جور نار
ورقات يتيم… الورقة 51
نشرت
قبل 5 أشهرفي
عبد الكريم قطاطة:
عندما امتطيت سيّارة الاجرة للخطوط البعيدة في اتجاه صفاقس (لواج) والتي كانت انذاك في الغالب من نوع بيجو 404 ذات الخمسة مقاعد دون اعتبار السائق …كان بي شوق لصفاقس… صفاقس العائلة… صفاقس الشلّة… صفاقس الحوش… صفاقس السي اس اس… صفاقس صفاقس… بكل تفاصيلها البسيطة وجزئياتها التي قد لا تعني شيئا للأخرين والتي يجدها ايّ منكم في مسقط رأسه بالوان خاصّة وطعم خاص وذكريات خاصّة …
كان بي شوق لا يعرفه الا من يكابده … شوق لبوشويشة ذلك النهيّج الصغير والذي لا يتجاوز بضعة امتار في صخبه اليومي وهو الذي انتصب لبيع الخضر والغلال باثمان شعبية ولكن ايضا بغشّ شعبي… فالمعروض للمشتري مدروس بشكل خبيث ومنمّق بشكل اكثر خبثا… اذ انّ ما تراه عكس ما تشتريه ففي ايّ صنف من الغلال يعرضه البائع بشكل يُغري البلهاء مثلي… ولكن بحركة يدويّة لا يعرف سرّها الا المنتصب في هذه السوق يدسّ لك الغلّة الخامرة والمضروبة … والنحيفة والتي في طرفها حور من الخزّ … وابدا ان تكتشف عيوبها الا وانت تستعرض عضلاتك عند عودتك للمنزل وانت مفتخر بصيد ثمين ثمنا… واذا بالوالدة تهزّ رأسها سخرية وتضيف: اشنوة عجبك رخصو؟؟؟…
اتذكّر ذات مرّة ان الوالد عاد الى المنزل ذات عشيّة مزهوّا بكيلو صبارص لا يتجاوز ثمنه الـ10 ملّيمات …وعندما وصل الى ايدي عيّادة … صاح انفها في ومضة تكشيرية من عطوره النتنة …ثم ماكان منها الا ان رمقت الوالد المسكين بنظرة حادّة وقالت: “تي هذا منتن هذا بايت ..هذا للقطاطس موش للعباد” … وماكانش سي محمد من العاكسين ..وبحركة نتر، اخذ السمك المحنون ورفسه برجليه مردّدا: “هذا المنتن ..هذا البايت ..هذا للقطاطس !”..سي محمد عصبانة رغم قلبه الطيّوب جدّا وبارع في حركات النتر هذه والتي لا ينافسه فيها الاّ الربّاعون الاتراك في الالعاب الاولمبيّة والمشهورون بتفوّقهم على منافسيهم عالميا (يبدو انّ جيناتهم كانت ومازالت تبدع في النتر … موش هكّة يا عشّاق اردوغان …؟؟؟) ولن ادع الفرصة تمرّ دون ان اهمس لانصار اوردوغان اسمعووووووني … وانا على يقين بأنهم لن يسمعوا ولكن سمعوا ام بقوا صُمّا، ها انا اكشف عن آخر ابداعاته في مناصرة الاسلام والاسلاميين لا المسلمين …
السيّد اردوغان المهدي المنتظر في اعين العديدين سافر اخيرا (*) الى جنوب افريقيا لامضاء عقد شراكة وتسويق للاعمال التلفزيونية التركية (مسلسلات العشق الممنوع ..والعشق المر.. والعشق المالح ..والعشق المسّوس … وهذه النوعية في حدّ ذاتها لا يمكن اصلا ان تكون لافتة دعائية لدولة تدّعي قيم الاسلام …كدت اقول لا علينا ولكن الاصحّ علينا وعلينا وعلينا) …السيّد اوردوغان في حفل توقيع الشراكة (اينعم رئيس دولة يُوقّع للشراكة في منتوجات تلفزية !!) كانت تصاحبه نجمة تلفزية تركية (ايه اشبيه يا سي عبدالكريم عيب ؟؟؟ اشبيك متحامل على اردوغان؟؟؟) استناوني بارك الله في صبركم … دعوني اصف لكم المشهد:
