جور نار

ورقات يتيم… الورقة 108

نشرت

في

عبد الكريم قطاطة:

كما تلاحظون لم يهدأ لي بال منذ امس الا ووجدتموني مع انبلاج اول شعاع للفجر وأنا اهرع لكتابة الورقة 108 كما وعدتكم… انا على يقين انّ ما سأدوّنه فيها قد يلقى تماهيا مع البعض منكم وقد يلقى استغرابا ورفضا من البعض الآخر…

اذكّر بانّي لا اكتب لارضاء ايّ كان… اكتب فقط لأوثّق لتجربة إيمانية عشتها وهي تجربة شخصية بحتة بكلّ ما فيها من تضاريس وأودية وسهول وبحار… فرجاء وبعيدا عن الجدل والجدال من شاء منكم فليقرأها ومن شاء منكم فليرم بها في سلّة المهملات… ما عشته بعد بَوْحي لمعلّمي، سيدي علي الشعري رحمه الله، بكلّ شجوني وهواجسي… هدّأ روعي… شعرت بالثبات… دعوني أفسّر لكم ما معنى الثبات عندي… الواحد منّا عندما يلج البحر للسباحة يعيش متعة التزاوج مع البحر وموجه… يحسّ انذاك بمتعة الحرّية والتخلّص من جاذبية الارض… هو كالطائر … تتحوّل يداه الى جناحين يطير بهما في لجج البحر… نعم متعة هي السباحة ومتعة هو الطيران… لكن هل رأيتم يوما سبّاحا لا يعود الى الارض ويضع رجليه على اديمها ليحسّ بالثبات؟ هل رايتم طائرا مهما علا وطار لا يعود الى عشّه حتى يحسّ بالامن والامان…

ما قبل هروبي الى الله كنت كذلك السباح… ويوم عدت الى خالقي احسست بالثبات… احسست بالسلام الروحي… ذاك كان قلبي… لكنّ عقلي وكأيّ انسان يريد معرفة اسرار نفسه… اسرار الخلق… اسرار الكون… تحرّك عقلي… كنت وحتى قبل هروبي الى الله لا املّ السؤال عن كلّ شيء… جُبلت على حبّ المعرفة والبحث عن الحقيقة… ولعلّ دراستي لمادّة الفلسفة وانا تلميذ اذكت فيّ روح البحث والتحليل والنقد… ويوم قررت ان ابحث في ديني في القرآن… في السنّة… في تاريخنا الاسلامي… في الاسلام السياسي… كان قلبي ممتلئا ليس فقط بوجود الله بل بحتمية وجوده… كل ما فينا في تركيبتنا الجسدية وغرابة اسرار كل اعضائها… في عظمة الكون… يؤكّد انّ وراء ذلك خالق… اذن آمنت بالله ايمانا لا ذرّة للشكّ فيه… تماما كتلك العجوز التي رأت ابا بكر الرازي وحوله تلاميذه يسالونه عن امور فقهية… فاستغربت من الامر وسالته ماذا تفعل؟ فقال لها: انا اعطي لتلاميذي الف دليل على وجود الله… سخرت منه العجوز وقالت له: انا ليس لي واحد من الالف من الشك في وجود الله فاحتفظ بادلتك لنفسك… وهنا قال الرازي قولته الشهيرة: اللهم ايمانا كايمان العجائز…

