جور نار
ورقات يتيم… الورقة 108
نشرت
قبل 3 أيامفي

عبد الكريم قطاطة:
كما تلاحظون لم يهدأ لي بال منذ امس الا ووجدتموني مع انبلاج اول شعاع للفجر وأنا اهرع لكتابة الورقة 108 كما وعدتكم… انا على يقين انّ ما سأدوّنه فيها قد يلقى تماهيا مع البعض منكم وقد يلقى استغرابا ورفضا من البعض الآخر…

اذكّر بانّي لا اكتب لارضاء ايّ كان… اكتب فقط لأوثّق لتجربة إيمانية عشتها وهي تجربة شخصية بحتة بكلّ ما فيها من تضاريس وأودية وسهول وبحار… فرجاء وبعيدا عن الجدل والجدال من شاء منكم فليقرأها ومن شاء منكم فليرم بها في سلّة المهملات… ما عشته بعد بَوْحي لمعلّمي، سيدي علي الشعري رحمه الله، بكلّ شجوني وهواجسي… هدّأ روعي… شعرت بالثبات… دعوني أفسّر لكم ما معنى الثبات عندي… الواحد منّا عندما يلج البحر للسباحة يعيش متعة التزاوج مع البحر وموجه… يحسّ انذاك بمتعة الحرّية والتخلّص من جاذبية الارض… هو كالطائر … تتحوّل يداه الى جناحين يطير بهما في لجج البحر… نعم متعة هي السباحة ومتعة هو الطيران… لكن هل رأيتم يوما سبّاحا لا يعود الى الارض ويضع رجليه على اديمها ليحسّ بالثبات؟ هل رايتم طائرا مهما علا وطار لا يعود الى عشّه حتى يحسّ بالامن والامان…
ما قبل هروبي الى الله كنت كذلك السباح… ويوم عدت الى خالقي احسست بالثبات… احسست بالسلام الروحي… ذاك كان قلبي… لكنّ عقلي وكأيّ انسان يريد معرفة اسرار نفسه… اسرار الخلق… اسرار الكون… تحرّك عقلي… كنت وحتى قبل هروبي الى الله لا املّ السؤال عن كلّ شيء… جُبلت على حبّ المعرفة والبحث عن الحقيقة… ولعلّ دراستي لمادّة الفلسفة وانا تلميذ اذكت فيّ روح البحث والتحليل والنقد… ويوم قررت ان ابحث في ديني في القرآن… في السنّة… في تاريخنا الاسلامي… في الاسلام السياسي… كان قلبي ممتلئا ليس فقط بوجود الله بل بحتمية وجوده… كل ما فينا في تركيبتنا الجسدية وغرابة اسرار كل اعضائها… في عظمة الكون… يؤكّد انّ وراء ذلك خالق… اذن آمنت بالله ايمانا لا ذرّة للشكّ فيه… تماما كتلك العجوز التي رأت ابا بكر الرازي وحوله تلاميذه يسالونه عن امور فقهية… فاستغربت من الامر وسالته ماذا تفعل؟ فقال لها: انا اعطي لتلاميذي الف دليل على وجود الله… سخرت منه العجوز وقالت له: انا ليس لي واحد من الالف من الشك في وجود الله فاحتفظ بادلتك لنفسك… وهنا قال الرازي قولته الشهيرة: اللهم ايمانا كايمان العجائز…