النجمة التركية كانت والله لابسة بلاش هدوم …وهذه المرة بالحق بلاش هدوم ذوق 24 ..يعني كل شيء تراه بمقاييسه الطبيعية انتفاخا …كللّو …اللي يقلّقو المشهد يستعوذ من الشيطان الرجيم ..واللّي يشيّخو ما عندي ما نعملّو …ايلي وايلو ربّي …. يقول القايل: اش عندك فيها يخخي انت ربّي ماشي تحاسبها…؟؟ من هذه الزاوية لا اجادل لانّي تعلّمت من القرآن انّ لا احد يزكّي اعمالنا الا الله …لكنّ الذي اثار انتباهي عمّكم اردوغان وهو يتأبّط ذراع النجمة الـ 90 في المائة عارية “برادسي برادسو” وعيناه العسليّتان تغوصان في جسدها بعشق حلال مباح وبنهم عثماني فيه كلّ معاني الرغبة لاحتلال ذلك الجسد واستعماره ..وحديثنا قياس… دعوكم من تصوّر اردوغان حامل راية الاسلام … لأنّ حامل مثل تلك الرايات العظيمة عليه ان (يختشي) كعديد الشلايك امثاله حتى لا يتورطوا .. وكم من شلاكة حصل في المحظور …
صفاقس هي ايضا سوق الحوت ونتونته العطرة في انفي …صفاقس هي نهج الباي بصخبه اليومي وبكسكروت الغمقي (رحمه الله) الذي ما زال يُسيل لعابي مذ كنت تلميذا في الثانوي …وفطاير وسفنج وزلابية السيالة … بدكاكين باعة العطر من كريستيان ديور الى الاوبيوم الاسود (عطر هذا وليس زطلة والله) والتي سقطت منها منذ مدّة وجيزة اخر حبّة في عنقودها …قاعة الكوكب… ومن غرائب الدهر انها تسقط في ذات السنة التي قيل فيها انّ صفاقس عاصمة الثقافة العربية … ويعطي لذباب الثقافة عمى، عندما تُوكل مثل هذه التظاهرات التي تحدث مرّة في القرن لاناس لا علاقة لهم بالثقافة وهم مثال للسخف والسخافة… مع تقديري للنزر القليل منهم…. صفاقس هي ايضا تلك المراكز المترامية على شكل اشعّة دائرية في ضواحيها… فهذه ساقية الزيت والتي يقال عن تسميتها انها تاّتت من فيضانات ذات سنة فطغت امواجها على معاصر الزيتون فيها لتُخرج مدّخراتها من الزيت وتتزاوج مع الماء سيلانا ..وساقية الدائر والتي يُحكى عنها انّه في عصر ما انتشر فيها الداير (اي السرقة) … هكذا يُقال عنها … (رغم انّي ذاتيا كدت امُرّ مرور الكرام على تاريخ اللئام ..ولكن شرفي التوثيقي يأبى ذلك) …وتنيور اللي عليها النور… وقرمدة اللي عليها العمدة …والافران جماعة الجبّة والقفطان …
كنت في تلك الحقبة من عمري كعديد اترابي لا نعير اهتماما كبيرا للضاحية الجنوبية والغربية لمدينتنا اي طريق قابس وطريق خنافس وعقارب (المطار حاليا) وسُكّرة والمحارزة …فتلك الضاحية كان اغلب سكّانها من فقراء صفاقس ..بل الادهى انّ من يشتري منزلا او عقارا في تلك الضاحية يُقال عنه”مدعي بالشرّ”… اذ انّ معمل “السياب” وما خلّفه من لوحات رمادية على الطبيعة من جهة، وتلك الروائح التي يُفرزها يوميا عطرا قاتلا لسكّان تلك المنطقة، جعل معظم اهالي صفاقس يتهرّبون من السكن فيها رغم الحسرة الكبيرة على عنب وتين عين فلاّت فيها …امّا الان فانّ سرطان السياب لم يسلم منه ايّ شبر من صفاقس برّا وبحرا وجوّا … وقللك سي الشاهد حسم الامور في زيارته لصفاقس (*) …ملاّ كذبة، من جهته ..وقدّاش احنا بوهاليين من جهتنا …
كنت وانا في اللواج استعيد ذاكرتي وانا الذي لأول مرة في حياتي ابتعد عن صفاقس بضعة اشهر… ولم استفق الا وسائق السيارة يتوقّف بسيدي بوعلي قرب سوسة … تلك كانت محطّة الاستراحة لجلّ سيارات الاجرة بين تونس وصفاقس … (قللو برجين قللو سيدي خليفة!) … كان السائق يُوفّر لصاحب مطعم سيدي بوعلي، وهو الوحيد ، عشرة زبائن يوميا (بحساب الذهاب و الاياب)… ومقابل ذلك يتمتّع بوجبتين خالصتي الثمن …لم تكن انذاك توجد طريق سيّارة وكانت الرحلة تدوم 4 ساعات في افضل الحالات وكنّا نحفظ الطريق عن ظهر قلب بكل محطاتها … من جبل الجلود حتى سيدي صالح .مرورا ببني كلثوم وكركر (يلّلي تكركر)… ومساكن -اللّي في النهار مساكن وفي الليل سكاكن) … اكاهو مادامني قلت على ما يُقال عن ساقية الداير نقول ما يقال عن مساكن ..الله غالب حجّتي في ذلك امانة التوثيق …
