الا انها كصبية تنتمي الى عائلة فقيرة ما كان للحظ ان بيتسم لها ولمطامحها …كانت عينها كبيرة _وحظوظها صغيرة الى ان تقدم بها السن (بعد العشرين) … اخيرا كان عليها ان تقبل بالذي تقدم اليها هو يفتقر انذاك للماديات وحتى لقبه ما كان يرضيها، ولكن ميزته انه شاب ووسيم وعندما سألها اعيان الحوش عن رأيها في هذا الخطيب اجابت:على كيفو ..هو خير من غيرو آش ما زال في العمر …رغم ان اهله سحاق ويظهرولي عقارب يعطيهم عقرب …ووالله ما ان اتمت كلامها حتى صاحت بكل حرقة “عقرب عقرب” …نعم لدغتها العقرب …في الحياة هنالك اشياء لا تخضع لاي منطق وستكتشفون العديد منها في القادم ..المنطق الوحيد (اقدار ) …

في عرس جميلة كنت صغير السن ولعل ما طبعته ذاكرتي انذاك ما لذ وطاب من مأكولات… ياشي دواور ياشي سفنج ياشي هرقمة … في كلمة، زردة قمقومة …اذكركم بأني ولحد يوم الناس هذا لم اكن اكولا بالمرة …كما تقول والدتي عني (انت اللي يسمعك تحكي على الماكلة يقول الدنيا خلات …وانت تاكل كان بعينك …وقتاش ماشي تصير تاكل وتربي لحمة وشحمة كيف اندادك ..را ك جلدة على عظمة !) … في ذلك العرس ايضا كان اول عهدنا بآلة التصوير …_المصورة ابن خالي رحمه الله جلبها لاخذ صور تذكارية للعرس …وقتها ولاول مرة في حياتي وقفت مع العائلة لاخذ اول صورة بالابيض والاسود طبعا …عندما اعود اليها الان (وستجدونها موثقة في النسخة الورقية) احس وانا الذي ادرس طلبتي تقنيات الصورة انها على بساطتها من اروع الصور …بل واقولها دائما لطلبتي …التصوير تقنيات نعم ولكنه في باطنه اعمق، لان الصورة قد تكون جميلة تقنيا ومطابقة لقواعد التصوير ولكنها لا تعني شيئا اذا كانت لا تحمل رسالة ..وهذا هو سر جمال الصورة الاولى في حياتي انها كنز من الرسائل …لعلني اوجزها في (هي وثيقة تاريخية لزمن ما، في وقفتنا …في اصطفافنا …في اعين سي محمد الرقيب …في توزيع الفتيات والفتيان … اي انها ديوان فني وتاريخي لعصر ما) …

الحدث الثاني في تمام سن الخامسة خطوبة اختي الكبرى …سعيدة … اختي الكبرى و كسائر صبايا الحوش وهن اربع …. لم تكن “سعيدة جدا” بعرس ابنة عمها …هي تكبرها عمرا نعم …ولكن سعيدة وصلت الى سن التاسعة عشرة ولم يتقدم اليها اي خطيب ..؟؟؟ يا لهول المصيبة خاصة وهي اجمل واصغر من بنات عمها …وحتى الشاب الذي احبته في مراهقتها وهو عطار العائلة لم يكن يقنع العائلة ماديا … لذلك كان كل عرس لاندادها في الاهل او الاقارب يمثل بالنسبة لها وللاخريات نكبة … وحتى ضحكاتهن البلاستيكية لا يمكن ان تخفي ما في صدورهن من حسد لهن و رغبة في نيل نصيبهن والانعتاق من كهف العائلة … نعم العائلة انذاك كانت تمثل بالنسبة للفتاة سجنا فحياتهن يوميا شؤون المنزل المرهقة … ولا دخلة ولا خرجة، النسمة لا …ورغم ذلك تراهن يتأففن عند شكواهن من هذا السجن المقيت ويضفن ( ولا محمود لا مشكور) خاصة مع امهات من نوع والدتي اللواتي يحرصن على تعليم بناتهن كل فنون الطهي وكل شؤون المنزل من الفه الى ابعد من يائه …وكانت كل مرة تعبر فيها اختي سعيدة عن ضجرها من تلك الاشغال الشاقة تنهال عليها عيادة كشلال لا يتوقف: “سكر عليا جلغتك ولم عسلك ماخذة الرجال ساهلة هي ؟؟ حتى تتعلموا اش يلزمها تعرف المرا …تحبوهم يقولو علينا لا ترحم من ولد ومن وربّى؟ تحبونا نقعدو لدعا الشر .؟؟؟ وتتمتم سعيدة بكلمات غير مفهومة الاكيد هي من نوع “وقتاش يحي هالراجل وترتاحو مني ونرتاح منكم” …