لكن عقلي اراد ايضا ان يكون تماما كقلبي ثابتا في ايمانه… الم يقل الله في اوّل آية قرآنية: اقرأ؟ بدأت قبل كلّ شيء في التعرّف على القرآن… وذلك بقراءته عشرات المرات لا لكي اخرج للناس واقول لهم كما يفعل البعض انا اليوم اتممت الختمة رقم كذا… تلك النوعية عندي لا تختلف كثيرا عن عارضات الازياء يتبجحون علينا بعدد الختمات غفر الله لهم… كنت اقرأ القرآن لافهم عظمة هذا الكتاب… نعم قرأته عشرات المرات ولن ادّعي انّي الممت به… بل اجزم انّي ما عرفت فيه ومنه الا القليل… وأعتبر ذلك منطقيّا جدا… لانّه ليس بقلم البشر بل هو كلام الخالق وبين ما يكتبه البشر وكتاب الخالق بون كبير… الم يقل جلّ جلاله (قُلْ لئِنِ اجتمَعتِ الإنسُ وَالجنُّ عَلى أنْ يَأتوا بمِثلِ هَذا القرآنِ لا يأتُونَ بمِثلِه وَلَوْ كانَ بعْضُهُمْ لِبعضٍ ظَهِيرا ـ سورة الاسراء، آية 88)…

وهنا تحدّث عقلي فقال: اذا كان هذا القرآن معجزة الهيّة خصّ بها الله خاتم انبيائه فكيف يقوم البعض بتفسير معانيه بل كيف يجرؤ البعض على ذلك… خاصة والله يقول وبصريح العبارة (هُوَ الّذي أنزَل عَليْكَ الكِتابَ مِنهُ آياتٌ مُحكَماتٌ وأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأمّا الّذِينَ في قُلوبهِمْ زَيْغٌ فيَتبعونَ ما تَشابَهَ منه ابْتِغاءَ الفِتْنةِ وابتغاء تَأويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تأويلَهُ إلاّ اللهُ والراسِخونَ في العِلْم)… وهنا قد يردّ البعض على تساؤلي حول تفسير وتاويل القرآن والمفسرين واندهاشي منهم بالقول: (اوكة ربّي قلّك ما يعلم تأويله الا الله والراسخون .في العلم)… هذه فئة لم تحترم كلام الله بل وقفت في ويل للمصلين كما يفعل العديد من شيوخ الفتنة… الآية التي ذكرتها لم تقف عند ذلك الحد بل واصل الله حديثه بقول: (وَالرّاسِخونَ في العِلْمِ يَقولونَ آمنّا بِهِ كُلُُّ مِن عِنْدِ رَبِّنا) .. اي آمنوا بالآيات المحكمات والمتشابهات…وليس معنى ذلك انهم قادرون على تاويله وتفسيره…

أحترم البعض من المجتهدين في التفسير ولكنّ احترامي مشروط بانهم يختمون اجتهادهم بعبارة (والله اعلم)… انا في قراءتي لمعرفة كتاب الله وصلت الى قناعة ثابتة في داخلي: القرآن امّا ان اؤمن به كوحدة لا تتجزّأ او لا معنى لايماني به… والحمد لله آمنت به وبكلّ شغف ومتعة ايضا ولم احاول البتّة ان ادخل في فهم ما صعب عليّ فهمه… بل وأعتبر ذلك مستحيلا على قدرتي الفكرية كبشر يريد ان يفكّ رموز كتاب الله… وهنا اذكر مثالا بسيطا… من يستطيع ان يفكّ رمز (كهيعص) اوّل آية في سورة مريم ؟ صدقا لا يقنعني لا الطبري ولا غيره…

الباب الثاني الذي ذهبت اليه لمعرفة ديني هو باب السنّة… وانا في تجربتي الايمانية وبعد دراسة العديد من البحوث حول سنة رسول الله واحاديثه بين العنعنة وبين الصحيح والضعيف والمنقول… عقلي اصبح يحترز جدا من الاحاديث التي رواها العديد عن الرسول لا شكّا في صدق الرسول معاذ الله فهو الصادق الامين… ولكن شكّا في من روى عنه… أليس من روى عن الرسول بشر ؟ لماذا يتم تصنيفهم جميعا من القديسين؟ الا يمكن بالتفكير السويّ ان نشكّ في العديدين منهم؟… الم يلجأ العديد ممن حكموا في الدولة الاموية والعباسية الى المفتين في عهدهم ليكتبوا زورا وبهتانا احاديث ادّعوا انها للرسول حتى يقضوا بها شؤون حكامهم… عذرا ايها البخاري… عذرا يا مسلم… عذرا يا ابا هريرة… نعم تولّدت عندي قناعة ثابتة ان لا اثق كثيرا في ما نقلتموه عن الرسول ولا اذهب الا مع ما يريح قلبي من تلك الاحاديث…