الا اننا وبوصولنا الى الغرابة زهاء العشرين كم عن صفاقس تهيّأ لنا ان روائح جنّة صفاقس فُتحت لنا رغم انّ الواقع يقول عكس ذلك… لاّنه وبعد وصولنا الى الحنشة وحتى سيدي صالح كانت روائح المداجن المنتشرة هنالك تخنقنا … خلاص … اشرفت السفرة على نهايتها …نحن في السدرة ولم يبق لنا سوى بضع الكيلومترات عن قلب صفاقس …
عند الوصول الى محطّة اللواجات والتي كانت قرب صالة الافراح البلدية وقرب محطّة القطارات… كان كلّ همّي ان اجد في زحمة المكان سيارة اجرة خفيفة لتنقلني الى جنّتي، ساقية الداير سواء كان فيها “داير” او لم يكن .. لا احد اطلاقا على علم بعودتي …كنت ومازلت من طبعي عاشق مفاجآت ..اجتهد كثيرا في كتابة وتنفيذ سيناريوهات المفاجآت بكل حبكة …وازدادت حبكتي والحقيقة عفرتتي بعد ان درست فنّ كتابة السيناريو … واعشق ايضا تلك السيناريوهات التي تُحاك لي … يوم ليك ويوم عليك واش تعمل يعمالك… ..ها انا على بعد امتار من حانوت بواحمد حلاّق الشلّة …توقّفت سيّارة الاجرة امام الحانوت وما ان اطللت بوجهي حتى صاح القوم: “السهريّات” جاء ! … ذاك كان لقبي في الشلّة… وهرع الجميع ..يا بوس ..يا تعنيق …ياضمّ …يا طبطبة …وكأنّنا من قبيلة ابي بوّاس … وتنهمر الاسئلة… كيف السبّة ؟؟ عندك عطلة ..؟؟ احكينا عاد على باريس واش عملت واش ما عملتش ..؟؟ ويشكّب عليه واحد من شياطين الشلّة بالقول: تنجّم ما تحكيش على اش ما عملتش اما اش عملت هاكة نحبّوه بالتفاصيل يا ابو العمايل انت…
كنت انذاك ادخّن بشراهة سيجارتي الروايال المنتوليه دون نسيان ضرّتها الحلوى … وكان الزمبار ينظر اليها بشراهة أيضا وما كان منّي الا ان ربّتُّ على كتفه وهو صديق الانفة والكبرياء رغم فقره المدقع وهمهمت (تحبّ وحيّد فاوح؟؟؟)… ابتسم وانا امدّ له السيجارة … اخذها وشمّها كما يفعل من يشتهي شمّ السجائر دون تدخينها وقال ..امممممممممممممممممم هذي عاد فاوحة … ليكس …وردّد العديد: اللهمّ فوّح الجميع… وكان لهم ذلك …حمل معي صديقي رضا احدى الفاليجات وحملت انا الثانية … وقصدنا ربّي الى الحوش… الى ذلك القصر الملكي ذي الثلاث عائلات… كل عائلة في جمهورية بيت واحدة … ذي المرحاض الواحد … يصطفّ على بابه (وهو اصلا من غير باب) الجميع صباحا مساء باستثناء يوم الاحد حيث تختلف مواعيد النهوض يومها . ولابدّ قبل الولوج الى مدخله طرح السؤال او كلمة السر (اللابندة عامرة ؟؟؟)… اي هل دورة المياه مشغولة …ولاباندة كلمة ظاهرها صفاقسية ولكنها ذات اصل ايطالي (لافاندا)… ثمّ حُرّفت لتصبح لاباندة … الى تلك المطاير التي تموج بخضرواتها في كل الفصول ..الى ذلك الجنان والذي يتمايل ببعض الاشجار المثمرة وفي مقدمتها اللوز وقليل منه الفخفاخ وفي رواية اخرى المغزاز الشهي اكلا قبل ان “يعظّم” اي ينضج … قلت القليل لان البقية وجلّها من نوع القسمطيني، مطبوعة بشيء من المرارة مما يجعلها بعيدة عن طموحاتنا لاكلها خضر.ء .. واختيار هذا النوع بذلك الكمّ هو مدروس من قبل العائلة حيث تستغلّه اما لبيع جزء منه (ترقيع مصاريف) او لاستعماله في الحلويات المناسباتية (عيد فطر او اعراس) وها انا امام عيدي ..