ذات يوم عاد سي محمد الى المنزل مغتبطا على غير عادته …واشتمت عيادة بحدسها المرهف ان غبطته وراءها اشياء وكعادتها كتمت الاسئلة الكامنة في صدرها …واجلتها الى ركن الاسرار في بيتنا والى توقيته …النساء اغلبهن في ذلك الزمن يعرفن من اين تؤكل لا فقط كتف ازواجهم بل كل شيء فيهم …فيحددن لموعد الاستفراد بهم (الليل) ولمكان نفس الاستفراد عندما تنفرد بكل ما بقي من عقله وهو تقاسمه فراشه …انذاك فقط وفقط وفقط يمكن لهن ان يطلبن من المغرر بهم “حليب الغولة” … وانذاك فقط وفقط وفقط يصبح سي السيد طيعا لينا لا يرد (بفتح الياء) اي طلب لشهرزاده حتى ولو كانت الواحدة منهن شمطة الشمطات …ليلتها استفردا ببعضهما وانبأها برغبة شاب في خطبة ابنته الكبرى وبكل سعادة وحبور ..ابي كمعظم الرجال منذ الجاهلية… ومازات نوعيتهم لم تنقرض بعد ….لا يحبون كثيرا البنات …..واذا تخلوا عن الوأد الفعلي فانهم عوضوه بالوأد الافظع: المعنوي … وابي احد هؤلاء بل وصل به الامر كلما توفيت واحدة من اخواتي البنات (وهما اثنتان رحمهما الله توفيتا و هما رضيعتان) الى رد فعل كم هو مقيت ….كان يشتري السمك عنوة ليشويه احتفالا بما حدث وهو امر تستعيذ فيه امي من الشيطان الرجيم لمثل هذا الصنيع لان شواء الحوت في حدث الوفاة يعني طربا بالحدث …غفر الله لهم جميعا …

ابي كان سعيدا بخبر هذا الشاب الذي لم يلتق يوما اختي ولا يعرف عنها شيئا باستثناء ان اباها هو ابن عم ابيه …سعيدا كان ابي لاسباب عديدة اولها على الاطلاق ان هذا الشاب لم يلتق يوما بابنته (اطمأن هكذا على ان ابنته ابنة اصول) ثانيهما انه بزواجها سيتخلص من عبء مصاريف فرد من افراد العائلة وهو لم يدرك بعد ان الزواج بكل مصاريفه كم هو مكلف …. وثالث اسباب سعادته انه …ولد قطاطة (شوف يا سيدي هاكي العائلة الكبيرة التي كان يفاخر بها ابي كما يفاخر اي رجل انذاك بلقبه وكل قرد في عين بوه غزال) …وكأنه يتجاهل ان عائلتنا هي عائلة عادية في حسبها ونسبها كسائر العائلات في صفاقس اي هي (وكما تنبزه امي) ليست كعائلات الشرفي والمنيف والشعبوني والسيالة حسبا ونسبا وتضيف بصوت عال: و ما تنساش بن عياد زادة (وهو لقب عائلتها) …

الا انه كان يقهقه ملء شدقيه وهي تذكر هذا اللقب الاخير ويستنجد بابن عمه (الاستاذ الشيخ محمد قطاطة وهو احد اساتذة العربية بالحي الزيتوني، كما أنه خريج التعليم الزيتوني بجبته الفاخرة وسيارته الفاخرة انذاك بيجو 203 رحمه الله) يستنجد به وهو الوحيد في عرشيْ قطاطة وبن عياد الذي وصل الى ذلك المستوى التعليمي، لان من تبقى لم يتجاوز افضلهم الرابعة ابتدائي في زمن الامية والجهل والعنطزة … يستنجد والدي ليفحمها بـ “عندكم في آل بن عياد شكون كيف الشيخ محمد ؟؟؟” … وللامانة كانت والدتي تجل هذا الشيخ اجلالا كبيرا لا فقط لعلمه بل لدماثة اخلاقه وهدوئه ورصانته وهي صفات قل ما توجد انذاك في المجتمع الرجالي حيث علو الصوت والسب والشتم وحتى الضرب هي عناوين رجولة …

كانت ترد عليه: “الشيخ محمد هاكا امو ولدتو وبعد هز ربي متاعو ماكيفو حد، هاكا دقلة العرجون متاع القطاطيين … اما البقية صيش “…وماكانت امي لتقول له مثل هذه السبة لو لم تكن سيدة الموقف زمانا ومكانا …..يبتلع سي محمد ما تبقى من ريقه ويواصل: لا علينا …الشاب هو محمد ابن المرحوم محمود ولد عمي …وتنفرج اسارير والدتي ابتهاجا …انه يتيم الابوين ووحيدهما …وفي الغد وهي تسر لاختي بالخبر تبدأ بالقول: “ما نعرفش منين جاتك يا بنتي دعوة خير ليلة القدر …جاك واحد لا ام لا بو لا اخت لا خو” …. امي كانت مدركة تماما لصعوبة مراس ابنتها التي هي باختصار نسخة من ابيها، لا في شكلها فقط بل وهو ما كان يخيف امي في طباعها (عنيدة سريعة الغضب) ولكنها وتماما مثل سي محمد لا تحمل ضغينة او حقدا …

تهللت اسارير وجه اختي بفرح مشوب بحذر وبرغبة جامحة في رؤية هذا الفارس الذي انتظرته دهورا (وهي انذاك في سن التاسعة وعشرة كما قلنا) عله يكون “مزيان وشباب”…ولا تسألوني عن فرحتها يوم زارنا مع ابن اعمه الاكبر منه سنا، الحاج علي وزوجته رحمهما اللهن ليتقدما رسميا لخطبة اختي …لا تسالوني عن تلك الصبية وهي تقدم طبق القهوة لضيوفها المبجلين وعيناها تبحلقان لاول مرة في وجه فارس احلامها .. كادت تسقط الطبق من فرط ما رأته ..شاب وسيم للغاية يصغرها بسنة وفي غاية الادب والحشمة …اية اقدار واي كم من السعادة لم تستطع تحمله …كان كل جسدها الممتلئ يرقص ويغني ويقول اشعارا ويكتب دواوين العشق والوله والشبق من اول نظرة …وكان هذا الشاب اليتيم الابوين و المقطوع من شجرة لا حماة تعكر صفوها ولا اخت راجل تنكد عليها معيشتها ..كان هذا الشاب ليس اقل منها سعادة …كيف لا وهي اولا ابنة عمه وثانيا المرأة الكنز جمالا بمفاهيم الجمال انذاك (المرأة المكتنزة والجميلة المحيا) والراقصة في مشيتها يفعل اكتناز قطبها الفوقي وقطبها الخلفي _ تماما كما يصفها نجيب محفوظ في اغلب رواياته او كما قرأناعن مثيلاتها في بداية مراهقتنا في كتاب الروض العاطر في نزهة الخاطر (وللاثنين عودة) …