لكن عقلي اراد ايضا ان يكون تماما كقلبي ثابتا في ايمانه… الم يقل الله في اوّل آية قرآنية: اقرأ؟ بدأت قبل كلّ شيء في التعرّف على القرآن… وذلك بقراءته عشرات المرات لا لكي اخرج للناس واقول لهم كما يفعل البعض انا اليوم اتممت الختمة رقم كذا… تلك النوعية عندي لا تختلف كثيرا عن عارضات الازياء يتبجحون علينا بعدد الختمات غفر الله لهم… كنت اقرأ القرآن لافهم عظمة هذا الكتاب… نعم قرأته عشرات المرات ولن ادّعي انّي الممت به… بل اجزم انّي ما عرفت فيه ومنه الا القليل… وأعتبر ذلك منطقيّا جدا… لانّه ليس بقلم البشر بل هو كلام الخالق وبين ما يكتبه البشر وكتاب الخالق بون كبير… الم يقل جلّ جلاله (قُلْ لئِنِ اجتمَعتِ الإنسُ وَالجنُّ عَلى أنْ يَأتوا بمِثلِ هَذا القرآنِ لا يأتُونَ بمِثلِه وَلَوْ كانَ بعْضُهُمْ لِبعضٍ ظَهِيرا ـ سورة الاسراء، آية 88)…
وهنا تحدّث عقلي فقال: اذا كان هذا القرآن معجزة الهيّة خصّ بها الله خاتم انبيائه فكيف يقوم البعض بتفسير معانيه بل كيف يجرؤ البعض على ذلك… خاصة والله يقول وبصريح العبارة (هُوَ الّذي أنزَل عَليْكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأمّا الّذِينَ في قُلوبهِمْ زَيْغٌ فيَتبعونَ ما تَشابَهَ منه ابْتِغاءَ الفِتْنةِ وابتغاء تَأويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تأويلَهُ إلاّ اللهُ والراسِخونَ في العِلْم)… وهنا قد يردّ البعض على تساؤلي حول تفسير وتاويل القرآن والمفسرين واندهاشي منهم بالقول: (اوكة ربّي قلّك ما يعلم تأويله الا الله والراسخون .في العلم)… هذه فئة لم تحترم كلام الله بل وقفت في ويل للمصلين كما يفعل العديد من شيوخ الفتنة… الآية التي ذكرتها لم تقف عند ذلك الحد بل واصل الله حديثه بقول: (وَالرّاسِخونَ في العِلْمِ يَقولونَ آمنّا بِهِ كُلُُّ مِن عِنْدِ رَبِّنا) .. اي آمنوا بالآيات المحكمات والمتشابهات…وليس معنى ذلك انهم قادرون على تاويله وتفسيره…
أحترم البعض من المجتهدين في التفسير ولكنّ احترامي مشروط بانهم يختمون اجتهادهم بعبارة (والله اعلم)… انا في قراءتي لمعرفة كتاب الله وصلت الى قناعة ثابتة في داخلي: القرآن امّا ان اؤمن به كوحدة لا تتجزّأ او لا معنى لايماني به… والحمد لله آمنت به وبكلّ شغف ومتعة ايضا ولم احاول البتّة ان ادخل في فهم ما صعب عليّ فهمه… بل وأعتبر ذلك مستحيلا على قدرتي الفكرية كبشر يريد ان يفكّ رموز كتاب الله… وهنا اذكر مثالا بسيطا… من يستطيع ان يفكّ رمز (كهيعص) اوّل آية في سورة مريم ؟ صدقا لا يقنعني لا الطبري ولا غيره…
الباب الثاني الذي ذهبت اليه لمعرفة ديني هو باب السنّة… وانا في تجربتي الايمانية وبعد دراسة العديد من البحوث حول سنة رسول الله واحاديثه بين العنعنة وبين الصحيح والضعيف والمنقول… عقلي اصبح يحترز جدا من الاحاديث التي رواها العديد عن الرسول لا شكّا في صدق الرسول معاذ الله فهو الصادق الامين… ولكن شكّا في من روى عنه… أليس من روى عن الرسول بشر ؟ لماذا يتم تصنيفهم جميعا من القديسين؟ الا يمكن بالتفكير السويّ ان نشكّ في العديدين منهم؟… الم يلجأ العديد ممن حكموا في الدولة الاموية والعباسية الى المفتين في عهدهم ليكتبوا زورا وبهتانا احاديث ادّعوا انها للرسول حتى يقضوا بها شؤون حكامهم… عذرا ايها البخاري… عذرا يا مسلم… عذرا يا ابا هريرة… نعم تولّدت عندي قناعة ثابتة ان لا اثق كثيرا في ما نقلتموه عن الرسول ولا اذهب الا مع ما يريح قلبي من تلك الاحاديث…