عيادة تجري وتئنّ (يا وليدي يا وليدي) …كان بودّها ان تصيح …ولكن متى كان الصياح من شمائلها ؟؟ كان بودّها ان تبكي فرحا والبكاء فرحا هو ايضا سمفونية من سمفونيات السعادة … ولكن عيّادة لم تكن يوما بكّاءة بل كانت على حدّ تعبيرها تخجل من دموعها التي لا تجدها حتى في المآتم …الا ان روعة امّي في نغمات صوتها فرحا او الما …امّي كانت عازفة ماهرة على اوتار صوتها …هي لم تكن يوما محترفة ولا منحرفة في عزف صوتها …هي لم تدرس يوما موسيقى او مقامات ولكنّها كانت مذهلة في كل موسيقى ومقامات صوتها …هي تفرح بصوتها تتالّم بصوتها تغنّي بصوتها وترقص بصوتها رغم انّي لم اشاهدها يوما ترقص على ايقاع موسيقى او اغنية… ولكن وكما قال المتنبي وهو يمدح سيف الدولة في احدى المعارك التي شارك فيها (عيب عليك تُرى بسيف في الوغى .. ما يفعل الصمصام بالصمصام ).. اي انت سيف يا سيف الدولة فما حاجتك إلى السيف .. وعيّادة ما حاجتها بالرقص على الموسيقى وصوتها رقصة وموسيقى …
عانقتها طويلا طويلا ولم اشعر بتقصيري تجاه الاخرين الا وانا ادير راسي لارى طابورا ينتظرني …وعاد نفس السؤال: كيف السبّة ؟؟؟ عطلة ..؟؟؟ عجبتك فرنسا ؟؟؟ وذلك السؤال الغبيّ (اما خير فرنسا والا تونس ؟؟) …وانقذتني عيّادة من عناء الاجابة بشيءمن الجدّية الرادعة: تخليوه يشرب عرقو مازال بغبار الثنية يرتاح ويحكيلكم … ويُوفى الحديث … عيادة اصدرت حكمها …اي للتنفيذ …
انسحبت العائلات المجاورة من جمهورية بيتنا وتمدّدت كعادتي على جلد العلّوش التي احضرته عيادة من مخبآتها لمثل تلك الظروف الفجئية ….ياااااااااااااااااااااااااااااه عليك يا اغلى وامتع فراش في الدنيا… عبدالكريم على فراشه الوثير وعلى وسادته التي لا احد سواه ينام عليها… وبجانبه العائلة وعيادة تسابق الزمن لتقول: “يا وليدي اش تحب نطيبلك ؟؟ عندك شهور تلقاك ما كليتش مونة كاملة انتي بلاشي زڨلام في الماكلة هوني وزيد عاد في فرنسا الله اعلم اش يخنفسوا ويدنفسوا” … نظرت اليها وقلت: “والله بالحق يخنفسوا ويدنفسوا ماكلتهم ما تتكالش” …وتلك هي الحقيقة …الاكلات الفرنسية ليست فقط غير لذيذة عندي بل تنفّر… وردّت عيادة بحرقة: “يمّة على كبدي …تلقاك متّ بالشّر”…. قبّلتها في يدها وقلت: لاباس بصبرو… ايّا قوم طيبلي هاكة الحلالم من يديك الملاح … وذُعِرَتْ… حلالم! تجيني بعد شهور ونطيّبلك حلالم؟ …
ولأني عنيد الى حدّ القرف قلت لها… “ورحمة بوك ما تطيّبلي كان حلالم” … رحماك يا عيادة منذ رحيلك لم اذق يوما حلالم في عطرها… في طعمها …ومن يديك الجميلتين البارعتين …ربّاه ربّاه ربّاه …لا تعرض ايديها على نار …ربّاه اعرف واؤمن انّه لا تزر وازرة وزر اخرى …ولكن ربّاه ربّاه ربّاه …انت ادرى بما في داخلي من رجاء …يا رببببببببببببببببببببببببببببي ياربيييييييييييييييييييييييييي يا رببببببيييبببببببببببببببييييييييي …
ـ يتبع ـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) المقال من سنة 2017
تصفح أيضا
جور نار
العراق: هل يستبق الأخطار المحدقة، أم سيكتفي بتحديد الإخلالات؟
نشرت
قبل يوم واحدفي
22 نوفمبر 2024محمد الزمزاري:
ستنطلق الحكومة العراقية في تعداد السكان خلال هذه الأيام والذي سيأخذ مدى زمنيا طويلا وربما. تعطيلات ميدانية على مستوى الخارطة. العراقية.