اشتبكت الاعين واشتبكت النظرات ووصلت الرسائل المشفرة الى كليهما …وقضي الامر…. .وتنحنح الحاج علي بعد ان فهم من الشاب محمد الاعجاب وبعد التأكد من همس بينهما لم نع منه شيئا وبعد ان خرجت اختي الى وسط الحوش تتلصص بالسماع عما سيحدث …تنحنح الحاج علي وبسمل وحمدل ثم نطق: “يا بن عمي محمد، ولد ولد عمك محمود راهو راغب في بنت عمو واحنا جيناكم طالبين راغبين في بنت الحسب والنسب وعلى كل حال الماء اللي ماشي للسدرة الزيتونة اولى بيه وزيتنا في د قيقنا” …تصبب جبين ابي عرقا وجمع شتات عبقريته في التعبير وتنحنح ثم قال …يا ولد عمي العين ما تعلا على الحاجب اما انت تعرف الشرع يلزمني نشاورها …ضرب الحاج علي بلطف على ركبة ابي واجاب: “يا ولد عمي احنا عندنا بنات يعصيو كلام والديهم ؟؟؟” … لكن ابي لبس جبة المتقين واصر على موقفه قائلا: “ما عندناش يا ولد عمي اما اللازم لازم” …ثم صاح دون انتظار اي تعليق للحاج علي: “يا سعيدة وينك ؟”… وبسرعة تفوق سرعة الضوء دخلت سعيدة على عجل وهي تتمتم: “انعم يا بويا” …

عرض الوالد عليها الامر فطأطأت رأسها (زعمة زعمة طاعة وحشمة) وقالت بارتجاف لا يمكن ان يكون الا من نوع: “توة هذا كلام يا بويا؟! …هذي اللحظة اللي اغلى عندي من كل الدنيا وما فيها) … واسرعت بعرض محفوظات بنات ذلك الجيل: اللي تعمل انتي مبروك يا بويا، انا نلوي العصا في يدك؟؟ … وصاح سي علي آهي بنت الاصول اية ان شاء الله مبروكين على بعضهم …اوكى توة بعد نحكيو في الشرط …وهنا تدخلت الحكيمة والدتي لتفول: “يا سي علي اللي يجيب ليلو واللي يخللي ليلو” … وللامانة والدتي كانت صادقة في ما قالت لان هذه العبارة يرددها الجميع في البداية ثم بعد “ما يوحل المنجل في القلة والفاس في الراس” تتهاطل الشروط على العروس المسكين ويذعن لكل الطلبات …

وتهللت اسارير الفرح لدى ذلك الشاب لانه صانع مبتدئ في صناعة الاحذية وتهللت اسارير الفرح لدى اختي خوفا من شروط قد تنهي الموضوع او تؤجله الى زمن لا ترغب في ان يكون بعسر الجبال …وهنا تدخلت للة البية امرأة الحاج علي لتختم: “هو ولد باب الله اما بصنعتو وما تخافوش عليه والراجل ما يتيعبش خاصة كيف يكون كيف سلفي محمد اطمانوا ماعندوش لا زايد ولا ناقص، وباش ما نطولوش المشاور والمصاريف عندها كل موسم قفتها والعرس عام الجاي ان شاء الله “…وردت امي: اللي كاتبلهم ربي يصير …

هكذا كانت الامور تسير في ذلك الزمن بالنسبة لجل العائلات المعوزة وكان كلما تقدم احد لخطبة صبية منها يعلق جل المتدخلون في “مجلس الامن” (الجيران والاهل): سكّد سكّد بالشدة على الكاف، “اما خير والا تبورلكم” …_ اما اذا حدث ان توج الزواج بفشل مريع في الاختيار وهو السائد في اغلب الزيجات فان نفس مجلس الامن يجمع على (هاكا اش هزت مغرفتها) اي ملعقتها … وكم من ملاعق لعقت ومحقت سعادة العديد والعديد والعديد من الفتيات …. خاصة اللواتي اردن ان يخرجن من سجن الاب او الاخ او العشيرة فوجدن انفسهن في سجون اكثر فظاعة وبشاعة وبؤسا وتعاسة …

يااااااااااااااااااااااااااااااه كم كان “كوبل” اختي وزوجها رحمه الله مختلفا عن عديد الكوبلوات، رغم عناد اختي وغيرتها عليه وكم كان هو “مؤخرة ميتة” في مجابهة كل العراقيل، وكم كان نابضا بحبه للعمل ولعائلته ولي شخصيا …..وكم احسست باليتم وهو يعود من فرنسا في تابوت بعد عملية زرع كلية لم تثمر الا نهايته …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة
انقر للتعليق

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 114

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

في جويلية 2004 انتهت حقبة اذاعة صفاقس مع السيّد عبالقادر عقير رحمه الله وغفر له وعُيّن السيد رمضان العليمي كبديل له وتحديدا يوم 12 جويلية…