يا رسول الله! البخاري ياتي بعد موت الرسول بقرنين، وهو اصلا من بلاد فارس… باهي يقول القائل علاش لا… اسأل وباستغراب: البخاري عاش 16 سنة في البحث والتنقيب عن صحة احاديث الرسول… وعدد الاحاديث التي قام بدراستها تفوق 600 الف حديث… هل هذا معقول ؟ انا اتساءل وأشكّ… ومن حقي ذلك فانا لم اشكك في نبيّ او رسول… شككت في بشر مثلي ووحده الله من سيحاسبني على شكّي ولا اسمح لايّ كان بمحاسبتي، لاني لا اسمح لنفسي بمحاسبة اي كان على شكه… ولا حتى على كفره… الم يقل جلّ جلاله (وَمَنْ شاءَ فَلْيُؤمِنْ ومَن شاء فَلْيَكْفُر)؟… وماذا عن الفقهاء وعلماء الدين ؟ قديما وحديثا وفي أيامنا هذه؟…
حرصت ايضا على ان اقرأ للعديد منهم واستمع ايضا للعديد من تسجيلاتهم طمعا دائما في المزيد من معرفة ديني … وللامانة لم ارتح لاغلبهم… لا شكلا ولا مضمونا… انا لا ارتاح لايّ شيخ من الشيوخ ياتيني عابسا مكشبرا… الم يقرؤوا عن الرسول انه كان صبوحا بشوش الوجه؟ انا ايضا لم ارتح لمن ياتيني غاضبا مزمجرا… الم يقرؤوا في كتاب الله قوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)… واخرون ياتون متوعدين بالويل الثبور لكل من يحيد عن طريق الله… الم يقرؤوا في كتاب الله ما قاله عزّ وجلّ لموسى واخيه هارون (اِذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)… قولا له قولا ليّنا… قولا له قولا ليّنا… هذي ما قراوهاش وما شافوهاش ؟؟؟ ولمن القول اللين؟ لفرعون الذي قال انا ربكم الاعلى! وبعد يطلع واحد على المنبر او على شاشة التلفزيون ويصيح ويزمجر ويكفّر ويبعث بالبعض الى جنات تجري من تحتها الانهار وبآخرين الى السعير… تي اش تعمل يا شيخ؟ تي راك ازحت الخالق من على كرسيّ العرش ونصّبت نفسك مكانه لتحكم على البشر… اليس هذا نوع من الشرك الخفيّ؟؟
في المقابل طالعت وسمعت فقهاء في غاية التواضع والعمق… دعوني اقل لكم في تجربة ايماني انّي خليط من بعض الاسماء التي تماهيت معها وتعلمت منها الكثير… نعم انا خليط من محمد راتب النابلسي، فقيه سوري معاصر… محمد سعيد رمضان البوطي، فقيه سوري ايضا… محمد شحرور، مفكر وباحث سوري… ولعلّ اقربهم الى تركيبتي وتجربتي الايمانية، المصري مصطفى محمود…
ولكن ماذا عن مواقفي من الاسلام السياسي ؟؟ ويصير تاكزة من غير فحمة ..؟؟ واعرف انّ العديد ينتظرونني في الدورة ..ولكن من يعرفني يعرف انني اقولها واُمضي ولا امضي … نعم ساتحدث وبإطناب عن مواقفي من الاسلام السياسي في الورقة 109… والتي لن تتأخّر كثيرا هي ايضا… بإذن الله …
ـ يتبع ـ