ويعد هذا التعداد السكاني مهمّا ومتأخرا كثيرا عن الموعد الدوري لمثل هذه الإحصائيات بالنسبة لكل بلد… فالعراق لم يقم بتحيين عدد سكانه منذ ما يزيد عن ربع قرن، إذ عرف آخر تعداد له سنة 1997… ونظرا إلى عوامل عدة، فإن قرار القيام بهذا التعداد سيتجنب اي تلميح للانتماءات العرقية أو المذهبية عدا السؤال عن الديانة ان كانت إسلامية او مسيحية… وقد أكد رئيس الحكومة العراقية أن التعداد السكاني يهدف إلى تحديد أوضاع مواطني العراق قصد رصد الاخلالات و تحسين الخدمات وايضا لدعم العدالة الاجتماعية.
لعل اول مشكلة حادة تقف في وجه هذا التعداد العام، هو رفض الجانب الكردي الذي يضمر أهدافا و يسعى إلى التعتيم على أوضاع السكان في كردستان و في المنطقة المتنازع عليها بين العرب والأكراد و التركمان… خاصة أيضا ان اكثر من ثمانية أحياء عربية في أربيل المتنازع عليها، قد تم اخلاؤها من ساكنيها العرب وإحلال الأكراد مكانهم…
هذا من ناحية… لكن الأخطر من هذا والذي تعرفه الحكومة العراقية دون شك أن الإقليم الكردي منذ نشاته و”استقلاله” الذاتي يرتبط بتعاون وثيق مع الكيان الصهيوني الذي سعى دوما إلى تركيز موطئ قدم راسخ في الإقليم في إطار خططه الاستراتيجية.. وان مسؤولي الإقليم الكردي يسمحون للصهاينة باقتناء عديد الأراضي و المزارع على شاكلة المستعمرات بفلسطين المحتلة… وان قواعد الموساد المركزة بالاقليم منذ عشرات السنين ليست لاستنشاق نسيم نهر الفرات ! ..
أمام الحكومة العراقية إذن عدد من العراقيل والاولويات الوطنية والاستشرافية لحماية العراق. و قد تسلط عملية التعداد السكاني مثلما إشار إليه رئيس الحكومة العراقية الضوء على النقائص التي تتطلب الإصلاح و التعديل والحد من توسعها قبل أن يندم العراق ويلعنوا زمن الارتخاء وترك الحبل على الغارب ليرتع الصهاينة في جزء هام من بلاد الرافدين.
عبد الكريم قطاطة:
فترة التسعينات كانت حبلى بالاحداث والتغييرات في مسيرتي المهنية منها المنتظر والمبرمج له ومنها غير المنتظر بتاتا …
وانا قلت ومازلت مؤمنا بما قلته… انا راض بأقداري… بحلوها وبمرّها… ولو عادت عجلة الزمن لفعلت كلّ ما فعلته بما في ذلك حماقاتي واخطائي… لانني تعلمت في القليل الذي تعلمته، انّ الانسان من جهة هو ابن بيئته والبيئة ومهما بلغت درجة وعينا تؤثّر على سلوكياتنا… ومن جهة اخرى وحده الذي لا يعمل لا يخطئ… للتذكير… اعيد القول انّه وبعد ما فعله سحر المصدح فيّ واخذني من دنيا العمل التلفزي وهو مجال تكويني الاكاديمي، لم انس يوما انّني لابدّ ان اعود يوما ما الى اختصاصي الاصلي وهو العمل في التلفزيون سواء كمخرج او كمنتج او كلاهما معا… وحددت لذلك انقضاء عشر سنوات اولى مع المصدح ثمّ الانكباب على دنيا التلفزيون بعدها ولمدّة عشر سنوات، ثمّ اختتام ما تبقّى من عمري في ارقى احلامي وهو الاخراج السينمائي…
وعند بلوغ السنة العاشرة من حياتي كمنشط اذاعي حلّت سنة 1990 لتدفعني للولوج عمليا في عشريّة العمل التلفزي… ولانني احد ضحايا سحر المصدح لم استطع القطع مع هذا الكائن الغريب والجميل الذي سكنني بكلّ هوس… الم اقل آلاف المرات انّ للعشق جنونه الجميل ؟؟ ارتايت وقتها ان اترك حبل الوصل مع المصدح قائما ولكن بشكل مختلف تماما عما كنت عليه ..ارتايت ان يكون وجودي امام المصدح بمعدّل مرّة في الاسبوع ..بل وذهبت بنرجسيتي المعهودة الى اختيار توقيت لم اعتد عليه بتاتا ..نعم اخترت الفضاء في سهرة اسبوعية تحمل عنوان (اصدقاء الليل) من التاسعة ليلا الى منتصف الليل …هل فهمتم لماذا وصفت ذلك الاختيار بالنرجسي ؟؟ ها انا افسّر ..