عبد الكريم قطاطة

والسيّد رمضان العليمي شغل قبل تعيينه على رأس اذاعة صفاقس منصي كاتب عام للجنة تنسيق “التجمع الدستوري الديمقراطي” (الحزب الحاكم وقتها) بقفصة ثمّ مديرا لاذاعة تطاوين… وكعادة ايّ مدير عند تسميته اجتمع بالمسؤولين في الادارة بقاعة الاجتماعات المحاذية لمكتبه… ليعبّر وكأيّ مسؤول عن امتنانه لرئيس الدولة صانع التغيير لتشريفه بتلك المهمة… وعبّر وكسائر المديرين عن سعادته بوجوده في صرح اذاعتنا ونوّه بتاريخها وبالسواعد التي عملت فيها… ودون الدخول في تفاصيل اخرى تعرفون جيّدا تلك الخطابات الممجوجة التي يلقيها المسؤولون في مثل تلك التعيينات…

بعد ذلك تعرّف على المسؤولين فردا فردا… ولمّا حان دوري نظر اليّ السيّد رمضان العليمي وقال: (سي عبدالكريم اشكون ما يعرفوش انه اشهر من نار على علم، وهو بالذات عندي حديث خاص معاه)… وانتهى الاجتماع… وبقيت انتظر ذلك الحديث معه… وطال الانتظار… وكتبت له رسالة مطوّلة لم استجدِه فيها العودة الى المصدح فالحرة تجوع ولا تاكل بثدييها… لكن كان من واجبي ان اعطيه فكرة شاملة لا فقط عن وحدة الانتاج التلفزي حيث اُشرف فيها على مصلحة الانتاج، بل عن اذاعة صفاقس بشكل شمولي… وذلك من خلال ما عشته وعايشت فيها مع زملائي من احداث ناصعة البياض واخرى رماديّة حتى لا اقول سوداء…

هذه المراسلة كانت بتاريح 17 سبتمبر 2004 اي بعد شهرين و5 ايام من تعيينه… وها انا اختار الفقرة الاخيرة من مراسلتي الطويلة علّها تًعطي فكرة واضحة عن هدف تلك المراسلة حيث خاطبته بالآتي: (اخي الفاضل… انّ غيرتي على هذه الاذاعة هي وحدها التي جعلتني اكتب اليك فانا لا اطلب برنامجا او فضاء او ما شابه ذلك… ولكنّ الخطر الكبير يتمثّل في عديد الاسماء التي لا يمكن ان تكون امام المصدح وفي عديد البرامج التافهة تصوّرا وانجازا… وفي بعض الاشخاص الذين لا يملكون الحسّ الاذاعي ولا الكفاءة ومع ذلك يديرون امور هذه الدار على هواهم… اخي الفاضل احببت ام كرهت… الآن انت مدير هذه الدار وقدرك ان تعيد لها هيبتها وجمهورها واشعاعها… وهيبتها لن تعود الا من خلال تطبيق القانون ورفع المظالم … وفقكم الله لتسلّق هذه الجبال من المصاعب واعانكم على ان تكونوا كالميزان في عدالته، الذي لا يهمه ان ارتفع بالفحم او باللحم، بالتبر او بالتين… اليست العدالة هي اساس العمران ؟؟)…

السيّد رمضان العليمي كما ذكر في اجتماعه الاول بالمسؤولين وعد بحديث خاصّ معي… وانتظرت ولم يأت ذلك الحديث الخاصّ… وارسلت له المكتوب الذي حدثتكم عنه ولم يأت ذلك الحديث الخاص وها انا انتظر لحدّ اليوم وعده ولم يات ولن يأتي ولا حاجة لي بأن يأتي… لا لانه غادر الاذاعة ولست ادري ماذا اصبح اليوم وكلّ الرجاء ان يكون في صحة جيّدة مع طول العمر… ولكن لانّ الاجابة عن ذلك الوعد الذي لن يأتي جاءتني من احدى الزميلات في اذاعة تطاوين وهي بالاساس مستمعة لي منذ من البريد الى الاثير … وذلك بعد ستّة اشهر من تعيينه على رأس اذاعة صفاقس… حيث خاطبتني عبر مرسال فيسبوكي خاص بالقول: (لا تنتظر مؤازرة من السيّد رمضان العليمي… انه لا يكنّ لك الودّ وهذا عرفته عندما وددت تكريمك في اذاعة تطاوين ولكنّه عبّر بشكل مباشر انّه لا يطيب بذكرك… لكنّي كنت مصممة على تكريمك واذعن لي لكن لبس عن طيب خاطر)…

انذاك فهمت انّ الحديث الخاصّ معي لن يكون وحتى طيلة عهدته باذاعة صفاقس تحادثنا مرّتين فقط… يوم جاءني لمكتبي بوحدة الانتاج التلفزي ليسأل عن مشاكل الوحدة وندرة انتاجها… اي نعم قلبو وجعو على وحدة الانتاج… وتقولوشي عمل حاجة ؟؟ اقسم بالله وكانّه لم يسمع شيئا مما سردته له… المرة الثانية التي قابلته فيها يوم أقام حفلا خاصا لتكريمي سنة 2006 بعد احرازي على وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس الدولة… وهو يصير منو ما يحتفلش بما قرره صانع التغيير؟…

ساعود لموضوع الوسام في ورقات قادمة… سنة 2004 ايضا وبالتحديد في 30 مارس شاء قدر الله ان يحرمني وللأبد من الوجود المادّي لوالدتي عيّادة… كان ذلك يوم اثنين… ولكن في الويكاند الذي سبق يوم الاثنين 30 مارس وتحديدا يوم الاحد 29 مارس كنت والعائلة وبعض من اهلي عائدين من الساحل بعد قضاء نهاية اسبوع باحد النزل… عندما وصلنا الى ساقية الزيت طلبت من سائق السيارة ان يتوقف.. اندهش الجميع لذلك… تصوروا انّ غايتي كان اقتناء قهوة او بعض المكسّرات للسهرة… توقف اذن ونزلت من السيارة وقلت لهم (كمّلوا ثنيتكم انا ماشي لعيّادة نحبّ نطلّ عليها ونبوسها وبعد نجيكم)… اندهش الجميع… يا ولدي اش قام عليك .؟ يا ولدي غدوة امشيلها … يا ولدي الدنيا مغربت .. تي راهي امّك في ساقية الدائر وانت في ساقية الزيت… تي راهو زوز كيلومتر موش شوية… تي هات على الاقلّ نوصلوك…