تصفح أيضا
جور نار
دعاء الكوني ابن عمّتي… في اليوم الأول من رمضان…
نشرت
قبل 20 ساعةفي
1 مارس 2025من قبل
محمد الأطرش Mohamed Alatrash
محمد الأطرش:
اللّهُمّ في رمضان … أبعد عنا الرهدان… والسكبان… والط..ان… والمخنان… والفتّان…
والجوعان… والعريان… والجبان… والحرقان… والحرمان… والخذلان…


اللهمّ لا تحرمنا من الحليب… والسكر العجيب… وفنجان القهوة الحبيب…
اللهمّ لا تكتب لنا الوقوف في الصفوف… ولا تجمعنا ببائع مرخوف… ولا تحرمنا من سحور بالمسفوف… وابعد عنّا الخوف… وجريان الجوف…
اللهمّ لا تحرمنا من المصروف… ولا تقربنا من أصحاب الكلوف… ولا تحرمنا من لحم الخروف… وابعد عنّا المكتوف… والمقذوف… والملهوف…
اللهمّ ابعد عنّا الحُسّاد… والفُسّاد… والقوّاد…

اللهم لا تسلّط علينا الجلاّد… والكساد… والأوغاد… والقلق المعتاد… وأسراب الجراد…
اللهم لا تحرمنا من الإسناد… واللعب مع الأحفاد… والاطمئنان على فلذات الأكباد…

اللهم ابعد عنّا المخادعين… والمصفقين… والمتزلفين… والمنبطحين… والمنافقين… والخونة المنقلبين… ومن للجميل “ناكرين” … ومن لغير الله حامدين… والمتربصين… والكائدين… والحاقدين… والكذابين… والمتسترين بالدين…

اللهم اجعل موجودا كل مفقود … ولا تحرمنا من كيلوغرام سكر موعود… ولا من لتر “زيت الحاكم” المفقود… ولا من رطل فارينة موؤود… وابعد عنّا كل حاقد حسود… وكل منافق ودود… وكل متربص بنا ممدود… وكل من هو من الأوغاد “مسنود”…

اللهمّ ابعد عنّا شرّ الدعاء… وصحبة الرهوط التعساء… والخونة العملاء…
ولا تبعد عنّا الشرفاء… والأصدقاء الظرفاء…

اللهمّ اجعل كل حاقد “مكسور”… وكل حاسد “مبتور”… وكل مصفّق “مقهور”…
وكل شامت “مسحور”… وكل متلون “مشطور”…

اللهمّ لا تسلّط علينا الأردأ… والأسوأ… والأوطأ… وقرّب منّا الأجرأ…
والأكفأ… والأهدأ … والأدفأ…
آمين…


عبد القادر المقري:
… هذا في البلاد التي ارتفعت بالجمال قيمة ومبنى ومعنى، منذ عصر النهضة قبل سبعة قرون… أما الأوطان المنحطّة بطبعها فحدث ولا حرج…