قبل سنة تسعين عملت في فترتين: البداية كانت فترة الظهيرة من العاشرة صباحا حتى منتصف النهار (والتي كانت وفي الاذاعات الثلاث قبل مجيئي فترة خاصة ببرامج الاهداءات الغنائية)… عندما اقتحمت تلك الفترة كنت مدركا انيّ مقدم على حقل ترابه خصب ولكنّ محصوله بائس ومتخلّف ..لذلك اقدمت على الزرع فيه … وكان الحصاد غير متوقع تماما ..وتبعتني الاذاعة الوطنية واذاعة المنستير وقامت بتغييرات جذرية هي ايضا في برامجها في فترة الضحى .. بل واصبح التنافس عليها شديدا بين المنشطين ..كيف لا وقد اصبحت فترة الضحى فترة ذروة في الاستماع … بعد تلك الفترة عملت ايضا لمدة في فترة المساء ضمن برنامج مساء السبت … ولم يفقد انتاجي توهجه ..وعادت نفس اغنية البعض والتي قالوا فيها (طبيعي برنامجو ينجح تي حتى هو واخذ اعزّ فترة متاع بثّ) …
لذلك وعندما فكّرت في توجيه اهتمامي لدنيا التلفزيون فكرت في اختيار فترة السهرة لضرب عصفورين بحجر واحد… الاول الاهتمام بما ساحاول انتاجه تلفزيا كامل ايام الاسبوع وان اخصص يوما واحدا لسحر المصدح ..ومن جهة اخرى وبشيء مرة اخرى من النرجسية والتحدّي، اردت ان اثبت للمناوئين انّ المنشّط هو من يقدر على خلق الفترة وليست الفترة هي القادرة على خلق المنشط ..وانطلقت في تجربتي مع هذا البرنامج الاسبوعي الليلي وجاءت استفتاءات (البيان) في خاتمة 1990 لتبوئه و منشطه المكانة الاولى في برامج اذاعة صفاقس .. انا اؤكّد اني هنا اوثّق وليس افتخارا …
وفي نفس السياق تقريبا وعندما احدثت مؤسسة الاذاعة برنامج (فجر حتى مطلع الفجر) وهو الذي ينطلق يوميا من منتصف الليل حتى الخامسة صباحا، و يتداول عليه منشطون من الاذاعات الثلاث… طبعا بقسمة غير عادلة بينها يوم لاذاعة صفاقس ويوم لاذاعة المنستير وبقية الايام لمنشطي الاذاعة الوطنية (اي نعم العدل يمشي على كرعيه) لا علينا … سررت باختياري كمنشط ليوم صفاقس ..اولا لانّي ساقارع العديد من الزملاء دون خوف بل بكلّ ثقة ونرجسية وغرور… وثانيا للتاكيد مرة اخرى انّ المنشط هو من يصنع الفترة ..والحمد لله ربحت الرهان وبشهادة اقلام بعض الزملاء في الصحافة المكتوبة (لطفي العماري في جريدة الاعلان كان واحدا منهم لكنّ الشهادة الاهمّ هي التي جاءتني من الزميل الكبير سي الحبيب اللمسي رحمه الله الزميل الذي يعمل في غرفة الهاتف بمؤسسة الاذاعة والتلفزة) …
سي الحبيب كان يكلمني هاتفيا بعد كل حصة انشطها ليقول لي ما معناه (انا نعرفك مركّب افلام باهي وقت كنت تخدم في التلفزة اما ما عرفتك منشط باهي كان في فجر حتى مطلع الفجر .. اما راك اتعبتني بالتليفونات متاع المستمعين متاعك، اما مايسالش تعرفني نحبك توة زدت حبيتك ربي يعينك يا ولد) … في بداية التسعينات ايضا وبعد انهاء اشرافي على “اذاعة الشباب” باذاعة صفاقس وكما كان متفقا عليه، فكرت ايضا في اختيار بعض العناصر الشابة من اذاعة الشباب لاوليها مزيدا من العناية والتاطير حتى تاخذ المشعل يوما ما… اطلقت عليها اسم مجموعة شمس، واوليت عناصرها عناية خاصة والحمد لله انّ جلّهم نجحوا فيما بعد في هذا الاختصاص واصبحوا منشطين متميّزين… بل تالّق البعض منهم وطنيا ليتقلّد عديد المناصب الاعلامية الهامة… احد هؤلاء زميلي واخي الاصغر عماد قطاطة (رغم انه لا قرابة عائلية بيننا)…