تعرفوه هاكة البهيم حاشاكم اللي يحرن ؟ اللي يعرفني يعرف انو من طباعي السيّئة وقت نحرن نحرن… وفعلا حرنت وزيد قلت لهم (انا طيلة دراستي الابتدائية كنت نجي من ساقية الدائر لساقية الزيت على ساقيّ… نحبّ نمشي على ساقيّ ونعيش شوية نوستالجيا ذلك الزمن… ايّا امشيو على ارواحكم)… وتوكّلت على الله وخليتهم داهشين في ها المخلوق وفي راسو الكبير وعنادو في احدى تلك اللوحات… صدقا كان هنالك احساس رهيب بداخلي وانا اقطع تلك المسافة… ذكريات… نوستالجيا… سعادة… وحزن لم افهم مأتاه…

وصلت الى مسكن الوالد والوالدة ومعهما اختي نبيهة التي تكبرني بسنة والتي لم تتزوج لإعاقة وُلدت بها ولم تقع معالجتها في زمن كان العلاج الطبّي نادرا جدّا… والتي لازمت الوالد والوالدة طيلة حياتهما، رحم الله الثلاثة… عندما دخلت للمنزل سلّمت على سي محمد… والدي هكذا كنت اناديه لا يا بابا ولا يا بويا ولا يابّا متع جيل توّة… ووجدت اخواتي الثلاث متحلقات حول عيادة… فرحت بي عيادة وباستغراب وقلق عن هذه الزيارة في وقت بدأ الليل يسدل ستائره ونظرت لولدها وسألتني: (يا وليدي لاباس عليكم ؟)… مسكت يدها وقبلتها وقلت لها وراسك الغالي لاباس توحشتك جيت نطلّ عليك اكاهو… تهللت اساريرها ونظرت الى اخواتي وقالت: (ما يعزش بيكم انتوما الكلّ في كفّة وعبدالكريم في كفّة راهو كفّتو تغلب)… وضحك البنات وأجبن (يخخي حتى تقوللنا؟..نعرفوا نعرفوا)… اعدت تقبيل يديها وبشكل جارف، لكأنّ القدر كان يهمس لي… اشبع بيها اليوم لانّها غدا ترحل…

في الغد وانا في مكتبي وكانت الساعة تشير الى الثالثة ظهرا هاتفني احدهم (لم اعد اذكر من هو) وقال لي: امّك مريضة وتحبّ تشوفك… ووجدتني بالنهج الذي تقطن فيه عيّادتي وسي محمد… وتسمّرت ساقاي عن المشي… سيارات رابضة امام المنزل… هذا يعني انّ عياّدة …. نعم دخلت وسالت اخوتي متى ؟ كيف ؟ بالامس كانت في صحة جيدة .. ماذا حدث ؟ لماذا لم تخبروني بما حلّ بها ؟… اجابتني إحداهنّ وقالت… كنا معها نتجاذب اطراف الحديث كما تعرفنا وفجأة قامت وقالت: (صلاتي ابجل من حديثكم سيّبوني نعطي فرض ربّي)… اقامت الصلاة ركعت ثمّ سجدت ثمّ هزّ ربّي حاجتو… وهي ساجدة…

دخلت فوجدتها مسجّاة في لحافها… دلفت اليها بهدوء لم ادر مصدره… رفعت الغطاء عن راسها… قبلت جبينها و قرات عليها نزرا قليلا من سورة البقرة (وبشّر الصابرين الذي اذا اصابتهم مصيبة) الى اخر الاية واعدت تقبيل جبينها و تقبيل يدها الباردة … والتي هي في برودتها وقتها كانت اشدّ حرارة من وهج الصيف في صحرائنا الكبرى… ورفعت يديّ الى خالقي وقلت (يا ربّي يجعلني كيفها)… لقد اكرمها الله بتلك الموتة الرائعة واستجاب لدعوتها الدائمة… يا ربّي يجعلني نهيّر في الفرش ونهيّر في النعش… ولأنّ الله قال في كتابه العظيم، سورة غافر آية 60: (ادعوني استجب لكم) واعاد نفس المعنى في سورة البقرة الآية 186، فالله اكرمها بان لا تقضّي حتّى يوما واحدا مريضة في فراشها…

الحمد لله اوّلا على قضاء الله… الحمد لله ثانيا على انّي نفذت وصيّتها لي بتلحيدها يوم دفنها… كان ذلك بعد اذان صلاة المغرب في المقبرة التي كنت اخاف من المرور بجانبها طيلة حياتي ليلا او نهارا… ولكن واقسم لكم بالله عندما ذهبت لتلحيدها في تلك الساعة، تحوّلت المقبرة امامي الى نور على نور… والحمد لله ثالثا انها رجتني في حياتها الاّ انقطع عن زيارة قبرها بعد وفاتها، وان احكي لها واطمئنها عن كل ما يجري في عائلتي…. وعائلات اخوتي… ووعدتها ولا زلت عند وعدي…

رحم الله عيّادة وابي واخوتي واهلي واصدقائي وزملائي… ورحم الله كلّ امواتكم واطال الله عمركم ومتعكم بالصحة والسلام الروحي …

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

جور نار

حرب عالمية… تجارية، دون ذخيرة حيّة… على الأبواب!