في تونس حاولنا مقاومة الرداءة مرة أولى مع ثلاثينات القرن العشرين وظهرت عندنا الرشيدية وتحت السور والشابي… تجاوبا مع موجة عربية أكبر دشنها السوريون ثم سيد درويش ويوسف وهبي وعبد الوهاب وأم كلثوم والأخوين رحباني… وأصبحت آذاننا تصحو على صوت إسمهان وفيروز… دام ذلك عقودا طيّبة زامنتها استقلالات وبناء دول حديثة… غير أن الردّة لم تلبث أن أطلت برأسها شيئا فشيئا ثم بسطت سلطانها بدءا من السبعينات عربيا والتسعينات تونسيا… ورغم فاصل نهوض نسبي عرفناه بين 1980 و1989، فقد زحفت علينا منذ مطلع التسعينات ثقافة سفلية عنواناها الأبرزان “النوبة” و”الحضرة”…
هناك أغبياء كثر، وافقوا ويوافقون المحتالين الذين اجترحوا هاتين القمامتين مع تصنيفهما من ضمن الروائع… ولعبوا وقتها كما يلعبون الآن على وتر الأصالة والهويّة والشعبية والوطنية… فكان أن هجرنا التعلّم والتحديث والمستقبل والأناقة والذوق، وانزلقنا في مهاوي الماضي والألوان المتنافرة ولغة السوقة وأدب المنحرفين وموسيقى الهمج… انقرضت تقريبا من صباح إذاعاتنا أغاني فيروز وصرنا نصبّح على المزود ونمسي على الراب… واندثرت من مدارسنا وبرامج أطفالنا أناشيد مصطفى عزوز ومحمد المرزوقي وونّاس كريّم ومحمود الثامري والسيدة علياء … وحلّت محل ذلك فاطمة بوساحة وجرمانة وبن قمرة وولد نجمة وكافون والشاب الحبيطري وعلي حميدة وباقي الموكب العزيز… لا في المدارس فقط بل حتى في رياض الأطفال حيث يحتفل الصغار ويرقصون على هذه المسموعات…
اختفت الرقابة وتكاسل الرقباء أو جبنوا أو تم إخراسهم لتنفرد القنوات الخاصة بتربية الأجيال الأخيرة… وتحقنها بما لذ وطاب من الوساخات التي كان أصحابها إلى وقت قريب يمكن أن يوقفوا أو يُسجنوا لأقل من ذلك… كل هذا والعائلة كلها نعم كلها تتفرج من 3 إلى 93 سنة في نفس المكان ودون حاجز بين ما يصلح للكبار وما يصلح للصغار… والآن لم يعد ذلك ضروريا بما أن السمارتفون ومواقع التواصل كثفت قصفها وصارت في اتصال مباشر مع الفرد ووعيه وعزلته عن العالم… فخرج لك شواذ دون أن يحس بهم أحد، وطلع عاقون ومجرمون ومغتصبون وإرهابيون في غفلة من عائلات صارت بدورها في خبر كان… وفقدت المدرسة دورها الذي تجول إلى مجرد مصنع للأعداد والشهائد إن لم يكن لكل الطائفة الخطرة المذكورة منذ قليل… استقال الجميع آباء وأمهات ومدرسين ودولة… وأدلى ساسة البؤس بدلوهم في هذا العفن فإذا بأحد وزراء التربية ينحاز جهارا للتلميذ المشاغب ضد معلميه وإدارة مدرسته… وزاد في معركة قذرة بينه وبين النقابة، بأن أسند الارتقاء لعامة التلاميذ هكذا دون امتحانات… وإلى اليوم ما يزال يمد وجهه وتستضيفه القنوات، ليفاخر ببطولاته تلك بوقاحة تحسده عليها محترفات البغاء العلني…
واستفحلت الحال مع إطلالة “ثوريي” الظلام في 2011… لسنوات وعقود كان معظمهم في السجن أو هاربون في عواصم الخارج… ولا تصلنا منهم سوى نداءات ولوائح احتجاج ونتف أخبار ومواقف توحي بأنهم أنبياء مطهرون وبأن الفرج آت على أيديهم المباركة… وكان أن خلت المدينة وخرجوا من القمقم… استقبلتهم البلاد والمنابر والبرلمان والقنوات وجلسنا نستمع بلهفة إلى الغد المشرق الذي لا شك ستنطق به أفواههم… وانتظمت لذلك حوارات وندوات وبلاتوهات تلفزية سياسية متحررة… وكم كانت خيبتنا بحجم الانتظار وسنواته الطوال… فإذا بالأنبياء يتكشّفون عن عناكب وعقارب ومصاصي دماء… وإذا بالباقين من القدامى أنفسهم ينخرطون في السفاهة كما حصل للباجي… وإذا بنا أمام أدب جديد أتعس مليون مرة من الخطاب القديم الذي مججناه… لا، بل صرنا نترحم على أيام لغة الخشب التي كنا نلوم السابقين عليها… فهي على الأقل كانت تغلّف مقاصدها وتراعي (ولو نفاقا) مشاعر من يسمعون…
انفلت العقال فجأة وانثالت على آذاننا ورؤوسنا شلالات الكلام البذيء والشتائم القارحة والتهديدات المباشرة… للخصوم وللمذيعين ولجمهرة المتفرجين الذاهلين من كل هذا، أي نحن… وفي هؤلاء الساسة الجدد، من انتقل من القول إلى العمل… ومن الكلام الشنيع إلى الفعل الأشنع…
ـ يتبع ـ

جور نار
ڤالُولي جايْ ڤُمت نكَحّل ونفوّحْ… ڤالُولي راحْ ڤُلت اجعلتَهْ لا روّحْ!
نشرت
قبل 5 أيامفي
25 فبراير 2025
محمد الاطرش:
هل نحن بخير اليوم في تونس؟ وهل نحن كذلك في العالم أيضا؟؟ هل حقا لا شيء يقلقنا ولا شيء يعكّر صفونا ومزاجنا؟؟ هل نحن متصالحون مع ذاتنا ومع من هم حولنا؟ هل نحن حقّا بشر لنا ضمائر ومشاعر، ونحبّ كل الناس، ولا نستمع إلى همس الوسواس الخنّاس ومن يضمر الحقد لكل الناس، ولا نصدّق وشايات عمّ خليفة “البهناس” والخال مبروك “البزناس”…