عماد يوم بعث لي رسالة كمستمع لبرامجي تنسمت فيه من خلال صياغة الرسالة انه يمكن ان يكون منشطا …دعوته الى مكتبي فوجدته شعلة من النشاط والحيوية والروح المرحة ..كان انذاك في سنة الباكالوريا فعرضت عليه ان يقوم بتجربة بعض الريبورتاجات في برامجي .. قبل بفرح طفولي كبير لكن اشترطت عليه انو يولي الاولوية القصوى لدراسته … وعدني بذلك وسالته سؤالا يومها قائلا ماذا تريد ان تدرس بعد الباكالوريا، قال دون تفكير اريد ان ادرس بكلية الاداب مادة العربية وحلمي ان اصبح يوما استاذ عربية ..ضحكت ضحكة خبيثة وقلت له (تي هات انجح وبعد يعمل الله)… وواصلت تاطيره وتكوينه في العمل الاذاعي ونجح في الباكالوريا ويوم ان اختار دراسته العليا جاءني ليقول وبكلّ سعادة …لقد اخترت معهد الصحافة وعلوم الاخبار… اعدت نفس الضحكة الخبيثة وقلت له (حتّى تقللي يخخي؟) واجاب بحضور بديهته: (تقول انت شميتني جايها جايها ؟؟)… هنأته وقلت له انا على ذمتك متى دعتك الحاجة لي ..
وانطلق عماد في دراسته واعنته مع زملائي في الاذاعة الوطنية ليصبح منشطا فيها (طبعا ايمانا منّي بجدراته وكفاءته)… ثم استنجد هو بكلّ ما يملك من طاقات مهنية ليصبح واحدا من ابرز مقدمي شريط الانباء… ثم ليصل على مرتبة رئيس تحرير شريط الانباء بتونس 7 ..ويوما ما عندما فكّر البعض في اذاعة خاصة عُرضت على عماد رئاسة تحريرها وهو من اختار اسمها ..ولانّه لم ينس ماعاشه في مجموعة شمس التي اطرتها واشرفت عليها، لم ينس ان يسمّي هذه الاذاعة شمس اف ام … اي نعم .عماد قطاطة هو من كان وراء اسم شمس اف ام …
ثمة ناس وثمة ناس ..ثمة ناس ذهب وثمة ناس ماجاوش حتى نحاس ..ولانّي عبدالكريم ابن الكريم ..انا عاهدت نفسي ان اغفر للذهب والنحاس وحتى القصدير ..وارجو ايضا ان يغفر لي كل من اسأت اليه ..ولكن وربّ الوجود لم اقصد يوما الاساءة ..انه سوء تقدير فقط …
ـ يتبع ـ
عبد الكريم قطاطة:
المهمة الصحفية الثانية التي كلفتني بها جريدة الاعلان في نهاية الثمانينات تمثّلت في تغطية مشاركة النادي الصفاقسي في البطولة الافريقية للكرة الطائرة بالقاهرة …
وهنا لابدّ من الاشارة انها كانت المرّة الوحيدة التي حضرت فيها تظاهرة رياضية كان فيها السي اس اس طرفا خارج تونس .. نعم وُجّهت اليّ دعوات من الهيئات المديرة للسفر مع النادي وعلى حساب النادي ..لكن موقفي كان دائما الشكر والاعتذار ..واعتذاري لمثل تلك الدعوات سببه مبدئي جدا ..هاجسي انذاك تمثّل في خوفي من (اطعم الفم تستحي العين)… خفت على قلمي ومواقفي ان تدخل تحت خانة الصنصرة الذاتية… اذ عندما تكون ضيفا على احد قد تخجل من الكتابة حول اخطائه وعثراته… لهذا السبب وطيلة حياتي الاعلامية لم اكن ضيفا على ايّة هيئة في تنقلات النادي خارج تونس ..