نشرت

في

محمد الأطرش:

يتساءل الجميع اليوم عن حجم ردود الفعل العالمية المنتظرة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن هيكل تعريفي جديد للولايات المتحدة في “يوم التحرير الثاني”… وهي التسمية التي أطلقها ترامب على يوم الثاني من أفريل من هذه السنة، ترامب يعتبر ذلك اليوم ثاني أهمّ يوم في تاريخ الماما بعد اعلان استقلالها يوم 4 جويلية من سنة 1776 …

يرى ساكن البيت الأبيض أن الإجراءات التي أعلن عنها يومها ستعيد الحياة للعصر الذهبي لأمريكا، وستجدد من استقلالها حسب رأيه… ولسان حاله يقول انه لم يجد حلاّ لمشاكل الماما الاقتصادية غير فرض ضرائب على دول الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية والبرازيل والهند والصين واليابان وكندا والمكسيك والعديد من الدول الأخرى، رغم أنه يدرك جيّدا ان أغلب هذه الدول ستعامله بالمثل وقد لا تخرج الماما من الازمة الاقتصادية بالسهولة التي يتصورها… فدول الاتحاد الأوروبي تسعى لتكوين جبهة موحدة في الأيام المقبلة لتقف في وجه ما قرره ترامب… ومن المحتمل أن يتم الاتفاق حول مجموعة أولى من الإجراءات المضادة تستهدف واردات أمريكية تصل قيمتها إلى 28 مليار دولار…

 هذا التحرك المنتظر يعني بالتأكيد انضمام الاتحاد الأوروبي إلى الصين وكندا في فرض تعريفات ردعية انتقامية على الولايات المتحدة في تصعيد مبكّر لما يخشى البعض أن يتحول إلى حرب تجارية اقتصادية عالمية… والخوف كل الخوف أن ترتفع تكلفة الآلاف من السلع لأغلب سكان المعمورة مما قد يدفع أغلب الاقتصادات حول العالم إلى الركود.

وتهدف الجبهة التي يسعى الاتحاد الأوروبي لتكوينها إلى الخروج برسالة موحدة تعبر عن النيّة والرغبة في التفاوض جدّيا مع ساكن واشنطن لإزالة التعريفات… مع التلويح بالاستعداد الدائم للمعاملة بالمثل والرد بإجراءات جمركية ثأرية مضادة، إن فشلت هذه المفاوضات في إزالة التعريفات الجديدة التي يريد ترامب فرضها على الجميع أو في التخفيض منها… ومن بين المنتجات التي حظيت باهتمام الجبهة الأوروبية الموحدة وأثارت قلق الرئيس ترامب، فرض رسوم جمركية جديدة على “البوربون” الأمريكي (الويسكي) بنسبة قد تصل إلى 50%… وهو الأمر الذي جعل ترامب يهدّد برسوم نسبتها 200% على النبيذ والشمبانيا وغيرهما من المنتجات الكحولية من فرنسا وإيطاليا وغيرهما من دول الاتحاد الأوروبي.

تغطي التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب على الاتحاد الأوروبي حوالي 70% من صادراته نحو الولايات المتحدة… وقد بلغت قيمتها الإجمالية 532 مليار يورو (585 مليار دولار) العام الماضي، مع احتمال فرض رسوم أخرى على العديد من الصادرات الاخرى في المستقبل إن تعنتت الجبهة الأوروبية وردّت بالمثل… وتفيد بعض المصادر ان المفوضية التي تنسق السياسات التجارية للاتحاد الأوروبي قد تكون اقترحت على أعضائها قائمة بالمنتجات الأمريكية التي يجب ان تخضع لرسوم جمركية إضافية، ردّا على ما فرضه ترامب من تعريفات جديدة على الصلب والألومنيوم بدلاً من الرسوم المتبادلة… ومن المتوقع أن تشمل هذه المنتجات اللحوم الأمريكية، والحبوب، وغيرها من المنتجات التي قد تثير قلق ترامب…

وبالعودة إلى تاريخ الصراعات التجارية التي شهدها العالم، يذكر جميعنا انهيار سوق الأسهم سنة 1929 والإجراءات الحمائية التي تبعته وما وقع في السنوات التي تلته… فقد تمّ القضاء على ثلثي التجارة العالمية إلى أن أعلن الرئيس الأمريكي فرانكلين د. روزفلت عن تخفيض الولايات المتحدة لجميع التعريفات الجمركية على أي شريك تجاري سيقوم بالمثل… لذلك لا يمكن تجاهل حدوث انخفاض حاد في التجارة العالمية لو تعنّتت جميع الأطراف وواصلت سياسات الردّ بالمثل وعدم العودة إلى رسومات جمركية يقبل بها الجميع …

لكن في هذه الحرب التجارية الطاحنة، لكن هل فكّر ترامب وخصومه في “كيف سيكون حال الدول الفقيرة وشعوبها؟؟” فأغلب الشعوب التي قد تتضرر مما اقدم عليه الرئيس ترامب عانت من أزمة 2008 ولم تخرج من اسقاطاتها وتبعاتها إلى يومنا هذا… وبعضها انهارت اقتصاديا بعد سنوات الكوفيد ولم تخرج إلى يومنا هذا من وجعها ومعاناتها… لذلك علينا ان لا ننسى أن أكبر الخاسرين هم أغلب دول إفريقيا وجنوب شرقي آسيا وبعض دول الشرق الأوسط التي لا تعيش على ما يجود لهم به باطن الأرض… فما يفعله اليوم ترامب وخصومه بالشعوب الفقيرة يعتبر جريمة وطوفانا مدمرا لاقتصاداتها فأغلب هذه الدول تعيش على التسوّل وقروض صندوق النقد الدولي ومساعدات البنك الدولي…