يا رسول الله! البخاري ياتي بعد موت الرسول بقرنين، وهو اصلا من بلاد فارس… باهي يقول القائل علاش لا… اسأل وباستغراب: البخاري عاش 16 سنة في البحث والتنقيب عن صحة احاديث الرسول… وعدد الاحاديث التي قام بدراستها تفوق 600 الف حديث… هل هذا معقول ؟ انا اتساءل وأشكّ… ومن حقي ذلك فانا لم اشكك في نبيّ او رسول… شككت في بشر مثلي ووحده الله من سيحاسبني على شكّي ولا اسمح لايّ كان بمحاسبتي، لاني لا اسمح لنفسي بمحاسبة اي كان على شكه… ولا حتى على كفره… الم يقل جلّ جلاله (وَمَنْ شاءَ فَلْيُؤمِنْ ومَن شاء فَلْيَكْفُر)؟… وماذا عن الفقهاء وعلماء الدين ؟ قديما وحديثا وفي أيامنا هذه؟…

حرصت ايضا على ان اقرأ للعديد منهم واستمع ايضا للعديد من تسجيلاتهم طمعا دائما في المزيد من معرفة ديني … وللامانة لم ارتح لاغلبهم… لا شكلا ولا مضمونا… انا لا ارتاح لايّ شيخ من الشيوخ ياتيني عابسا مكشبرا… الم يقرؤوا عن الرسول انه كان صبوحا بشوش الوجه؟ انا ايضا لم ارتح لمن ياتيني غاضبا مزمجرا… الم يقرؤوا في كتاب الله قوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)… واخرون ياتون متوعدين بالويل الثبور لكل من يحيد عن طريق الله… الم يقرؤوا في كتاب الله ما قاله عزّ وجلّ لموسى واخيه هارون (اِذْهَبْا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا)… قولا له قولا ليّنا… قولا له قولا ليّنا… هذي ما قراوهاش وما شافوهاش ؟؟؟ ولمن القول اللين؟ لفرعون الذي قال انا ربكم الاعلى! وبعد يطلع واحد على المنبر او على شاشة التلفزيون ويصيح ويزمجر ويكفّر ويبعث بالبعض الى جنات تجري من تحتها الانهار وبآخرين الى السعير… تي اش تعمل يا شيخ؟ تي راك ازحت الخالق من على كرسيّ العرش ونصّبت نفسك مكانه لتحكم على البشر… اليس هذا نوع من الشرك الخفيّ؟؟

في المقابل طالعت وسمعت فقهاء في غاية التواضع والعمق… دعوني اقل لكم في تجربة ايماني انّي خليط من بعض الاسماء التي تماهيت معها وتعلمت منها الكثير… نعم انا خليط من محمد راتب النابلسي، فقيه سوري معاصر… محمد سعيد رمضان البوطي، فقيه سوري ايضا… محمد شحرور، مفكر وباحث سوري… ولعلّ اقربهم الى تركيبتي وتجربتي الايمانية، المصري مصطفى محمود…

ولكن ماذا عن مواقفي من الاسلام السياسي ؟؟ ويصير تاكزة من غير فحمة ..؟؟ واعرف انّ العديد ينتظرونني في الدورة ..ولكن من يعرفني يعرف انني اقولها واُمضي ولا امضي … نعم ساتحدث وبإطناب عن مواقفي من الاسلام السياسي في الورقة 109… والتي لن تتأخّر كثيرا هي ايضا… بإذن الله …

ـ يتبع ـ

انقر للتعليق

صن نار

Exit mobile version