في رحلتي للقاهرة لتغطية فعاليات مشاركة السي اس اس في تلك المسابقة الافريقية، لم يكن النادي في افضل حالاته… لكن ارتأت ادارة الاعلان ان تكلّفني بمهمّة التغطية حتى اكتب بعدها عن ملاحظاتي وانطباعاتي حول القاهرة في شكل مقالات صحفية… وكان ذلك… وهذه عينات مما شاهدته وسمعته وعشته في القاهرة. وهو ما ساوجزه في هذه الورقة…
اوّل ما استرعى انتباهي في القاهرة انّها مدينة لا تنام… وهي مدينة الضجيج الدائم… وما شدّ انتباهي ودهشتي منذ الساعة الاولى التي نزلت فيها لشوارعها ضجيج منبهات السيارات… نعم هواية سائقي السيارات وحتى الدراجات النارية والهوائية كانت بامتياز استخدام المنبهات… ثاني الملاحظات كانت نسبة التلوّث الكثيف… كنت والزملاء نخرج صباحا بملابس انيقة وتنتهي صلوحية اناقتها ونظافتها في اخر النهار…
اهتماماتي في القاهرة في تلك السفرة لم تكن موجّهة بالاساس لمشاركة السي اس اس في البطولة الافريقية للكرة الطائرة… كنا جميعا ندرك انّ مشاركته في تلك الدورة ستكون عادية… لذلك وجهت اشرعة اهتمامي للجانب الاجتماعي والجانب الفنّي دون نسيان زيارة معالم مصر الكبيرة… اذ كيف لي ان ازور القاهرة دون زيارة خان الخليلي والسيدة زينب وسيدنا الحسين والاهرام… اثناء وجودي بالقاهرة اغتنمت الفرصة لاحاور بعض الفنانين بقديمهم وجديدهم… وكان اوّل اتصال لي بالكبير موسيقار الاجيال محمد عبد الوهاب رحمه الله… هاتفته ورجوت منه امكانية تسجيل حوار معه فاجابني بصوته الخشن والناعم في ذات الوقت معتذرا بسبب حالته الصحية التي ليست على ما يرام…
لكن في مقابل ذلك التقيت بالكبير محمد الموجي بمنزله وقمت بتسجيل حوار معه ..كان الموجي رحمه الله غاية في التواضع والبساطة… لكن ما طُبع في ذهني نظرته العميقة وهو يستمع اليك مدخّنا سيجارته بنهم كبير… نظرة اكاد اصفها بالرهيبة… رهبة الرجل مسكونا بالفنّ كما جاء في اغنية رسالة من تحت الماء التي لحنها للعندليب… نظرة المفتون بالفن من راسه حتى قدميه…
في تلك الفترة من اواخر الثمانينات كانت هنالك مجموعة من الاصوات الشابة التي بدات تشق طريقها في عالم الغناء ..ولم اترك الفرصة تمرّ دون ان انزل ضيفا عليهم واسجّل لهم حوارات… هنا اذكر بانّ كلّ التسجيلات وقع بثها في برامجي باذاعة صفاقس… من ضمن تلك الاصوات الشابة كان لي لقاءات مع محمد فؤاد، حميد الشاعري وعلاء عبدالخالق… المفاجأة السارة كانت مع لطيفة العرفاوي… في البداية وقبل سفرة القاهرة لابدّ من التذكير بانّ لطيفة كانت احدى مستمعاتي… وعند ظهورها قمت بواجبي لتشجيعها وهي تؤدّي انذاك وباناقة اغنية صليحة (يا لايمي عالزين)…
عندما سمعت لطيفة بوجودي في القاهرة تنقلت لحيّ العجوزة حيث اقطن ودعتني مع بعض الزملاء للغداء ببيتها… وكان ذلك… ولم تكتف بذلك بل سالت عن احوالنا المادية ورجتنا ان نتصل بها متى احتجنا لدعم مادي… شكرا يا بنت بلادي على هذه الحركة…
اختم بالقول قل ما شئت عن القاهرة.. لكنها تبقى من اعظم واجمل عواصم الدنيا… القاهرة تختزل عبق تاريخ كلّ الشعوب التي مرّت على اديمها… نعم انها قاهرة المعزّ…
ـ يتبع ـ
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
استطلاع
صن نار
- منبـ ... نارقبل 13 ساعة
حدث في رزق البيليك… المرجان الأحمر ينزف دما
- ثقافياقبل 16 ساعة
سليانة: غدا… أدب الطفل في ملتقى عبد القادر الهاني
- اقتصادياقبل 20 ساعة
اختتام الدورة الثامنة لمنتدى المؤسسات Enicarthage
- اقتصادياقبل يوم واحد
تونس: مؤتمر وطني حول ريادة الأعمال النسائية
- صن نارقبل يوم واحد
بعد 61 عاما… هل يكشف ترامب عن معطيات جديدة حول مقتل “جون كينيدي”؟
- داخلياقبل يوم واحد
النفيضة: وقفة احتجاجية لأهالي “دار بالواعر”… على خلفية سقوط تلميذ من حافلة
- صن نارقبل يوم واحد
حرب أوكرانيا… رسالة روسية في شكل صاروخ قادر على الدمار الشامل
- صن نارقبل يوم واحد
لندن.. “طرد مشبوه” يتم تفجيره قرب السفارة الأمريكية