ترامب لم يفكّر في مصير شعوب الدول الفقيرة بل فكّر فقط في إصلاح اختلال ميزان الماما التجاري… ونسي اختلال الميزان التجاري لدول لا يفوق اقتصادها اقتصاد مدينة من مدن أفقر ولاية من ولايات الماما… فهل يزحف الركود التجاري والاقتصادي إلى اغلب دول العالم بما اتاه ترامب بشطحاته الغريبة؟؟ وهل يعود الجميع إلى العقل، أم أن حلقة تصعيد إضافية ستفتح؟؟… ويصل بنا الأمر إلى حرب عالمية تجارية قد تكون …تبعاتها أخطر من كل الحروب التي عرفها العالم؟؟

أكمل القراءة

جور نار

ورقات يتيم… الورقة 113

نشرت

في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عبد الكريم قطاطة:

من طباعي منذ كنت شابا انّ الله وهبني نعمة الصبر على كل شيء… وكان العديد من اصدقائي يغبطونني على (دمي البارد)… وعندما هرعت الى الله تعمّقت في داخلي القدرة على تحمّل كلّ المشاكل ومخلّفاتها… قد اكون واحدا من سلالة ايّوب، ولكن… واذا فاض كأس الصبر كما غنّى شكري بوزيان… واذا علا صوت ام كلثوم بـ (ما تصبرنيش ما خلاص انا فاض بيّ وملّيت)… وتختمها بـ(للصبر حدود يا حبيبي)… اردّ كأيّ بشر الفعل، لكنني كنت آخذ قراراتي ودائما باعصاب هادئة في ردّ الفعل…

عبد الكريم قطاطة

عندما اسرّت لي زميلتاي باذاعة الشباب بالحوار الذي دار بينهما وبين مديري سي عبدالقادر الله يرحمو… وفهمت انّ حدسي كان في محلّه بالشكّ في نواياه بعد الجلسة الصلحية مع زميلي الصادق بوعبان… تكسّر كأس الصبر… والكأس اذا تكسّر يستحيل لمّ شتاته…. ايقنت ان لا فائدة تُرجى من ايّ صلح بل وقررت ان تكون الحرب معه… اكاهو… وعليّ ان استعدّ لاوزارها… وليضحك كثيرا من يضحك اخيرا… انتهت السهرة الخاصة بتكريمي مع زميلتيّ وكانتا سعيدتين بها شكلا ومضمونا وعدت الى بيتي لاخطّط لحرب فعلية مع مديري…

وفي الصباح الباكر ذهبت لمكتبه… سلّمت عليه وسألته هل استمع الى حصّة التكريم البارحة… اجابني بالايجاب بل وشكرني على كلّ ما قلته في تلك السهرة… سالته باستعباط هل صدر منّي كلام او تعليق في غير محلّه لايّ كان؟.. اجابني: (ابدا ابدا، يخخي انت جديد عليّ نعرفك معلّم) … كنت جالسا فنهضت واقفا امامه واضعا كفّي يديّ على طاولة مكتبه وكأنّي تحوّلت من لاعب وسط ميدان الى مهاجم صريح وقلت له: (انا طول عمري كنت راجل معاك رغم كل الاختلافات والخلافات… ولم اقل في ظهرك كلمة سوء لكن وللاسف الذي حدث امس بينك وبين زميلتيّ في اذاعة الشباب ونُصحك اياهما بتغييري كضيف لهما اكّد بالدليل القاطع انّو بقدر ما انا كنت راجل معاك انت ما كنتش…..)

نعم هي كلمة وقحة ولكنّي قلتها لانّو فاض كاس الصبر… اندهش مديري منّي وانا اتلفّظ لاوّل مرّة بكلمة لا تليق به وقال لي: انت غلطت في حقّي راك.. قلت له: اعرف ذلك وانا جئت اليوم لاثبت لك اني ساعلن الحرب عليك ..ودون هوادة .. وصحّة ليك كان ربحتها وخرجتني قبل التقاعد مثلما قلت ذلك مرات عديدة، اما صحّة ليّ انا زادة كان خرجتك قبل التقاعد… وباش تعرف رجوليتي معاك ثمشي واحد يعلن الحرب على الاخر ويجي ويعلمو بيها ..؟؟ اذن اعتبرني من اليوم عدوّا لك ولكن ثق انّ الحرب بقدر ما ستكون شرسة بقدر ما ستكون من جانبي شريفة بمعنى ـ وربّي شاهد عليّ ـ لن الفّق لك ايّة تهمة لكن سافضح كلّ اعمالك)…

ولم انتظر اجابة منه… غادرت مكتبه وعزمت على التنفيذ… اتّصلت بالعديد من الزملاء الذين تضرروا من تصرفات مديري وسالتهم هل هم مستعدون للادلاء بشهادتهم كتابيا؟؟.. ولبّى العديد منهم طلبي… دون نسياني كتابة تقرير ل بكلّ ما حدث منذ قدومه على رأس اذاعة صفاقس… وللشفافية، كان هنالك ايضا تقرير على غاية من الاهمية وفي ثلاث ورقات كتبته احدى سكريتيراته وبتفاصيل مرعبة بعد ان ذاقت منه الويل… واعتقد انّ ذلك التقرير لعب دورا هاما في قرار اصحاب القرار…