هل نحن حقّا لا نكره، ولا نحمل ذرّة من الأحقاد في صدورنا؟؟ أليس من الواجب، ومن حقّ الأجيال القادمة علينا أن نعترف بصوت عال أننا لم نزرع حبّا في حقولنا، وأننا بذرنا الشوك فقط وقد تحصد أجيالنا القادمة الألم والوجع… أليس من الواجب ان نعترف بأن حياتنا ليست ورودا كما يزعم ويروّج بعضنا، وسماؤنا ليست بالزُرقة التي يزعمون ويصوّرون ويفاخرون… أليس من الواجب أيضا أن نعترف أن حياتنا ليست اشواكا في كامل مراحلها، كما يزعم البعض ويثقل كاهلها بكلّ خيباته ومعاناته ومآسيه وإخفاقاته وفشله… فالمتنبي كان على حقّ حين قال بأن العاقل يشقى في النعيم بعقله وبأن الجاهل يسعد في الشقاء بجهله… فالحياة أشواك وأوجاع حين يدرسها العاقل، ويحللها ويفكك شفرتها ويغوص في أعماقها ليردّ كل شيء إلى علّته…
كما أن هذه الحياة تصبح عند الجاهل ورودا، فتستعيد السماء زُرقتها وصفاءها وتعود العصافير إلى زقزقتها… فالجاهل يأخذ الحياة كما هي، كما جاءته بطبعها، دون أن يتعب نفسه وعقله في قراءتها وفهمها وتحليل معانيها وسبر أغوارها، وربما الغوص فيها لتأويلها… فالحياة في مختصر الحديث والكلام ليست مشرقة كالنهار كما يزعم ويصرخ ويروّج و”يفرض” بعضنا، وليست حالكة السواد كبعض ليالينا، كما يصرّ ويزعم ويتّهم ويروّج بعضنا الآخر… فبعضنا لا يصوّر الحياة إلا حين تصفو وتزهر وتظهر مفاتنا… وبعضنا الآخر لا يصوّر الحياة إلا في فسادها ومأساتها ووجعها… حياتنا طبخة عجيبة غريبة مُرّة المذاق … وحُلوة المذاق.. .سُمٌ وترياق… بطعم ودون طعم… جمعت بين الخير والشرّ… وبين الحزن والفرح… وبين الأمل واليأس… وبين الحب والكره… وبين الشكّ واليقين…
لسائل أن يسأل لماذا أصابتنا لعنة الحقد والكره في تونس، لا أحد يحب الآخر… وجميعنا يضمر الشرّ لجميعنا… لماذا طغى الحقد والكره على حياتنا؟ أتعلمون سادتي أتعلمون… أتعلمون أن في تونسنا اليوم بعضنا يكره بعضنا… وبعضنا يحقد على بعضنا… وبعضنا تأبط شرّا لبعضنا… وقليلنا فقط يحب قليلنا… أتدرون سبب ما نحن فيه من حقد… وكره… وشماتة؟؟ الكذب سادتي… الكذب هو أصل وجعنا… وسبب مأساة بعضنا إن لم نقل أغلبنا… فجميعنا يكذب على جميعنا… وجميعنا يلحق الأذى بجميعنا… وجميعنا يلفّق الأكاذيب بجميعنا… فيكره جميعنا جميعنا… نحن شعب يخاف الحقيقة… ويزيفها إن علم أنها ستؤلمه وستسبب له وجعا…
لقد أصبحنا نكذب بطلاقة وبلاغة لا مثيل لهما… نكذب ولا نتلعثم… نكذب لغاية ودون غاية… نكذب ونحن نعلم أننا نكذب… نكذب ونحن سعداء بأننا نكذب… نكذب ونحن نحقد… نكذب ونحن نمزح… نكذب ونحن نضمر السوء… نكذب ولا نبالي ولا نهتمّ بعواقب فعلتنا وما قد تكون تبعاتها… نكذب ولا نلتفت لضحايانا وما كذبناه… وما لفقناه… نكذب ونحن نعلم وجع وألم وتعب وعذاب من كذبنا عنه وعليه وورطناه… نكذب ونصدّق ما نكذب… ونواصل الكذب ونعيده ونكرره… ونفاخر بما كذبناه… فنحن نُقنع بالتكرار وليس بالحجّة والدليل والبرهان… هكذا زرعنا نبتة الحقد والكره في صدور بعضنا البعض… فأصبح الحقد جزءا من الهواء الذي نتنفّس… فماذا زرعنا وبذرنا… وماذا سيجني ويحصد أحفادنا غدا؟؟؟
حين كذبنا زرعنا الحقد… وحين جاء يوم الحصاد حصدنا الكره… أتعلمون أن جاري من اليمين يكره جاري من اليسار… وجاري من اليسار يكره جاري من اليمين ومن أقصى اليمين ومن الديمقراطيين والليبراليين والنقابيين والثوريين والقوميين والاشتراكيين والراقصين والمتأبطين لآلهتهم من الملحدين والهندوس والبوذيين ويكره حتى يده اليمنى وحماره الحزين ومن تبقى من الهنود الحمر المساكين… ويكره جميع من يحبون جاري وزوجة جاري ويكره حتى من يحفظون الستين من المؤمنات والمؤمنين من سورة البقرة إلى المعوذتين… وجار جاري من اليمين يكره جار جاري من اليسار… وجار جاري من اليسار يكره جار جار جاري من اليمين ويقسم بيوم الدين أنه عضو في اتحاد المكروهين، وناشط في حزب المنافقين… أتعلمون أن قطّ جاري من اليسار يكره قطّة جاري من اليمين ويهددها بأنه سيمنع عنها بقايا الدجاج وصحن السردين، وأنه أجّل كل ذلك إلى حين… أتعلمون أن كلبة جاري من اليمين تكره جاري وكلب جاري وسيارة زوجة جاري إلى يوم الدين… وهل تعلمون جازاكم الله خيرا ووقاكم شرّ الكره والكارهين أن “عمّ الصادق الحوانتي” أصبح من “المكروهين” و”المنبوذين” و”المنعوتين” ومن قرؤوا عليهم “ويل للمطففين” إلى يوم الدين، بسبب علبة حليب سُجلت بدفاترنا اليومية في عداد المفقودين… وأن ابن عمّتي الكوني اصبح لــــ”الحوانتي” من الكارهين والحاقدين بسبب كيلوغرام من السكر ورطل من الفارينة، ومن الحليب… علبتين…
هل تعلمون سادتي هل تعلمون… أن جاري الدستوري يكره جهرا جارتي النهضوية، ويهواها سرّا حين تعود مساء من “السهرية”… وجارتي النهضوية تكره جاري الدستوري، ويتبادلون الاسرى من الكلام الموبوء وشتائم السوء، حين تطالبه أحيانا باللجوء… وهل تعلمون إخوتي هل تعلمون أن جاري من اليسار المتطرف ومن أعضاء أحزاب اليسار المتطرف يكره جاري من اليمين المتطرف لأنه من قيادات أحزاب اليمين المتطرّف ولأنه يحفظ من الأحزاب “الستين” ويركب أحيانا الليموزين ويطعم جهرا المساكين ويجالس سرّا السكارى والمنافقين … وهل تعلمون سادتي هل تعلمون أن جاري من القوميين العروبيين الناصريين يكره جاري من اليمين، وجاري من اليسار وجار جاري الذي هو من الليبراليين وجارة جاري من الوسطيين والذي يقال انها من الديمقراطيات والديمقراطيين وجار جارتي الدستوري وجار جار جاري من الإسلاميين ويكره حتى المنظمات الحقوقية والسفارات الأجنبية وحتى بقرة عمّ إبراهيم “الحلايبي” المسكين… أتعلمون سادتي … أتعلمون أن جاري من اليمين يكره جاري من اليسار ومعه “عمّ المختار” لأنه يتابع كل الاخبار ويكشف كل الاسرار ويرويها همسا لكل الأجوار ويسلّم نسخة منها للإعلام إلى عمّ خليفة “السمسار”… “ملاّ خنّار يا عمّ المختار”…
هل تعلمون إخوتي، هل تذكرون وتفقهون كيف يزعمون، ويروجون، ويقولون، وفي الأخبار يتحدثون عن أن كل شعب الأغنياء والمعوزين من الفقراء والمساكين والمطحونين وحتى الميسورين لشركة الكهرباء وتوزيع المياه والهاتف القار والمحمول… يكرهون ومنهم يشتكون وبخدماتهم ينددون وعليهم وعلى فواتيرهم يحقدون ومع كل فاتورة اياديهم إلى السماء يرفعون، وبالدعاء والبكاء يجهشون، ويصرخون وللخالق مولانا ومولاهم يلتجئون… يطلبون يستغيثون… وحين بِقطْع الماء والكهرباء والهاتف يُهدَّدُون وبالتنبيه يُعلَمُون، “واقفون” ينتصبون ونحو مقرّات هذه الشركات يهرولون وهم لصدورهم يلطمون ويولولون وهمسا يشتمون، وبأعلى أصواتهم يصرخون “لبيكم … لبيكم إننا آتون…فالماء والكهرباء لا تقطعون…وخطنا الهاتفي لا تُسكِتون…سندفع ما علينا… وما طلبتم وما تأمرون”… وحين يصلون وفي أسوا حال أمام أعوان الشركة يقفون… يضعون ما في جيوبهم ويفرغون… وهم من رعب القطع والعطش والظلام يرتعشون… وبالتي هي أحسن ما جاءت به فواتيرهم وجادت به جيوبهم يدفعون… وببقية المبلغ على أقساط مؤجلة يلتزمون …وهم على انيابهم يكشرون… سعداء لا يصدّقون…
أعرفتم الآن كيف ان بعضنا بالحب مسكون…وأغلبنا بالحقد ممحون مجنون… جميعنا يراوح كما غنت نبيهة كراولي حين رفعت عقيرتها بالغناء قائلة: ” قالولي جاي قمت نكحل ونفوح… حضرت التاي ولفي مالأبعاد مروح… طال المشوار يا عذابي، والعقل احتار يا صحابي …قالولي راح قلت جعلته لا روح…” خيط رفيع جدا يفصل بين الحب والكره في هذه البلاد… في زمن لا أراك الله مكروها…