اذن اصبح عندي ملفّ جاهز يحتوي على 30 ورقة ولم افكّر بتاتا في ارساله لا الى رئيس المؤسسة ولا الى ايّ كان… كان هدفي ان ارسله رأسا الى رئيس الدولة دون المرور عبر الرجل النافذ في الاعلام انذاك السيّد عبدالوهاب عبدالله الذي اعلم انه يكنّ لمديري ودّا خاصّا… وهذا يعني اذا يطيح بيه يبعثو لمؤانسة اهل الكهف (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)… وكم هو عدد الكلاب في حاشية الحكّام… لكن كيف يمكن لي ارسال الملفّ على الفاكس الشخصي للرئيس بن علي؟ ووجدت الحلّ (عليّ وعلى هاكة الناقوبة)… الناقوبة هي كنية لزميل يعمل في الصحافة المكتوبة وماشاء الله عليه في اجندا العلاقات… نعم مع الولاة مع الوزراء مع عدد لا يُحصى… تذكّرت وانا ابحث عمن يوصلني الى الفاكس الشخصي لرئيس الدولة…

تذكرت ذلك الناقوبة وتذكرت خاصة يوم زفافه… كنت يومها ممن حضروا حفل زفافه، خاصة انّ علاقتي به كانت من نوع علاقة الاستاذ بتلميذه… اذ هو ومنذ كان طالبا كان من مستمعيّ وعندما بدأ يخربش اولى محاولاته في الكتابة الصحفية مددت له يدي وشجعته … ولكن في اجندا العلاقات تفوّق الناقوبة التلميذ على استاذه… وللامانة حمدت الله على انّ اجندة العلاقات في حياتي سواء العامة او المهنية خلت من مثل اولئك الكبارات، هكذا يسمّونهم… ولكن وحسب ما عشته، قليل منهم من يستحق لقب الكبير…

يوم زفاف ذلك الناقوبة اشار اليّ من بعيد وهو بجانب عروسه كي اتوجّه اليه… توجهت لمنصة العروسين واقتربت منه فهمس في اذني (ماشي نوريك ورقة اقراها ورجعهالي) .. ومدّ اليّ تلغراف تهنئة لزفافه وبامضاء من؟… بامضاء زين العابدين بن علي… رئيس الجمهورية… الم اقل لكم انه باش ناقوبة ..؟؟ اذن عليّ به ليصل الملفّ الى الفاكس الشخصي للرئيس بن علي… بسطت له الفكرة وبكلّ برودة دم ووثوق اجابني: هات الملفّ وغدوة يوصل للرئيس وفي فاكسه الشخصي…

كان ذلك وسط شهر جوان ..ولم يمض يومان حتى هاتفني المرحوم كمال عمران المدير العام للقنوات الاذاعية ليقول لي: (يا سي عبدالكريم الملفّ الذي ارسلته للرئيس بن علي احاله لي شخصيا وكلفني بالقيام بابحاث مدققة مع جميع الاطراف وانت واحد منهم… ما يعزش بيك هذا امر رئاسي وعليّ تنفيذه)… اجبت على الفور: (وعلاش يعزّ بيّ؟.. ونزيد نقلك اكثر ما نسامحكش قدام ربّي اذا تقول فيّ كلمة سمحة ما نستاهلهاش)… وانتهت المكالمة وقام السيد كمال عمران رحمه الله بدوره كما ينبغي مع الجميع وللامانة ليست لي ايّة فكرة عن تقرير السيّد كمال عمران الذي ارسله للرئيس بن علي…

وما ان حلّ الاسبوع الاوّل من شهر جويلية حتى صدر القرار…ق رار رئيس الدولة باقالة السيّد عبدالقادر عقير من مهامه على راس اذاعة صفاقس وتعيين السيد رمضان العليمي خلفا له… يوم صدور القرار ذهبت الى مكتب سي عبدالقادر واقسم بالله دون شعور واحد بالمائة من خبث الشماتة… استقبلتني سكرتيرته زميلتي فاطمة العلوي ورجوتها ان تعلن للسيد عبدالقادر عن قدومي لمقابلته… خرج اليّ مديري الى مكتب السكرتيرة… سلّم عليّ ولم اتركه للضياع وقلت له : (انا ما اتيتك شامتا ولكن اتيتك لاقول لك انّ قرار اقالتك انا عملت عليه وانا الذي ارسلت الى الرئيس ملفا كاملا حول تصرفاتك ويشهد الله اني لم افترِ عليك بتاتا… الآن جئت لاودّعك ولأتمنى لك الصحة ولاقول لك انا مسامحك دنيا وآخرة…

عانقني سي عبدالقادر والدموع في عينيه وقال لي: (انت هو الراجل وانا هو اللي ما كنتش راجل معاك وربي يهلك اصحاب الشرّ)… غادرت المكان وتلك كانت الحلقة الاخيرة مع السيد عبدالقادر عقير رحمه الله وغفر له… سامح الله ايضا الشلّة التي عبثت بالمدير وبمصلحة اذاعة صفاقس وبالعديد من الزملاء… وهذه الفئة ذكرها الله في القرآن بقوله عنها (الملأ) ووُجدت في كل الانظمة عبر التاريخ وستوجد حتى يوم البعث… انها شلّة الهمّازين واللمازين والحاقدين والاشرار وخاصة ذوي القدرات المحدودة فيعوّضون عن ضعفهم وسذاجة تفكيرهم بنصب الفخاخ للاخرين وبكلّ انواع الفخاخ…

انهم احفاد قابيل…

ـ يتبع ـ

أكمل القراءة

صن نار