الخارجية الأمريكية… رئيس أوكرانيا أضاع وقتنا، وهو ناكر للجميل!

اليابان… إجلاء الآلاف جرّاء حرائق غابية ضخمة

بعد “كارثة المكتب البيضاوي”… أوروبا تتهم ترامب ببيع أوكرانيا

تركيا: بدعوة من زعيمه “أوجلان”… حزب العمال الكردستاني ينهي العمل المسلّح، وقد يحلّ نفسه

المفاوضات حول غزة… الاحتلال يريد استعادة الأسرى دون أي تنازل منه!
استطلاع
صن نار
- صن نارقبل 8 ساعات
الخارجية الأمريكية… رئيس أوكرانيا أضاع وقتنا، وهو ناكر للجميل!
- صن نارقبل 8 ساعات
اليابان… إجلاء الآلاف جرّاء حرائق غابية ضخمة
- صن نارقبل 8 ساعات
بعد “كارثة المكتب البيضاوي”… أوروبا تتهم ترامب ببيع أوكرانيا
- صن نارقبل 8 ساعات
تركيا: بدعوة من زعيمه “أوجلان”… حزب العمال الكردستاني ينهي العمل المسلّح، وقد يحلّ نفسه
- صن نارقبل 9 ساعات
المفاوضات حول غزة… الاحتلال يريد استعادة الأسرى دون أي تنازل منه!
- جور نارقبل 20 ساعة
دعاء الكوني ابن عمّتي… في اليوم الأول من رمضان…
- اجتماعياقبل 22 ساعة
اتفاقية شراكة ودعم للتشغيل بين تونس وسويسرا
- جور نارقبل يومين
زمن الصعاليك (2)